رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
لأَنَّهُ لَيْسَتْ فِي مَوْتِهِمْ شَدَائِدُ، وَجِسْمُهُمْ سَمِينٌ [ع4]. لَيْسُوا فِي تَعَبِ النَاسِ، وَمَعَ البَشَرِ لاَ يُصَابُونَ [ع5]. لا يقف الأمر عند تمتع الأشرار المتكبرون بالسلام الزمني، وإنما كثيرًا ما لا تصيبهم كوارث عند موتهم، ولا يصابون بالأمراض، وكأنهم نوع خاص من البشر، لا يشاركون بقية البشرية متاعبهم ومصائبهم. يرى القديس أغسطينوس أنه لا يجوز لنا أن نحسد الأشرار فإن إبليس نفسه لا تصيبه كوارث ومصائب، لكن جهنم محفوظة له. * أليس الشيطان نفسه لا يتعرض لكوارث مع البشر، ومع هذا فقد أعد له عقاب أبدي؟ القديس أغسطينوس * إنهم لا يحرثون ولا يزرعون ولا يحصدون ولا يتعبون بعمل الأيدي، كما أمر الله بالعمل الذي صار جلدًا وتأديبًا للبشر على معصية آدم، كقول الله: "بعرق جبينك تأكل خبزك". الأب أنثيموس الأورشليمي * يلزمنا أن نأخذ في اعتبارنا أن الذين يدنسون أنفسهم بكل صنوف الخطايا والشر ومع ذلك لا توجد علامات منظورة لملكية الشيطان عليهم (أي أن تُجرب أجسادهم)، ولا تحل بهم أية تجربة تتناسب مع أفعالهم، ولا يتحملون أي عقاب، هؤلاء بؤساء وأشقياء. لأنه لا يوهب لهم علاج خفيف وسريع في هذا العالم، بل بسبب غلاظة قلوبهم يستحقون عقابًا أشد في تلك الحياة، إذ يذخرون لأنفسهم "غضبًا في يوم الغضب، واستعلان دينونة الله العادلة" (رو 2: 5)، حيث "دودهم لا يموت، ونارهم لا تُطفأ" (إش 66: 24). كأن النبي قد تحيّر إذ رأى القديسين يخضعون لخسائر متنوعة وتجارب، بينما رأى الأشرار ليس فقط يعبرون حياتهم في هذا العالم بغير أي تأديب مملوء ذلًا، بل يتمتعون بغنى عظيم وتنعمٍ وفيرٍ في كل شيء. فاشتعل النبي بغيظٍ غير مضبوط وغيرة، معلنًا: "أما أنا فكادت تزلُّ قدماي. لولا قليل لزلقت خطواتي. لأني غرت من المتكبرين إذ رأيت سلامة الأشرار. لأنهُ ليست في موتهم شدائد وجسمهم سمين. ليسوا في تعب الناس ومع البشر لا يُصابون" (مز 73: 2-5). إذ يعاقبون فيما بعد مع الشياطين، لأنه لم يوهب لهم في هذه الحياة أن يؤدبوا مع بني البشر في عِداد الأبناء . الأنبا سيرينوس * رأينا أن الغني الذي كان يرتدي الأرجوان والبز والحرير (لو 16: 19-24) في عالمه قد اتكأ إلى مائدةٍ، وأقام وليمةً كبيرةً كل يوم. وحينما كان في عذاب الجحيم (الهاوية)، لم يستطع أن يستلقي ويستريح، لكن في صعوبةً بالغة رفع عينيه فقط إلى إبراهيم ، ولم يرفع جسده كله، وسأله أن يرسل لعازرَ ليغمس طرفَ إصبعه فقط في الماء ليبلل لسانه. لهذا "ليس في موتهِ راحة، ولا في ضيقته قوة" (مز 73: 4)، لأنه لا قيمةَ للضربات بعد الموت. لهذا وبينما كان داود في حياة الجسد، استعد للضرباتِ ليقبله الربُ كواحدٍ قد خضع للتأديب. فكروا مرةً أخرى، أرجوكم، في أيوب القديس الذي تغطَىَ جسدهُ كلهُ بالقروح، وعانت كلُ أطرفه من الضيقات، وامتلأ جسدهُ كلهُ ألمًا، حتى أذاب كتل أوراق الأرض بإفرازات جراحه الفاسدة، وإذ لم يقدر أن يستريح في هذا الجسد، وجد الموت راحة له! وإذ فكر في حاله قال: "الموت راحة للإنسان". لهذا لم يتوتر لآلامه وينزعج، ولا تقلقل في ترك حديثه. لأنه كما يشهد عنه الكتاب المقدس: "في كل هذا لم يخطئ أيوب بشفتيه" (أي 2: 10). بل بالحري وجد قوةً في معاناته وآلامه! بها تقوَّى في المسيح. لهذا فإن كلًا من أيوب وداود لأنهما ضُربا (تأدبًا) هنا، كانت لهما قوة في ضيقاتهما، لأن "الأبَ يؤدبُ الابنَ الذي يقبله" (أم 3: 12 LXX؛ عب 12: 6) . لكن الذين لا يُؤدَبون هنا، لا يُقبلون كبنين هناك! وهناك هم "ليسوا في تعبَ الناس، ومع البشر لا يصابون" (مز 73: 5)، لأنهم يُضَربون مع الشيطان إلى الأبد . القديس أمبروسيوس * يسأل إرميا: "لماذا تُنجح طريق الأشرار؟" (إر 12: 1) لأنه مكتوب: "لأن الرب مكافئ طويل الأناة" (راجع 2 تس 1: 5). غالبًا ما يضع زمانًا طويلًا للذين سيدينهم أبديًا. لكن أحيانًا يضرب الله سريعًا، ليسرع بمساندة الأبرياء الخائفين. هكذا أحيانًا يسمح الله القدير للشرير بزمنٍ طويلٍ حتى يتطهر بالأكثر طريق الأبرار. وأحيانًا يقتل الأشرار بخراب سريع، حتى بهلاكهم يُقوي قلوب الأبرار . البابا غريغوريوس (الكبير) |
|