رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
تحول الأقرباء إلى غرباء قَدْ أَبْعَدَ عَنِّي اخْوَتِي، وَمَعَارِفِي زَاغُوا عَنِّي [13]. لم يأتِ ربنا يسوع المسيح إلى هذا العالم ليرفض اليهود، خاصته، لكن من خلال عدم إيمانهم فتح أبواب الإيمان أمام الأمم. * "اخوتي ابتعدوا عني، تعرفوا على الغرباء أكثر مني" (أي 19: 13 LXX). تشهد نعمة الإنجيل عن هذا... إذ يقول يوحنا عن الرب: "لأن إخوته أيضًا لم يكونوا يؤمنون به" (يو 7: 5)، عندما قالوا له: "انتقل من هنا، وأذهب إلى اليهودية، لكي يرى تلاميذك أيضًا أعمالك التي تعمل" (يو 7: 3-4). قالوا هذا لأنهم لم يعرفوا قوته، "وتعرفوا على الغرباء أكثر منه". هذا ما رآه اليهود بوضوح. الأب هيسيخيوس الأورشليمي وقد جعل يوحنا ملامة هؤلاء اليهود أشد لذعًا عندما قال: "وخاصته لم تقبله". مع أن المسيح هو الذي جاء إليهم لمنفعتهم إلا أنهم رفضوه، ولم يفعلوا به هذا الفعل فقط، لكنهم أخرجوه إلى خارج كرمه وقتلوه. القديس يوحنا الذهبي الفم البابا غريغوريوس (الكبير) كان التدبير الإلهي رائعًا... فقد استخدم خطية اليهود، ليدعُو الأمم إلى ملكوت الله بواسطة المسيح رغم كونهم غرباء عن عهود الموعد (أف 12:2). العلامة أوريجينوس أَقَارِبِي قَدْ خَذَلُونِي، وَالَّذِينَ عَرَفُونِي نَسُونِي [14]. سمح الله ألا يبادله أقاربه ومعارفه الحب، بل زالت عنهم روح القرابة والأخوة والصداقة واللطف والحنو. أعطوه القفا لا الوجه، نسوه كأن لا وجود له في حياتهم، ولم يبالوا بكل علاقة دم أو صداقة قديمة. خذلوه، إذ فقد كل رجاءٍ فيهم. لم يتأثروا بكل ما حلّ عليه من نكبات. *ليس فقط لم يوجد من يلطف من آلامه، بل كثيرون أحبطوه من كل جانب بالتوبيخات الساخرة. فإن سمة المحن ليست هكذا حتى أن الذين يوبخوننا عليها يثيرون نفوسنا ويهيجونها. ها أنتم ترون مرارة حزنه وقوله: "حتى أنتم سقطتم عليّ" (أي 5:19 LXX). ودعاهم "قساة"، قائلًا: أقربائي قد خذلوني، وخدمي تقاولوا عليّ، دعوت أبناء خليلاتي فابتعدوا عني (راجع 14:19، 17)... البعض يسخر، وآخرون يوبخون، والبعض يستخفون، ليس فقط الأعداء بل وحتى الأصدقاء. ليس فقط الأصدقاء، بل وحتى الخدم، ليس فقط يسخرون ويوبخون وإنما يشمئزون أيضًا منه. وذلك ليس لمدة يومين أو ثلاثة أيام أو عشرة أيام بل إلى عدة شهور... فلم يجد راحة حتى بالليل، فكانت أهوال الليل أكثر رعبًا من محن النهار. عانى ما هو أمر في نومه، اسمع ماذا يقول: "لماذا تريعني بالأحلام، وترهبني بالرؤى؟" (أي 14:7). أي رجل من حديد أو قلب من الصلب يمكنه أن يحتمل مثل هذه المآسي؟ القديس يوحنا الذهبي الفم نُزَلاَءُ بَيْتِي وَإِمَائِي يَحْسِبُونَنِي أَجْنَبِيًّا. صِرْتُ فِي أَعْيُنِهِمْ غَرِيبًا [15]. حتى الذين جاء بهم كنزلاءٍ وإماء في بيته حسبوه أجنبيًا عنه. لم يمد واحد منهم يده لخدمته في وسط مرضه الشديد. إذا دعا أحد عبيده وسأله شيئًا يتركه دون أن يجيب عليه بكلمةٍ، مع أنه كان سيدًا رحيمًا عليهم ولم يرفض حقهم في دعواهم عليه (أي 31: 13). * "نزلاء بيتي وإمائي يحسبونني أجنبيًا" [15]. هذا عن الرب المتجسد الذين سبقوا فأخبروا عنه منذ زمنٍ طويلٍ بكلمات الناموس، رفضوا أن يعرفوه ويكرموه... "صرت في أعينهم غريبًا" [15]. فإن فادينا، إذ لم يتعرف عليه المجمع صار كمن هو غريب في بيته. البابا غريغوريوس (الكبير) العلامة أوريجينوس عَبْدِي دَعَوْتُ، فَلَمْ يُجِبْ. بِفَمِي تَضَرَّعْتُ إِلَيْهِ [16]. وهو السيد يتضرع إلى العبد ويتوسل إليه، والعبد لا يبالي، ولا يلفته اهتمامًا. * "عبدي دعوت فلم يُجب" [16]. واضح أن (المسيح) كان يتحدث عن يهوذا. *"بفمي تضرعت إليه، توسلت إلى زوجتي" [17]. يتحدث (المسيح) عن أورشليم، فقد خطبها له لكي تخدم الناموس. فقد تضرع عدة مرات من أجلها ليخلصها. لقد توسل مرات عديدة إليها كي تتغير، حتى قال: "يا أورشليم، يا أورشليم، يا قاتلة الأنبياء وراجمة المرسلين إليها، كم مرة أردت أن أجمع أولادك... ولم تريدوا" (مت 23: 37). الأب هيسيخيوس الأورشليمي "بفمي تضرعت إليه" [16]. كأنه يقول بأكثر وضوح: أنا هو نفسي، الذي قبلت تجسدي أعطيت وصايا لممارستها، وذلك بفم الأنبياء، جئت إليه متجسدًا، متضرعًا إليه بفمي. هكذا عندما أخبر متى (البشير) عن الوصايا التي سلمها (الرب) على الجبل قال: "وفتح فاه وعلمهم" (مت 5: 2). كأنه يقول بوضوح: عندئذٍ فتح فمه، هذا الذي فتح قبلًا أفواه الأنبياء. كذلك قيل عنه بواسطة العروس المشتاقة إلى حنوه: "ليقبلني بقبلات فمه" (نش 1: 2)، خلال كل الوصايا التي تتعلمها بالكرازة. كأن الكنيسة المقدسة تتقبل قبلات فمه الكثيرة. الآن حسنا قيل: "تضرعت"، حيث ظهر في الجسد، وهو ينطق بوصايا الحياة في تواضعٍ، وكأنه يبحث عن خادمه المملوء كبرياء لعله يأتي... البابا غريغوريوس (الكبير) لا تحزنوا على غياب الهيكل هنا، ولا تيأسوا لافتقاركم إلى كاهنٍ. ففي السماء تجدون مذبحًا وكهنة الخيرات العتيدة، على رتبة ملكي صادق، في موكبهم أمام الله (عب 5: 10). فقد شاءت محبة الرب ورحمته أن ينزع عنكم الإرث الأرضي، حتى يتسنى لكم أن تطلبوا السماوي . العلامة أوريجينوس نَكْهَتِي مَكْرُوهَةٌ عِنْدَ أمْرَأَتِي، وَمُنْتِنَةٌ عِنْدَ أَبْنَاءِ أَحْشَائِي [17]. أما عن زوجته فلم تعد تطيق الاقتراب إليه، أو تحتمل رائحة قروحه. مع معاملته لها بالحب الزوجي، استخفت به واحتقرته. *"توسلت إلى أبناء سراريّ" [17 LXX]. بنفس الطريقة كما نفهم العبد هو مجمع اليهود، وهكذا أيضًا السراري. كما تحدثنا عن الزملاء (أي 19: 15) بكونهم الكتبة والفريسيين من أجل الكتاب المقدس، هكذا أيضًا هنا "الأبناء". إنه عن هذا (المجمع المقام