17 - 05 - 2012, 10:56 AM
|
|
|
..::| العضوية الذهبية |::..
|
|
|
|
|
|
سفــــــر الخـــروج
المراجع : الكتاب المقدس
: قاموس الكتاب المقدس
: من تفسير وتأملات الآباء الأولين : للقمص / تادرس يعقوب ملطي .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ
تقديم : بدأ الكتاب المقدس أسفاره بالتكوين ، حيث أعلن بدء الخليقة وبدء الحياة البشرية فى أحضان الله محب البشر .. لكن سرعان ما سقط الإنسان تحت العصيان فخرج من الفردوس يحمل فى نفسه فراغا ليس من يملأه ؛ وفى قلبه موتا أبديا ليس من يقدر أن يفلت منه .
لم يقف الله مكتوف الأيدى أمام محبوبه الإنسان ، فإن كان الإنسان قد خرج معطيا لله القفا لا الوجه ؛ التزم الله فى حبه أن يخرج إليه ليخلصه ويرده إلى أحضانه الإلهية مرة أخرى . وهكذا جاء سفر الخروج يعلن بطريقة رمزية عن خلاص الله المجانى ، فقدم لنا خروج الشعب القديم من أرض العبودية بيد الله القوية منطلقا نحو حرية مجد أولاد الله ، وكأن هذا السفر وهو يقدم لنا حقائق تاريخية واقعية لم يقصد أن يسجل الأحداث لأجل ذاتها ، فهو ليس سجلا تاريخيا . وإنما أراد أن ندخل إلى الأعماق لنكشف خلاصنا الذى نعيشه فى حياتنا الآن
مصر والعبرانيون :
لما كان محور هذا السفر هو خروج العبرانيون من أرض مصر ، لذا فإننا نفهم فرعون بمثل الشيطان الذى يأسر أولاد الله ، ومصر تشير إلى العالم ، والشهوات المصرية إنما تشير إلى شهوات العالم ، والعبرانيين تشير إلى المؤمنين الذين يعيشون كغرباء فى العالم .. فالحديث يأخذ الصورة الرمزية . لكن الآن صارت مصر علامة البركة كوعد الرب : " مبــارك شعبــى مصر " إش 19 : 25 ، " إذ يعرف الرب فى مصر ويعرف المصريون الرب فى ذلك اليوم ويقدمون ذبيحة وتقدمة وينذرون للرب نذرا ويوفون به " إش 19 : 21 ... وصارت " إسرائيل " إنما تشير إلى " إسرائيل الجديد " أى الذين قبلوا الإيمان بالسيد المسيح المخلص ، وليس إسرائيل كأمة وجنس معين .
مقدمة السفر :
تسميته : لم يعط العبرانيون لهذا السفر إسما ، وإنما اعتبروه جزءا لا يتجزأ من التوراة ككل ، فكانوا يدعونه " هوميس سينى " بمعنى " الثانى من الخمسة " أى السفر الثانى من أسفار موسى الخمسة ، أما اسمه فى الترجمة السبعينية فتعنى " خــروج " .
كاتب السفر :
كتب موسى النبى هذا السفر بوحى إلهى ، يظهر ذلك من الدلائل الآتية :
1- يبدأ السفر بحرف العطف " واو " قائلا " وهذه أسماء " ، وكأن هذا السفر هو تكملة للسفر السابق له " سفر التكوين " .
2- قدم لنا السفر أحداثا بدقة بالغة ، وفى كثير من التفاصيل مما يدل على أن الكاتب هو شاهد عيان ، بل أنه قائد عملية الخروج .
3- سجل حوادث خاصة بموسى النبى نفسه مثل قتله المصرى سرا وأنه إلتفت يمينا ويسارا قبل قتله ، وروى لنا تفصيل الحديث بينه وبين العبرانى الذى كان يظلم أخيه ، كما روى لنا أخذ زوجته وإبنيه على حمير وختان إبنه .... الخ .
4- قبل السامريون هذا السفر كأحد أسفار موسى الخمسة ، وهم أعداء اليهود ، فلولا تأكدهم من الكاتب لما قبلوه .
