منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  رقم المشاركة : ( 1 )  
قديم 02 - 01 - 2023, 02:10 PM
الصورة الرمزية Mary Naeem
 
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو
  Mary Naeem غير متواجد حالياً  
الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,275,577

ميلاد سيدنا يسوع المسيح ورسالة الرُّعاة

ميلاد سيدنا يسوع المسيح ورسالة الرُّعاة



الأحد الأول بعد الميلاد: ميلاد سيدنا يسوع المسيح ورسالة الرُّعاة (لوقا 2: 15-21)


النص الإنجيلي (لوقا 2: 15-21)
15 فَلَمَّا انصَرَفَ الـمَلائِكَة عَنهُم إِلى السَّماءِ، قالَ الرُّعاة بَعضُهُم لِبَعض: ((هَلُمَّ بِنا إِلى بَيتَ لَحم، فَنَرَى ما حَدَثَ، ذاكَ الَّذي أَخبَرَنا بِه الرَّبّ)). 16 وجاؤوا مُسرعين، فوَجَدوا مريمَ ويوسُفَ والطِّفْل مُضجَعاً في الـمِذوَد. 17 ولَـمَّا رَأَوا ذلكَ جعَلوا يُخبِرونَ بِما قيلَ لَهم في ذلك الطِّفْل. 18 فَجَميعُ الَّذين سَمِعوا الرُّعاة تَعَجَّبوا مِمَّا قالوا لَهم 19 وكانَت مَريمُ تَحفَظُ جَميعَ هذهِ الأُمور، وتَتَأَمَّلُها في قَلبِها. 20 ورَجَعَ الرُّعاة وهم يُمَجِّدونَ الله ويُسَبِّحونَه على كُلِّ ما سَمِعوا ورَأَوا كَما قيلَ لَهم. 21 ولَـمَّا انقَضَت ثَمانِيَةُ أَيَّامٍ فحانَ لِلطِّفْلِ أَن يُختَن، سُمِّيَ يسوع، كما سَمَّاهُ الـمَلاكُ قَبلَ أَن يُحبَلَ بِـه.
مقدمة
يصف إنجيل لوقا (لوقا 2: 15-20) رسالة الرُّعاة حول ميلاد سيدنا يسوع المسيح، وهي تدعونا لان نسير في الطريق " هَلُمَّ بِنا إلى بَيتَ لَحم" فنجد الخلاص والسلام والفرح في طفلٍ مضجعٍ في مذود.ويعلق القدّيس باسيليوس " لقد تجسّد الله ليقضي على الموت الذي يختبئ في هذا الجسد. كما يشفينا الدواء حين يمتصّه الجسد، هكذا تلاشى الموت الذي كان يسيطرُ علينا عند ميلاده فأشرق "شمسُ البِرّ" (ملا 3: 20)، "ابتَلَعَ النصرُ الموتَ" (1قورنتس 15: 54)؛ فَلنُمَجِّدْ مع الرُّعاة، ولنَرقُصْ مُرّنمين مع جوق الملائكة، لأنّه "وُلِدَ لنا اليومَ مُخلِّصٌ، وهو المسيحُ الربّ" (لوقا 2: 11). فَلنَحتَفِلْ بخلاص العالم، يوم ولادة البشريّة جمعاء. ومن هنا تكمن أهمية البحث في وقائع نص الإنجيل وتطبيقاته.
أولا: وقائع النص الإنجيلي (لوقا 2: 15-20)
15 فَلَمَّا انصَرَفَ الـمَلائِكَة عَنهُم إلى السَّماءِ، قالَ الرُّعاة بَعضُهُم لِبَعض: ((هَلُمَّ بِنا إلى بَيتَ لَحم، فَنَرَى ما حَدَثَ، ذاكَ الَّذي أَخبَرَنا بِه الرَّبّ)).