للمسيح) والشعب اليهودي يصرخ بالنبي إشعياء: "ربيت بنين ونشأتهم، أما هم فعصوا عليّ" (إش 1: 2). كثيرًا ما دعوتهم نائحًا، ومؤنبًا بغضبٍ، ومعزيًا، ومُصلحًا. الأب هيسيخيوس الأورشليمي * "توسلت إلى أبناء رحمي" [17]. الله الذي لا يُحد بشكلٍ جسديٍ، يُدعى بطريقة كهذه، مستخدمًا الأعضاء لإبراز قوته... هنا الرحم (الأحشاء) الذي يحبل ينجب هذه الحياة. الآن بماذا نفهم "الرحم" سوى مشورته؟ البابا غريغوريوس (الكبير) لكن العروس الحقيرة (جماعة اليهود الذين رفضوا أن يكونوا عروسًا له)... لم تفرح كما دعيت، بل انسحقت وحزنت لمجيء العريس. ولأجل هذا لم تفرح بقبوله. سَبَى قلبها العجل (الذهبي) حبيبها، ومعه تتفاوض، ولا تريد أن تسمع للنبي القائل لها: "ابتهجي جدًا". لم تخرج لتحمل الأغصان مع الأطفال...! يقرع الأنبياء أبوابها المرتفعة ويوقظونها، وهي نائمة بمحبتها لكثرة أصحابها! يمجد الأطفال الملك (السماوي) الآتي ويباركونه، وتهتم العجوز بتنظيف أصنامها (حبهم للذات وكبرياء قلوبهم). حزنت بمجيء وريث الآب. عرفت أنه يفضحها، فأبغضته، ولم ترتضِ أن يمجده الأطفال! الحسد أبكم فمها، فبكمت صامتة عن التمجيد، واهتمت أن تُبكم الذين يمجدون! لم يكفها أنها لا تريد أن تمجد، بل اجتهدت أن تسكت الممجدين أيضًا! هؤلاء مجدوه، أما هي فغضبت من أصواتهم. صرخ إشعياء استيقظي، استيقظي، والبسي العصمة. صرخ زكريا: ابتهجي وافرحي بالملك الآتي. صرخ الأطفال: مبارك الآتي باسم الرب. إنها لم تنصت لا للأنبياء ولا للأطفال، إنما حزنت من أصواتهم وغضبت. أيها اليهود مبغضو النور، كيف تسكتون عن التمجيد الممتلئ من السماء والأرض. القديس يعقوب السروجي اَلأَوْلاَدُ أَيْضًا قَدْ رَذَلُونِي. إِذَا قُمْتُ، يَتَكَلَّمُونَ عَلَيَّ [18]. لعله يقصد هنا أبناء خدمه الذين وُلدوا في بيته وحسبهم كأولادٍ له هزأوا به، وتكلموا عليه شرًا. حين كان له سلطان عليهم قدم لهم كل الحبٍ، وحين فقد سلطانه أهانوه وسخروا به. * "إذ رحلت عنهم تكلموا عليّ" [18]. كأن الرب قد اقترب من قلوب البشر عندما صنع عجائب لهم. وكأنه قد رحل عنهم عندما لم يظهر لهم علامات. لكنهم تكلموا على الرب كمن رحل عندما رفضوا الخضوع بالإيمان له... علاوة على هذا أضاف أن معلمي الناموس والفريسيين "والذين أحبهم جدًا انقلبوا عليه". فبتأهبهم لعدم الإيمان انقلبوا عن الإيمان بالحق... بل وأيضًا اضطهدوه. البابا غريغوريوس (الكبير) كَرِهَنِي كُلُّ رِجَالِي، وَالَّذِينَ أَحْبَبْتُهُمُ انْقَلَبُوا عَلَيَّ [19]. لم يعد بعد أحد ممن هم حوله يقدم له شيئًا سوى الكراهية، فقد انقلبت كل الموازين. |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
أيوب | تحول التعزية إلى تعذيب |
آلام من الأقرباء |
غربال هالدّني غربال |
غرباء نحن فلنكن غرباء بالكمال، |
القَريب | الأقرباء |