الرأى الأرجح أن خروج اليهود من مصر تم حوالى عام 1447 ق.م. أثناء الأسرة المصرية الثامنة عشر ، أيام تحتمس الثالث ، أو فى زمن أمنوفيس الثانى . هذا يتفق مع قضاة 11 : 26 ، إذ يذكر يفتاح الذى عاش حوالى عام 1100 ق.م.
يتفق هذا الرأى أيضا مع ما ورد فى 1 ملوك 6 : 1 أن بيت الرب قد بنى فى السنة الأربعمائة والثمانين لخروج الشعب من مصر ، فإن كان سليمان قد بدأ فى بناء الهيكل عام 967 ق . م . أو 966 ق . م . يكون الخروج قد تم حوالى عام 1447 ق . م .
شخصية موسى النبى :
لهذا السفر أهمية خاصة ، إذ عرض حياة موسى النبى ، الذى صار ممثلا للعهد القديم كله بكونه مستلم الشريعة والمتكلم مع الله وقائد الشعب فى تحريره من العبودية للدخول به إلى أرض الموعد . لذا حين تجلى السيد المسيح على جبل طابور ظهر موسى وإيليا معه ( مت 17 : 1 – 8 ) . وفى سفر الرؤيا نسمع عن تسبحة موسى التى يترنم بها الغالبون فى السماء ( رؤ15 : 3 ) .
سفر الفداء والخلاص :
بدأ هذا السفر بالذل والأضطهاد وانتهى بظهور مجد اللـــه فى خيمة الإجتماع ، أى فى مسكنه مع عبه ( خر 40 ) .
سفر العبور :
قاسى الشعب الأمرين من العبودية لكنه لم يفكر فى الإنطلاق من الموقع إلا بعد أن أرسل الله لهم موسى يحدثهم عن الأرض التى تفيض لبنا وعسلا ، أى أورشليم ... هنا لم يعودوا يقبلون العبودية أو الأستسلام لها ...
أما عن إمكانية العبور ، فتكمن فى قول النبى : " نزل لينقذهم " خر 3 : 8 .. إنها إمكانيات نزول الله إلينا ...
سفر الوصية والعبادة :
بالرغم من وجود سفر متخصص فى الوصية الإلهية أو الناموس وفى العبادة الموسوية ، لكن موسى أصر أن يختم سفر الخلاص بأمرين : إســتلام الشـــريعة ، وخيمـــة الإجتمــــاع ..
العبادة هى غاية العبور : " إطلق شعبى ليعبدوننى " ... خلالها نتعرف على قانون السماء ( الوصية ) .. ونتدرب على السكنى مع الله ( الخيمة السماوية ) !
خروج – الأصحاح الأول
الحاجة إلى مخلص
قصة العبودية :
يروى لنا هذا السفر قصة العبودية فى كثير من التفاصيل ، أولا لأنها تمثل قصة عبوديتنا للخطية التى من أجلها جاء السيد المسيح لتحريرنا . وثانيا لأن هذه التفاصيل تمثل جوانب حية تمس حياتنا وعلاقتنا مع الله . أما السبب الثالث فهو أننا كثيرا ما ننسى أو نتناسى هذه العبودية القاتلة ، لذلك عندما أعلن السيد المسيح رسالته ، قائلا : " تعرفون الحق والحق يحرركم " يو 8 : 32 ، أجابه اليهود : " إننا ذرية إبراهيم ولم نستعبد لأحد قط . كيف تقول أنت أنكم تصيرون أحرارا ؟! "
ويعلق القديس أغسطينوس على هذه الإجابة قائلا :
+ [ حتى إن نظرنا إلى الحرية التى فى العالم ( وليس التحرر من الخطية ) فأين الحق فى قولهم أننا ذرية إبراهيم ولم نستعبد لأحد قط ؟ ألم يبع يوسف ( تك 37 : 28 ) ؟ ألم يؤخذ الأنبياء القديسون إلى السبى ( 2 مل 24 ، حز 1 : 1 )؟ وأيضا أليسوا هم تلك الأمة التى كانت تخضع لحكام قساة فيصنعون اللبن ( الطوب الطينى ) فى مصر ؟ ]
والعجيب أنهم ينطقون بهذا الكلام فى الوقت الذى فيه كانوا مستعبدين للحكم الرومانى ، فإن هذه هى طبيعة الإنسان ، يستسلم للعبودية ويخضع خانعا لها ويظن أنه فى حرية .. لذا سجلت عبودية هذا الشعب وتحريرهم ، حتى نذكر دوما حاجتنا إلى السيد المسيح كمحرر لنفوسنا من أسر الخطية
( 1 ) نشأة بنى إسرائيل فى مصر :
إن كان قد دخل يعقوب وبنيه وأحفاده إلى مصر كعائلة واحدة ، فقد نأت الأمة اليهودية فى مصر ، وصار لها أول قيادة ( موسى النبى ) . لقد ترعرعت بعد موت يوسف ( ع 7 ) ، وسقطت تحت ظلم فرعون وعبودية المصريين ، لكن الله أعد موسى ودعاه للنضال ضد فرعون ليخرج الشعب خلال ذبيحة الفصح .