تشير عبارة "الـمَلائِكَة" إلى أشخاص روحيين مُرسلين من لدن الله الذين ظهروا للرعاة، حيث كان ظهورهم علامة مميَّزة لحضور الله، وبالتالي إثبات ألوهية الطِّفْل المولود؛ أمَّا عبارة "الرُّعاة" فتشير إلى أشخاص وضعاء وفقراء يعيشون على هامش جماعة العاملين بأحكام الشريعة، وبالتالي كان لهم سمعة غير حسنة في إسرائيل في ذاك الوقت. ومع ذلك وصلت إليهم بشارة ميلاد الرَّبّ قبل الجميع؛ أمَّا عبارة "بَيتَ لَحم" فتشير إلى مكان ولادة يسوع تاريخيا كما ورد في إنجيل متى "ولمَّا وُلِدَ يسوعُ في بَيتَ لَحم اليهودِيَّة" (متى 2: 1)، وهنا إشارة لإتمام نبوءة ميخا الذي رأى في بَيتَ لَحم مسقط رأس المسيح (ميخا 5: 1). وتؤكد ذلك أيضا الجماعة اليهودية المتنصَّرة في فلسطين كما ورد في إنجيل يعقوب المنحول(17-18) و"سفر صعود أشعيا " وشهادة القديس يوستينس النابلسي الشهيد. وبَيتَ لَحم تدعى أيضا "مدينة داود"(لوقا 2: 4)، ويشير النص مرتين إلى بَيتَ لَحم على أنَّها "مدينة داود" (لوقا 2: 4، 11). ونحن نعلم أنَّ داود كان راعيا من بَيتَ لَحم. وكان يرعى قطيع والده في بَيتَ لَحم (1 ملوك 16: 1-13). والإشارة إلى يسوع الذي وُلد في بَيتَ لَحم، مفادها ان داود الجديد المنحدر من رعاة بيت الحم والمزمع أن يكون ليس فقط راعي البشر، "راعِيَ الخِرافِ العَظيم،" (عبرانيين 13: 20)، بل أيضا " راعي الرُّعاة" كما أعلنه القديس بطرس الرسول (1 بطرس 5: 4)، وراعي النفوس وحارسها، الذي أرجع النفوس الضالة وشفاها بجراحه (1 بطرس 2: 24-25). وإذا كان يسوع هو المسيح المنحدر من داود، فمن المُهم تحديد مكان ولادته في بَيتَ لَحم. ولعل تدبير الله في اختيار بَيتَ لَحم بالذات مكانًا لميلاد يسوع إشارة أيضا إلى أن هذا الطِّفْل هو الخبز الحي النازل من السماء، لأن بَيتَ لَحم تعنى بيت الخبز؛ يعلق القدّيس ألريد دو ريلفو " إنّ بيت لحم التي تعني "بيت الخبز" هي الكنيسة المقدّسة، حيث يُوزَّع جسد المسيح، أي الخبز الحقيقي" (العظة الثانية للميلاد، 2). أمَّا عبارة "ما حَدَثَ" في الأصل اليونانيῥῆμα (معناها الأمر) فتشير إلى "الكلمة" التي حدثت كما جاء المعنى أيضا في إنجيل لوقا في نص آخر "تَحَدَّثَ النَّاسُ بِجَميعِ هذهِ الأُمورِ في جِبالِ اليَهودِيَّةِ كُلِّها" (لوقا 1: 65). وقد بدأت الكلمة في ميلاد يسوع وتموت على الصليب، ثم تنمو في الكنيسة الأولى (أعمال الرسل 6: 7) والكلمة هو يسوع ابن الله كما ورد في مقدمة إنجيل يوحنا "في البَدءِ كانَ الكَلِمَة والكَلِمَةُ كانَ لَدى الله والكَلِمَةُ هوَ الله "(يوحنا 1: 1).
16 وجاؤوا مُسرعين، فوَجَدوا مريمَ ويوسُفَ والطِّفْل مُضجَعاً في الـمِذوَد.
تشير عبارة "الطِّفْل مُضجَعاً في الـمِذوَد" إلى وجدان الرُّعاة الوليد الجديد بالعلامة التي أعطاها لهم الملاك. أمَّا عبارة "الـمِذوَد" فتشير إلى الْمَكَانُ الَّذِي يُوضَعُ فِيهِ عَلَفُ الدَّوَابِّ، وهنا هو علامة أعطاها الـمَلائِكَة إلى الرُّعاة "وإِلَيكُم هذِهِ العَلامة: سَتَجِدونَ طِفلاً مُقَمَّطاً مُضجَعاً في مِذوَد"(لوقا 2: 12)، وهذه العلامة لا تعني حدثا ماديا ذا مدلول خفي، إنما هي مؤشر يَعرف الرُّعاة بوساطته أنَّ الطِّفْل هو ذاك الذي بشَّرهم به الـمَلائِكَة. والمذود له أيضا ارتباط مسيحاني للراعي المنحدر من داود كما جاء في نبوءة ميخا "وأَنتِ يا بَيتَ لَحم أَفْراتَة إِنَّكِ أَصغَرُ عَشائِرِ يَهوذا ولكِن مِنكِ يَخرُجُ لي مَن يَكونُ مُتَسَلِّطاً على إِسْرائيل وأُصوِلُه مُنذُ القَديم مُنذُ أَيَّامَ الأَزَل... ويَقِفُ ويَرْعى بِعِزَّةِ الرَّبّ وبِعَظَمَةِ آسمِ الرَّبّ إِلهِه "(ميخا 5: 1-3). ولد يسوع في المذود محتقرًا كل أمجاد العالم وعظمته الباطلة الفانية. العالم استقبله في مذود وودَّعه على خشبة الصليب، فهو أتى مستعدًا للذبح من يوم ولادته.
17 ولَـمَّا رَأَوا ذلكَ جعَلوا يُخبِرونَ بِما قيلَ لَهم في ذلك الطِّفْل.
18 فَجَميعُ الَّذين سَمِعوا الرُّعاة تَعَجَّبوا مِمَّا قالوا لَهم
تشير عبارة "تَعَجَّبوا" إلى ردة الفعل أمَّام تدخلات الله كما هو الحال مع مولد يوحنا المعمدان "فَطَلَبَ أبوه لَوحاً وكَتَب ((اِسمُهُ يوحَنَّا)) فتَعَجَّبوا كُلُّهم" (لوقا 1: 63). تدل هه الآية على أثر ينطوي على الفارق العظيم بين التعجب الوقتي الطارئ أبداه السامعون بين المشاعر والأفكار العميقة في قلب مريم (لوقا 2: 18-20).
19 وكانَت مَريمُ تَحفَظُ جَميعَ هذهِ الأُمور، وتَتَأَمَّلُها في قَلبِها.
تشير عبارة "تَحفَظُ جَميعَ هذهِ الأُمور" إلى تأثَّر القدِّيسة مريم بهذا اللقاء مع الرُّعاة، حيث حاولت التفكير بالدخول في سر الوحي، ويعلّق القديس أمبروسيوسعلى ذلك بقوله "من كلمات الرُّعاة تحصد مريم عناصر إيمانها"؛ فجاء تطويبة صاحب المزامير "طوبى لِلَّذينَ يَحفَظونَ شَهادَتَه وبِكُلِّ قُلوبِهِم يَلتَمِسونَه" (مزمور 119: 2)؛ وأمَّا عبارة "تَتَأَمَّلُها في قَلبِها" فتشير إلى التركيز ليس على يسوع فحسب، إنما أيضا على مريم أمه. فليس هناك قلب كقلب الأمّ الّتي تحوي بنظرتها التأملية حياة ورسالة ومستقبل أبنائها. وها نحن مدعوين اليوم أن نلجأ لمريم أمّ يسوع وأمنا أن تتضرع لأجلنا حتى نتمكن في حياتنا بالتأمل في كلمة ابنها يسوع، وقراءة الأحداث البشرية بعين إلهيّة. لكن البحث عن معنى هذه الأمور والتفكير في الأحداث التي تخص يسوع لن ينكشف معناها إلاَّ في وحي قيامته وتبشير بولس الرسول أنَّ يسوع هو ابن الله (أعمال الرسل 9: 10). ولا تدل هذه الآية على سجيّة مريم العذراء وأخلاقها فحسب، إنما تدل أيضا على لوقا الإنجيلي الذي استقى معلوماته ونقل إلينا طفولة يسوع من ذكريات مريم التي كانت تحفظها ثم سلمتها إلى الجماعة اليهودية المتنصرة، وأخيرا تلقاها لوقا الإنجيلي.
20 ورَجَعَ الرُّعاة وهم يُمَجِّدونَ الله ويُسَبِّحونَه على كُلِّ ما سَمِعوا ورَأَوا كَما قيلَ لَهم.
تشير عبارة "يُمَجِّدونَ الله" إلى ظهور الله وتجلياته الإلهية ورد فعل الرُّعاة اتجاه هذه التجليات؛ وأمَّا عبارة "يُسَبِّحونَه" فتشير إلى عرفان بالجميل والمديح، ذلك لأن الله يبدو جديراً بالتسبيح على النعم التي يغدقها على الإنسان. والتسبيح ينوّه بشخصية الله أكثر منه بعطاياه، لأنه يركز بالأكثر على الله وهو أقرب إلى السجود. فلنسبح ونسجد له مع الرُّعاة والـمَلائِكَة قائلين " الـمَجدُ للهِ في العُلى! والسَّلامُ في الأَرضِ لِلنَّاسِ فإنَّهم أَهْلُ رِضاه! " (لوقا 2: 14). وإن ترنيمة الـمَلائِكَة ترنيمة مفضلة في كل الأوقات ظلت تلهم الموسيقيين لألفي عام، وقد كانت الأساس لأعمال موسيقية وترانيم ميلادية وفرق الترنيم والألحان الليتورجيا القديمة.
21 ولَـمَّا انقَضَت ثَمانِيَةُ أَيَّامٍ فحانَ لِلطِّفْلِ أَن يُختَن، سُمِّيَ يسوع، كما سَمَّاهُ الـمَلاكُ قَبلَ أَن يُحبَلَ بِـه.
