رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
نوم يونان يمثل نوعًا من الرخاوة، لكنه في نفس الوقت قدم لنا جانبًا نبويًا طيبًا، فمن جهة كان يمثل البشرية المُستريحة في الرب وسط أمواج هذا العالم المضطرب. فعندما كان هيرودس مزمعًا أن يقدم الرسول بطرس ليقتله (أع 12: 6)، كان بطرس يغط في نومٍ عميق وهو مربوط بسلسلتين بين عسكريين في السجن وتحت حراسة مشددة. ومن جانب آخر كان يونان يمثل السيد المسيح الذي نام على الصليب كما في السفينة ليُقيم حواء الجديدة من جنبه المطعون تنعم بالراحة الحقيقية فيّه، لقد نام أيضًا على الصليب لكي يُدفن في بطن الحوت ليقوم واهبًا إيّانا قوة القيامة. وكما يقول القديس چيروم: [بينما كان الآخرون في خطر إذا به في أمان ينام ويقوم. وبناء على طلبه وبسرّ آلامه خلّص الذين أيقظوه]. نعود إلى الملاحين ورئيسهم لنجدهم يتصرفون بحكمة فائقة مع لطف ووداعة، إذ قيل: "فجاء إليه رئيس النوتية وقال له: مالك نائمًا، قم أصرخ إلى إلهك عسى أن يفتكر الإله فينا فلا نهلك. وقال بعضهم لبعض: هلم نلقي قرعًا لنعرف بسبب من هذه البلية، فألقوا القرعة فوقعت القرعة على يونان" [6-7]. اتسم رئيس النوتية بوداعة فائقة في حديثه مع النبي الذي يغط نومًا في وقت كان الكل فيه يصرخ ويصلي ويلقي بالأمتعة في البحر... لقد تحدث برقة زائدة لم يجرح فيها مشاعره، حثه على الصلاة بلطف، الأمر الذي لا نجده أحيانًا في المؤمنين بل وفي الرعاة أنفسهم، إذ يفقدون سلامهم عند التوبيخ ويخسرون هدوءهم ليصلحوا من شأن الآخرين. نقول أن الله الذي سبق فتحدث مع النبي ربما خلال رؤيا أو إعلان للعمل في نينوى، عاد ليحدثه خلال الطبيعة الثائرة، وإذ سد أُذنيه حدثه خلال الوثنيين، قائلًا له: "مالك نائمًا، قم اصرخ إلى إلهك عسى أن يفتكر الإله فينا فلا نهلك". وكأنه يقول: "مالك نائمًا في داخل قلبك، فإن إلهك الذي تهرب منه يقدر أن يخلصنا نحن الأمم من الهلاك، إن كنت تحب شعبك وأمتك فأنصت إلى توسلاتنا وتطلع إلى اشتياقنا ولا تستهن بإيماننا، فإن كنا لم نعرف بعد الإله الذي تعبده، لكننا بالإيمان نقبله فلا نهلك!". والعجيب أن البحارة ألقوا قرعة فكشف الله عن الحقيقة وأدركوا أن يونان علة غضب الله... وكما يقول القديس چيروم: [إن كان الله أرشدهم خلال القرعة إنما يحدثهم خلال فكرهم، فلا يبرر هذا استخدامنا للقرعة. لقد أرشد الله بلعام خلال أتانه (عد 22: 28)، ليعلن له أن الحيوان الأعجم أدرك ما لم يدركه الإنسان في شره، وكما تحدث الله مع المجوس خلال النجم، وكما سمح لقيافا أن يتنبأ وهو لا يعرف حين قال أنه ينبغي أن يموت واحد عن الشعب كله. على أي الأحوال إن كان يونان في حبه لشعبه استهان بخلاص الأمم فخلال القرعة كشف له الله أنه لا يحتقر أمميًا، إنما يحدثهم بلغتهم ويكشف لهم عن الحقيقة حتى خلال ممارستهم فما قدمته القرعة حمل توبيخًا إلهيًا خفيًا ليونان المُستهين بخلاص الأمم!]. |
|