"إننا ذرية إبراهيم ولم نُستعبد لأحد قط؛ إننا لم نولد في زنى" (يوحنا 8: 33، 41) هكذا قالوا الآن". وهم نسوا ما قاله بولُس الرَّسول "وإِنَّنا نَعلَمُ أَنَّ كُلَّ ما تَقولُه الشَّرّيعَة إِنَّما تَقولُه لِلَّذينَ هم في حُكْمِ الشَّرّيعَة، لِكَي يُخرَسَ كُلُّ لِسان ولِكَي يُعَرَفَ العالَمُ كُلُّه مُذنِبًا عِندَ الله" (رومة 3: 19).
"خَطيئَتُكُم ثابِتَة" فتشير إلى دينونة أعظم للفَرِّيسيِّين بسبب ما لهم من امتيازات، لكنهم ادَّعوا أنهم مُبصرون، قادرون على إدراك الحق وتمييزه عن الباطل ويفهمون الشَّرّيعَة والنبوات، لذا أغلقوا على أنفسهم، وصارت خطيتهم ثابتة. وتقوم خطيئتهم على رفض رؤية العمل الذي يقوم به الله من خلال يسوع ابنه الوحيد، وادعاءهم أنَّهم يدركون أفضل من المسيح. فمثلهم هو مثل فِرعَون الذي لم يريد أن يرى عمل الله في الخَوارِقَ التي صنعها موسى وهارون أَمامَه بل قَسَّى قَلبَه (خروج 11: 10). والجدير بالملاحظة أنَّ رواية شِفاء الَأعْمى تبدأ وتنتهي بالإشارة إلى علاقة الخَطيئَة بالعَمى. خطيئة الفريسيين باقية عليهم لأنهم باختيارهم عَمُوا أنفسهم عن المسيح، ولم يؤمنوا به، لذلك تعتبر خطيئتهم تجديفًا على الروح القدس الذي لا مغفرة لها، كما صرّح يسوع "أَمَّا مَن جَدَّفَ على الرُّوحِ القُدُس، فلا غُفرانَ له أبداً، بل هو مُذنِبٌ بِخَطيئةٍ لِلأَبَد (مرقس 3: 29). ويتضَّح أن الخاطئ الحقيقي هم أولئك اليَهود العُمْيان المتكبرون الذين لم يؤمنوا بيسوع النبي وابن الإنسان وابن الله الحي القادر على الشِّفاء. ويتضح أيضا أنَّ يسوع يبدأ كلامه بإجابة تلاميذه عن العَمى الجسدي الذي لا علاقة بين العَمى الجسدي والخَطيئَة "لا هذا خَطِئَ ولا والِداه" (يوحنا 9:3)، وينتهي كلامه مع الفِرِّيسيِّينَ مُبينا العلاقة بين الخَطيئَة والعَمى الروحي " لو كُنتُم عُمْياناً لَما كانَ علَيكُم خَطيئة. ولكِنَّكُم تَقولونَ الآن: إنَّنا نُبصِر فخَطيئَتُكُم ثابِتَة". الخَطيئَة إذًا لا تكمن في المَرَض، بل في رفض الإيمان بكلمة الله، والإيمان برحمته تعالى التي تعمل دائم حتى يوم السبت.