نزل يعقوب إلى مصر ومعه من صلبه الأثنى عشر أبا ليتغربوا ، ويسقطوا تحت الذل والعبودية لكننا نجد أسماءهم فى سفر الرؤيا قد سجلت على أبواب أورشليم السماوية ( 21 : 12 ) ، كما أحصى عدد المختومين من كل سبط كأولاد لله ينعمون بالأمجاد السماوية . إذن فليظلم العالم أبناء النور ، أما الله فحافظ لأولاده ، يحصيهم وينقش أسماءهم فى سفر الحياة .
" وكان جميع نفوس الخارجين من صلب يعقوب سبعين نفسا " ع 5
ياللعجب ! كيف تخرج نفس من نفس ؟ آدم يقول عن حواء : " هذه الآن عظم من عظامى ولحم من لحمى " تك 2 : 23 ، لكنه لا يقول " هذه نفس من نفسى " ، أيضا لابان ليعقوب : " إنما أنت عظمى ولحمى " تك 29 : 14 ... أما هنا فيقول : " جميع نفوس الخارجين من صلب يعقوب " .. وكأنما أراد أن يعلن عن نوع جديد من القرابة فوق مستوى الجسد ، أراد أن يحمل قرابة روحية نهتم بها .
هذه هى سمة إسرائيل الجديد ، أى الكنيسة ، إنها أم ولود ، تنجب نفوسا مقدسة تحمل سمات السيد المسيح .
أما سر النمو فيكمن فى العبارة التالية :
" ومات يوسف وكل إخوته وجميع ذلك الجيل ، وأما بنو إسرائيل فأثمروا وتوالدوا ونموا وكثروا كثيرا جدا وامتلأت الأرض منهم " ع 6 ، 7 .
يربط هنا بين موت يوسف واثمار إسرائيل ، وكأنه لا نمو للكنيسة – إسرائيل الجديد – إلا بموت السيد المسيح على الصليب !
لقد سقطت حبة الحنطة على الأرض وماتت ، وخلالها جاء كل هذا المحصول . وكما هو مكتوب : " كانت كلمة الله تنمو وعدد التلاميذ يتكاثر جدا " أع 6 : 7 ...
( 2 ) خضوعهم للعبودية :
النتيجة الطبيعية للنمو المتزايد خلال صلب المسيح وموته هو هياج عدو الخير وثورته ، إذ يقول الكتاب : " ثم قام ملك جديد على مصر لم يكن يعرف يوسف ، فقال لشعبه : هوذا بنو إسرائيل شعب أكثر وأعظم منا . هلم نحتال لهم لئلا ينموا فيكون إذا حدثت حرب أنهم ينضمون إلى أعدائنا ويحاربوننا ويصعدون من الأرض . فجعلوا عليهم رؤساء تسخير لكى يذلوهم باثقالهم فبنوا لفرعون مدينتى فيثوم ورعمسيس " ع 8 : 11
من هو هذا الملك الجديد إلا إبليس الذى يرتعب كلما رأى الرب يملك على قلوب أولاده ، يبذل كل طاقاته لتكريس جنوده وإمكانياته الشريرة لأستعباد البشر وإذلالهم بالعمل فى الطين ، أى يجعلهم يرتبكون فى الأعمال الأرضية .
لماذا يسمح الله لأولاده بالضيق ؟
أ – للأشتياق للحياة الأفضل ، فلو بقى الشعب فى راحة لما انطلقوا إلى كنعان .