عبارة "ولَـمَّا انقَضَت ثَمانِيَةُ أَيَّامٍ فحانَ لِلطِّفْلِ أَن يُختَن" في الأصل اليوناني Καὶ ὅτε ἐπλήσθησαν ἡμέραι ὀκτὼ τοῦ περιτεμεῖν αὐτόν (معناهاولمّا انقضت ثمانية أيام لختانه) تشير إلى الختان وهو الفعل الرسمي الذي يُدخل به أبو العائلة ابنه بعد ثمانية أيام من ولادته في عهد إسرائيل؛ وهكذا أعطى يوسف سلالة شرعيّة ليسوع، وبفضل تبنّي يوسف ليسوع أصبح يسوع، ابن مريم، ابن داود الحقيقيّ. يتمّم الربّ وعده بفضل يوسف أن يعطي لداود سليل الملكوت الأبديّ. ويصبح داود أبٌ بالتبنّي، وليس بالولادة البشريّة، بحسب الجسد. وهكذا اختتن الطفل الذي تكلَّم عنه أشعيا: " لِأَنَّه قد وُلدَ لَنا وَلَدٌ وأُعطِيَ لَنا آبنٌ " (أشعيا 9: 6). ويرمز الختان أيضا إلى انفصال اليهود عن الأمم غير اليهودية، والى علاقتهم الفريدة بالله (لوقا 1: 59). وكان الختان علامة الدخول في عهد مقدس مع الله وبداية دخول في عضوية الجماعة المقدسة كما أوصى الله إبراهيم (التكوين 17: 9-14). لذلك تقدم فادينا ومخلصنا يسوع ليتمم الشريعة. والمسيح أتى خاضعًا للشريعة، إذ هو وحده لم يخالفها "فلَمَّا تَمَّ الزَّمان، أَرسَلَ اللهُ ابنَه مَولودًا لامرَأَةٍ، مَولودًا في حُكْمِ الشَّريعةْ لِيَفتَدِيَ الَّذينَ هم في حُكْمِ الشَّريعة، فنَحْظى بِالتَّبَنِّي" (غلاطية 4:4-5). ويُعلق القديس أمبروسيوس "خُتن الطفل الذي تكلَّم عنه أشعيا: "لأنه قد وُلدَ لَنا وَلَدٌ وأُعطِيَ لَنا آبنٌ" (أشعيا 9: 5)، مَولودًا في حُكْمِ الشَّريعةْ لِيَفتَدِيَ الَّذينَ هم في حُكْمِ الشَّريعة، فنَحْظى بِالتَّبَنِّي (غلاطية 4: 4-5)". والختان يرمز للمعمودية، التي فيها قطع للطبيعة الشريرة وبداية حياة جديدة مع الله؛ أمَّا عبارة " ثَمانِيَةُ أَيَّامٍ " فتشير اليوم الذي عُيِّن للختان الجسدي طبقًا لشريعة، ختان كل طفل ذكر في اليوم الثامن لمولده، ويُسمّى باسمه في ذلك اليوم أيضا (الأحبار 12: 3). وفي موضع آخر تتناول الشريعة الأم ومولودها "أَيَّةُ اَمرَأَةٍ حَبلَت فَولَدَت ذَكَراً تَكونُ نَجِسَةً سَبعَةَ أَيَّام، كأَيَّامِ طَمْثِها تَكونُ أَيَّامُ نَجاسَتِها، وفي اليَومِ الثَّامِنِ تُختَنُ قُلفَةُ المَولود، وثَلاثَةً وثَلاثينَ يوماً تَظَلُّ في تَطْهيرِ دَمِها. لا تَمَسُّ شَيئاً مِنَ الأَقْداس ولا تَدخُلُ المَقدِس، حتَّى تَتِمَّ أَيَّامُ طُهرها" (أحبار 12: 2-4). ويوم ختان الابن الذكر هو يوم مُميز في حياة كلّ أسرة عبريّة، إذ فيه تزدهر فيه عنصر البنوة والأمومة معًا. أمَّا عبارة " سُمِّيَ يسوع" فتشير إلى تحديد اسم الولد مرتبط بالختان. أنّ الابن في الشريعة اليهودية لا يُعطى له الاسم إلا في اليوم الثامن من ولادته وهو يوم ختانه. تتبع مريم الشريعة وتحمل ابنها لختانه وإعطائه الاسم في اليوم الثامن من ولادته. أمَّا عبارة " يسوع " فتشير إلى الصيغة العربية للاسم العبري יֵשׁוּעַ (معناها الله مخلص). وقد تسمى يسوع حسب قول الملاك ليوسف (متى 1: 21)، ومريم (لوقا 1: 31). ويسوع هو اسمه الشخصي. هذا الاسم ليس له صلة بالأسرة أو بالنسل بل هو اسم "يسوع"، أيّ مخلص، وقد أُعطيّ من العلاء، اسم منحه الله لابنه. هو الّذي يُوجه حياتنا البشرية نحو الخلاص. ولا يكمن خلاصنا فقط في انتمائنا لاسم يسوع بل في قبوله كمخلص، كما جاء في تعليم بولس الرسول "لِذلِك رَفَعَه اللهُ إِلى العُلى ووَهَبَ لَه الاَسمَ الَّذي يَفوقُ جَميعَ الأَسماء. كَيما تَجثُوَ لاسمِ يسوع كُلُّ رُكبَةٍ في السَّمَواتِ وفي الأَرْضِ وتَحتَ الأَرض" (فيلبيّ 2: 9-10). أمَّا المسيح فهو لقبه. وقد وردت عبارة " الرب يسوع المسيح " نحو 50 مرة في العهد الجديد. ويسوع المسيح أو المسيح يسوع، نحو مئة مرة. بينما وردت كلمة المسيح أيضاً بالمخلص (لوقا 2: 11). وردت لفظة يسوع وحدها على الأكثر في الأناجيل، ويسوع المسيح، والرب يسوع المسيح في سفر الأعمال والرسائل.
