الرسالة السادسة
للآنبا انطونيوس
من انطونيوس إلى جميع الاخوة الأعزاء الذين في أرسينوي ( ) وما حولها، والى أولئك الذين معكم، سلام لكم، اليكم جميعاً يا من اعددتم انفسكم لتأتوا إلى الله. احييكم يا أحبائي في الرب من أصغركم إلى أكبركم، رجالاً ونساءً، أنتم الأبناء الإسرائيليون القديسون في جوهركم العقلي. حقيقة يا أبنائي أن غبطة عظيمة قد أتت اليكم، فما أعظم النعمة التي حلت عليكم في ايامكم هذه. ويليق بكم بسببه هو (المسيح) الذي قد افتقدكم، أن لا تكلوا في جهادكم حتى تقدموا انفسكم ذبيحة لله في كل قداسة. فإنها بدونها لا يستطيع أحد أن ينال الميراث.
جوهر الإنسان وسقوطه:
حقاً يا أحبائي - أن هذا أمر عظيم لكم، أن تطلبوا ما يختص بفهم الجوهر العقلي الذي لا يوجد فيه ذكر أو انثى، لكنه كيان غير مائت له بداية لكن ليس له نهاية. وان تعلموا أن هذا الجوهر العقلي قد سقط في الهوان والعار العظيم الذي قد أتى علينا جميعاً لكنه جوهر غير مائت لا يفنى مع الجسد ولذلك رأى الله أن جرحه غير قابل للشفاء. ولأنه كان جرحاً خطيراً هكذا، فإن الله افتقد البشر برحمته - ومن صلاحه بعد مرور عدة أزمنة، سلم لهم ناموساً لمساعدتهم بواسطة موسى معطي الناموس، وأسس موسى لهم بيت الحق وأراد أن يشفي ذلك الجرح العظيم ولم يستطع أن يكمل بناء هذا البيت.
مجيء المخلص لشفاء نفوسنا:
ومرة أخرى اجتمع معاً جوقات القديسين (الأنبياء) وطلبوا رحمة الآب بخصوص مخلصنا، لكي يأتي الينا لأجل خلاصنا جميعاً. لأنه هو رئيس كهنتنا والأمين والطبيب الحقيقي الذي يستطيع أن يشفي الجرح العظيم. لذلك حسب إرادة الآب، أخلى نفسه من مجده. لقد كان الهاً وأخذ صورة عبد (في 2 : 7، 8). لقد أخذ جسدنا وبذل نفسه لأجل خطايانا، وآثامنا سحقته، وبجراحاته شفينا جميعاً (اش 53 : 5). لذلك يا أبنائي الأعزاء في الرب اريدكم أن تعرفوا، انه بسبب جهالتنا أخذ شكل الجهالة، وبسبب ضعفنا أخذ شكل الضعف، وبسبب فقرنا أخذ شكل الفقر، وبسبب موتنا لبس صورة المائت وذاق الموت، واحتمل كل هذا من اجلنا. حقاً يا احبائي في الرب يجب ألا نعطي نوماً لعيوننا ولا نعاساً لأجفاننا (مز 132 : 4) لكن يجب علينا أن نصلي ونطلب بلجاجة إلى صلاح الآب حتى ننال رحمة، وبهذه الطريقة سوف يتجدد حضور المسيح (فينا) ونُعطى قوة لخدمة القديسين، الذين يعملون لأجلنا على الأرض في وقت تراخينا، وسوف نحثهم ليتحركوا إلى مساعدتنا وقت ضيقنا. حينئذ يفرح الزارع والحاصد معاً.
