رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
ليس بالضرورة يهلك الأشرار في العالم خِيَامُ (اللصوص) الْمُخَرِّبِينَ مُسْتَرِيحَةٌ، وَالَّذِينَ يُغِيظُونَ اللهَ مُطْمَئِنُّونَ، الَّذِينَ يَأْتُونَ بِإِلَهِهِمْ فِي يَدِهِمْ! [6] لا نعجب إن رأينا الأشرار إذ يعيشون في وسع وفيض، وتبدو حياتهم ناجحة لا ينقصهم شيء، يسخرون من المؤمنين المجربين، الذين يعانون من الضيق. إنهم كالعشب الذي يسخر بالاشجار في فصل الشتاء وقد زالت عنها الأوراق الخضراء وتبدو بلا حياة كأنها لن تثمر، ولا تصلح إلا كوقود للنار. لكن لكل شيئ زمن معين من قبل الله. فسرعان ما يجف العشب، ويأتي فصل الربيع فنرى العشب قد زال وربما حل غيره، أما الأشجار التي كانت تبدو جافة تحمل أوراقا وثمارا ولها جمال خاص. هكذا تطلع أيوب إلى أصحابه الذين جعلوه موضوع سخريتهم فتغني بالقول أن لكل شيء عند الله زمان. اعترض أيوب على المبدأ الذي تمسك به أصدقاؤه وهو أن الأشرار لا يمكن أن يطول نجاحهم في العالم، بل حتمًا تحل بهم النكبات فجأة. وقرر أن الله له حكمته في تصرفه مع الناس، فقد يؤجل الجزاء أو العقاب للعالم الآخر. لهذا يقول إن خيام اللصوص أحيانًا تكون مزدهرة، يمارسون التجديف والعنف واضطهاد الغير ومع هذا فهم ناجحون. ولعله يشير هنا إلى السبئيين والكلدانيين الذين نهبوا ممتلكاته ومع هذا يبدو أنهم ناجحون. ليس بالأمر الغريب أن الذين يمارسون الشر أشبه بلصوص متغطرسين لا يبالون بعلاقتهم بالله. يسلبون الغير بالغدر والخيانة، ولا يخشون أي ضرر يحل بهم. *"مع هذا ليت الأشرار لا يتوقعون خروجهم دون عقاب" [6 LXX]. ليته لا يخطئ أحد في تقدير طول أناة الله، أو يفشل في وضع الدينونة القادمة في اعتباره. ليته لا يعتقد أحد أن الديان العادل يترك أعمال الأشرار دون تأديب. ليتعلم درسًا من الأحكام التي حلت بفرعون (خر 14: 4) ونبوخذنصر (إر 5: 57) وإيزابل (2 مل 9: 7-10)، والعمالقة (باروخ 3: 27-28) وبني قورح (عد 16: 31)، وجماعة داثان (عد 26: 9-10) ومدينتي سدوم وعمورة (تك 19: 24-25)، وكل بقية الأمم. فإن التطلع إلى هذه الأمم الشريرة وكيف استخفوا بطول أناة الله يجعلنا نقف قليلًا، ونخشى العقوبة التي قد تحل بمثلهم. الأب هيسيخيوس الأورشليمي * هذا التبن لا يُهلك من هم حنطة الرب، والذين هم قليلون إن قورنوا بالآخرين، لكنهم هم جمع عظيم. لا يهلك مختارو الله الذين يُجمعون من أقاصي العالم، من أربعة رياح، من أقصى السماء إلى أقصاها (مت 24: 31). يصرخ المختارون قائلين: "خلِّص يا رب، لأنه قد انقرض التقي، لأنه قد انقطع الأمناء من بني البشر" (مز 12: 1). فيقول لهم الرب: "من يصبر إلى المنتهى (حيث يُقيد الشرّ) فهذا يخلُص" (مت 24: 13).] القديس أغسطينوس * ليس من أجل التبن تهلك الحنطة (مت 3: 12)، ولا من أجل السمك الرديء، لا يؤخذ في الأوعية شيء من الشبكة (مت 13: 47)... لقد سبق فعيننا قبل أن نُولد، واعدًا إيانا بيقين: "الذين سبق فعينهم فهؤلاء دعاهم أيضًا، والذين دعاهم فهؤلاء بررهم أيضًا، والذين بررهم فهؤلاء مجدهم أيضًا" (رو 8: 30).] كما يقول: [حتى إن كانت البذار مختفية في التبن لكنها معروفة لدى صاحب الحقل. لا يخف أحد متى كان بذرة، حتى وإن كان وسط تبن، فإن عيني الذي يذرينا لا تنخدعان .] القديس أغسطينوس وَطُيُورَ السَّمَاءِ فَتُخْبِرَكَ [7]. يظهر أيوب ما حسبه هؤلاء الثلاثة حكمة يفتخرون بها ليست إلا معرفة طبيعية تُعَلِّم بها كل الخليقة، حتى البهائم وطيور السماء. * يقول: اسأل حتى الذين بلا نطق (أي 12: 7)، فقد تنقصهم اللغة، لكنهم يشيرون بطريق طبيعي، إذ يعرفون خالقهم، ويعترفون بأنه صانعهم، وأنه سرّ وجودهم. الآن اسأل البهائم بأمر منْ تكلم حمار بلعام (عد 22: 26)؟ هكذا اسأل طيور السماء: لماذا قاتَ الغربان إيليا (1 مل 17: 4-6)؟ الأب هيسيخيوس الأورشليمي * إذا كنت في حدود الليل تتأمَّل الجمال الأخَّاذ الذي للنجوم. فإنك ترى الفنَّان الذي صمَّمها وزيَّن السماء بهذه الورود. إذ كنت في الصباح المبكِّر، تتعلَّم عن عجائب النهار، وخلال الأشياء المنظورة تصل إلى غير المنظور. * ليكن بهاء هذه الأشياء المنظورة مدعاة لنا لفهم غير المنظور والذي هو فوق كل جمال أرضي. ولترفعنا روعة هذه المحسوسات المحدودة إلى إدراك سمو من هو سرمدي غير محدود ذو جبروت يتخطى مدارك عقولنا وإفهامنا. * هل عبر اليوم؟ أشكر ذاك الذي قدم لنا الشمس لخدمة عملنا النهاري، ويهبنا نارًا لكي تنير الليل وتخدم احتياجاتنا الأخرى في الحياة. ليت الليل أيضًا يوحي لنا بما يدفعنا للصلاة. عندما تتطلع إلى السماء وترى جمال النجوم صلِّ إلى رب كل الأشياء المنظورة، خالق المسكونة الذي بحكمة صنع الكل (مز 104:24). وعندما ترى كل الطبيعة تغُط في النوم، مرة أخرى أسجد لذاك الذي حتى بغير إرادتنا يعتقنا من ضغط العمل المستمر، وبفترة راحة صغيرة يردنا مرة أخرى إلى نشاط قوتنا. لا تسمح لليل بأكمله إن يكون للنوِم لا تسمح لنصف عمرك أن ينقضي بلا فائدة في نوم ببلادة وسباتٍ. بل قسم وقت الليل بين النوم والصلاة. وليكن نومك الخفيف ذاته تداريب للتقوى. فإن أحلامنا أثناء النوم غالبًا ما تكون انعكاسات لأفكارنا في النهار. القديس باسيليوس الكبير أَوْ كَلِّمِ الأَرْضَ فَتُعَلِّمَكَ، وَيُحَدِّثَكَ سَمَكُ الْبَحْرِ [8]. كل الخلائق غير الناطقة تشهد أن الكبير يلتهم الصغير كالسمك، والقوي يفترس الصغير كالحيوانات المفترسة. لو لم تدخل الخطية لما حدث هذا كله، إنما "الذئب والخروف يسكنان معًا" (إش 11: 6). * من يقدر أن يعرف كيفية الولادة الأزلية؟ الآب الذي ولد ليس بطريقة يمكن لإنسان أن يفهمها بل يقدر وحده أن يفهمها. فإننا نعرف ألاّ نخبر عن الطريقة التي ولده بها، بل نصر أنها ليست بهذه الكيفية وليس فقط نحن نجهل مولد الابن من الآب، بل نجهل حتى كل طبيعة مخلوقة. "أو كلم الأرض فتعلمك" (أي 12: 8). وبالرغم من إنك تسأل كل الأشياء التي على الأرض، فإنها تعجز عن أن تخبرك. لأن الأرض لا تقدر أن تخبر عن جوهر الذي شكَّلها كخزاف وصنعها. وليس فقط الأرض بل الشمس أيضًا... والسماء أيضًا لا تعلن ذلك... ولا سماء