![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
![]() "إِنْ تَكَلَّمْتُ، لَمْ تَمْتَنِعْ كَآبَتِي. وَإِنْ سَكَتُّ، فَمَاذَا يَذْهَبُ عَنِّي؟" [6] صار أيوب في حيرة، إن تكلم فما نفع كلماته مع أناسٍ قساةٍ لا يراعون مشاعره، وإن صمت، فهل يُبطل الصمت مرارة نفسه. إن سكب شكواه أُتهم بالتذمر وأسيء فهمه، فيزداد حزنه. وإن صمت أُتهم بالكآبة. إن دافع عن نفسه حسبوه متمسكًا بالبرّ الذاتي، وإن سكت حسبوه شريرًا يستحق تأديبًا أعظم! الإنسان الجاد في حياته الذي يطلب خلاص نفسه، ينتفع من كلمات أولاد الله، كما ينتفع من صمتهم. إن تكلموا يتقبل الكلمات بروح الله لأجل بنيانه، وإن صمتوا يتلامس مع تأملاتهم الداخلية وتمتعهم بالحياة السماوية. أما الذي في استهتار أو في إصرار لا يطلب الحق ولا الحياة الأبدية، فيتعثر من كلمات الأبرار، وأيضًا من صمتهم. لقد عبَّر أيوب عن موقف السيد المسيح، الذي إن تكلم بالحق الإلهي أُتهم أنه مجدف (مت 26: 65)، وإن صمت على الصليب قالوا: "خلص آخرين، وأما نفسه فما يقدر أن يخلصها" (مت 27: 42). كانت نفسه حزينة حتى الموت، ليس من أجل الألم، وإنما لأجل مرارة الخطية التي حملها عنا ليقتلها بموته. إن كانت نفس السيد المسيح حزينة، تبقى الكنيسة عروسه تئن كل أيام غربتها حتى يكمل المختارون جهادهم، ويتمتع المؤمنون بشركة الأمجاد في مجيء الرب الأخير. * "ماذا أفعل؟ إن تكلمت لا تُنزع عني كآبتي، وإن احتملت (في صمت) فلا تفارقني"... ليس من أحدٍ يجهل أن هذا ينطبق على شخص أيوب الطوباوي،. أما بالنسبة للكنيسة الجامعة، فإنها عندما تتكلم "لا يتوقف حزنها"، إذ لا ترى الأشرار ينصلحون بكلماتها. وإن صمتت فإن موقفها نفسه بالصمت يحزنها بالأكثر، إذ وهي صامتة ترى خطية الأشرار تتزايد متعالية. البابا غريغوريوس (الكبير) عظيم هو جمال من تكثر آلامه. وهكذا يصير الإكليل جميلًا بقدر قسوة الضيق. فالروح المعزي الذي يجعلكم حكماء يعرف أن يتكلم فيكم، ويقول: "آلام الزمان الحاضر لا تُقاس بالمجد العتيد أن يُستعلن فينا" (رو 8: 18). إن ضيق زمن قصير، يقربكم لتحفظوا الحياة الدائمة التي لا نهاية لها، وعندما تموتون عن العالم تظهرون بالموت الحياة مع المسيح. من لا يشتهي أن يجني الحياة الأبدية من ضيقات الزمان؟ العالم ينحل ويذبل جماله، ويترك غناه، وتزول سلطته ويُرذل بهاؤه، وتبطل مرتبته، وتنتهي حياته، وتتغير أشكاله، ويتناثر كالورد، ويذبل كالزهر، ويهرب كالظل، ويُطوى ويسرع كالعجلة، وتزول معه كل الأمور التي تجري فيه، إن كانت الراحة أو العذاب، الكرامة أو الإهانة؛ كل خواصه تظل معه ومثله. ضيقاته لا تطول، وراحته ليست حقيقية. القديس مار يعقوب السروجي |
![]() |
|