ب – ليلتصقوا بالرب ، فالضيق يشعرنا باحتياجنا إلى عمل الله فينا ومعنا .
جـ - إن كان الله قد بدى كأنه قد ترك شعبه للمذلة ، لكن الكتاب يؤكد " بحسبما أذلوهم هكذا نموا وامتدوا " ع 12 . إن كانت يد العبودية قد قست لكن الله لم يتركهم ، وعمل على خلاصهم بكل الطرق .
( 3 ) قتل الذكور :
إستدعى فرعون قابلتى العبرانيات شفرة وفوعة ، وطلب منهما أن يقتلا كل طفل ذكر عند ولادته ويستبقيا البنات ، وكان هذا الأمر سهلا ، فقد كانت العادة المتبعة فى مصر فى ذلك الوقت أن تتم الولادة على كرسى خاص ، فتستطيع القابلة أن تقتل الطفل قبل أن يراه أحد ، لكن القابلتان خافتا الله واستبقت الذكور والإناث .
العبرانيات : لقد دعى الشعب اليهودى بالعبرانيين ، نسبة إلى عابر أحد أجداد إبراهيم ( تك 10 : 21 ) ، لذلك كانت كلمة " عبرانى " تشير إلى اليهودى الأصيل وتميزه عن اليهودى الدخيل من الأمم .. ويدعى المؤمنون عبرانيين أيضا ، لأن طبيعة حياتهم " العبور " المستمر ، يشعر أنه غريب ومنطلق على الدوام من الأرضيات نحو السماويات .
مجازاة الله للقابلتين :
يقول الكتاب : " وكان إذ خافت القابلتان الله أنه صنع الله لهما بيوتا " ع 21 . فهل يصنع الله بيوتا ؟ إذ تشير القابلتان إلى الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد ، فإنه إذ يدرس بمخافة إلهية ويعيشهما المؤمنون كما يجب ، يقيم الله للكتاب موضعا فى أماكن كثيرة ، أى ينفتح مجال الخدمة وتقام بيوت لله . هكذا يحتاج العالم أن يرى فينا كلمة الله عاملة فى قلبنا بخوف إلهى ، فيجد الإنجيل له موضع فى كل قلب .
وقد أثار هذا النص جدلا : لماذا يكافىء الله القابلتين وقد كذبتا على فرعون ؟ ...
والرأى الأقرب للصواب : " ليس لأنهما كذبتا وإنما لأنهما صنعتا رحمة بشعب الله ، لم يكافىء فيهما خداعهما ( لفرعون ) بل معروفهما وحنو ذهنهما وأتيان الرحمة على الأطفال ، وليس خطأهما بالكذب "
طرح الأطفال فى النهر :
يقول الكتاب : " ثم أمر فرعون جميع شعبه قائلا : كل إبن يولد تطرحونه فى النهر ، لكن كل بنت تستحيونها " ع 22
تأمل الخطر الذى يهددك منذ ولادتك الجديدة ؟ أى منذ نوالك المعمودية .. فقد أصعد يسوع إلى البرية من الروح ليجرب من إبليس ( مت 4 : 1 ) ..
لكن السيد المسيح انتصر حتى يفتح لك طريق النصرة
+ + + خروج – الأصحاح الثانى
إعداد موسى للخدمة
بعد أن كشف الأصحاح الأول عن الحاجة إلى مخلص جاءت الأصحاحات 2 – 4 تتحدث عن إعداد موسى النبى للخدمة :
( 1 ) موسى فى النهر
سمحت العناية الإلهية للشعب بتجربة قاسية ، وفى نفس الوقت كانت تعد لهم المنقذ ( 1 كو 10 : 13 ) .. أعد الله لهم موسى ودربه فى فترة ثمانين عاما حيث مر به فى مراحل ثلاث :
المرحلة الأولى : حيث عاش موسى فى قصر إبنة فرعون أربعين عاما يتثقف بحكمة المصريين وعلمهم ، وفى نفس الوقت كان يرضع لبن شعبه العبرانى . فى هذه الفترة ظن أنه قادر أن يخدم الله معتمدا على فصاحة لسانه وقدرة تدبيره وحكمته ... لكنه فشل .
