رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
دينونة الأشرار "أُوحِي إليَكَ. اسْمَعْ لِي، فَأُحَدِّثَ بِمَا رَأَيْتُهُ". [17] بعد أن سفّه من شخص أيوب وسلوكه وحكمته طلب إليه أن يستمع إليه دون احتجاج من جانبه. يقول له: "أوحي إليك" أو إني أبين لك ما يستحق السمع، فأقدم لك حقائق رايتها بعيني ولمستها بنفسي. إذ تطمس الخطية عيني الإنسان الشرير، يحسب نفسه حكيمًا، ليس من يقدر أن يرشد الآخرين مثله. يدهش كيف لا ينتفع الناس من حكمته، فيفرض نفسه عليهم معلمًا، يريد في زهو أن يعلم على الدوام. لذلك يقول يعقوب الرسول: "لا تكونوا معلمين كثيرين يا إخوتي" (يع 3: 1)، إنما يليق حتى بالمعلم وكل رجال الكهنوت أن يكونوا محبين للتعلم المستمر. "سأظهر ذلك لك، اسمع لي، فأحدثك بما رأيته". كل المتغطرسين لهم هذه السمة، عندما يكون لهم مفهوم سليم، حتى وإن كان تافهًا، يحرفونه لخدمة كبريائهم. عوض أن يعملوا لرفع أنفسهم إلى العلا في الفهم، يسقطون في هوة تمجيد الذات، إذ يُبتلعون بالكبرياء، ويحسبون أنفسهم أكثر علمًا من المتعلمين. إنهم يغتصبون لأنفسهم التقدير من الذين يستحسنونهم، ويستخدمون هذا ليعلموا بسلطان من هم أقدس منهم. البابا غريغوريوس (الكبير) أما أنا فقد خرجت من كرسي القضاء إلى الكهنوت... ولم تكن لي فرصة للتعلم، لذلك وجب على أن أتعلم وأعَّلم في نفس الوقت. القديس أمبروسيوس "مَا أَخْبَرَ بِهِ حُكَمَاءُ عَنْ آبَائِهِمْ، فَلَمْ يَكْتُمُوه"ُ. [18] إن كان الحكماء يتعلمون خلال خبرة آبائهم دون أن يقتصروا على خبراتهم الشخصية، فيتعلمون من السلف عبر الأجيال المتعاقبة، ولا يكتمون هذه الخبرات، فإن أليفاز يدَّعي بأنه حكيم، يقدم لأيوب هذه الخبرات، حتى وإن تعارضت مع خبرة أيوب أو فهمه الشخصي. ما هو مدى التزامنا بما ورد في تراث الآباء؟ يمثّل الآباء القدّيسون فكر الكنيسة الجامعة الذي تسلّمته من الرسل بفعل الروح القدس الذي يعمل بلا انقطاع في حياة الكنيسة. يتحدّث عنهم القديس أغسطينوس، قائلًا: [تمسّكوا بما وجدوه في الكنيسة، عملوا بما تعلّموه، وما تسلّموه من الآباء أودعوه في أيدي الأبناء] ، [من يحتقر الآباء القدّيسين إنّما يعرف أنّه يحتقر الكنيسة كلّها]. يقوم هذا السلطان على عاملين: عامل طبيعي إذ اتّسم الآباء بالحياة القدسيّة والأمانة في استلام وديعة الإيمان الحيّ من أيدي الرسل لذلك هم أقدر على الشهادة للحياة الكنسيّة من كل جوانبها، خاصة وأنهم يحملون الفكر الواحد، بالرغم من اختلاف الثقافات والمواهب والظروف، مع بُعد المسافات بين الكراسي الرسوليّة وصعوبة الاتصالات في ذلك الحين. والعامل الثاني إلهي حيث عاش الآباء منحصرين بالروح القدس قائد الكنيسة ومرشدها إلى كل الحق، يحفظها داخل دائرة صليب المسيح. هذا لا يعني عصمة الآباء كأفراد وإنّما تعيش الكنيسة الجامعة ككل محفوظة بروح الرب. "الَّذِينَ لَهُمْ وَحْدَهُمْ أُعْطِيَتِ الأَرْض، وَلَمْ يَعْبُرْ بَيْنَهُمْ غَرِيبٌ". [19] ما يقدمه أليفاز من حكمة تسلمها عن آبائه، إنما هي خبرة أناس موثوق فيهم ذوي مراكز سامية، أقدر من غيرهم على تدبير شئون الأرض، لا يشترك معهم إنسان جاهل غريب عن روح الحكمة. بينما قال أيوب: "الأرض مُسلمة ليد الشرير" (أي 9: 24)، إذا بأليفاز يقول له: "الأرض مسلمة ليد أناس حكماء قديسين موثوق فيهم"، وستبقى هكذا في يدهم، ولا تُسلم في يد غريبٍ عنهم. هنا ربما يلمح بأن أيوب ليس حكيمًا ولا قديسًا ولا بالشخص الموثوق فيه، وإلا لما نهب السبيئيون والكلدانيون ثروته وهم غرباء. ومن جانب آخر إذ فقد أيوب ممتلكاته، كمن طُرد