* لهذا السبب يقول داود، إذ قد افتقده (الرب): "أمسكت بيميني، وأصعدتني بمجدٍ" (مز 73: 23-24)، هذا هو النص الذي تسلمناه وهو يتفق مع النسخة اليونانية، لأن اليونانية تقول ekratesas tea cherios أي "أمسكتَ باليد" و tes dexias mou " يميني" [أي "أمسكت بيميني".]
يتلقى الإنسان إرشادًا طيبًا حينما يمسك الله بيمينه، بيد الله نفسه. مثل هذا يمكنه القول: "الرب عن يميني، فلا أتزعزع" (مز 16: 8).
لو أن آدم كان قد اختار أن يكون له الرب عن يمينه، ما خدعته الحيّة، لكن لأنه نسي وصية الله، وتمم إرادة الحية، أمسك الشيطان بيده، وجعلها تمتد لشجرة معرفة الخير والشر، ليقطف أشياءً حُرَّمت عليه! وفيه عبر الحكم إلى جميع الناس، وبدأ المعاند يقف عن يمين كل إنسان. من هنا أيضًا جاءت تلك اللعنة ضد يهوذا "ليقف شيطان عن يمينه" (مز 109: 6). وإن كانت تلك اللعنة قاسية، فإن تلك البركة التي بها تنحل رباطات اللعنة، هي بركة في غاية الأهمية جدًا.
لهذا فإن الرب يسوع الذي أخذ قضية الإنسان وحالته، وضع الشيطان عن يمينه هو تمامًا كما نقرأ في سفر زكريا (زك 3: 1)، هكذا حيث يقف ميراث آدم فهناك وقف المسيح. وكرياضيٍ صالحٍ، سمح للشيطان أن يقف عن يمينه (أي يمين الرب)، لكي يطرحه وراءه، قائلًا: "اِذهب يا شيطان!" (مت 4: 10). وحينئذ طُرحَ المُعاند من موضعه ورحل.
ولكي لا يقف الشيطان عن يمينك، يقول لك المسيح: "تعال، اتبعني" (مت 19: 21). لهذا تنبأ داود سلفًا بمجيء الرب الذي نزل من السماء ليحررنا من قوة الخصم المُعاند، إذ قال: "الرب عن يميني فلا أتزعزع". أما من كان الشيطان عن يمينه فيتزعزع.
تبرر داود إذن فيما قاله: "أمسكت بيميني" أي، حتى لا أخطئ الآن، وحتى أتخذ موضعي في مكان الاتكال والثقة، إذ كنت قبلًا أترنح وخطواتي متقلقلة!
كم كان قول الرسول حكيمًا حقًا! لأن الرب إذ رآه منزعجًا مضطربًا مدّ يمينه، ولم يدعه يسقط، بل تبعه ليمشي دون خوف (مت 14: 30-31). وعند تمتعه بخلاصه، ماذا قال بطرس إلا تلك السطور النبوية: "أمسكتني بيميني، وفي مشيئتك قدتني، وأصعدتني بمجدٍ"؟ وما هي اليد اليمني إلا قوة النفس العاملة (التي لا تكف عن الجهاد)؟ وإن قُيدتْ بمشيئة الرب، لا يعوزها شيء، ولا تفتقر إلى شيء. ولا تحتاج إلى أية مساعدة أو معونة من هذا العالم!
القديس أمبروسيوس