والمرحلة الثانية : قضاها فى البرية لمدة أربعين عاما يتدرب فيها على معرفة نفسه أنه بدون الله لا يساوى شيئا ... عرف فيها نفسه أنه ثقيل الفم واللسان ( 4 : 10 ) ، عاجز عن العمل بذاته ( 4 : 14 ) .
أما المرحلة الثالثة : فبدأت بلقائه مع العليقة المشوكة الملتهبة نارا ، وتعرف على الله الذى يعمل فى اللاشىء ليقيم أعمالا مجيدة .
نعود بعد هذه المقدمة إلى موسى فى طفولته ، فيتحدث معلمنا بولس الرسول عن والديه كبطلى إيمان قائلا : " بالإيمان موسى بعد ما ولد أخذاه أبواه ثلاثة أشهر لأنهما رأيا الصبى جميلا ولم يخشيا أمر الملك " عب 11 : 23 . ونحن أيضا بالإيمان بالله الذى ينظر فى الخفاء إلى أعمالنا يلزمنا أن نخفى كل فضيلة حتى لا تصير فريسة لفرعون ( إبليس ) وتبتلعها أمواج النهر .
سقط من البردى : يقول الكتاب : " ولما لم يمكنها أن تخبئه بعد ، أخذت له سفطا من البردى وطلته بالحمرة والزفت ووضعت الولد فيه ووضعته بين الحلفاء على حافة النهر " ع 3 .
كان السفط هو الحافظ الظاهر للطفل ، أما دموع أمه فكانت الحافظ المستتر .
فى هذا يقول القديس غريغوريوس النيسى : [ من يهرب من مثل هذه الأمور يلزمه أن يقتدى بموسى ، ولا يكف عن الدموع ، فإنه وإن كان فى أمان داخل التابوت لكن تبقى الدموع هى الحارس القوى لمن خلص بالفضيلة ] .
( 2 ) موسى فى القصر :
إبنة فرعون : إنها تمثل الفلسفات الزمنية ، فهى عقيمة وغير مثمرة ، تتمخض ولكنها لا تلد ، وفى نفس الوقت لا تقف الكنيسة موقف العداء منها ، وإنما كما دخل موسى قصرها وإن كان قد نشأ يرضع لبن أمه ، هكذا تتقبل الفلسفات والعلوم ولا نحتقرها لكننا نتمسك بتعليم وتقليد الكنيسة أمنا وإنجيلها وتعاليمها وفكرها وكل حياتها .
أما من جهة الأسم : فقد دعته إبنة فرعون " موسى " ، الذى يعنى بالمصرية " ماء " ع 10 ، وهو الأسم الذى دعاه به الله نفسه .
( 3 ) موسى يخدم بغيرة بشرية :
إذ تثقف موسى بحكمة المصريين قرابة أربعين عاما ظن أنه قادر أن يخدم الله ، معتمدا على فصاحته وحكمته . ظن فى نفسه أنه شىء فارتبك فى خدمته ، إذ " التفت إلى هنا وهناك " ع 12 ، مهتما بنظرة الناس إليه ، مع أنه خادم الله لا يهيم ببغض الناس أو رضائهم عن خدمته ، ما دام يعلم أن الله هو الذى أرسله ... موسى خرج إلى الخدمة معتمدا على كفاءته الخاصة فخاف وهرب من الخدمة ( ع 15 ) .
هذا ويلاحظ أن ما تعرض له موسى إنما يتعرض له كل من يضع فى قلبه أن يكرس حياته لله ، فيواجه حربين : حرب شمالية ، وأخرى يمينية .
أ – الحرب الشمالية : وهى الحرب ضد الشر الواضح ، وذلك كما رأى موسى الصراع بين رجل غريب الجنس ومن هو من بنى جنسه ، فضرب الأول ضربة قاضية وطمره فى الرمل ، هكذا حمل ذلك صورة رمزية للمؤمن الذى لا يضرب كل إنسانا وإنما يضرب كل شر فى قلبه ويدفنه ، حتى لا يكون للخطية الغريبة عن طبعنا موضعا داخلنا .
