|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
حلول الروح القدس "رأَى رُوحَ اللهِ يَهبِطُ كأَنَّه حَمامةٌ ويَنزِلُ علَيه" (متى 3: 16 ب)، كانت الحمامة ظاهرة للعيان وليست مجرد تشبيه شعري، وهذا ما يؤكِّده لوقا الإنجيلي بإضافة عبارة "في صورةِ جِسْمٍ " (لوقا 3: 22). وهذا الصورة تذكّر بما جاء في سفر التكوين "ورُوحُ اللهِ يُرِفُّ (كطائر) على وَجهِ المِياه" (1: 2). ها هو يرفُّ على مياه الأُردُنّ ليُقيم منَّا نحن الأموات جسدًا حيًا مُقدَّسًا للرأس القدوس النازل في مياه الأُردُنّ. إنه الروح الإلهي الذي يُشكِّل الشعب الجديد خلال الخروج الجديد! إن المسيح قبِلَ الروح، وذلك كإنسان كي يمنح الخلاص للبشرية كما جاء في عظة بطرس الرسول " كَيفَ أَنَّ اللهَ مَسَحَه بِالرُّوحِ القُدُسِ والقُدرَة، فمَضى مِن مَكانٍ إلى آخَر يَعمَلُ الخيرَ ويُبرِئُ جَميعَ الَّذينَ استَولى علَيهم إِبليس" (أعمال الرسل 10: 38)؛ ومن حيث إنه إنسان أخذ يسوع في ذاته الطبيعة الإنسانية كلها ليُصلحها ويُعيدها إلى كمالها. ولهذا يَهب الآب روحه مُجدّدا للابن، لنحصل نحن به على الروح القدس، وفي هذا الصدد يقول القديس كيرلس أسقف الإسكندري "إن المسيح لم يقبل الروح لنفسه، بل قَبِله في نفسه من أجلنا: وفي الواقع جميع الخيرات تأتينا عن طريقه" (PG 73: 751-754). وشهد يُوحنَّا المعمدان عن المسيح قائلا: "رَأَيتُ الرُّوحَ يَنزِلُ مِنَ السَّماءِ كأَنَّه حَمامَة فيَستَقِرُّ علَيه. وأَنا لَم أَكُنْ أَعرِفُه، ولكِنَّ الَّذي أَرسَلَني أُعَمِّدُ في الماءِ هو قالَ لي: إِنَّ الَّذي تَرى الرُّوحَ يَنزِلُ فيَستَقِرُّ علَيهِ، هو ذاكَ الَّذي يُعَمِّدُ في الرُّوحِ القُدُس. وَأَنا رأَيتُ وشَهِدتُ أَنَّه هو ابنُ الله" (يُوحنَّا 1: 32-34). وهنا ربطٌ بين معمودية السيد المسيح وحلول الروح القدس، وإظهارٌ لحقيقة أن المسيح هو الذي يُعمِّد بالروح القدس، بمعنى أن الروح القدس حلَّ على السيد المسيح كبداية للعهد الجديد، لكي يحلَّ على المؤمنين عبر المعمودية أي الولادة من الماء والروح، لذلك نحتفل بعد عماد المسيح كتمجيد للرب الذي تنازل وأتى ليُخلصنا ويُعلن عن نفسه في هذا العيد من خلال شهادة السماء وشهادة يُوحنَّا المعمدان أيضًا. نستنتج مما سبق، إن حلـــــول الــــــروح القدس علــــى المسيح كان لتكريسه وإعـداد جسده لتقديمه ذبيحة، ويقول القديس كيرلس: "حلّ أولاً على المسيح الذي قَبِلَ الروح القدس لا من أجل نفسه، بل من أجلنا نحن البشر، لأننا به وفيه ننال "نعمة على نعمة" (يُوحنَّا 1: 16). فحلول الروح القدس على يسوع هو علامة تنصيب يسوع تتميمًا لما جاء في نبوءة أشعيا " يَحِلُّ علَيه روحُ الرَّبّ روحُ الحِكمَةِ والفَهْم روح المَشورَةِ والقُوَّة روحُ المعرفةِ وتَقوى الرَّبّ " (أشعيا 11: 2)، وهو في الوقت نفسه إعلان عن العنصرة، التي تدشّن تأسيس العماد بالروح أمام الكنيسة، كما جاء في أعمال الرسل "ِأَنَّ يُوحنَّا قد عَمَّدَ بِالماء، وأَمَّا أَنتُم ففي الرُّوحِ القُدُسِ تُعَمَّدونَ بَعدَ أَيَّامٍ غَيرِ كثيرة" (أعمال الرسل 1: 5) ولكل الذين يدخلون فيها (أفسس 5: 25-32). حلول الروح القدس على يسوع هو شهادة على انه ابن الله، كما يُعلق القدّيس غريغوريوس النازيانزي "لقد شَهِدَ الروح على ألوهيّة المسيح"؛ وهنا نجد أقانيم الثالوث الأقدس في هذه اللحظات المقدسة، والثالوث معناه أن الله ثلاثة أقانيم، ولكنه واحد في الجوهر. فالله واحـد في طبيعته، ولكنه فـي نفس الوقت ثلاثة أقانيـم: فالله الآب تكلم، والله الابن اعتمد، والله الروح القدس نزل على يسوع. قد ظهر الثالوث الأقدس في عماد السيد المسيح ظهورا متمايزًا، لكنه غير منفصل: الابن المتجسد خارجا من المياه لكي يهبنا الخروج من خطايانا لندخل به وفيه إلى شركة مجده، والروح القدس نازلاً على شكل حمامة ليُقيم كنيسة المسيح، وصوت الآب صادرًا من السماء مُعلنا بنوتنا له في ابنه، ويُقيم منا "حِجارَةِ حَيَّة" روحية لبناء الكنيسة الأبدية (1 بطرس 2: 5). لكن يجب تأكيد ما قاله القديس أوغسطينوس: "هذا ما نتمسك به بحق وبغيرة شديدة، وهو أن الآب والابن والروح القدس ثالوث غير قابل للانفصال، إله واحد لا ثلاثة". وأخيرا، حلَّ الروح القدس على يسوع لتقديسنا؛ المسيح لم يكن محتاجاً للمعمودية، لكن معمودينا هي التي كانت محتاجة للمسيح لكي يقدَّس الماء لنعتمد نحن بالماء والروح. ففي المعمودية نموت مع المسيح ونقوم معه فنصبح مستعدِّين لحلول الروح القدس فينا. وكان قبول المسيح للمعمودية هو قبول للموت كما صرّح يسوع " عَلَيَّ أَن أَقبَلَ مَعمودِيَّةً، وما أَشَدَّ ضِيقي حتَّى تَتِمّ! (لوقا 12: 50). ونحن نموت معه في المعمودية ليُدخلنا معه بقيامته للأمجاد السماوية. |
|