السماوات. القديس كيرلس الأورشليمي الأب هيسيخيوس الأورشليمي فلا تحتقر الأسماك لأنها خرساء وغير ناطقة، وخف أن تكون أقلّ تعقُّلًا منها حينما تخالف أوامر خالقك. استمع إلى الأسماك، لا ينقصها غير النطق، وسلوكها يقول لك: إن حفظ الجنس يحملها على مباشرة هذا السفر الطويل. ليس عندها إدراك، بل شريعة طبيعيَّة راسخة كل الرسوخ في غريزتها تدفعها إلى ما يجب أن تعمل. فتقول: هلم بنا إلى البحر الأسود... إن ماءه أعذب من ماء سواه، والشمس فوقه أقل حرارة فلا تمتص ماءه الحلو كله، لهذا يصعد السمك في الأنهار ويبعد عن البحار، ويفضِّل البحر الأسود ليستقبل ويربِّي فيه صغاره، ومتى قضى هناك مأربه، عاد جميعًا أدراجه، لماذا؟ كأنه بمسلكه يقول لنا: "البحر الأسود قليل الأعماق، عرضة للعواصف العنيفة، قليل الملاجئ، وكثيرًا ما تقلبه الرياح الهوجاء رأسًا على عقب، وتعكِّره أكوام من الرمال. وهو فوق ذلك بارد شتاءً، لما يصب فيه من الأنهار العظيمة"، فيهجره السمك، بعد ما أفاد منه صيفًا، ويعجِّل العودة إلى دفء المياه العميقة، والمناطق التي بها دفء الشمس، فيستريح في بحر هادئ بعيدًا عن ريح الشمال العاتية. لقد رأيت هذا المشهد وأُعجبت بحكمة الله الشاملة. فإذا كانت البهائم فاقدة النطق تخضع لغرائز كامنة، وتعرف كيف تتدارك أمور معاشها، وإذا كان السمك يعرف ما يجب أن يختار وما يجب أن يجتنب، فماذا نقول نحن، وقد تشرَّفنا بطبيعة عاقلة، وتثقَّفنا بالشريعة، ودُعينا بالمواعيد الإلهيَّة وتشرَّبنا الحكمة بالروح القدس، فهل ندبِّر شؤوننا تدبيرًا دون الأسماك تعقلًا؟ أتعلم هي أن تتدارك بعض الأمور قبل وقوعها، ونحن بخلافها نكاد لا نكترث، ونفني عمرنا في الملذَّات البهيميَّة. تقطع السمكة البحار كلها بحثًا عن بعض منافعةا، وأنت ماذا تقول، إذا كنت تعيش في التواني والكسل؟ فلا يحتج أحد بالجهل فإن فينا ذهنًا طبيعيًا يبيِّن لنا لياقة الخير وينفّرنا من الأفعال المضرَّة . القديس باسيليوس الكبير كل كائن عاقل أو حتى غير عاقل، يمكنه أن يدرك أن الله خالقه، وأنه هو الذي يعوله. الَّذِي بِيَدِهِ نَفَسُ كُلِّ حَيٍّ، وَرُوحُ كُلِّ الْبَشَرِ [10]. * "أليست حياة كل حي في يده؟" لماذا كل صغار الغربان تدعوه (مز 147: 9)؟ لماذا تطلب الأشبال الطعام من الله (مز 104: 21)؟ إن كانت هذه الخلائق تضع في اعتبارها خالقها، فكم يليق بنا نحن الذين جاء بنا إلى الوجود؟! نحن الذين نجهل أن "روح كل بشر" في يد الله، هذا الذي من البدء نفخ فينا نسمة حياة (تك 2: 7). لقد أظهر ذلك داود في أغانيه النبوية: "تأخذ نسمتهم فيعودون إلى ترابهم" (مز 104: 29). الأب هيسيخيوس الأورشليمي البابا غريغوريوس (الكبير) * حقيقة وجودنا ليس ثمرة استحقاق أعمالنا، إنما هي نعمة من قبل خالقنا. * (بخصوص الخليقة العاقلة) أيا كان الصلاح الموجود فيها فهو ليس صلاحًا بالطبيعة، إنما هو عطية خيِّرة من قبل خالقها... فقد وهبها الخالق العقل، وأعطاها حرية الحركة بإرادة حرة، لكي يحسب الخير الذي فيها كأنه خيرها، وذلك باحتفاظها بالإرادة الحرة(647). * ليس