ب – الحرب اليمينية : وهى حرب مع البر الذاتى ، حين يظن الإنسان فى نفسه أنه قد ار بارا أفضل من الآخرين ، ليست له خطايا واضحة ، وهذه حرب مثل ما بين العبرانى وأخيه ، أى بين الأنسان وذاته " الأنا " .
كذلك يواجه المؤمن حربين : حرب ضد الخطية ظاهرة وسهلة نسبيا ، وحرب الإنقسام الداخلى فى الكنيسة وهى أخطر وأقسى ... تؤدى إلى هروب الكثيرين من الخدمة ، كما اضطر موسى إلى ذلك
( 4 ) موسى فى أرض مديان
بعد أربعين عاما إنتقل موسى إلى البرية ليتدرب على معرفة حقيقة نفسه أنه لا شىء .. إذ يقول :
" من أنا حتى أذهب إلى فرعون ؟! " 3 :12 ... برغم أن فرعون وبيته ليسوا غرباء عن معرفة موسى لأنه تربى فى بيت فرعون ! .. ولكنه بهذا الفكر الذى ينكر فيه ذاته تأهل لنوال قوة إلهية .
هناك فى البرية سكن رعوئيل الذى تفسيره " الله صديق " ، وتزوج موسى بصفورة إبنته التى تعنى " عصفورة " وأنجب منها جرشوم الذى يعنى غريب .
أما عمل موسى فكان رعاية الغنم ، وفى هذا صورة السيد المسيح الراعى الصالح الذى يرعى حركات النفس الداخلية .
خروج – الأصحاح الثالث
العليقــة المتقــــدة نـــارا
( 1 ) العليقة المتقدة نارا :
بينما كان موسى يرعى غنم حميه يثرون ساق الغنم إلى وراء البرية وجاء إلى جبل الله حوريب ، وإذا به يرى عليقة تتقد نارا ولا تحترق ، فقال : " أميل الآن لأنظر هذا المنظر العظيم " ع 3 . هنا دخل موسى النبى إلى مرحلة جديدة هى مرحلة اللقاء مع الله الذى هو سر القوة ، والراعى الخفى الذى يعمل لخلاص العالم وبنيان الكنيسة .
والآن إلى أى شىء تشير هذه العليقة المتقدة ؟
نأخذ بعض تأملات الآباء :
· يرى القديس اكليمنضس الإسكندرى أنها إعلانا عن الميلاد البتولى ، فقد ولد السيد المسيح من البتول ، وبميلاده لم تحل بتولية العذراء .
· يرى القديس كيرلس الإسكندرى أن العليقة حملت سر التجسد الإلهى ، فقد اتحد اللاهوت بالناسوت دون أن يبتلع الناسوت ، فإنه ما كان يمكن لموسى النبى أن يبدأ هذا العمل الخلاصى ما لم يتلمس ظلال التجسد الإلهى ، فيتعرف على " الكلمة الإلهى " المتجسد كصديق للبشرية ، صار واحدا منا ، وعاش بيننا ...
· رأى القديس يوحنا الذهبى الفم فى العليقة صورة حية لقيامة السيد المسيح الذى حمل جسدا حقيقيا ، ومات فعلا ، لكنه لم يمسك فى الموت على الدوام .
ويلاحظ أن الكتاب يقول " وظهر له ملاك الرب بلهيب نار من وسط عليقة " ع 2 . وهنا كلمة ملاك تعنى " مرسل " ، وتشير إلى الأقنوم الثانى ، ... فلو أن الذى ظهر ملاك وليس الأقنوم الثانى لما قال " ناداه الله من وسط العليقة ... ثم قال أنا إله أبيك إله ابراهيم وإله اسحق وإله يعقوب . فغطى موسى وجهه لأنه خاف أن ينظر إلى الله " ع 4 – 6 .
( 2 ) خلع الحذاء
يقول الرب لموسى : " لا تقترب إلى هنا ، إخلع حذاءك من رجليك ، لأن الموضع الذى أنت واقف عليه أرض مقدسة " ع 5 .
