10 - 03 - 2023, 03:41 PM
|
|
|
† Admin Woman †
|
|
|
|
|
|
صرخة لوقف التأديب
إِنَّمَا أَمْرَيْنِ لاَ تَفْعَلْ بِي،
فَحِينَئِذٍ لاَ أَخْتَفِي مِنْ حَضْرَتِكَ [20].
مع ما حلٌ بأيوب، فإنه لا يريد أن يختفي من وجه الله مثل أبيه آدم، وإنما يريد أن يتراءى في حضرته.
مع اعتراف أيوب في أكثر من موضع بخطاياه إلا أنه يريد أن يكون دومًا مع الله. "أعلمني ذنبي وخطيتي، لماذا تحجب وجهك، وتحسبني عدوًا لك؟" (أي 24:13).
اشتهى أيوب أمرين بهما يقف في حضرة الديان، لا في خوفٍ من محاكمة، بل كخالق محبٍ لمؤمنيه.
هذا ما يدفعه للشوق إلى الوقوف أمام الله، وعدم الرغبة في الاختفاء من حضرته كما فعله أبوانا الأولان حين ظنا أن ظلال شجرة التين تخفيهما عن خالقهما. ولكن ما هما هذان الأمران؟ أشار إليهما في العبارة التالية [21].
يقول الله نفسه بالنبي: "أنا الله القريب، ولست الله البعيد." (إر 23: 23 LXX)
* أينما توجد يأتي إليك الله إن وجد حجرات في نفسك بطريقة يمكنه أن يسكن فيها.
* الثالوث القدوس قريب من كل الأشياء، لكن ليس كل الأشياء قريبة منه.
المدعو ديونيسيوس الأريوباغي * ليكن الله الحي حاضرًا على الدوام في ذهنك. فإن ذهنك ذاته هو على مثاله، هو أيضًا غير منظور ولا مدرك، ولا يُمثل بأي شكل، ومع هذا بإرادته يتحرك كل الجسم.
أَبْعِدْ يَدَيْكَ عَنِّي،
وَلاَ تَدَعْ هَيْبَتَكَ تُرْعِبُنِي [21].
ربما عني بالأمرين الآتي:
1. "أبعد يدك عني": ربما طالبه لا أن ينزع التجربة عنه، بل أن يخففها. ففي تخفيفها يجد فرصته للهدوء، والتحرر من الانزعاج، فيتفرغ للحديث مع الله. فهو لا يطلب تخفيف آلامه لكي يفتخر أمام أصدقائه أنه ليس بشريرٍ كما ادعوا، وأن ما يشغله هو الوقوف في حضرة الله.
2. يعلم أيوب هيبة الله، هذه المهابة مبعث فرح وبهجة للمؤمن الأمين وليست مبعث رعب!
* "محتاج إلى أمرين، عندئذ لا أخفي نفسي عن وجهك" [20] ما هما الأمران الذي يحتاج إليهما أيوب من الله؛ هذان اللذان كما يقول إن نالهما لا يخفي نفسه عن وجه الديان؟
"أمسك يدك عني، ولا تدع خوفك يرعبني" [21]... عن هذا قال داود: "انزع ضرباتك عني، لقد هزلت بسبب قوة يدك" (مز 39: 10)... أنت غير الفاسد، وأما أنا ففاسد (رو 1: 23). أنت هو السيد، وأنا عبد، كمصارعٍ تحت التمرين، كجنديٍ مسلح. أنت تتكلم، وأنا أجاوب، ليس في جسارة أعارض، بل رغبة في نوال الحكمة، وأن أتعلم خلال الكلام والاستماع.
يرى البابا غريغوريوس (الكبير)في هذين الطلبين أن يمسك يده ولا يدع خوفه أن يرعبه نبوة عن الاشتياق إلى عصر النعمة، حيث لا تحل بالمؤمنين ضربات الغضب الإلهي بكسر الناموس، ولكي لا يعود المؤمنون يعبدون الله خلال الخوف كما في العهد القديم، بل خلال الحب. [لا يمكن للبرّ أن يكمل بالخوف، وبحسب صوت يوحنا: "المحبة الكاملة تطرد الخوف" (1 يو 1: 18). ويقدم بولس راحة لأبناء التبني، قائلًا: "لأنكم لم تأخذوا روح العبودية أيضًا للخوف، بل أخذتم روح التبني الذي به نصرخ يا أبا، الأب" (رو 8: 15). لذلك بصوت البشرية المشتاقة إلى إزالة قسوة ضربة الناموس، ورغبة حارة للتقدم من الخوف إلى الحب يحدد في الصلاة أمرين أن ينزعهما الله عنه، قائلا: "انزع يدك بعيدًا عني، ولا تدع خوفك يرعبني". انزعني من قسوة الضربة، ارفع ثقل الرعب؛ وعندما تشرق عليَّ نعمة الحب اسكب عليَّ روح الطمأنينة. إن لم أُنتزع من العصا ومن الرعب، فإني أعرف إنني لن أُسحب من حزم امتحانك. من يخدمك ليس على أساس الحب بل على أساس الخوف لا يقدر أن يتبرر أمامك.]
ثُمَّ ادْعُ فَأَنَا أُجِيبُ،
أَوْ أَتَكَلَّمُ فَتُجَاوِبُنِي [22].
بهذين الأمرين يوجد في حضرة الله، ويدخل في حوار ممتع. يتكلم الله وأيوب يجيب، ويتكلم أيوب، والله يحجب. هذا هو الحب المشترك بين الله ومؤمنيه. هذه هي الدالة العجيبة التي لنا حين تقف أمام عرش النعمة الإلهية.
* "لتدعوني وأنا أجيب، أو دعني أتكلم، وأنت تجيبني"... دعوة الله لنا هي تقديره لنا بالحب واختياره لنا، وإجابتنا نحن هي خضوعنا بالطاعة لحبه بالأعمال الصالحة... من يركض لاهثًا مشتاقًا إلى العالم الأبدي يفحص أعماله، يضع في نفسه أن يعمل بدقة عظيمة، ويفحص نفسه تمامًا لئلا يوجد فيه شيء يكون به معارضًا وجه خالقه.
البابا غريغوريوس (الكبير)
|