من مركزه المرموق كملكٍ أو رئيس قبيلةٍ، فهو غير مستحق أن يوجد بين الحكماء الذين وحدهم أعطيت الأرض. لعله يشير هنا إلى الكنيسة على الأرض، فإن الذين يديرونها الحكماء السالكون بروح الآباء الأولين، تحت قيادة روح الله القدوس. هذا ولا يليق أن يوجد بينهم غريب، ليس له الروح الإنجيلي الكنسي الروحي الحق. "الشِّرِّيرُ هُوَ يَتَلَوَّى كُلَّ أَيَّامِهِ، وَكُلَّ عَدَدِ السِّنِينَ الْمَعْدُودَةِ لِلْعَاتِي". [20] يكاد يقول أليفاز في صراحة وبجرأة أن أيوب رجل شرير ينطبق عليه القول: "الشرير هو يتلوى كل أيامه، وكل عدد السنين المعدودة للعاتي". هكذا يتهم أيوب بالظلم والبطش، لذا تأهل أن يتلوى بالمحن والتجارب القاسية، ما فعله ارتد على رأسه، لذا لم يعد يوجد وقت للتظاهر بخلاف ما هو في داخله، فأيامه لا تطول. *أليفاز ملك التيمنيين وبلدد طاغية الشوحيين وصوفر ملك المينيين Mineans وبخوا أيوب بعنفٍ على أساس أنه عانى من مثل هذه العقوبات بسبب خطاياه. بنظرتهم التافهة لم يدركوا أن الرب سلمه ليُجرب، لكي ما يتشكل بالتجارب وينال إكليلًا أعظم مثل مصارعٍ لأجل المسيح. لهذا لم يروا سرّ الحكمة العظيم هذا. قلوبهم الضيقة كانت خائفة لئلا يظهروا أنهم يتهمون الله بالظلم إن سمحوا بقبول حلول عقوبات على إنسانٍ بار. لقد ألقوا المسئولية على أيوب البار من جهة العقوبات التي حلت به، قائلين: كل حياة الأشرار تنقضي في قلقٍ، و"الغني الذي يجمع بالظلم يُتقيأ خارجًا" (20: 15). ادعوا أنه عانى من كل الأحزان كإنسانٍ يتألم على الأرض بسبب خطاياه. القديس أمبروسيوس "السنوات التي تُعطى للظالم كثيرة". في هذا أيضًا لا يتكلم أليفاز بأمانة، فإنه حين يريد الله ذلك يضع نهاية لسلطان الظالم، فإنه لا يقيد بعددٍ من السنوات، ولا يُحد بزمنٍ ما. لقد قال هذا لأن أيوب قال: "البار والذي بلا لوم يُسلم للسخرية، لأنه في الوقت المعين يكون مُعدًا أن يموت بضربات الغريب، ويرى بيته يخرب بواسطة الأشرار" (12: 4-5). أراد أيوب أن يتحدث عن الزمن الذي خلاله يسمح الله للخطاة أن يعذبوا الأشرار (حك 2: 10) حسب قدرتهم (1 كو 10: 13)، بقصد أن يُجرب كل واحد حسب قياسه، معلنًا أنهم يحاربون من أجل الفضيلة حتى يكللوا. أما بالنسبة لأليفاز فإنه نطق بهذه الكلمات ضد أيوب: "يعطي سنوات عديدة للأقوياء" لكن هذه أيضًا عبارة مضللة، مثل العبارة التالية. "ورعبه في أذنيه" (21)، كيف يمكن أن يكون الرعب في أذنيه، هذا الذي لا يحفظ ناموس الله في قلبه، وكيف لا يفتح أذنيه إلى الذين يمكنهم أن يعلموه مخافة الله (مز 37: 31؛ 40: 8؛ 34: 12)؟ الأب هيسيخيوس الأورشليمي البابا غريغوريوس (الكبير) "صَوْتُ رُعُوبٍ فِي أُذُنَيْهِ. فِي سَاعَةِ سَلاَمٍ يَأْتِيهِ الْمُخَرِّبُ". [21] يرى أليفاز أنه يليق بأيوب ألا يدهش بأن صوت الأهوال لا يفارق أذنيه، فالسماء والأرض يقتصان لما سبق فعمله. ليس له أن يهرب من الضيق، فإن صوت شروره يلاحق أذنيه، فيكون كقايين الذي اعتقد أن كل من وجده يقتله (تك 4: 14). لسنا ننكر أنه "لا سلام قال الرب للأشرار" (إش 48: 22). لكن العبارة هنا تشير إلى السلام الداخلي الذي تنتزعه الخطية بعزلها للإنسان عن مصدر سلامه، أما الضيقات والمتاعب فقد تشتد بالقديسين لتزكيتهم وتقديسهم بروح الرب، كما قد تشتد بالأشرار لعلهم يرجعون إلى الله بالتوبة. أما من جهة السلام الخارجي والازدهار، فلا نتعجب إن كان المرتل يدهش لسلام الأشرار، قائلًا: "لأني غرت من المتكبرين، إذ رأيت سلامة الأشرار" (مز73: 3). إنه ليس بسلام حقيقي، إذ يقول كاتب سفر الحكمة:"ثم لم يكتفوا بضلالهم