رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
تسبحة نصرة أَمَّا أَنَا فَمِسْكِينٌ وَكَئِيبٌ. خَلاَصُكَ يَا اللهُ فَلْيُرَفِّعْنِي [29]. إن كان النبي يشكو من هؤلاء الأعداء القساة، المقاومين في تشامخ، يعترف أنه مسكين وبائس، عاجز بنفسه عن المقاومة. لا يقاوم العنف بالعنف، إنما يشعر بثقل المرارة والحزن الشديد، ليس من يقدر أن يعزيه ويرفع نفسه المنحنية غير الله. لقد حمل السيد المسيح كل خطايا العالم، وصار ذبيحة خطية عنهم، وقبل بإرادته أن ينزل عن الجحيم، لكي إذ يقوم ويصعد إلى السماء يحمل فيه أصحاب القلوب المنكسرة. صار الغني -خالق السماء والأرض- مسكينًا وحزينًا، لكي يحمل المساكين والحزانى إلى ملكوته السماوي المفرح. أُسَبِّحُ اسْمَ اللهِ بِتَسْبِيح،ٍ وَأُعَظِّمُهُ بِحَمْدٍ [30]. جاء السيد المسيح إلى أرضنا يشاركنا آلامنا، لكنه وهو متألم، بل وهو حامل آلامنا كان متهللًا بالروح من أجل البسطاء والأطفال الذين يتمتعون بإعلانات إلهية يعجز الحكماء عن إدراكها (لو 10: 21). وإذ قام من الأموات لم نسمع عنه أنه بكى أو حزن بعد. إنه يود أن نشاركه الحياة المُقامة فتتحول أحزاننا إلى تسبيح لا ينقطع، وفرحٍ مجيد دائم. إنه يحملنا بصليبه إلى بهجة قيامته، وحياة النصرة على آخر عدو وهو الموت (1 كو 15: 55-57). هنا يكشف للمساكين والحزانى الغنى الحقيقي والفرح الذي لا يُنزع منهم، وهو التسبيح لاسم الله، وتقديم الحمد لعظمته. فَيُسْتَطَابُ عِنْدَ الرَّبِّ، أَكْثَرَ مِنْ ثَوْرِ بَقَرٍ ذِي قُرُونٍ وَأَظْلاَفٍ [31]. إذ تتحول حياتنا إلى تسبيح دائم، يتقبل هذه التسابيح كذبيحة يُسر بها أفضل من الذبائح الحيوانية. "ذابح الحمد يمجدني" (مز 50: 23). * تخرج تسبحته من فمي فتسر الله أكثر من ذبيحة ثمينة تُقدَّم على مذبح. القديس أغسطينوس يَرَى ذَلِكَ الْوُدَعَاءُ فَيَفْرَحُونَ، وَتَحْيَا قُلُوبُكُمْ يَا طَالِبِي اللهِ [32]. ليس ما يُسر قلب المؤمن أكثر من قبول الله لذبائح الحمد والشكر والتسبيح. إنه بهذا ينعم بعربون الحياة الأبدية والشركة مع السمائيين. "يُسبِّح الرب طالبوه، تحيا قلوبكم إلى الأبد" (مز 22: 26). يرى القديس أغسطينوس أن المؤمن وهو يوجه بصيرته الداخلية لتتفرس في الله إنما تطلبه لكي تجده فتحيا نفسه. وإذ تجده تشتاق إليه لتبلغ إلى أعماق جديدة فتطلبه، وتبقى في هذا الطلب في نمو دائم لا ينقطع! * لنوجِّه نظرات عقولنا بمعونة الرب، فتطلب الله. كلمة النشيد الإلهي هي: "اطلبوا الله، فتحيا نفوسكم" (راجع مز 69: 33). لنطلب ذاك الذي يوجد، بهذا نطلب الموجود. إنه يختفي لكي نبحث عنه ونجده. إنه فوق كل قياس حتى عندما يوجد؛ وعندما يوجد يمكن أن يُبحَث عنه... لهذا لم يُقل: "اطلبوا وجهه دائمًا" كما يحدث بالنسبة لبعض البشر: "دائمًا تتعلمون ولن تبلغوا معرفة الحق"، بل بالحري يُقال عنه: "عندما يبلغ الإنسان إلى النهاية عندئذ تكون البداية". * اطلبوا الرب يا أيها المساكين، الجائعين والعطاشى، فإنه هو نفسه الخبز الحي النازل من السماء (يو 6: 33، 51). "اطلبوا الرب فتحيوا". أنتم تطلبون خبزًا لكي يحيا جسدكم، وتطلبون الرب لكي تحيا نفسكم. القديس أغسطينوس لأَنَّ الرَّبَّ سَامِعٌ لِلْمَسَاكِينِ، وَلاَ يَحْتَقِرُ أَسْرَاهُ [33]. يشتاق الله أن يجيب طلبات شعبه وصلواتهم، إن حملوا روح التواضع. إذ يسمعونه يقول: "ويكون إني قبلما يدعون أنا أجيب، وفيما هم يتكلمون بعد أنا أسمع" (إش 65: 24). إنه لا يستخف بالذين سجنوا لأجله، وصاروا من أجل اسمه أسرى. ينسبهم إليه، فيدعوهم النبي "أسراه" أو المسجونين لأجله. "لأن الرب مسحني لأبشر المساكين، أرسلني لأعصب منكسري القلب، لأنادي للمسبيين بالعتق، وللمأسورين بالإطلاق" (إش 61: 1). "مُخرج الأسرى إلى فلاحٍ" (مز 68: 6). لا يكف الله عن أن يمل أذنيه ليسمع تنهدات المأسورين. "ليدخل قدامك أنين الأسير" (مز 79: 11). * الغِنَى الحقيقي للإنسان المسكين هو التأمل في الخليقة وتسبيح الخالق. القديس أغسطينوس تُسَبِّحُهُ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ الْبِحَارُ، وَكُلُّ مَا يَدِبُّ فِيهَا [34]. كل المسكونة تُسبِّح الله، السماء والأرض والبحر، كل المؤمنين أينما وُجدوا في اتحاد مع السمائيين يكونون جوقة رائعة للتسبيح لمخلص العالم. لأَنَّ اللهَ يُخَلِّصُ صِهْيَوْن،َ وَيَبْنِي مُدُنَ يَهُوذَا فَيَسْكُنُونَ هُنَاكَ وَيَرِثُونَهَا [35]. يبدأ المرتل بعض المزامير بصيغة الجمع وينتهي بصيغة المفرد كما في المزمور 66 حيث يبدأ بهتاف الأرض كلها لله [1-12] وينتهي بعبادته الشخصية في بيت الرب وتمتعه بمراحمه الإلهية [13-20]. وفي مزامير أخرى يبدأ بعلاقته الشخصية بالله [69: 1-31] وينتهي باشتراك سكان السماء والأرض والذين في البحار في التسبيح لله، واهتمام الله بخلاص صهيون وبناء مدن يهوذا [69: 32-36]. أحيانًا يتحدث بصيغة المفرد كل المزمور، وتارة بصيغة الجمع. ماذا يعني هذا سوى أنه ليس من عزل بين العلاقة الشخصية التي تربط المؤمن بالله، وعلاقته كعضو في الجماعة المقدسة بالله. فإذ يبني الله أورشليم الداخلية في القلب إنما يعمل في الجماعة كلها، وإذ يهتم بالجماعة فإنه يعمل في كل مؤمن كأن حبه له يعادل حبه لكل الجماعة. "فيسكنون هناك ويرثونها" [35]، من هم الذين يسكنون في مدن يهوذا سوى الودعاء وطالبو الرب والمساكين والأسرى والمُسَبحين سواء كانوا في السماء أو على الأرض أو في رحلتهم عبر البحار [32-34]. إنه يجمع الكل متى تمتعوا بعمله الخلاصي ليقيم منهم صهيون الجديدة، كنيسة الله المقدسة. * "لأن الله يخلص صهيون" [35]. إنه يجدد كنيسته، المؤمنين من الأمم المنضمين إلى ابنه الوحيد. إنه لا يخدع الذين يؤمنون به بخصوص مكافأة وعده. "لأن الله يخلص صهيون، ويبني مدن يهوذا". هذه هي الكنائس عينها. لا يقل أحد متى يبني مدن يهوذا؟ يا من تريد أن تتعرف على الصرح العظيم، كن حجرًا حيًا حتى تدخل فيه. الآن مدن يهوذا تُبنَى، لأن كلمة "يهوذا" معناها "اعتراف". بالاعتراف في تواضعٍ تُبنَى مدن يهوذا، حتى تبقى بدون المتشامخين الذين يستحون من الاعتراف. القديس أغسطينوس وَنَسْلُ عَبِيدِهِ يَمْلِكُونَهَا، وَمُحِبُّو اسْمِهِ يَسْكُنُونَ فِيهَا [36]. السِمَة العامة في كل شعب الله الحقيقي الذي يتمتع بالسكنى مع الله، أو سكنى الله في وسطهم هي الحب "محبو اسمه يسكنون فيها" [36] يتمتعون بذلك هم ونسلهم الذين يسلكون على منوالهم ويشتركون معهم في إيمانهم. |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
مزمور 118 | مزمور أو تسبحة جماعية شخصية |
مزمور 73 | نصرة الإيمان |
مزمور 41 - نصرة قيامة |
مزمور 40 - تسبحة نصرة المسيح |
مزمور 21 - نشيد نصرة الملك |