حيل الشيطان لإهلاكنا:
اريدكم أن تعلموا يا أبنائي، حزني العظيم الذي أشعر به لأجلكم حينما أرى الاضطراب العظيم الآتي علينا وأفكر في تعب القديسين العظيم وتنهداتهم التي ينطقون بها أمام الله من أجلنا، لأنهم يشاهدون كل أتعاب وعمل خالقهم لأجل خلاصنا، وكل المشورات الشريرة التي لأبليس وخدامه والشر الذي يفكرون فيه دائماً لأجل هلاكنا منذ صار نصيبهم في جهنم، ولأجل هذا السبب يريدوننا أن نهلك معهم وان نكون مع جمعهم الكثير. حقاً يا احبائي في الرب اتحدث اليكم كما إلى رجال حكماء لكيما تعرفوا تدبيرات خالقنا التي جعلها لأجلنا، والتي تعطى لنا بواسطة البشارة الظاهرة والخفية. لأننا ندعى عاقلون، لكننا قد لبسنا حالة الكائنات غير العاقلة بسبب ميلنا مع العدو، أم لستم تعلمون كيف تكون حيل الشيطان وفنونه الكثيرة، لأن الأرواح الشريرة تحسدنا منذ أن عرفوا اننا حاولنا أن نرى عارنا وخزينا وقد بحثنا عن طريقة للهروب من أعمالهم التي يعملونها معنا، ولم نحاول فقط أن نرفض مشوراتهم الشريرة التي يزرعونها فينا بل أن كثيرين منا يهزأون بحيلهم. والشياطين تعرف احسان خالقنا في هذا العالم، وانه قد حكم عليهم بالموت وأعد لهم جهنم ليرثوها بسبب غفلتهم وكثرة خبثهم.
أريدكم أن تعلموا يا أبنائي انني لا أكف عن التوسل لله لأجلكم ليلاً ونهاراً لكي يفتح عيون قلوبكم حتى تبصروا كثرة خبث الشياطين الخفي وشرهم الذي يجلبونه علينا كل يوم في هذا الوقت الحاضر. وأرجو الله أن يمنحكم قلب معرفة وروح تمييز حتى تستطيعوا أن تقدموا قلوبكم كذبيحة نقية أمام الآب في قداسة عظيمة بلا عيب. حقاً يا أبنائي، أن الشياطين تحسدنا في كل الأوقات بمشورتهم الشريرة واضطهاداتهم الخفية ومكرهم الخبيث وروح الإغراء، وأفكارهم التجديفية وعصيانهم، وكل الشرور التي يبذرونها في قلوبنا كل يوم، وقساوة القلب والأحزان الكثيرة التي يجلبونها علينا في كل ساعة، والمخاوف التي بها يجعلون قلوبنا تضعف يومياً، وكل غضب وذم بعضنا لبعض الذي يعلموننا اياه، وكل تبرير لذواتنا في كل ما نفعل، والإدانة التي يدخلونها في قلوبنا، التي تجعلنا عندما نجلس منفردين، أن ندين اخوتنا بالرغم من عدم سكناهم معنا، والاحتقار الذي يضعوه في قلوبنا بواسطة الكبرياء - عندما نكون قساة القلوب ونحتقر بعضنا البعض، وعندما تكون عندنا مرارة ضد بعضنا البعض بكلماتنا القاسية، وعندما نحزن في كل ساعة، وعندما نتهم بعضنا البعض، ولا نلوم انفسنا ظانين أن اخوتنا هم سبب متاعبنا، بينما نحن جالسون نصدر احكامنا على ما يظهر خارجاً (الاشياء الظاهرة)، بينما السارق موجود بكليته داخل بيتنا، وكل المجادلات والانقسامات (في الرأي) التي نتجادل بها مع بعضنا البعض انما تهدف إلى اثبات كلمة ذواتنا لنظهر مبررين امام بعضنا البعض.
التوسل لطلب المعونة للخلاص:
إن الأرواح الشريرة تجعلنا نتحمس لأعمال لا نستطيع القيام بها. بينما تتسبب في أن نفشل ونخور في المهام التي في ايدينا والتي هي نافعة لنفوسنا - لذلك فإنهم يجعلوننا نضحك في وقت البكاء ونبكي في وقت الضحك وهكذا ببساطة، فانهم يحولننا كل مرة عن الطريق الصحيح. وتوجد خداعات أخرى كثيرة يجعلوننا بواسطتها عبيداً لهم، لكن لا يوجد وقت الآن لكي نصف كل هذه. لكنهم عندما يملأون قلوبنا بهذه الخدع (الحيل) فإننا نتغذى بها، فتصير طعاماً لنا، ومع ذلك فإن الله يصبر علينا ويفتقدنا لكي نتركها ونرجع اليه. هذا وان اعمالنا الشريرة التي ارتكبناها ستظهر لنا في جسدنا وستلبس نفوسنا هذا الجسد مرة أخرى - لأن الله بصبره يسمح بذلك - فتصير اواخرنا (في هذه الحالة) أشر من اوائلنا (مت 12 : 45). لذلك لا تملوا من التوسل والصلاة إلى صلاح الآب حتى إذا اتتكم معونته، تستطيعون أن تعلموا نفوسكم ما هو الصواب.
