رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الرؤى والأحلام من وجهة نظر مسيحية العَديد من النَّاس يظُهِرونَ اهتِماماً كَبيراً بما يرآه النائم، ويهرعون إلى معبري الرؤي وكُتُب تعبير المنام مُحاوِلينَ فَكَّ رُموزها، وسبر أغوارها؛ لِمَعرِفَة معانيها وكَيفِيَّة تَأثيرِهِا على حَياتِهِم؛ ذلكَ أنَّ ما نراه في نومنا -سواءً كان حلماً آو رؤيا- بِإمكانه التأثير على حالَتِنا النَّفسِيَّة، فبَعضها تُخيفنا وتُقلِقنا، وأُخرى تُفَرِّحنا وتُسعِدنا، ويعتقد كثيرون أنَّ غَرَض الرؤى الكشف عن أُمور سَوفَ تَحصُل في المُستَقبَل. رؤية الأحلام حالة طَبيعِيَّة بينَ البَشَر، والتَّفسير الطَّبيعي الذي يُعطيهِ الأطِبَّاء للأحلام أنَّها مُجَرَّد أفكار مُتَضَمَّنة في العَقل الباطِن تَظهَر عندما يَكون الشَّخص نائِماً، لأنَّ النَّوم بِحَسب عُلَماء النَّفس هو حالَة من حالات الوَعي.¹ الكَثيرونَ مِنَّا اختَبَروا تَحقيقاً لما رأوه في نومهم على الواقع، إذ أعطاهُم منامهم لَمحَة عن المُستَقبَل وتَحَقَّقَ حُلمهُم حَقّاً في مَرحَلة ما من الزَّمَن. يُفَسِّر الأطِبَّاء تَحقيق هذهِ الأحلام على أنَّهُ حالة طَبيعِيَّة، وهو تَرابُط أفكارنا داخِل العَقل الباطِن، دونَ أن نُدرِك أنَّها مُتَرابِطة في الواقِع، يَعني أحياناً يَكون عقلُنا الباطِن مُدرِكاً لِتَرابُط حَقائِق مُعَيَّنة تَظهَر لنا في نومنا كما هي في الحَقيقة مُبَيِّنَةً لنا ما سَوفَ يَحصُل في المُستَقبَل، وبَعضهم الآخر يَنسِب تَحقيق الأحلام إلى الصُّدفة أحياناً.² لا شَك أنَّ مُعظَم الأحلام ليسَت سِوى إعلان للأفكار المَوجودة في العَقل الباطِن، لا نُعارِض الطِّب والعِلم في هذا الخُصوص لكن وجهَة النَّظر المَسيحِيَّة لا تُنكِر أنَّ الله قَد يَستَخدِم هذهِ الظَّاهِرة البَشَرِيَّة لِغَرَضٍ سامٍ، وقد يكلم الرَّب النَّاس في نومهم عبر الرؤى. لكن ليسَ كُل ما يراه النائم رِسالة مِنهُ، كما يَجِب ألا نَتَصَرَّف من منطلق أن غَرَض جَميع ما نراه في نومنا رسالة من الله. إذاً كيف نَعرِف إن كانَ الحُلم حَقّاً من الله؟ سَوفَ نُلاحِظ من الكِتاب المُقَدَّس ما الذي يُمَيِّز الحُلم الذي يَكون رِسالة من الله عن الحُلم العادي. كيف نعرف إن كان الحلم حقّاً من الله؟ سَوفَ نُلاحِظ من الكِتاب المُقَدَّس ما الذي يُمَيِّز الحُلم الذي يَكون رِسالة من الله عن الحُلم العادي. التكرار إشارة إلى أن ما يراه النائم حق: أَمَّا تَكْرَارُ الْحُلْمِ عَلَى فِرْعَوْنَ مَرَّتَيْنِ فَلَأَنَّ الأَمْرَ قَدْ قَرَّرِهُ اللهُ، وَلاَبُدَّ أَنْ يُجْرِيَهُ سَرِيعاً. سِفر التَّكوين 32:41 لا شَك أنَّ فِرعَون كَسائِر البَشَر كانَ قَد حَلُمَ أحلاماً كَثيرة، لكِن من الواضِح لنا أنَّ تَكرار حُلمَهُ خِلالَ فَترَةٍ قَصيرة من الزَّمَن جَعَلَهُ يَتَذَكَّرهُ جَيِّداً ويَشعُر أنَّهُ رِسالة من الله. إذاً تَكرار الحُلم نَفسَهُ أو حُلم مُشابِه لَهُ هو إشارة إلى أنَّ الحُلم فيهِ رِسالة من الله. الحُلم الذي فيهِ رِسالة من الله، يَتَجَلَّى فيهِ الله ويَتَكَلَّم