أحد - سواء كان يهوديًا أو أمميًا - خالٍ من هذا الناموس الذي في البشر بالطبيعة. فقد أعطى الله الإنسان كل المشاعر والأحاسيس التي يستطيع بها أن يصارع لأجل بقائه في الفضيلة ونموه فيها. بجانب هذا غرس الله فيه قوة العقل، به يدرك ماذا ينبغي أن يفعل وماذا يتجنب. وهب الله هذا للجميع على حد سواء. العلامة أوريجينوس أَفَلَيْسَتِ الأُذُنُ تَمْتَحِنُ الأَقْوَالَ، كَمَا أَنَّ الْحَنَكَ يَسْتَطْعِمُ طَعَامَهُ؟ [11] يليق بالأذن ألا تصدق كل ما تسمعه، بل تميز بين الحق والباطل، كما يميز الفم بين الحلو والمر. وإن كانت الأذن كما الفم يلزمها تمييز ما يُعرض عليها سواء الاستماع أو الطعام، أفلا يليق بالإنسان أن يحمل روح التمييز ليعرف التعاليم الصادقة من غير السليمة (1 كو 10: 15؛ 11: 13)؟ * لا يتحدث عن أذن الجسم، بل أذن الروح. فبالآذان الجسدية نسمح أصوات الكلمات، أما بالآذان الداخلية فنميز الفكر والكلمات. كذلك "الحنك (خاصة التذوق) يستطعم الطعام" بمعنى أن يقدره بالنسبة للذته. هكذا فإن حنك الروح يميز فائدته. الأب هيسيخيوس الأورشليمي القديس يوحنا الذهبي الفم بينما توجد حكمة واحدة تسكن في إنسانٍ أقل مما في آخر... إلا أنها في ذاتها لا تحمل اختلافات فيما بينها، لكن بواسطتها نمارس عمليات متباينة مختلفة، فواحد ينال عطية حكمة، وآخر عطية معرفة، وآخر ألسنة، وآخر موهبة شفاء... يدين الطوباوي أيوب عدم خبرة أصحابه، ووقاحة كل من ينتفخ مدعيًا أنه قد تعلم في الحكمة. فإن معرفة شيءٍ ما عن الله شيء، وتذوق ما تعرفه بفهمٍ شيء آخر. البابا غريغوريوس (الكبير) لقد رأيتم إذن كيف أن موهبة التمييز ليست موهبة أرضية، ولا هي بالأمر الهيّن ، إنما هي عطية عظمى تهبها النعمة الإلهية. إن لم يسعَ الإنسان بكل حماس نحو التمييز... حتمًا يخطئ ويصير كمن هو في ظلمة الليل وحلكة الظلام، ولا يسقط فقط في الأشراك والأهواء بل ويخطئ حتى في الأمور السهلة... يعلم التمييز أن يسير الإنسان في الطريق الملوكي، من غير أن يسمح له بالتطرف اليميني في الفضيلة، أي المغالاة وتجاوز حدود الاعتدال في جسارة ووقاحة، كما لا يسمح له بالكسل... هذا هو التمييز الذي يعبر عنه الكتاب المقدس بـ"العين" أو "نور الجسد"، وذلك كقول المخلص: "سراج الجسد هو العين. فإن كانت عينك بسيطة فجسدك كله يكون نيرًا. وإن كانت عينك شريرة فجسدك كله يكون مظلمًا.." (مت 22:6، 23). لأنها هي التي تميز كل الأفكار والأعمال، وترى كل شيء وتراقب ما سيحدث. فإذا كانت عين الإنسان "شريرة" أي غير محصنة بصوت الحكمة والمعرفة، مخدوعة ببعض الأخطاء والعجرفة (في العبادة)، فإنها تجعل جسدنا "كله يكون مظلمًا". تظلم عقولنا وتصير أعمالنا في ظلام الرذيلة ودجى الاضطرابات، وإذ يقول: "فإن كان النور الذي فيك ظلامًا فالظلام كم يكون؟!" (مت 23:6). فلا يستطيع أحد أن يشك في أنه متى كان "الحكم في الأمور" في القلب خاطئًا، أي كان القلب مملوء جهلًا، تكون أفكارنا وأعمالنا، التي هي ثمرة التمييز والتأمل، في ظلام الخطية العظمى. الأب موسى |
|