سلطان الشيطان على من يُستعبد لشهواته ويبرر نفسه بأعماله الظاهرة:
حقاً اخبركم يا أبنائي أن هذا الاناء الذي نسكن فيه هو هلاك لنا، وبيت مملوء بالحرب. بالحقيقة يا أبنائي، أخبركم بأن الإنسان الذي يُسر بإرادته الذاتية ويُستعبد لأفكاره ويقبل الأشياء التي زُرعت في قلبه ويلتذ بها، ويتصور في قلبه أن هذه الأفكار سر شيء عظيم ممتاز، ويبرر نفسه بأعماله الظاهرة فإن نفس هذا الإنسان تكون مأوى للأرواح الشريرة التي تعلمه وتقوده إلى الشر، وجسده يمتلئ بنجاسات شريرة يخفيها في داخله: ويصير للشياطين سلطان عظيم على مثل هذا الإنسانن لأنه لم ينفر منهم ولم يخزهم أمام الناس.
متى نصير أجساداً للشياطين:
ألا تعرفون أن الشياطين ليس لهم طريقة واحدة للاصطياد، حتى يمكننا معرفتها والهروب منها؟
أنتم تعرفون أن شرهم وأثمهم غير ظاهرين بشكل منظور، لأنهم ليسوا أجساماً منظورة، ولكن ينبغي أن تعرفوا بأننا نصير اجساداً لهم حينما تقبل نفوسنا أفكارهم المظلمة الشريرة، وعندئذ يصيرون هم ظاهرين بواسطة جسدنا الذي نسكن فيه. فالآن اذن يا أبنائي، دعونا لا نعطيهم مكاناً فينا، لئلا يأتي غضب الله علينا، أما هم فسيمضون إلى موضعهم وهم يضحكون ساخرين بنا.
محبة الإخوة:
وهم يعلمون أن هلاكنا هو عن طريق (بغضة) قريبنا، وان حياتنا ايضاً وخلاصنا هي عن طريق (محبة) قريبنا. من رأى الله قط، حتى يفرح معه ويحتفظ به داخل نفسه، حتى أن الله لا يمكن أن يفارقه، بل يعينه اثناء سكناه في هذا الجسد الثقيل؟ أو من رأى قد شيطاناً في محاربته ضدنا، عندما يمنعنا من عمل الصلاح ويهاجمنا، واقفاً في مواجهتنا بشكل محسوس، لكي نخاف منه ونهرب منه؟ فإن الشياطين يعملون خفية، ونحن نجعلهم ظاهرين بواسطة أعمالنا. وهم جميعاً من مصدر واحد في جوهرهم العقلي، ولكنهم عندما ابتعدوا عن الله صاروا أنواعاً متعددة عن طريق تنوع أعمال شرهم.
أنواع الملائكة الأبرار والأشرار:
ولذلك أعطيت لهم (الملائكة الأبرار والأشرار) أسماء مختلفة على حسب نوع عمل كل واحد منهم. فالبعض من الملائكة (الأبرار) يُسمون رؤساء ملائكة، والبعض منهم كراسي وربوبيات، والبعض رئاسات وسلاطين والشاروبيم، وهذه الأسماء أُعطيت لهم حين حفظوا مشيئة خالقهم. ومن الجهة الأخرى فإن شر الآخرين (الملائكة الساقطين) جعل من الضروري تسميتهم بأسماء: ابليس والشيطان، بسبب حالتهم الشريرة، والبعض منهم دُعوا شياطين، والبعض أرواح شريرة وأرواح نجسة، والبعض ارواح مُضلة، والبعض دُعوا باسم رؤساء هذا العالم. وتوجد أيضاً أنواع أخرى كثيرة منهم.
ويوجد ايضاً بين البشر الذين سكنوا في هذا الجسد الثقيل، هذا الذي نسكن فيه، من قد قاوموا الشياطين، والبعض من هؤلاء البشر دعوا رؤساء آباء، والبعض أنبياء وملوك وكهنة وقضاة ورسل، وآخرون كثيرون صاروا مختارين بسبب صلاحهم. وسواء كانوا رجالاً أم نساءً، فقد أُعطيت لهم كل هذه الأسماء على حسب نوع أعمالهم، ولكنهم جميعاً هم من واحد.