في معرفة الله، لكنهم غاصوا في حرب الجهل الشديدة، وهم يسمون مثل هذه الشرور سلامًا" (الحكمة 14: 22). لقد جاء السيد المسيح مخلصا للعالم، يهب السلام الحقيقي الداخلي لمؤمنيه. "لأنه يولد لنا ولد، ونُعطى ابنًا، وتكون الرياسة على كتفه، ويُدعى اسمه عجيبًا مشيرًا إلهًا قديرًا أبًا أبديًا رئيس السلام" (إش 9: 6) "ما أجمل على الجبال قدمي المبشر المخبر بالسلام، المبشر بالخير، المخبر بالخلاص القائل لصهيون: قد ملك إلهك" (إش 52: 7) "وهو مجروح لأجل معاصينا، مسحوق لأجل آثامنا، تأديب سلامنا عليه، وبحُبره شفينا" (اش 53: 5) "فإن الجبال تزول، والآكام تتزعزع، أما إحساني فلا يزول عنك، وعهد سلامي لا يتزعزع، قال راحمك الرب" (إش 54: 10) "وأقطع معهم عهد سلام، وانزع الوحوش الرديئة من الأرض، فيسكنون في البرية مطمئنين، وينامون في الوعور" (حز 34: 25). "وأقطع معهم عهد سلام، فيكون معهم عهدًا مؤبدًا واقرهم وأكثرهم، وأجعل مقدسي في وسطهم إلى الأبد" (حز 37: 26). "هوذا على الجبال قدما مبشرٍ، منادٍ بالسلام، عيدي يا يهوذا أعيادك، أوفي نذورك، فإنه لا يعود يعبر فيك أيضًا المهلك، قد انقرض كله" (نا 1: 15). "ليضيء على الجالسين في الظلمة وظلال الموت، لكي يهدي أقدامنا في طريق السلام" (لو 1: 79). "المجد لله في الأعالي، وعلى الأرض السلام، وبالناس المسرة" (لو 2: 14). "سلامًا أترك لكم، سلامي أعطيكم، ليس كما يعطي العالم أعطيكم أنا، لا تضطرب قلوبكم ولا ترهب" (يو 14: 27). "قد كلمتكم بهذا ليكون لكم فيّ سلام، في العالم سيكون لكم ضيق، ولكن ثقوا أنا قد غلبت العالم" (يو 16: 33). * "صوت مرعب دائمًا في أذنيه، وحين يوجد سلام يتوقع حدوث مكائد" [21]. ولكن ليس شيء أسعد من بساطة القلب... ولا يكون شيء مرعبٌ في اللقاء مع الغير. فإن البساطة تكون أشبه بقلعة للقوة، ولا يوجد ريب في اجتياز ما ليس فيه تذكر لذاته، لذلك حسنًا قال سليمان: "مخافة الرب ثقة عظيمة"، كما يقول: "الذهن الآمن يشبه وليمة دائمة" (أم 14: 26؛ 15: 15). فإن مجرد الراحة في أمان يشبه انتعاشًا دائمًا. من الجانب الآخر الفكر الشرير دائمًا في آلامٍ وأتعابٍ، إما لأنه يصارع مع محنٍ قد تحل به، يخشى أن تحل عليه بواسطة الغير. إذ يدبر مؤامرات ضد أقربائه يخشى الذهن من الخطط التي يدبرها الأقرباء ضده... وحين يوجد سلام يتخوف من حدوث مؤامرات، إذ يتعامل في مكرٍ على الدوام، واضعًا في ذهنه أنه ليس من يتعامل ببساطة معه. مكتوب: "عندما يسقط الشرير في حضرة الأشرار يدين" (أم 18: 3)، إذ تحوط به ظلمة شره، وبالتالي ييأس من وجود النور. لذلك قيل بعد ذلك: "إنه لا يؤمن أن يخرج من الظلمة، بل ينتظره السيف" [22]. البابا غريغوريوس (الكبير) "الرب يعطي عزًا لشعبه، الرب يبارك شعبه بالسلام" (مز 29: 11). "ليهتف ويفرح المبتغون حقي، وليقولوا دائمًا ليتعظم الرب المسرور بسلامة عبده" (مز 35: 27). "أما الودعاء فيرثون الأرض، ويتلذذون في كثرة السلامة" (مز 37: 11). "لاحظ الكامل وانظر المستقيم، فإن العقب لإنسان السلامة" (مز 37: 37). "فدى بسلام نفسي من قتال عليّ، لأنهم بكثرة كانوا حولي" (مز 55: 18). "تحمل الجبال سلامًا للشعب، والآكام بالبرّ" (مز 72: 3). "يشرق في أيامه الصديق، وكثرة السلام إلى أان يضمحل القمر" (مز 72: 7). "سلامة جزيلة لمحبي شريعتك، وليس لهم معثرة" (مز 119: 165). "الذي يجعل تخومك سلامًا، ويشبعك من شحم الحنطة" (مز 147: 14). "فإنها تزيدك طول أيام وسني حياة وسلامة" (أم 3: 2). "طرقها طرق نعم، وكل مسالكها سلام" (أم 3: 17). "إكليل الحكمة مخافة الرب، إنها تنشئ السلام والشفاء والعافية" (سيراخ 1: 22). "ولو أنك سلكت في طريق الله، لسكنت في السلام مدى الدهر" (با 3: 13). "فإذ قد تبررنا بالإيمان، لنا سلام مع الله بربنا يسوع المسيح" (رو 5: 1). "لأن اهتمام الجسد هو موت، ولكن اهتمام الروح هو حياة وسلام" (رو 8: 6). "وكيف يكرزون إن لم يُرسلوا، كما هو مكتوب: ما أجمل أقدام المبشرين بالسلام، المبشرين بالخيرات" (رو 10: 15). "لان ليس ملكوت الله اكلأ وشربًا، بل هو برّ وسلام وفرح في الروح القدس" (رو 14: 17). "فلنعكف إذًا على ما هو للسلام، وما هو للبنيان بعضنا لبعض" (رو 14: 19). "وليملأكم إله الرجاء كل سرور وسلام في الإيمان، لتزدادوا في الرجاء بقوة الروح القدس" (رو 15: 13). "إله السلام معكم أجمعين. امين" (رو 15: 33). "وإله السلام سيسحق الشيطان تحت أرجلكم سريعًا" (رو 16: 20). "نعمة لكم وسلام من الله أبينا والرب يسوع المسيح" (1 كو 1: 3). "ولكن الله قد دعانا في السلام" (1 كو 7: 15). "لأن الله ليس إله تشويش، بل اله سلام كما في جميع كنائس القديسين" (1 كو 14: 33). "وحاذين أرجلكم باستعداد إنجيل السلام" (أف 6: 15). "لاَ يَأْمُلُ الرُّجُوعَ مِنَ الظُّلْمَةِ، وَهُوَ مُرْتَقَبٌ لِلسَّيْفِ". [22] الشرير تلاحقه شروره، يفقد كل رجاء في الخروج من الظلمة التي تحوط به. يعيش في رعبٍ، كأن السيف مُسلط على رقبته، يترقب قتله بين لحظة وأخرى. ففي أعماقه يدرك "إن كان أحد يقتل بالسيف، فينبغي أن يُقتل بالسيف" (رؤ 13: 10). "ويشفون كسر بنت شعبي على عثمٍ قائلين: سلام سلام، ولا سلام" (إر 6: 14؛ 8: 11). "انتظرنا السلام، ولم يكن خير وزمان الشفاء، وإذا رعب" (إر 8: 15) "هل رفضت يهوذا رفضًا، أو كرهت نفسك صهيون، لماذا ضربتنا ولا شفاء لنا، انتظرنا السلام، فلم يكن خير وزمان الشفاء، فإذا رعب" (إر 14: 19) "ليست في جسدي صحة من جهة غضبك، ليست في عظامي سلامة من جهة خطيتي" (مز 38: 3). "وطريق السلام لم يعرفوه" (رو 3: 17). "وبادت مراعي السلام من أجل حمو غضب الرب" (إر 25: 37). "تَائِهٌ هُوَ لأَجْلِ الْخُبْزِ حَيْثُمَا يَجِدُهُ، وَيَعْلَمُ أَنَّ يَوْمَ الظُّلْمَةِ مُهَيَّأٌ بَيْنَ يَدَيْه"ِ. [23] يعيش الشرير في تيهٍ وفراغٍ، كمن هو جائع إلى كسرة خبز على عكس الصديقين (مز 37: 23-25). وأن يوم الظلمة، أو يوم الدينونة على الأبواب، مسرع إليه وليس من تأجيل. يوم الرب يكون نورًا للمؤمنين الأمناء، وظلامًا للأشرار حيث يحكم عليهم بالظلمة الدائمة الخارجية الأبدية. * عندما يمارس الإنسان أمورًا غير شرعية، إنما يخشى مما فعله! البابا غريغوريوس (الكبير) بدون قوة التواضع التي لا تُقهر لا ينتصر أحد. بالتواضع ينحني كبرياء المخادع، ويجعله مداسَ أرجل الودعاء المسالمين. أنظر كيف شق آباؤنا الجبابرة لنا الطريق، فلبسوا التواضع، حلة المسيح، وكيف أنهم غلبوا الثلاّب، وربطوه بقيود الظلمة(752). * أعد لي الشياطين تجربة يرتعب من سماعها السامعون... بوقاحتهم يعودون ويظهرون قسوتهم نحوي وهم يتوعدونني. وعندما أرسم أمامهم علامة الصليب حياتنا، يعودون إلى الظلمة التي هي نصيبهم، وتنطفئ نارهم. الشيخ الروحاني (يوحنا الدّلياتي) "يُرْهِبُهُ الضَّرُّ وَالضِّيقُ. يَتَجَبَّرَانِ عَلَيْهِ، كَمَلِكٍ مُسْتَعِدٍّ لِلْوَغَى". [24] الشرير يرهبه الضرر الداخلي وضيق النفس أكثر من المحن الخارجية. وكما يقول الرسول بولس: "سخط وغضب، شدة وضيق على كل نفس إنسان يفعل الشر" (رو 2: 8-9). فمن يفقد التصاقه بالله، تنفتح في داخله أبواب الجحيم الذي لا يُطاق. قد يظن الشرير أنه يتخلص من مخاوفه الداخلية، لكن