ثانياً: تطبيقات النص الإنجيلي (لوقا 2: 8-20)
بعد دراسة موجزة عن وقائع النص الإنجيلي،نستنتج انه يتمحور حول رسالة الرُّعاة في ميلاد يسوع المسيح. ويكشف لنا لوقا الإنجيلي ثلاث مراحل في دورهم في ميلاد الرَّبّ:
المرحلة الأولى: بشارة الـمَلائِكَة للرعاة (لوقا 2: 8-15)
ميلاد يسوع المسيح يُعد أعظم حدث في التاريخ، حيث انتظره العالم أجيالا طويلة. وأخيراً "لَمَّا تَمَّ الزَّمان، أَرسَلَ اللهُ ابنَه مَولودًا لامرَأَةٍ، مَولودًا في حُكْمِ الشَّريعةْ " (غلاطية 4: 4). وقد تمَّت ولادة السيِّد المسيح في المذود بعيدًا عن الأنظار، وهكذا استقبلت الأرض خالقها في صمتٍ رهيبٍ، لكن لم يكن ممكنًا للسماء أن تصمت، فقد جاءت ملائكة الرَّبّ إلى جماعة من الرُّعاة المتواضعين البسطاء والساهرين الأمناء في عملهم لوقا 2: 8-14)، وزُفَّت لهم البشرى ودعتهم للاشتراك في تحية "حمل الله " (يوحنا 1: 36) الذي يحمل خطايا العالم. فميلاد المسيح يربطنا روحيا بتلك الليلة الجميلة التي التقت السماء بالأرض حيث بشَّر الـمَلائِكَة الرُّعاة وولد يسوع المخلص.
تجلى الله للرعاة، أي أنَّ الله تدخل في التاريخ ليخلص ويُوحي. فظهر ملاك الرَّبّ ومجد الرَّبّ إلى الرُّعاة. كان الرُّعاة، في زمن المسيح، موضوع أحكام متعارضة، فالبعض يرون فيهم أنهم بعيدون عن الشريعة التي لم يكن في استطاعتهم ممارستها، غير أن البعض الآخر كانوا يحتفظون في ذاكرتهم بنبوءة الراعي المزمع أن يأتي. وقد أتمَّ يسوع هذه النبوءة "َنتِ يا بَيتَ لَحم أَفْراتَة إِنَّكِ أَصغَرُ عَشائِرِ يَهوذا ولكِن مِنكِ يَخرُجُ لي مَن يَكونُ مُتَسَلِّطاً على إِسْرائيل وأُصوِلُه مُنذُ القَديم مُنذُ أَيَّامَ الأَزَل"(ميخا 5: 1). ويقول أدرشيم العالم اليهودي المتنصر "إنهم رعاة كانوا يحرسون الأغنام التي يُقدَّم منها ذبائح طوال السنة في الهيكل، وكان من يريد تقديم ذبيحة يذهب ويشترى منهم". وكان الكهنة يفحصونها ويختمونها حينما يجدونها بلا عيب (يوحنا 6: 27). فأغنامهم رمز للمسيح "حمل الله " الذي بلا خطيئة. وقد ظهر الملاك للرعاة ليُرشدهم إلى حَمَلْ الله الذي سيُقدَّم ذبيحةً هو أيضاً، وليُقودهم للراعي الحقيقي والحمل الحقيقي الذي ختمه الله الآب "لا تَعمَلوا لِلطَّعامِ الَّذي يَفْنى بلِ اعمَلوا لِلطَّعامِ الَّذي يَبْقى فَيَصيرُ حَياةً أَبَدِيَّة ذاكَ الَّذي يُعطيكموهُ ابنُ الإِنسان فهوَ الَّذي ثبَّتَه الآبُ اللهُ نَفْسُه، بِخَتْمِه" (يوحنا 6: 27)، وختم الله هو شهادة الله لبرِّ المسيح ابنه، وأنه بلا خطيئة وأرسله ليُقدِّم نفسَه ذبيحة.
يُصبح المسيح الحمل، في كتاب الرؤيا، راعيًا يُهدي إلى ينابيع ماء الحياة " لأَنَّ الحَمَلَ الَّذي في وَسَطِ العَرشِ سيَرْعاهم وسيَهْديهم إلى يَنابيع ِماءِ الحَياة، وسيَمسَحُ اللهُ كُلَّ دَمعَةٍ مِن عُيونِهم"(رؤيا 7: 17)، إنه الراعي الواحد المنتظر (حزقيال 34: 23)، ويعلن يسوع أنه هو بالذات. "أَنا الرَّاعي الصَّالِح والرَّاعي الصَّالِحُ يَبذِلُ نَفْسَه في سَبيلِ الخِراف" (يوحنا 10: 12). فالمسيح وُلِد فقيرًا ليغني كثيرين، وولد متواضعًا ليرفع المتَّضعين وبقدر ما نكون له، يكون هو أيضًا لنا.
يبدو مكان ظهور الـمَلائِكَة انه في مجدل عَدَرْ هو اسم عبري מִגְדַּל־עֵדֶר معناه قلعة أو برج القطيع. ويذكره ميخا النبي " وأَنتِ يا بُرجَ القَطيع يا عوفَلَ بِنتِ صِهْيون إِلَيكِ يأتي ويَعودُ السُّلطانُ الأَوَّل، مُلكُ بِنتِ أُورَشَليم" (ميخا النبي 4: 8). ويقع برج القطيع في بيت ساحور قرب كنيسة الروم الأرثوذكس. وهو ليس برجا لمراقبة قطعان الغنم العادية بل الغنم التي ستُقدَّم ذبائح في الهيكل بحسب ما ورد في كتاب المشنة اليهودية. هؤلاء هم الرُّعاة الذين ظهر لهم الـمَلائِكَة ليبشِّروا بميلاد المسيح الذي سيكون الحمل الذي يقدم ذبيحة عن العالم. وقد رمزت أغنامهم إلى يسوع الحمل الحقيقي الذي يفدى شعبه بذبيحة نفسه كما جاء في تعليم صاحب الرسالة إلى العبرانيين " لم يَظهَرْ إِلاَّ مَرَّةً واحِدَةً في نِهايَةِ العالَم لِيُزيلَ الخَطيئَةَ بِذبيحَةِ نَفْسِه"(عبرانيين 9: 26).