المحبة للغير محبة لنفوسنا والعكس:
لذلك فلأجل هذا السبب، أن الذي يُخطئ ضد قريبه يخطئ ضد نفسه، والذي يفعل شراً بقريبه فإنه يفعل شراً بنفسه، والذي يصنع خيراً بقريبه يصنع خيراً لنفسه. ومن جهة أخرى، من الذي يستطيع أن يفعل شراً بالله أو من هو الذي يستطيع أن يؤذيه أو من يستطيع أن يغنيه أو من يستطيع قد أن يخدمه أو من يستطيع قط أن يباركه؛ كأن الله محتاج إلى مباركة البشر وشكرهم، أو من الذي يستطيع أن يكرم الله الإكرام الذي يليق به أو أن يمجده بالمجد الذي يستحقه؟ لذلك ففي أثناء غربتنا ونحن لابسون هذا الجسد الثقيل، فلنعط الفرصة لله لكي يكون حياً وفعالاً وحاضراً في نفوسنا عن طريق حث وتحريض بعضنا البعض. ولنبذل ذواتنا حتى الموت لأجل نفوسنا ولأجل بعضنا البعض، فإذا فعلنا هذا فإننا بذلك نظهر طبيعة رحمة الله وحنانه من نحونا. فلا نكن محبين لذواتنا لكي لا نكون مستعبدين لسلطانها المتقلب غير الثابت. لذلك فإن من يعرف نفسه، فهو يعرف جميع الناس. لذلك مكتوب "ان الله دعا كل الاشياء من العدم إلى الوجود" (انظر حكمة 1 : 14). ومثل هذه الشهادات تشير إلى طبيعتنا العقلية المختفية في هذا الجسد الفاسد، ولكنها لم منتمية إليه منذ البداية بل سوف تتحرر منه. ولكن من يستطيع أن يحب نفسه يحب كل الناس.
قدموا جسدكم مذبح واطلبوا النار الإلهية:
يا أبنائي الأعزاء، انني أصلي لكي لا يكون هذا الأمر شاقاً عليكم ومتعباً لكم، ولكي لا تكلوا وتضجروا من محبة بعضكم البعض. يا أبنائي ارفعوا وقدموا جسدكم هذا الذي تلبسونه، واجعلوا منه مذبحاً (لإحراق البخور)، وضعوا عليه كل أفكاركم واتركوا عليه أمام الرب كل مشورة شريرة، وارفعوا يدي قلوبكم إلى الله - العقل الخالق - متوسلين إليه بالصلاة، أن يرسل عليكم من الأعالي وينعم عليكم من الأعالي وينعم عليكم بناره غير المرئية العظيمة، لكي تنزل من السماء وتحرق كل ما هو موضوع على المذبح، وتطهر المذبح، وبذلك فإن كهنة البعل - الذين هم أعمال العدو المضادة - سيخافون ويهربون من أمام وجوهكم، كهروبهم أمام وجه ايليا (انظر 1مل 18 : 38 - 44) وحينئذ ستبصرون سحابة "قد كف انسان" صاعدة من البحر، وهي التي ستأتي اليكم بالمطر الروحاني ليسقط عليكم، الذي هو تعزية الروح المعزي.
معونة القوة الإلهية للإنسان:
يا ابنائي الأعزاء في الرب، الأبناء الاسرائيليون القديسون، إنه لا توجد حاجة إلى تسمية اسماءكم الجسدية، التي ستمضي وتنتهي. ولكنكم تعرفون مقدار المحبة التي بيني وبينكم، وهي ليست محبة جسدية، بل محبة روحية الهية. واني واثق تماماً انكم قد نلتم نعمة وغبطة عظيمة، عن طريق اكتشافكم لخزيكم وعاركم الخاص بكم، واهتمامكم بتقوية وتشديد وثبات جوهركم غير المنظور (انسانكم الباطن) الذي لا يفنى ولا يضمحل مع الجسد. وبهذه الطريقة اعتقد انكم تحصلون على النعمة والبركة والغبطة من هذا الزمان الحاضر. لذلك فلتكن هذه الكلمة واضحة دائماً أمامكم وهي أن لا تظنوا، في تقدمكم (في النعمة) وسيركم في الطريق (الروحي)، أن هذا هو من فضل اعمالكم، بل افهموا أن الفضل في هذا يرجع إلى قوة الهية مقدسة تشترك معكم وتعينكم دائماً في كل اعمالكم. اجتهدوا أن تقدموا ذواتكم كذبيحة لله دائماً. واعطوا فرحاً لتلك القوة التي تعينكم، وابهجوا قلب الله في مجيئه، وكذلك كل جماعة القديسين، واعطوا فرحاً لي أنا ايضاً - انا المسكين البائس - الذي أسكن في هذا المسكن المصنوع من طين وظلمة. من أجل هذا فأنا اخبركم بهذه الأمور، لكي أنعش وأعزي نفوسكم، واصلي، حيث اننا جميعاً من نفس الجوهر غير المنظور - الذي له بداية ولكنه بلا نهاية - أن نحب بعضنا بعضاً بمحبة واحدة. لأن كل الذين عرفوا انفسهم، يعرفون انهم جميعاً من جوهر واحد عديم الموت.
