* "لماذا ينتفخ قلبك على الله؟ فتسمح بمثل هذه الكلمات تخرج من فمك؟" غالبًا إذ يُصاب الأبرار بويلات كثيرة، يلتزمون بالاعتراف بأعمالهم، وذلك كما فعل أيوب. هذا الذي بعد أن عاش حياة بارة سقط تحت ضغطات ضربات العصا. وإذ يسمع الأشرار أقوالهم يظنون إنهم إنما يتكلمون باعتداد بذواتهم وليس بالحق. فإنهم يزِنون كلمات الأبرار حسب مشاعرهم الخاصة، ولا يظنون أنه يمكن أن يُنطق بكلمات صالحة بروحٍ متواضعٍ. فكما أنه يُحسب خطية عظمى أن ينسب إنسان لنفسه ما هو ليس له، هكذا فإنه ليس بخطية عليه نهائيًا إن تحدث في تواضع عن أمور صالحة فعلها. لهذا كثيرًا ما توجد كلماتٍ مشتركة ينطق بها الأبرار والأشرار، لكن القلب يكون دومًا مختلفًا تمامًا!
هكذا عندما دخل الفريسي الهيكل قال: "أصوم مرتين في الأسبوع، وأعشر كل ما أقتنيه" (لو 18: 12)، لكن العشار خرج مبررًا أكثر منه. حزقيا الملك أيضًا عندما أُصيب بمرضٍ في جسمه وجاء إلى آخر لحظات عمره، صلى بقلبٍ مجروحٍ: "آه يا رب، أذكر كيف سرت أمامك بالأمانة وبقلبٍ سليم" (إش 28: 3). لم يتغاضَ الرب عن هذا الاعتراف بالكمال، ولا رفضه، بل في الحال استجاب لصلواته. أنتم ترون أن الفريسي برر نفسه بالعمل، وحزقيا أكد أنه بار في الفكر أيضًا، وبذات العمل أحدهما صار أثيمًا والآخر استرضى الله. لماذا هذا إلاَّ لأن الله القدير قدَّر كلمات كل منهما حسب فكره الداخلي، وكانت هذه الكلمات ليست متشامخة في أذني الله لأنها قيلت بقلبٍ متواضع...
لقد اعتاد الهراطقة أن يمزجوا بعض النقاط الصادقة بعبارات تحمل إقناعات خاطئة. انخدع أصحاب الطوباوي أيوب جميعًا بإتنهارهم لأيوب، وإن نطقوا بأمورٍ صادقة تعلموها خلال اتصالهم بأيوب. مثل هذه الكلمات كانت كلها متناقضة. وإلاَّ ما كان الرسول بولس يقول: "الآخذ الحكماء بمكرهم" (1 كو 3: 19)...
البابا غريغوريوس (الكبير)