رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الاستيلاء على مدن الجنوب... لم يقف الأمر عند قتل الملوك الخمس، وإنما شنَّ يشوع برجاله حربًا ضد ملوك الجنوب واستولى على المدن والسهول إلخ... يتحدث العلامة أوريجانوس: في شيء من الإطلالة على هذه الحروب وما تحمله من رموز للحرب الروحية والتمتع بالميراث الأبدي، إذ يقول: [إن كانت الرموز القديمة من خيمة الاجتماع والمقدسات وجملة العبادات تسمى بدء السماويات إنما هي بدء السماويات وظلها، هكذا يجب القول بأن الحروب التي قادها يشوع حيث قتل الملوك والأعداء إنما هي بدء السموات وظلها أيضًا، أي ظل للحروب التي يشنها يسوع إلهنا على ضد الشيطان وملائكته. إنه يقودها بجيشه وجنوده، أي بجماعة المؤمنين الذين تحت قيادته. وبالفعل حارب يسوع الذي لبولس ولأهل أفسس ضد السلاطين مع ولاة العالم على ظلمة هذا الدهر، ضد أجناد الشر الروحية في السماويات (أف 6: 12). أترى كيف تتفق الأشياء الجديدة مع القديمة؟ فقد تلقي الأولون وعدًا بمملكة على الأرض المقدسة حيث الأرض التي تفيض لبنًا وعسلًا، هذه التي يسكنها خطاة وملوك مبغضين، فيصل يسوع إلى هذه الأرض مع جيش الرب ورؤساء إسرائيل، ويحاربهم جميعًا، ويقتلهم وينتصر ويتسلم مملكة الذين غلبهم كثمن للنصرة. أما أنت فالإنجيل لا يعدك بمملكة على الأرض بل ممكلة في السماء. هذه المملكة ليست شاغرة ولا بدون سكان... اسمع ما قيل "مع أجناد الشر الروحية في السماويات" [12]. هل تفهم من هؤلاء السكان الذين يلزمك طردهم من السماويات بالحرب والعنف (الروحي) حتى يتسنى لك ميراث هذه المواضع في الملكوت السماوي؟ أليس واضحًا أن هذا هو معنى كلمات الرب في الإنجيل: "من أيام يوحنا المعمدان إلى الآن ملكوت السماء يُغصب والغاصبون يختطفونه" (مت 11: 12)... إن كنا مستحقين يفتح لنا الرب يسوع قصر حكمته ويدخل بنا إلى كنوز علمه... عندئذ ترى أي عدو يرمز إليه ملك مقيدة وملك لخيش وملك لبنة، وتدرك أي رذيلة داخلية أو أي ضلال للروح يمثله هؤلاء الذين قتلهم شعب الله بقيادة يشوع]. كما يقول: [اليهودي الذي يقرأ هذه الأحداث، وأنا أتحدث هنا عن اليهودي حسب الظاهر الذي خُتن في جسده والذي يجهل اليهودي الحقيقي الذي خُتن بالقلب ، فإنه لا يجد هنا سوى وصفًا لحروب وقتلًا للأعداء وإِنتصارًا للإسرائيليين الذين نهبوا ممتلكات الغرباء والوثنيين تحت قيادة يشوع؛ أما اليهودي بالقلب أي المسيحي التابع ليسوع ابن الله وليس ليشوع بن نون، فإنه يفهم هذه الأحداث بكونها تمثل أسرار ملكوت السموات. إنه يقول: "اليوم أيضًا يحارب سيدي يسوع المسيح قوى الشر ويطردها من المدن التي كانت تحتلها، أي يطردها من أرواحنا. إنه يقتل الملوك الذين كانوا يحكمونها، فلا تعود تملك الخطية فينا؛ حتى بعدما تتحرر أرواحنا من حكمه تصبح هيكلًا للرب ولملكوت الله، فنسمع الكلمات: "ملكوت الله داخلكم"... إذن، لنفهم جيدًا أنه إن كان يشوع قد قتل ملك أريحا وملك عاي وملك لبنة وملك لخيش وملك حبرون، فإن هذا كله إنما كي تعيش هذه المدن خاضعة الرب بعد أن كانت تمارس ناموس الخطية، خاضعة لملوك أشرار]. أما المدن التي استولى عليها يشوع، فتحمل كل منها معنى روحيًا مزدوجًا، يناسب ملكها الشرير الذي كان يسيطر عليها كما يليق بمفهوم جديد يليق بها بعد أن يملك يشوع عليها هذه المدن في الواقع هي حياتنا يملك عليها يشوعنا، إذ نقول له: "ها أنا اقدم لك روحي وقلبي وجسدي بكمالهم بلا تحفظ، فكل ما يحيا فيَّ إنما يحيا لك يا واهب الحياة! لتستلم كل قدراتي، لتمتلكها بكمالها]. أما أهم المدن فهي: أ. مقيدة: إِسم كنعاني يعني (موضع الرعاة)، ربما كانت خربة الخيشم التي تقع شمال شرقي تل زكريا. إنها المدينة التي اختبأ فيها الملوك الخمسة المهاجمون ليشوع في إحدى مغاراتها[16]،فكانت موضعًا لمثل هؤلاء الرعاة الأشرار المفسدين للحواس، لكن يشوع قد صلب هؤلاء الملوك ودفنهم في نفس المغارة ليجعل منها موضعًا مقدسًا له، لا يملك عليها أحد غيره ولا يقطنها غير مؤمنيه، إذ "حرم ملكها هو وكل نفس بها، لم يبق شاردًا" [28]. لقد صارت بحق موضع الرعاة، لكن ليس الرعاة