هذه المخاوف تملك على قلبه وفكره وطاقاته الداخلية، وتستعبده، فيكون بكل كيانه أسيرًا كما لملكٍ قاسٍ مستعدٍ بجيوشٍ قويةٍ لا تُقهر، فمن يريد أن يسترد حريته ليبدأ بالحرية الداخلية بالمسيح يسوع محررنا، أو التحرر بالبرّ الإلهي ضد الشر. * "الضيق يجعله خائفًا، والشدائد تحاصره، كملكٍ يستعد للمعركة". في كل ما يفعله الشرير يكون السياج حوله كرب وبلية وشدائد، فترتبك نفسه بالقلق والهواجس، إنسان يشتاق سريًا أن يمنع خيرات الآخرين بالقوة، فإنه يتعب ويتضايق بأفكار قلبه، مترجيًا ألاَّ يوجد. آخر بهجره الحق يضع في ذهنه أن يكذب، حتى يخدع أذهان سامعيه. وأما التعب الشديد فهو أن يدافع بحذرٍ كافٍ أن لا يوجد خداعه لنفسه... لأن طريق الحق ممهد، وأما طريق الباطل فوعر. لذلك قيل بالنبي: "يتعلمون أن يتكلموا الكذب، ويربكوا أنفسهم بارتكاب الإثم" (إر 9: 5). البابا غريغوريوس (الكبير) هكذا الشيطان إذا أراد أن يدخلنا في شباكه فليس من الضروري أن يسيطر على كل سلوكنا وإيماننا، بل يكفيه البدء في السيطرة على سلوكنا. "ليس كل من يقول لي يا رب يا رب يدخل ملكوت السماوات بل الذي يفعل... فحينئذ أصرح لهم إني لم أعرفكم قط". * دُعي الشيطان قويًا ليس لأنه بالطبيعة هو هكذا، إنما بالإشارة إلى سلطانه الذي صار له بسبب ضعفنا". أي انحطاط أكثر من الشيطان الذي انتفخ؟! وأي علو للإنسان الذي يريد أن يتواضع؟! صار الأول يزحف على الأرض تحت أقدامنا، وارتفع الثاني مع الملائكة في العلا. القديس يوحنا الذهبي الفم القديس أثناسيوس الرسولي "لأَنَّهُ مَدَّ عَلَى اللهِ يَدَهُ، وَعَلَى الْقَدِيرِ تَجَبَّرَ". [25] "هَاجِمًا عَلَيْهِ، مُتَصَلِّبُ الْعُنُقِ بِتُرُوسِهِ الْغَلِيظَة"ِ. [26] "لأَنَّهُ قَدْ كَسَا وَجْهَهُ سَمْنا، وَرَبَّى شَحْمًا عَلَى كُلْيَتَيْه" [27] إذ يمد الشرير يده على الله، ويتجبر على القدير، يسحق نفسه بنفسه. يقول الأب هيسيخيوس الأورشليمي بأن أليفاز يشبه أيوب بالواشي (الشيطان) الذي كان قائدًا عظيمًا، يحتل الرتبة الأولى بين السمائيين وقد سقط (رؤ 12: 7-9). لقد رفع يده ضد الرب، ففقد عقله بمقاومته لله. ابتلعه الوهم، أي امتلأ بالكبرياء. وأخذ موقفًا معاديًا لله بالغطرسة. إنه مثل الشيطان الذي يضرب في المعركة ويختبئ، واضعًا الترس على كتفيه، يحمل قلبًا قاسيًا، يغطي وجهه بشحمه، أي بالرخاء، وإذ يتخم معدته بشر الخطاة لا يقدر أن يرفع وجهه أمام الخالق. يضع طبقتين من الشحم على فخذه، أي يمارس سلطانه خلال أمرين: الطمع والانغماس في الملذات. لكن باطلًا حاول أليفاز أن يقارن أيوب البار بالواشي الشيطان. ويرى البابا غريغوريوس (الكبير) أن هذه العبارات تنطبق على ضد المسيح، رئيس الأشرار نفسه، الذي إذ يرفع يده ضد الله يُقال عنه أنه "تقوى"، وذلك إلى حين، حيث يُسمح له أن يرتفع وأن يتمجد، فيُعاقب بلا شفقة إلى الأبد. إنه يبسط يده ضد الله، بمعنى أنه يثابر على فعل الشر، غير مبالٍ بأحكام الله. أما أنه يجري ضد الله بعنق غليظة، فيعني أنه يرتكب أمورًا شائنة تغضب الخالق. فإن مثل هذا الإنسان يُقال عنه أنه يجري في فعل الشر، ليس من عدو يعوقه. أما غلاظة رقبته فهي الغنى في الكبرياء تدعمه مخازن تفيض كما لو كانت من الجسد. أيضًا تنطبق هذه العبارات في رأي البابا غريغوريوس (الكبير) على الإنسان الشرير الذي يتسلح بالسلطة، فيتشامخ على الله، ويأخذ موقفًا ضد وصايا الحق. يتجاهل غنى الله، ويتسلح بالغنى الباطل للزمنيات. يغطي وجهه بالشحم، حيث يطلب شحم الخيرات الزمنية، دون أن تكون فيه مخافة الرب، يضايق الفقراء، ويتشامخ بقوة المجد الزمني. * كل المتكبرين يحملون رقابًا متشامخة، فلا يمارسون الشرور فحسب، بل ويرفضون أن يحسبوها شرورًا. وعندما يُنتهرون يبررون أنفسهم . * يحارب الأشرار الله، فتتحطم الأواني الخزفية وتصير كسرًا، هكذا ينتفخ البشر معتمدين على قوتهم الذاتية. هذا هو الدرع الذي يتحدث عنه أيوب بخصوص الشرير. "يجري ضد الله، على عنقه المتصلب لدرعه. ما هو "العنق المتصلب لدرعه"؟ ذاك الذي يعتمد بالأكثر جدًا على حمايته الذاتية. القديس أغسطينوس "فَيَسْكُنُ مُدُنًا خَرِبَة،ً بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَة،ٍ عَتِيدَةً أَنْ تَصِيرَ رُجَم ًالله" [28]. "ويسكن في مجتمعاتٍ مهجورة وبيوتٍ خربة صارت خرائب" (28 LXX). ربما ندهش لتعبير "مجتمعات مهجورة"، لأن كلمة "مجتمع" تأتي من اجتماع الناس معًا، فكيف تكون مهجورة؟ حيثما يوجد حشد ضخم من الأشرار، يشعر كل منهم بالعزلة، لأن الخطية تفسد علاقة الإنسان بإخوته، وتنزع عنهم الحب. كل يشعر كأنه ليس من يشاركه مشاعره، ولا من يفهم أعماقه. يرى البابا غريغوريوس (الكبير) أن سكان البيت هي الأفكار، فبالنسبة للأشرار لن تجد أفكارهم راحة، فيشعروا أنهم حطام وخرائب ليس من ساكنٍ فيها. "لاَ يَسْتَغْنِي، وَلاَ تَثْبُتُ ثَرْوَتُهُ، وَلاَ يَمْتَدُّ فِي الأَرْضِ مُقْتَنَاه"ُ. [29] لا يعرف الشرير الشعور بالشبع والاكتفاء، فهو لا يستغنى إذ يبقى على الدوام فقيرًا، ليس ما يملأ فراغه الداخلي، حتى وإن ملك الكثير من الغنى الخارجي. الثروة التي جمعها بالشر، تزول بشرٍ آخر. يتضاءل كل غناه حتى يتلاشى: "بنت ليلة كانت، وبنت ليلة هلكت" (يونان 4: 10). "الغنى الباطل يقل" (أم 13: 11). إذ يفقد الشرير أبناءه ويموت، يرثه الغرباء. "لا يمتد في الأرض مقتناه"، أي لا تطول مدة تمتعه بثروته. يبذل كل جهده ليترك ثروته لبنيه من بعده، لكنه يفشل في تحقيق ذلك. يقول البابا غريغوريوس (الكبير) إن الشرير يعاني من الفراغ الداخلي، لن يشعر قط بالشبع، حتى كيانه يبدو كعابرٍ بلا ثمرٍ. "لاَ تَزُولُ عَنْهُ الظُّلْمَةُ. أَغْصَانُهُ تُيَبِّسُهَا السُّمُومُ، وَبِنَفْخَةِ فَمِهِ يَزُولُ". [30] يعيش كمن في ظلمةٍ دائمةٍ، ويفسد أولاده كأبناء للظلمة، فيكونون كأغصان شجرة جفت واحترقت. جاء النص في الترجمة السبعينية ما يغني: "لن يقدر أن يهرب من الظلمة بأية وسيلةٍ: لتهب الريح على زهرته فتسقط". وكأنه يقول: إن الشرير يسقط في ظلمة لا يقدر الخلاص منها، أما نسله أو زهرته فتهب عليها الريح وتسقطها دون أن تتحول إلى ثمرٍ. ما ورد في الترجمة السبعينية عن زهرته جاء في النص العبري "أغصانه" التي تيّبسها السموم، أو ريح السموم الحارقة للزرع. إنه بنفخة فمه يزول الشرير حيث يموت فجأة. وكما قيل: "هذه الليلة تطلب نفسك منك" (لو 20: 12)، وأيضًا: "الشرير يُطرد بشره" (أم 14: 32). ومحبة العالم تزول مع زوال العالم. * إن أراد الإنسان المتكبر أن يرجع عن الخطية إلى البرّ يلزمه أن يرحل من الظلمة. لكنه إذ لا يبحث عن نور البرّ لا يرحل عن الظلمة. البابا غريغوريوس (الكبير) "لاَ يَتَّكِلْ عَلَى السُّوءِ. يَضِلُّ. لأَنَّ السُّوءَ يَكُونُ أُجْرَتَهُ". [31] كثيرًا ما يظن الإنسان أن الخداع وطرق الشر يمكن أن تنجيه. إنها في البداية تضلله، لكنه سرعان ما يشرب من كأس الشر الذي ملأه بنفسه. "هذه أجرة مبغضي من عند الرب، وأجرة المتكلمين شرا على نفسي" (مز 109: 20). "الشرير يكسب أجرة غش، والزارع البرّ أجرة أمانة" (أم 11: 18). "لان أجرة الخطية هي موت، وأما هبة الله فهي حياة أبدية بالمسيح يسوع ربنا" (رو 6: 23). "قَبْلَ يَوْمِهِ يُتَوَفَّى، وَسَعَفُهُ لاَ يَخْضَرُّ". [32] ليس فقط يفقد ثروته، إنما يفقد حياته سريعًا كمن يموت قبل موعده. حقا قد يعيش الأشرار حتى الشيخوخة، وقد يموت قديسون أبرار في سن الطفولة المبكرة. لكن سنوات الشرير تُحسب كلا شيء، إذ تكون سنوات عمره أشبه بالرماد، بينما يوم واحد من أيام القديسين يُحسب في عيني الله كألف سنة. "لأن ألف سنة في عينيك مثل يوم أمس بعدما عبر، وكهزيع من الليل" (مز 90: 4). "ولكن لا يخف عليكم هذا الشيء الواحد أيها الأحباء أن يومًا واحدًا عند الرب كألف سنة، وألف سنة كيومٍ واحدٍ (2 بط 3: 8). حتى أولاده الذين ظن أنهم يكون من عظماء هذا الدهر يصيرون سعفًا جافا "لا يخضر". ما هو السعف الذي لا يخضر إلا الثمر الروحي للمؤمن، فإنه إن سلك بالشر يجف ثمر روح الله القدوس فيه، فيكون علة دينونة عوض مساندته. * كان أيوب مترجيًا هذا، وذلك بسبب آلامه وصبره، يتقبل من الله مكافأة ميراثه. يقول أليفاز "كأسه" أو حصاده سيهلك قبل زمن (الحصاد)، بالتأكيد يقصد أنه يهلك قبل زمن المكافأة. "وفرعه (في الشجرة) لن يزدهر"...هكذا يعلن أليفاز أن أيوب وهو يتوقع منافع عظيمة جدًا، منتظرًا إياها كما لو كانت في يديه، سيصاب بخيبة أملٍ ولن ينال شيئًا من توقعاته. الأب هيسيخيوس الأورشليمي هذه العبارة أيضًا يمكن أن نفهمها بمعنى آخر. نرى عادة أشخاصًا يسلكون في الشر، ومع هذا يبلغون إلى شيخوخة متأخرة جدًا. إذن كيف يُقال: "قبل أن تكتمل أيامه يهلك"، بينما نرى من بينهم أشخاصًا ترتعش أطرافهم بسبب الشيخوخة، مع ذلك فإن أهواءهم لا تكف عن أن تحمل إليهم شرورهم؟ إنه يوجد البعض بعد أن فقدوا طريق الحياة ارتدوا، وصار ضميرهم يعذبهم، فتركوا طرقهم الوقحة، واستبدلوا أفعالهم، وقاوموا شرورهم القديمة، وهربوا من الأرضيات، واتبعوا أهدافًا سماوية، لكنهم قبل أن يثبتوا في هذه الأهداف المقدسة، وإماتة الفكر، عادوا إلى ما كانوا عليه في البداية، وسقطوا في عاداتهم الشريرة التي قرروا تركها... فإنه ما لم يثبت القلب أولًا في الشهوات السماوية بالطلب المستمر، والاهتداء المستمر، فإنه إذ يرتد لتنفيذ أمورٍ خارجية، يُقتلع من ثباته في العمل الصالح. البابا غريغوريوس (الكبير) "يُسَاقِطُ كَالْكَرْمَةِ حِصْرِمَهُ، وَيَنْثُرُ كَالزَّيْتُونِ زَهْرُهُ". [33] يكون أولاده كحصرم العنب المُرْ، الذي يسقط من الكرمة قبل أن ينمو وينضج، وكزهر الزيتون الذي يتساقط، ولا يتحول إلى ثمرٍ. يموت أولاده في فجر حياتهم، ولا يبلغون ما اشتهاه لهم. * "عنقوده يفسد مثل كرمة في بدء ازدهارها، ومثل زيتونة تطرح زهرها. فإن جماعة المرائين ستكون عقيمة". لنتأمل كيف أن المرائي يفسد مثل كرمة في بدء ازدهارها أو مثل زيتونة تطرح زهرها. إن كانت كرمة ما عندما تخرج زهورها ويلمسها برد شديد خلال تغير الجو فجأة، تفقد كل رطوبتها أو خضرتها. يوجد البعض الذين بعد سلوكهم فترات من الشر يشتاقون إلى طرق القداسة، ولكن قبل أن تثبت فيهم الشهوات الصالحة - كما قلنا - يحل بهم نوعٌ من الرخاء للحياة الحاضرة، فيرتبكون به في اهتمامات خارجية، وإذ ينسحب فكرهم عن حرارة الحب الداخلي، يصير كما لو أن بردًا يحلً بهم، فيُقتل فيهم كل ما بدأ يظهر فيهم من نبتات للفضيلة. فإنه بالتصرفات الأرضية يصير الذهن باردًا للغاية إن لم يثبت في الداخل... "ويكون مثل زيتونة تطرح زهورها"، فإذ تكون الزيتونة قد أزهرت، وتتلامس مع ضباب كثيف تتجرد من كمال الثمار. وكما أن الكثيرين من الذين يدخلون إلى الأعمال الصالحة يُمدحون كثيرًا من الذين يرونهم، وإذ يجدون لذة في مديحهم يحل ضباب على