وبشرى الرُّعاة في ليلة الميلاد هي بشرى لنا: إِنِّي أُبَشِّرُكُم بِفَرحٍ عَظيمٍ يَكونُ فَرحَ الشَّعبِ كُلِّه: وُلِدَ لَكُمُ اليَومَ مُخَلِّصٌ في مَدينَةِ داود، وهو الـمَسيحُ الرَّبّ" (لوقا 2: 10-11). إذاً لنوكل ذاتنا إلى هذه النعمة التي تمنحنا الطمأنينة والفرح والسلام. ويعلق القديس أوغسطينوس "صارَ اللهُ إنسانًا، ليصيرَ الإنسانُ إلهًا. هذه بشرى عنوان مشروع حياةٍ يُحقِّقُهُ من يقوى على فهمه ويفتح قلبه إلى محبةَ الله ومحبة الأخرين ويجد فيه مسرّته "الـمَجدُ للهِ في العُلى! والسَّلامُ في الأَرضِ لِلنَّاسِ فإنَّهم أَهْلُ رِضاه! "(لوقا 2: 14). بميلاد طفل المغارة بدأ عالم جديد، لأنَّ ميلاده هو عربون السلام المسيحاني (لوقا 9: 6).
المرحلة الثانية: سجود الرُّعاة للطفل الإلهي يسوع المسيح (لوقا 15: 15-17)
كان الرُّعاة في الطليعة إلى بَيتَ لَحم، بعد أنَّ بشّرهم ملاك الرَّبّ، لبّوا في الحال دعوة الـمَلائِكَة "وجاؤوا مُسرعين، فوَجَدوا مريمَ ويوسُفَ والطِّفْل مُضجَعاً في الـمِذوَد" (لوقا 2: 16). ويُعلق القديس أمبروسيوس "أسرع الرُّعاة في البحث عن يسوع بلا تراخٍ، فقد آمن الرُّعاة بكلمات الملاك فوجدوا عائلة مثالية، وجدوا يسوع ومريم ويوسف".
أ) وجد الرُّعاة يسوع طفلا مضجعاً في مذود
وجد الرُّعاة الطِّفْل الإلهي في مغارة مظلمة وشديدة البرودة، محرومًا من كل ثروةٍ وجاه ٍ. قصره مغارة، عرشه مذودٌ، حاشيته لاجئان فقيران بلا مأوى. وبالرغم من هذا الفقر المُدقع، سجدوا للطفل المضَّجع في المذود! يعلق القدّيس برنادس "طوبى للرعاة الفقراء الساهرين ليلاً، والذين استحقّوا رؤية هذه العلامة!""(العظة الثانية عن نشيد الإنشاد، الفقرة 8) ويُعلق القديس كيرلس الكبير "لا تنظروا إذن إلى الطِّفْل المولود في المذود كأنه رضيع فقط، بل انظروا إليه إلهًا غنيًا قديرًا وفاديًا، مُخلِّصًا عظيمًا يفوق الأجناد السماوية قوّة واِقتدارًا، فحقَّ له أن تنادي الـمَلائِكَة بولادته في فرح وسرور وابتهاج وحبور، فما أجمل تحيَّات الـمَلائِكَة للطفل يسوع وهم ينشدون". يعلق الطوباويّ يوحنّا هنري نِيومَن " أظهر نفسك يا ربّ، كما حدث يوم ميلادك عندما زار الملائكةُ الرعاةَ؛ فليزدهر مجدك كما تتفتّح الأزهار والأوراق على الأشجار. بقدرتك الكبيرة، حوّل العالم المرئي إلى هذا العالم الإلهي الذي لا نره بعد. فليتحوّل كلّ ما نراه إلى كلّ ما نؤمن به"(العالم اللامرئي)
أعلنت الـمَلائِكَة سر المخلّص، المسيح الرَّبّ، هو المخلص (أشعيا 11:43) والذي تأنس وصار إنسانًا، ومُسِحَ بالروح القدس ليكون ملكًا وكاهنًا ونبيًا. وقد تحقق ما أعلن عنه النبي أشعيا "قد وُلدَ لَنا وَلَدٌ وأُعطِيَ لَنا آبنٌ فصارَتِ الرِّئاسةُ على كَتِفِه ودُعِيَ أسمُه عَجيباً مُشيراً إِلهاً جَبَّاراً، أَبا الأَبَد، رَئيسَ السَّلام" (أشعيا 9: 5).