نحن ندخل الهيكل حفاة الأقدام كوصية الرب لموسى النبى ، وخلع الحذاء يشير إلى الشعور بعدم تأهلنا حتى للوقوف فى هذا الموضع المقدس الذى فيه تقدم الذبيحة المخوفة التى تشتهى الملائكة أن تطلع عليها ، خلع الحذاء أيضا عند الآباء يحمل معان أخرى كثيرة وعميقة ، نذكر منها :
· أن آدم عندما كان فى الجنة لم يكن بحاجة إلى لبس حذاء ، لأن الأرض لم تكن بعد قد أنبتت شوكا وحسكا ، وكأن بموسى النبى وهو فى حضرة الله كأنه فى جنة عدن ، حيث وجود الله معنا ، فلا حاجة لنا إلى الحذاء لأن الأرض أصبحت مقدسة كجنة عدن بوجود الله .
· كانت الأحذية فى القديم تصنع من جلد الحيوان الميت ، وكأن الله بوصيته هذه يطلب منا أن نخلع عنا محبة الأمور الزمنية الميتة لنلتصق بالسمويات الخالدة حتى نلتقى به .
( 3 ) دعوة موسى :
من خلال العليقة الملتهبة نارا دعى موسى وهو واقف حافى القدمين ليتسلم خدمة شعب الله ، حقا إن المتحدث نارا آكلة ( إش 10 : 7 ) ، والدعوة صدرت عن النار الإلهية ، لكنها لا تؤذى موسى بل تسنده وتلهبه ... كما فغل الروح القدوس النارى فى التلاميذ ، الذى أحرق ضعفاتهم وأعطاهم قوة للحياة الجديدة الكارزة ( مت 3 : 11 ، أع 2 ) .
إذ دعى الله موسى النبى لم يحدثه عن مؤهلاته للخدمة وإمكانياته البشرية بل حدثه عن نفسه ، الإمكانيات الإلهية المقدمة له ، قائلا له : " أنا إله إبراهيم وإله اسحق وإله يعقوب " ع 6 .
وكانت هذه الكلمات تخرج بسلطان وقوة نارية حتى " غطى موسى وجهه لأنه خاف " ع 7 . تحدث أيضا عن قيامه هو بالخلاص فقد رأى وسمع وعلم مذلة شعبه لذا فهو ينزل لإنقاذهم .
أما سر قوة موسى النبى فهو : " إنى أكون معك " ع 12 . وهوذات الوعد الذى بعطيه لجميع أنبيائه ورسله وكل العاملين فى كرمه . فيقول ليشوع بن نون " كما كنت مع موسى أكون معك ، لا أهملك ولا أتركك " يش 1 : 5 . ويؤكد لأرميا النبى " لأنى أنا معك يقول الرب لأنقذك " أر 1 : 16 ، ويقول لتلاميذه " ها أنا معكم كل الأيام إلى إنقضاء الدهر " مت 28 : 20 .
( 4 ) إعتذار موسى :
أراد موسى أن يستعفى عن الخدمة قائلا : " من أنا حتى أذهب إلى فرعون وحتى أخرج بنى إسرائيل من مصر ؟! " ع 11
طبيعة موسى الضعيفة بالرغم من كونه من رجال الإيمان جعلته يتردد فى قبول الدعوة ، وربما كان ذلك من آثار فشله الأول حين خرج إلى الخدمة متكلا على ذراعه البشرى . فما كان له أن يقول " من أنا ؟ ! " بعد أن عرف أن الله نفسه هو الذى يرسله وهو الذى ينزل ليخلص .
أصر موسى على إعفائه أكثر من مرة ، تارة يضع أسئلة واعتراضات ، كأن يقول " فإذا قالوا ما إسمه ، فماذا أقول لهم " ع 13 والرب يجيبه ، وأخرى يقول " ولكن ها هم لا يصدقوننى " 4 : 1 فيعطيه الرب إمكانية عمل آيات ومعجزات ... ! وثالثة يعترض بسبب ضعفه الشخصى قائلا " أنا ثقيل الفم واللسان " 4 : 10 والله يؤكد له أنه هو خالق الفم واللسان " إذهب وأنا أكون مع فمك وأعلمك ما تتكلم به " 4 : 12 وإذ لا يجد أى حجة يقول " إستمع أيها السيد ، إرسل بيد من ترسل " 4 : 13 ، حتى حمى غضب الله : 14 فأعطاه هرون شريكا معه فى الخدمة .
( 5 ) إسم الله :
عرف موسى أن الذى يحدثه هو الله ، فسأله عن إسمه " فقال الله لموسى أهيه الذى أهيه ، وقال هكذا قل لبنى إسرائيل أهيه أرسلنى إليكم ... إله آبائكم إله إبراهيم وإله إسحق وإله يعقوب أرسلنى إليكم " ع 14 ، 15 .
أولا : أهيه الذى أهيه ahiah هذا الأسم يكشف عن جانبين فى الله : أولا : أنه هو الكائن وحده الذى بجواره يكون الكل كأنه غير موجود ، ثانيا : أنه ليس إسم يقدر أن يعبر عنه .
أى [ اخبرهم أولا أنى أنا هو الكائن حتى يعرفوا الفارق بين من هو كائن وما هو ليس بموجود . كما قدم لهم الدرس الآخر أنه لا يمكن لإسم ما أن يستخدم ليليق بى أنا الذى إليه وحده ينسب الوجود ] .
قول الله لموسى " إله آبائكم إله إبراهيم وإله إسحق وإله يعقوب " ع 15 وتكرارها ثلاث مرات فى هذا اللقاء بين الله وأول قائد للشعب ( ع 6 ، 15 ، 16 ) سحب قلب آباء الكنيسة إلى علامة الصداقة الإلهية الإنسانية فمع أن الله هو إله العالم كله ، إله السمائيين والأرضيين ، إلا أنه ينسب نفسه للأخصاء أصدقائه . إنه لا يود أن يكون سيدا بل صديقا فنراه يكلم موسى وجها لوجه كما يكلم الصديق صاحبه ( خر 33 : 11 ) .
وأخيرا ، نلاحظ أن السيد المسيح إستخدم الأسم ليؤكد للصدوقيين القيامة ، فإن الله إله إبراهيم وإله اسحق وإله يعقوب إله أحياء وليس إله أموات ( مت 22 : 31 ، 32 ) فإن كان الله هو الحى إنما ينسب لنا ، واهبا إيانا الحياة لنبقى معه إلى الأبد .
( 6 ) سر الأيام الثلاثة :
أمر الله موسى أن يطلب مع الشيوخ من فرعون قائلين : " الرب إله العبرانيين إلتقانا ، فالآن نمضى سفر ثلاثة أيام فى البرية ونذبح للرب إلهنا " ع 18
لقد طلب الرب منهم أن يخرجوا سفر ثلاثة أيام فى البرية ويذبحوا للرب ، وكان فرعون يطلب من موسى وهرون أن تقدم الذبائح فى أرض مصر ، لكن موسى أجابه " لا يصلح أن نفعل هكذا ... نذهب سفر ثلاثة أيام فى البرية ونذبح للرب إلهنا كما يقول لنا " 8 : 26 ، 27 . وأخيرا سمح لهم بالخروج ، لكنه كان يقول لهم " لا تذهبوا بعيدا " 8 : 28 ، أما موسى فأصر على السفر ثلاثة أيام ... لماذا ؟
الطريق الذى يخرج فيه الشعب ليقدم لله ذبيحة إنما هو السيد المسيح نفسه الذى قام فى اليوم الثالث ، وخلال قيامته تقبل كل عبادة وتقدمة منا للآب .
خبرة الأيام الثلاثة أى القيامة مع السيد المسيح اختبرها قبلا إبراهيم أب الآباء ، هذا الذى خرج من بيته ثلاثة أيام وعندئذ رأى العلامة فقدم إبنه ذبيحة حب لله ( تك 22 : 4 ) .
( 7 ) يد الله القوية :
من حين إلى آخر يؤكد الله لموسى قدرته على الخلاص قائلا : " فأمد يدى واضرب مصر بكل عجائبى التى أصنع فيها وبعد ذلك يطلقكم " ع 20 ...
أما غاية هذا العمل الإلهى الخلاصى فهو " أصعدكم .... إلى أرض تفيض لبنا وعسلا " ع 17 – اللبن والعسل إنما يشيران إلى حياة الشبع واللذة الروحية ، لهذا كان المعمدون فى الكنيسة الأولى يشربون أثناء طقس المعمودية لبنا ويأكلون عسلا ، إذ بالمعمودية صار لهم حق الدخول إلى كنعان السماوية الموعود بها .
|