المسيح رأسنا - وضرورة المحبة بقوة:
وأريدكم أن تعرفوا هذا، أن يسوع المسيح ربنا، هو نفسه عقل الآب الحقيقي وبه قد خُلقت كل الخلائق العاقلة على مثال صورته، وانه هو نفسه، رأس الخليقة، ورأس جسده أي الكنيسة (كو 1 : 15-18). لذلك فإننا جميعاً اعضاء بعضنا البعض ونحن جسد المسيح. والرأس لا تستطيع أن تقول للقدمين، لا حاجة لي اليكما، وان كان عضو واحد يتألم، فالجسد كله يتألم معه (اف 4 : 25، 1كو 12 : 26، 27). أما إذا انفصل عضو وخرج من الجسد ولم يعد له اتصال بالرأس، بل يجد مسرته في أهواء وشهوات نفسه وجسده، فهذا معناه أن جرحه عديم الشفاء، وقد نسى أصل حياته وبدايتها ونسى نهايتها وغايتها. ولذلك فإن آب الخليقة كلها قد تحرك بالحنو والرحمة نحو جرحنا هذا، الذي لم يستطع أحد من الخلائق أن يشفيه، ولكن شفاءه هو بصلاح الآب وحده. الذي بصلاحه ومحبته، أرسل لنا ابنه الوحيد، الذي من أجل عبوديتنا أخذ صورة العبد (في 2 : 7)، وبذل نفسه من أجل خطايانا، مسحوقاً لأجل آثامنا، وبجرحه شفينا جميعاً (اش 53 : 5)، وهو جمعنا من كل الجهات لكي يصنع قيامة لقلوبنا من الأرض ويعلمنا اننا جميعاً من جوهر واحد واعضاء بعضنا لبعض. لذلك ينبغي علينا أن نحب بعضنا بعضاً بقوة عظيمة. فإن الذي يحب أخاه، يحب الله، والذي يحب الله فإنه يحب نفسه.
قدموا ذواتكم - اطلبوا القوة من الأعالي:
لتكن هذه الكلمة ظاهرة أمامكم، يا أبنائي الأعزاء في الرب - الأبناء الإسرائيليون القديسون - وأعدوا انفسكم للمجيء إلى الرب، لتقدموا ذواتكم كذبائح لله بكل نقاوة، تلك التي لا يستطيع أحد أن يحصل عليها بدون تطهير. أم تجهلون يا أحبائي، أن اعداء الصلاح يتآمرون دائماً، مدبرين شروراً ضد الحق؟ لأجل هذا ايضاً يا احبائي، كونوا حريصين، ولا تعطوا عيونكم نوماً، ولا أجفانكم نعاساً (مز 132 : 4). واصرخوا إلى خالقكم نهاراً وليلاً، لكي تأتيكم القوة والمعونة من الأعالي، وتحيط وتحفظ قلوبكم وأفكاركم في المسيح. حقاً يا أبنائي اننا متغربون الآن في بيت السارق، ومربوطون برباطات الموت. أقول لكم بالحقيقة، يا أحبائي، أن اهمالنا وحالتنا الوضيعة وانحرافنا عن طريق الرب، ليست خسارة وهلاك لنفوسنا فقط، ولكنها ايضاً سبب حزن وتعب للملائكة ولجميع القديسين في المسيح يسوع. حقاً يا ابنائي، أن انحطاطنا واستعبادنا، يسببان حزناً عظيماً لهم جميعاً، كما أن خلاصنا وسمونا ومجدنا هي سبب فرح وتهليل لهم جميعاً.