فهو فتح الباب أمامنا لكي نصبح أبناء الله" أمَّا الَّذينَ قَبِلوه وهُمُ الَّذينَ يُؤمِنونَ بِاسمِه فقَد مَكَّنَهم أَنْ يَصيروا أَبْناءَ الله " (يوحنا 1: 12). فميلاده هو بشرى الفرح المسيحاني للشعب كله (لوقا 2: 10)، وعليه لُقِّب "بالمخلص والرَّبّ " وقد ورد هذا اللقب في إنجيل لوقا 19 مرة وأكثر من 40 مرة في أعمال الرسل. لقد جاء الرَّبّ يسوع لكل إنسان متواضع القلب ومستعد لقبوله، وهو يقبلنا كما نحن عليه، جاء إلى العالم ليخلص الخطأة ويعطيهم أملاً ورجاء. ويُعلق القدّيس ألريد دو ريلفو "يجب أن تحبّوا. أنتم تخافون من ربّ الملائكة، لكن أحبّوا الطفل الصغير؛ أنتم تخافون من ربّ العظمة، لكن أحبّوا هذا الطفل الصغير المقمَّط. أنتم تخافون من ذاك الذي يملك على السماء، لكن أحبّوا ذاك الطفل المُضَّجع في مذود" (العظة الثانية للميلاد، 2).
بُنيت كنيسة بَيتَ لَحم في مكان المذود الذي وُلد فيه السيد المسيح، وأصبحت كنيسة عظيمة ضخمة في بَيتَ لَحم اسمها "كنيسة المهد". فلم تعد حظيرة للخراف غير الناطقة، لكن أصبحت حظيرة للخراف الناطقة أي البشر من شعب الله، ويعلق القديس أوغسطينوس "صارت القوة ضعفاً ليصير الضعف قوة".
ب) وجد الرُّعاة مريم أم يسوع
وجد الرُّعاة مريم، أُمَّا تحتضن وليدها وتحنو عليه، أمَّاَ مثالية، ويعلق القديس يعقوب السروجي" إنَّ ابن الله تنازل بسبب محبته لأبيه، وجاء ليكون ابناً للعذراء". وجد الرُّعاة مريم، أول شخص يصغي إلى كلام الرَّبّ ويحفظه في قلبه ويتأمل به. فهي نموذج الإصغاء "كانَت مَريمُ تَحفَظُ جَميعَ هذهِ الأُمور، وتَتَأَمَّلُها في قَلبِها (لوقا 2: 19)، لأن ما يجري معها وحولها من أمور هي بمثابة سر، أي حقيقة عميقة الفهم ستُغيّر مجرى التاريخ والأحداث. ويُعلق القدّيس بونافَنتورا "ولادة يسوع لم تُغيّر في بتولية والدته. وبسبب محبتّه افْتَقَرَ لأجلنا ووُلِد صغيرًا وإن كان ذا سلطانٍ وغنى عظيمين (2 قورنتس 8: 9)، وهو لأجلنا وُلِد فِي نُزُلٍ وليس فِي الْمَنْزِلِ، ورضِيَ أن يُلّف بأقمطة بالية، وأن يتغذى بحليب العذراء، وينام في مذودٍ بين ثورٍ وحمار"(شجرة الحياة، الفصل الأوّل، §4).
كلّ مرّة يُصغي إنسان إلى كلام الله ويتأمل فيه، ويتمّم إرادة الله على خطى مريم العذراء، يتمّ ميلاد الله في حياته وينال الخلاص والفرح والسلام. ويعلق القدّيس أفرام السريانيّ " تعالوا أيّها الحكماء، ولنتأمّل الأم العذراء، ابنة داود، هذه زهرة الجمال التي وَلَدَت الآية. في أحشائها الطاهرة، استقبلت وحملت هذا الإله العظيم الذي يحكم الخليقة، هذا الإله الذي يعمّ السلام من خلاله على الأرض وفي السماوات. تعالوا لنتأمّل العذراء الكاملة الطهارة، الرائعة بحدّ ذاتها. هي الوحيدة بين المخلوقات التي أنجبت بدون أن تعرف رجلاً " (النشيد السّابع عن العذراء).
ج) وجد الرُّعاة يوسف
وجد الرعاة يوسف، رمز الطاعة الواعية وتتميم إرادة الله بصمت. فهو لم يتمرّد ولم يتذمّر ولم يتهرب من تدخل الله في حياته الذي اختاره لمهمّة الأب المُعلن ليسوع والحامي لبتوليّة مريم، وجدوا يوسف "البارّ" الذي آمن بألوهيّة الطِّفْل الّذي يظهر على الأرض فقيراً، آمن بأمومة مريم العذراء وبتجسّد ابن الرَّبّ ليسوع "إنّ الّذي كوّن فيها هو من الروح القدس"، فلم يخفْ أن يطيع كلمة الله :" أن يأتي بامرأته مريم إلى بيته" (لوقا 1: 24)؛ لقد تمّ رسالته في الأمَّانة للروح القدس، وهذا الروح أيّد إيمان يوسف وعمله، فهو " الوَكيلَ الأَمينَ العاقِلَ الَّذي يُقيمُه سَيِّدُه على عائلته" (لوقا 12، 4).