أفكارهم، فلا يعودوا يميزون بأية نية يفعلون هذا، فيفقدون ثمر عملهم، بضباب حب المديح. حسنًا قيل بسليمان: "لنبكر إلى الكرم لنرى إن كانت الكروم قد أزهرت، وحملت الزهور ثمارًا" (نش 7: 12). تزهر الكروم عندما تقدم أذهان المؤمنين أعمالًا صالحة، لكنهم لا يحملون ثمرًا إن كانوا في هدفهم لا يستطيعون التغلب على ممارستهم الخاطئة. * يبدو المراءون مثمرين ومخضرين في أعين زملائهم المخلوقين، لكنهم في نظر الديان الخفي يظهرون بلا ثمر وذابلين. البابا غريغوريوس (الكبير) "لأَنَّ جَمَاعَةَ الْفُجَّارِ عَاقِرٌ، وَالنَّارُ تَأْكُلُ خِيَامَ الرَّشْوَةِ". [34] * تحرق النار الخيام، عندما تُفسد حرارة الطمع الأفكار. فكر المرائي لن يستريح من التفكير في الشر، فإذ يسير وراء الأرضيات أو حب المديح يتذمر على ما للآخرين، فيركض لاهثًا لكي تكون له، ويبذل جهده لكي يُظهر الآخرين أشرارًا إن قورنوا به، إذ يود أن يظهر أكثر قداسة من العالم كله. إذ يجعل الغير مُحتَقَرين يحاول أن يظهر في كل وقت أنه مستحق للكرامة. لهذا إذ يطلب المديح من قريبه يبسط شباك لسانه أمام الحكم على زملائه في الخليقة، حتى يتصيد الفكرة الصالحة عنه عند الذين يطلب أن يسرهم. البابا غريغوريوس (الكبير) "حَبِلَ شَقَاوَةً وَوَلَدَ إِثْما،ً وَبَطْنُهُ أَنْشَأَ غِشًّا". [35] * "إنه يحبل بالأحزان". وما هي ثمرة هذا؟ "يحل به الباطل، وتحمل بطنه خداعًا". أو بالحري "سيحمل" مما يأتي من "الخداع"، يحمل الخداع نفسه، بحمله أمورًا لا نفع لها، ولا تفيده في شيء. لو أن أليفاز كان يفكر في هذه الأمور كلها واقعيًا، لو أنه التقى هنا بمخادعين، ما كان قد فكر بطريقة صادقة وبإخلاص، لأن الحكم على كثير من المخادعين محفوظ للعصور المقبلة. وإن كان يتحدث عن مكافآت مقبلة، فإنه يسيء إلى أيوب باطلًا. باطلًا كان يدينه على أحزانه. لأن بهاء هذه الحياة كثيرًا ما يحل على عبيد الطمع، ومآسي الحياة على الأبرار. لم يقرر الله ذلك خطأ بل بالاستقامة تمامًا. فإنه لا يمنح البار بهاء هذه الحياة التي شبعها أوراق شجر، وقوتها ظل، وغناها قش، ومجدها دخان، أما البار فيتأهل لملكوت السماوات، وعدم الفساد، وعدم الموت، والمجد العلوي، الذي فيه يفرح الشخص مع الملائكة. هذا هو السبب أنهم حتى إن أنهكوا أنفسهم بالعرق، ولاقوا متاعب كثيرة، لا يلومون الديان، عالمين أنهم بهذه الأحزان البسيطة ينالون المجد المقبل (2كو4: 17)، الذي سيُعلن لنا (رو8: 18) من الآب والابن والروح القدس. الأب هيسيخيوس الأورشليمي بالتمتع بالحسد يحبل ويلًا، وبالنطق بالافتراءات يلد إثمًا. إنه لشر عظيم عندما يجاهد الشرير أن يُظهر الآخرين أشرارًا، حتى يبدو هو نفسه قديسًا، إذ يظهر الغير نجسين. يلزمنا أن نضع في ذهننا أن الكتاب المقدس يستخدم لقب "البطن" أو "الرحم" ليُفهم بهما "العقل". قيل بسليمان: "سراج الرب طرق البشر يبحث عن كل الأجزاء الداخلية للذهن" (أم 20: 27). بلقب "الرحم" بحق يُفهم العقل، فكما أن النسل يُحبل به في الرحم، هكذا الفكر يتولد في العقل. وكما أن اللحم يوجد في البطن هكذا الأفكار في العقل. فإن رحم المرائي يعد خداعات، إذ يحبل دومًا في عقله شرورًا عظيمة ضد أقربائه، تتناسب مع أهدافه نحو نفسه أن يظهر بريئًا أمام كل البشر. البابا غريغوريوس (الكبير) |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
أيوب | رعب الأشرار |
بينما كان أيوب يتحدث عن كل الأشرار فجأة حول كلماته إلى رئيس كل الأشرار |
أيوب | نزع ذكر الأشرار |
أيوب | نور الأشرار ينطفئ |
أيوب |حاول أن يثير فيهم الخوف من دينونة الله |