الأشرار بل الرعاة الذين يتبعون يشوع ويعملون لحساب ملكوته الروحي. متى ملك إبليس على القلب قدم المسخرين القساة رعاة فيه، أما متى ملك ربنا يسوع فيرسل رعاة حسب قلبه يعملون بإسمه وبإمكانياته الإلهية. ب. لبنة: إِسم سامي معناه بياض، تقع في الساحل ما بين مقيدة ولخيش ويرجح أنها المكان المسمى تل بورناط على مسافة ميلين شمال غربي بيت جبرين، ويرى البعض أنها تل الصافي أو الصافية. يعلق العلامة أوريجانوس على اسم المدينة قائلًا: [لبنة تعني بياض، والبياض يمكن أن يُفهم بطريقتين: فهناط بياض البرص، وأيضًا بياض النور، إذ يمكن أن يكون للكلمة معنيين متناقضين. فتحت قيادة الملوك الأشرار لبنة تعني بياض البرص، ولكن بعد هدمها وتحويلها إلى قيادة الإسرائليين صار إسمها يعني بياض النور، لأنه في الكتاب البياض أيضًا يكون للمدح وأحيانًا يعبر عن اللوم]. إذًا لبنة تمثل مدينة داخلية قائمة في حياة كل إنسان؛ إن كان غير مؤمن تكون لبناه هي بياض برص الخطية الذي ينجس النفس ويفسد حياتها، ويعزلها عن كل المقدسات. وكما تقول الشريعة: "إنه نجس، فيحكم الكاهن بنجاسته... تكون ثيابه مشقوقة ورأسه مكشوفًا ويغطى شاربيه ويُنادى نجس نجس... يقيم وحده، خارج المحلة يكون مقامه" (لا 13: 44- 46). أما إن كان الإنسان مؤمنًا يسلك في المسيح يسوع بالروح والحق فتكون لبناه هي بياض النور الذي يشع فيه خلال شمس البر الساكن داخله. يكون كثوب المسيح في تجليه أبيضًا كالنور (مت 17: 2). ج. لخيش: وهي مدينة حصينة، كانت تعرف قبل الحصى التي تبعد مسافة 16 ميلًا شمال شرقي غزة، و11 ميلًا جنوب غربي مدينة جبرين. ويرى العلامة أوريجانوس أن كلمة لخيش تعني (طريق). ويعلق على ذلك بقوله: [في الكتاب يكون الطريق موضع مديح أو ذم. هذا ما يمكن إثباته بسهولة بالمزمور القائل: "أما طريق الأشرار فتهلك" (مز 1: 6) وبمعنى عكسي يقول: "وهداهم طريقًا مستقيمًا" (مز 107: 7). يمكننا أن نفهم لخيش أنها كانت قبلًا طريق الأشرار، أما بعد أن ضُربت وسُلبت وأُقيمت من جديد كطريق مستقيم تحت سيطرة إسرائيل ]. د. حيرون: دعيت أصلًا قرية أربع (تيترابوليس)، بنيت سبع سنين قبل صوعن، وقد وجدت في أيام إبراهيم (تك 13: 18؛ 35: 27)، وتغرب إسحق ويعقوب فيها مدة من الزمن (تك 35: 27؛ 37: 14). زارها الجواسيس ووجدوا فيها بني عناق (عد 13: 22)... طالب كالب بن يفنة بالمقاطعة التي بها حبرون، أما حبرون فصارت إحدى مدن الملجأ. كلمة "حبرون" كما يرى العلامة أوريجانوستعني (زواج)، [فالروح قد اقترنت أولًا بالشيطان كزوج شرير غير صالح. بعد موت هذا الزوج الظالم وتحرير الروح من حكم الزوج الأول تقترن برجل البر، الزوج الشرعي الذي يتكلم عنه بولس الرسول: "لأني خطبتكم لرجل واحد لأقدم عذراء عفيفة للمسيح" (2 كو 11: 2). يلاحظ أن في عمل يشوع مع هذه المدن أنه يمثل عمل ربنا يسوع ألا وهو الهدم والبناء، هدم الإنسان القديم وإقامة الإنسان الجديد فينا؛ هدم الشر حتى أساساته ليقيم أساسًا جديدًا للبناء الجديد.] يقول العلامة أوريجانوس: [أول عمل لكلمة الرب هو اقتلاع الشر القائم، أي شوك الرذائل وحسكها، لأنه مادامت الأرض في قبضة جذور الشر لا يمكن إلقاء بذور الخير المقدسة فيها. فأول عملية للرب لا غنى عنها هي اقتلاع جذور الخطية وانتزاع كل ما لم يزرعه الآب السماوي وإهلاكه في النار. أما العملية الثانية فهي القيام بالغرس. ماذا يغرس الآب؟ يقول موسى إن الله غرس الجنة (تك 2: 8)، لكنه لا يزال يغرس كل يوم في نفوس المؤمنين. إنه ينتزع الغضب ويزرع الهدوء؛ يقتلع الكبرياء ويغرس الاتضاع، يُزيل جذور النجاسة ويزرع الطهارة، يقتلع الجهل ويضع المعرفة... هكذا أول أعمال كلمة الله هو هدم ما قد أقامه الشيطان في النفس البشرية، إذ شيد في كل واحد منا مرتفعات الكبرياء وأسوار التعالي. لكن كلمة الله تهدم هذه المباني وتجعلها تنهار حتى يتسنى لنا أن نصير كقول الرسول: "كرم الله وهيكله" (1 كو 6: 19)، مُؤسيسين على الرسل والأنبياء ويسوع المسيح نفسه حجر الزاوية هذا الذي يرتفع عليه المبنى الشاهق المنظم ليصبح بالروح هيكلًا للرب (أف 2: 21)]. |
|