محبة الآب لا تتوقف:
اعلموا أن محبة الآب ورأفته لا تتوقف أبداً، فمنذ بداية تحركه بالمحبة من نحونا والى اليوم، وهو لا يكف عن العمل لخيرنا وخلاصنا، لكي لا نجلب الموت على انفسنا بسبب سوء استعمال الإرادة الحرة التي خلقنا بها. لأجل هذا فإن الملائكة ايضاً يحيطون بنا في كل الأوقات كما هو مكتوب "ملاك الرب حال حول خائفيه وينجيهم" (مز 34 : 7).
والآن يا احبائي اريدكم أن تعرفوا، انه منذ بدأت حركة محبة الله نحونا حتى الآن، فإن كل الذين ابتعدوا عن الصلاح وسلكوا في الشر، يُحسبون انهم ابناء ابليس، وجنود ابليس يعرفون ذلك ولهذا السبب يحاولون أن يحولوا كل واحد منا لنسير في طريقهم.
الكبرياء والبغضة تقطعنا عن الله:
ولأن الشياطين يعرفون، أن ابليس سقط من السماء عن طريق الكبرياء، لهذا السبب ايضاً فانهم يهاجمون أولاً، أولئك الذين بلغوا درجة عالية (في الفضيلة)، محاولين - بواسطة الكبرياء والمجد الباطل - أن يحركوهم الواحد ضد الآخر. وهم يعرفون - انهم بهذه الطريقة - يستطيعون أن يقطعوننا عن الله، لأنهم يعلمون أن من يحب أخاه يحب الله. ولهذا السبب فإن أعداء الصلاح يزرعون روح الانقسام في قلوبنا، لكي نمتلئ بعداوة وبغضة شديدة ضد بعضنا البعض، لدرجة أن الإنسان في هذه الحالة لا يستطيع أحياناً أن يرى أخاه أو أن يحدثه ولو من بعيد.
أهمية التمييز والتواضع:
حقاً، يا ابنائي، اني اريدكم أن تعرفوا أن كثيرين قد سلكوا طريق النسك طوال حياتهم، ولكن نقص التمييز والإفراز تسبب في موتهم. حقاً يا ابنائي، انكم إذا اهملتم نفوسكم، ولم تميزوا اعمالكم وتمتحنوها فلا أظن انه يكون أمراً عجيباً أن تسقطوا في يدي ابليس بينما انتم تظنون انكم قريبون من الله، وبينما انتم تنتظرون النور تستولي عليكم الظلمة. فأي احتياج كان ليسوع حتى يمنطق نفسه بمنشفة ويغسل أرجل من هم أقل منه. الا لكي يعطينا مثالاً، ولكي يعلم اولئك الذين سيأتون ويتحولون إليه لينالوا منه الحياة من جديد؟ (أنظر يو 13 : 4-17). لأن بداية حركة الشر كانت هي الكبرياء التي حدثت أولاً. ولهذا فبدون اتضاع عظيم بكل القلب والعقل والروح والنفس والجسد، لن تستطيعوا أن ترثوا ملكوت الله.
من يعرف موته يعرف حياته الأبدية:
حقاً يا ابنائي في الرب، اني اصلي نهاراً وليلاً إلى الهي الذي نلت منه عربون الروح (2كو 1 : 22)، أن يفتح عيون قلوبكم لتعرفوا المحبة التي عندي من نحوكم، ويفتح آذان نفوسكم لكي تكتشفوا ارتباككم. فإن من يعرف خزيه، فإنه يسعى من جديد لطلب النعمة التي وهبت له: والذي يعرف موته يعرف ايضاً حياته الأبدية.
التطلع للرؤيا وجهاً لوجه:
اني اكلمكم يا ابنائي، كأناس حكماء: إني أخاف لئلا يستولي عليكم الجوع في الطريق، بينما كان من المفروض أن نصير أغنياء. كنت ارجو أن أراكم وجهاً لوجه في الجسد. ولكنني اتطلع إلى الأمام، إلى الوقت القريب، الذي فيه سنصير قادرين على أن نرى بعضنا البعض وجهاً لوجه حينما يهرب الألم والحزن والتنهد، ويكون الفرح على رؤوس الجميع (اش 35 : 10).
وهناك أمور أخرى كثيرة أريد أن اخبركم بها. ولكن "اعط فرصة حكمة للحكيم فيزداد حكمة" (ام 9:9).
سلامي لكم جميعاً، يا ابنائي الأعزاء كل واحد باسمه.