إلى الإنسان بِشَكل مُباشَر: وَلِكَنَّ اللهَ تَجَلَّى لأَبِيمَالِكَ فِي حُلْمٍ فِي اللَّيْلِ وَقَالَ لَهُ… سِفر التَّكوين 3:20 وَقَالَ لِي مَلاكُ اللهِ فِي الْحُلْمِ: يَايَعْقُوبُ… سِفر التَّكوين 11:31 في جَميع الحالات التي تَحَدَّثَ لنا فيها الكِتاب المُقَدَّس عن أُناسٍ كَلَّمَهُم الله في نومهم، لم يَشُك هؤلاء أنَّ هذا الحُلم هو حَقّاً من الله، لذلك نَفهَم أنَّهُ إن كانَ الحُلم من الله فهو سَيوضِح لنا أنَّ هذهِ رؤيا مِنهُ، إذ من غَير المُمكِن أن يُعطي الرَّب رِسالةً للنَّاس دونَ أن يَجعَلهُم يُدرِكون أنَّها رِسالة مِنهُ، كما أنَّهُ لا يُكَلِّم النَّاس عَشوائِيّاً ودونَ سَبَب؛ فحينَما يُكَلِّم الله الإنسان عَبرَ حُلم فذلك سَوفَ يَجعَل الحالِم يُدرِك أنَّهُ ليسَ مُجَرَّد حُلم عادي. الأحلام بين العهد القديم والعهد الجديد قبلَ تَدوين الأسفار المُقَدَّسة وَعَدَ الله أنبِياء الشَّعب أنَّهُ سَوفَ يُكَلِّمهُم عَبرَ الأحلام: فَقَالَ: «اسْمَعَا كَلاَمِي: إِنْ كَانَ بَيْنَكُمْ نَبِيٌّ لِلرَّبِّ فَإِنِّي أَسْتَعْلِنُ لَهُ بِالرُّؤْيَا، وَأُكَلِّمُهُ بِالْحُلْمِ. سِفر العَدَد 6:12 إذ أنَّ الأحلام التي تتَضَمَّن رؤى اقتَصَرَت على الأنبِياء الذينَ كانَت مَهَمَّتَهُم تبليغ رِسالَة الله للناس، وإعلان كَلِمَته لَهُم، وكانَت تَثَبَّت مِصداقِيَّة هذهِ الرُّؤيا عَبرَ آيات وعَجائِب، وقَد حَذَّرَ الرَّب من بَعض مدعي النبوة الكَذَبَة الذين قَد يَستَخدِمون الأحلام لِتَضليل الناس، لذلك أعطى الله الناس عَلامةً للتَّمييز وهي أنَّهُ إن أتى نَبِيٌّ ما بِحُلم وكانَ غَرَض هذا الحُلم تَحويل النَّاس وتَضليلهم عما سَبَقَ من وحي الله وعن العِبادة الحَقيقِيَّة، فهذا يَعني أنَّ ذاكَ الدعي كاذِب حتَّى ولو تَحَقَّقَت الآيات التي آتى بِها، لأنَّ مَصدَرَها حِينَئِذٍ لن يَكون من الله، ويكون ذلك إمتِحان مِنهُ للناس: إِذَا ظَهَرَ بَيْنَكُمْ نَبِيٌّ أَوْ صَاحِبُ أَحْلاَمٍ، وَتَنَبَّأَ بِوُقُوعِ آيَةٍ أَوْ أُعْجُوبَةٍ. فَتَحَقَّقَتْ تِلْكَ الآيَةُ أَوِ الأُعْجُوبَةُ الَّتِي تَنَبَّأَ بِهَا، ثُمَّ قَالَ: هَلُمَّ نَذْهَبْ وَرَاءَ آلِهَةٍ أُخْرَى لَمْ تَعْرِفُوهَا وَنَعْبُدُهَا. فَلاَ تُصْغُوا إِلَى كَلاَمِ ذَلِكَ النَّبِيِّ أَوْ صَاحِبِ الأَحْلاَمِ، لأَنَّ الرَّبَّ إِلَهَكُمْ يُجَرِّبُكُمْ لِيَرَى إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَهُ مِنْ كُلِّ قُلُوبِكُمْ وَمِنْ كُلِّ أَنْفُسِكُمْ، فَاتْبَعُوا الرَّبَّ إِلَهَكُمْ وَاتَّقُوهُ، وَأَطِيعُوا وَصَايَاهُ وَاسْمَعُوا صَوْتَهُ، وَاعْبُدُوهُ وَتَمَسَّكُوا بِهِ. سِفر التَّثنِية 1:13-4 وَعَدَ الله في العَهد القَديم أنَّ إحدى البَرَكات التي ستحل على الناس مع بِدايَة انتِشار الإيمان هي كَثرَة الرُّؤى والأحلام: ثُمَّ أَسْكُبُ رُوحِي عَلَى كُلِّ بَشَرٍ، فَيَتَنَبَّأُ أَبْنَاؤُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ، وَيَحْلَمُ شُيُوخُكُمْ أَحْلاماً وَيَرَى شَبَابُكُمْ رُؤىً. وَأَسْكُبُ فِي تِلْكَ الأَيَّامِ أَيْضاً رُوحِي عَلَى الْعَبِيدِ وَالإِمَاءِ. سِفر يوئيل 28:2-29 رَأى بطرُس الرَّسول تحقيق هذهِ الكَلِمات في اليَوم الخَمسين، اليَوم الذي حَلَّ فيهِ الرُّوح القُدُس على المؤمِنين الأوائِل مُعطِياً لَهُم مَواهِب وبَرَكات عَديدة: وَلَكِنْ هَذَا مَا قِيلَ بِلِسَانِ النَّبِيِّ يُوئِيلَ: يَقُولُ اللهُ: فِي الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ سَأَسْكُبُ رُوحِي عَلَى جَمِيعِ الْبَشَرِ، فَيَتَنَبَّأُ بَنُوكُمْ وَبَنَاتُكُمْ، وَيَرَى شَبَابُكُمْ رُؤىً، وَيَحْلُمُ شُيُوخُكُمْ أَحْلاَماً. سِفر أعمال الرُّسُل 17:2 بِما أنَّ جُزءاً من الوَحي قَديماً كانَ عَبرَ الأحلام والرُّؤى، كانَت النّاس تُولي اهتِماماً كَبيراً بالأحلام، لكن مع اكتِمال أسفار الكِتاب المُقَدَّس قالَ لنا كاتِب الرِّسالة إلى العِبرانِيِّين في أوَّل آيَتَين من رِسالَتِهِ: إِنَّ اللهَ، فِي الأَزْمِنَةِ الْمَاضِيَةِ، كَلَّمَ آبَاءَنَا بِلِسَانِ الأَنْبِيَاءِ (الَّذِينَ نَقَلُوا إِعْلاَنَاتٍ) بِطُرُقٍ عَدِيدَةٍ وَمُتَنَوِّعَةٍ. أَمَّا الآنَ، فِي هَذَا الزَّمَنِ الأَخِيرِ، فَقَدْ كَلَّمَنَا بِالابْنِ، الَّذِي جَعَلَهُ وَارِثاً لِكُلِّ شَيْءٍ، وَبِهِ قَدْ خَلَقَ الْكَوْنَ كُلَّهُ! الرِّسالة إلى العِبرانِيِّين 1:1-2 المسيح هو رِسالَة الله الرَّئيسِة لنا والإعلان الأسمى للبَشَرِيَّة، لذلك علينا أوَّلاً وأخيراً أن نَفحَص أحلامَنا بِحَسَب إعلان الله لنا، مُطَبِّقين المِثال الذي أعطاهُ الله في سِفر التَّثنِية الإصحاح 13 وهو أنَّ غَرَض الأحلام يَجِب أن يَدعونا لِعِبادَة الرَّب بِحَسَب ما أعلَنَ هو. كَما قُلنا أنَّ الأحلام كانَ لها دَلالة أكبَر قَبلَ اكتِمال الأسفار المُقَدَّسة، لذلك لا يَجِب أن نُفَكِّر بِكُل حُلم على أنَّهُ رِسالة من الله، لكن هذا لا يَعني أنَّ الله تَوَقَّف عن أن يُكَلِّم الناس في منامهم. إحدى أبرَز غايات الرؤى هَي دعوة الناس لعبادة الله خاصَّةً أولئك الذينَ لم يَسمَعوا به من قَبل. فكَثير من المؤمِنين عرفوا الرَّب المسيح من خِلال حُلم، قالَ لي أحدهم: أنَّهُ قَد نَشَأ في بيئة لم يَسمَع فيها عن المَسيحِيَّة ولم يَعلَم بِوُجود هكذا إيمان من الأساس، لكن رجلاً تَراءَى لَهُ في المنام عليه رداء أبيَض وقالَ لَهُ أنَّهُ المَسيح وأخذ يَدعوهُ أن يَأتي إلَيهِ، تَأثَّرَ هذا الأخ كَثيراً بهذا الحُلم وظَلَّ يَسأل ويَبحَث بَعدَها عن هذهِ الرُّؤيا حتَّى تَعَرَّف أخيراً على أحَد المؤمِنين وأخبَرَهُ بِتَفسير الحُلم، ارتاحَ في النِّهاية بعدَ أن عَلِمَ أنَّها رِسالة من الله. خُلاصَة هذهِ المَقالة هي أنَّ الله قَد يُكَلِّمنا بِالرؤى لكنها لم تَعُد الطَّريقة الطَّبيعِيَّة التي يُكَلِّم الله من خِلالِها عباده كما كانَ قَبلاً، لذلك علينا أن لا نَعيش حالَة انتِظار للرؤى لِنَفهَم ما يُريدُه الله مِنَّا، بَل علينا أن نَقرأ ونَفهَم كَلِمَة الرَّب لِنَعرِف مَشيئَته لِحَياتِنا، وألا نَتَعامَل مع كُل حُلم على أنَّهُ رِسالة من الله. |
|