رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
فَلاَ تَزَالُ تَعْزِيَتِي وَابْتِهَاجِي فِي عَذَاب لاَ يُشْفِقُ، أَنِّي لَمْ أَجْحَدْ كَلاَمَ الْقُدُّوسِ [10]. مع رغبته الشديدة في الخلاص من الآلام بالموت إلا أن قلب أيوب يحمل لمسات روحية، فيترقب في إيمان التمتع بالتعزية والبهجة بعد خروجه من العالم. واضح أن أيوب كان له ضمير صالح ورجاء حي في الأبدية، وإن كان قد توقع عذابًا أليمًا يلحق به قبل موته "ابتهاجي في عذاب لا يشفق". "لا يشفق" أو "دعه لا يشفق"، كأنه يقول: "لست ابتغي أن يشفق الله عليّ، بل ليسمح بالآم الموت التي تضع حدًا لآلامي وتدخل بي إلى الراحة. في جسارة غير لائقة يتحدى أيوب الرب الله ويقول: "دعه لا يشفق!" مزج أيوب عتابه - حتى وإن تعدى الحدود - بإيمانه وتمسك بكلام الله، إذ يقول: "لم أجحد (أكتم) كلام القدوس". فكان يحسب نفسه مؤتمنًا على كلام الله القدوس، ربما تمتع برؤى إلهية. كأنه يقول مع الرسول بولس إنه لم يقبل نعمة الله باطلًا (2 كو 6: 1). كان مستعدًا أن يتمتع بالكلمة الإلهية، وأن يشهد لها للغير ليتمتع الآخرون معه بها. قانون حياته هو كلمة القدوس، لم يخجل منها ولا يتراخي في الشهادة بها. يرى القديس مار يعقوب السروجي أنه لا يستطيع حتى الموت أن يكتم فمه عن الشهادة والتسبيح لله. * يا رب لن أتوقف عن تسبيحك، حتى بعد وفاتي. من يحيا لك وبك لا يموت؛ ولا يقوَ صمت الموت على إسكاته. إذن، فليتكلم بفمي، ليُكررّ بعد موتي في المستقبل. * أنت هو الكلمة التي تعطي كلمة للمتكلمين، بك يتكلم جميع المتكلمين من أجلك. شعاعًا وإشراقًا ونورًا عظيما أشرق فيَّ فأنظر إليك. فبنظري لك تستضيء النفس، فتقتني الصلاح. وحين تبتعد منك النفس تمتلئ ظلامًا، وإذا ما تفرست فيك لبست النور لتنطق بكلام خبرك... الصمت والكلام قائمان عليّ يطالبانني. يا رب دبر حياتي كإرادتك. إن صمت أدهش، إذ أشعر بعدم كفايتي في (للكلام). اصمت في دهشة، وليس بطغيان باطل. وإن تكلمت تكون كلمتي حسب مجدك ولأجلك. عندما تمتلئ النفس بالصمت في دهشٍ بك، يكون هذا الصمت حديثًا مملوءً بكل منفعة. وإذا ما تحركت النفس لتمجدك بمحبة... فبالحب أتحرك، وأتحرك لأمجدك. وفي دهش أصمت ولا اهدأ من تمجيدك. هب لي يا رب الدهش (بالصمت) والكلمة فأغتني. وفي كل يوم أدهش، وفي كل يوم أتحرك بالكلام! القديس مار يعقوب السروجي القديس يوحنا الذهبي الفم * "إني لا أجحد كلام القدوس". إنه لم يتذمر قط على ظلم ذاك الذي ضربه. ففي وسط ضرباته يدعو الضارب "القدوس". لكن يلزمنا أن ندرك أنه أحيانًا يقوم الخصم بضربنا بالأحزان، وأحيانًا يقوم الله بذلك... بضربات الخصم نحن نختلس الفضيلة، وعندما تنكسر عاداتنا الشريرة بضربات الرب نصير أقوياء في الفضيلة. لقد سبق فرأى النبي هذه الضربة عندما قال: "ترعاهم بقضيبٍ من حديدٍ، ومثل آنية الفخاري تسحقهم" (مز 9:2). فالرب يرعانا ويكسرنا بقضيب من حديد، بعصا البٌر القوية حسب تدبيره، بينما يحّيينا من الداخل، يحزننا من الخارج. فإنه يحط من قوة الجسد ويسمو بغاية الروح. هكذا تشَّبه هذه الضربة بآنية الفخاري، كما يقول بولس: "لنا كنز في أوانٍ خزفية" (2 كو 7:49). ويصف التحطيم مع الرعاية قائلًا: "وإن كان إنساننا الخارج يفنى، فالداخل يتجدد يومًا فيومًا" (2 كو 16:4). ليت الإنسان القديس الذي يتوق إلى الاقتراب من الله، يعلن بقوة بروح التواضع حتى من خلال الضربات التي تحل به. البابا غريغوريوس (الكبير) الأب هيسيخيوس الأورشليمي |
|