جاء يسوع المسيح الرَّبّ لكل إنسان متواضع القلب ومستعد لقبوله، وهو يقبلنا كما نحن عليه. ولد الرَّبّ يسوع المسيح الفادي وأتى إلى العالم ليخلص الخطأة ويعطيهم أملاً ورجاء. فلنسجد مع الرُّعاة أمَّام الطِّفْل الإلهي، الذي به جمع الله من أجل خلاصنا الحقيقة والرحمة، والعدالة والغفران، ولنقترب من سرّ بَيتَ لَحم بمشاعر الإيمان والتواضع نفسها التي اختبرها الرُّعاة. ويُعلق القدّيس ألريد دو ريلفو " لنسرع يا إخوتي إلى مغارة الربّ. ولنستعدّ لهذا الدنو منه بفضل نعمته، بصفتنا شركاء للملائكة، "بِالعَفافِ والمَعرِفَة والصَّبرِ واللُّطْفِ، بالرُّوحِ القُدُسِ والمَحبَّةِ بلا رِياء" (2 قورنتس 6: 6). وهكذا سنُسبِّح الربّ من خلال حياتنا وسلوكنا مرتّلين: "الـمَجدُ للهِ في العُلى! والسَّلامُ في الأَرضِ لِلنَّاسِ فإنَّهم أَهْلُ رِضاه!" (لوقا 2: 14)" (العظة الثانية للميلاد، 2).
المرحلة الثالثة: تسبيح الرُّعاة وتبشيرهم (لوقا 18: 20).
لم يكتف الرُّعاة برؤية مريم ويوسف والسجود للطفل الإلهي، بل اخذوا يُبشِّرون به ويُذيعون الكلمة ويُعلنون الخبر أن الرَّبّ يسوع هو المسيح والمُخلص، كما ورد في إنجيل لوقا "ولَـمَّا رَأَوا يسوع ومريم ويوسف جعَلوا يُخبِرونَ بِما قيلَ لَهم في ذلك الطِّفْل" (لوقا 2: 17). النفس التي صنع الله لها أمورا ً عظيمة هي وحدها قادرة على تسبيحه التسبيح اللائق وتقدر أن تدعو الآخرين إلى مشاركتها في أمانيها. ولذلك إنَّ الرُّعاة، وهم الفقراء المُتوكلين على الله، نالوا بشرى الخلاص العظيمة، كما جاء في بشارة الملاك لهم "ها إِنِّي أُبَشِّرُكُم بِفَرحٍ عَظيمٍ يَكونُ فَرحَ الشَّعبِ كُلِّه: وُلِدَ لَكُمُ اليَومَ مُخَلِّصٌ في مَدينَةِ داود، وهو الـمَسيحُ الرَّبّ" (لوقا 2: 10-11). فمحبّتهم للمسيح المولود، تخطّت فقرهم، والكثير من هموم الحياة التي كانت تثقل كاهلهم، وجعلتهم يتبعون كلام الـمَلائِكَة ويهرعون إلى مغارة بَيتَ لَحم، ليجدوا ما قيل لهم فوجود الطِّفْل يسوع، وأصبحوا أغنياء بالله الذي افتقر لأجلهم كما جاء في تعليم بولس الرسول "فقَدِ افتَقَرَ لأَجْلِكُم وهو الغَنِيُّ لِتَغتَنوا بِفَقْرِه"، واخذوا يُمَجِّدونَ الله ويُسَبِّحونَه على كُلِّ ما سَمِعوا ورَأَوا كَما قيلَ لَهم (لوقا 2: 20).
رأى الرعاة الرب نفسه حاضرًا بحسب الجسد، ثم بشروناـ ونحن سمعنا ولكنَّنا لم نرَ. أوَنحن أقل سعادة من هؤلاء الرعاة الذين رأوا؟ هم رأوا ونحن لم نرَ، ولكنَّنا شركاء معهم، لأننا نؤمن الإيمان نفسه. وهذا الأمر اختبره يوحنا الإنجيلي وهو يشهد على ذلك بقوله "ذاك الَّذي كانَ مُنذُ البَدْء ذاك الَّذي سَمِعناه ذاك الَّذي رَأَيناهُ بِعَينَينا ذاكَ الَّذي تَأَمَّلناه ولَمَسَتْه يَدانا مِن كَلِمَةِ الحَياة، لأَنَّ الحَياةَ ظَهَرَت فرَأَينا ونَشهَد ونُبَشِّرُكمِ بِتلكَ الحَياةِ الأَبدِيَّةِ الَّتي كانَت لَدى الآب فتَجلَّت لَنا ذاكَ الَّذي رَأَيناه وسَمِعناه، نُبَشِّرُكم بِه أَنتم أَيضًا لِتَكونَ لَكَم أَيضًا مُشاركَةٌ معَنا ومُشاركتُنا هي مُشاركةٌ لِلآب ولاَبنِه يسوعَ المسيح. وإِنَّنا نَكُتبُ إِلَيكم بِذلِك لِيَكونَ فَرَحُنا تامًّا"(1يوحنا 1: 1-4). ويعلق القديس أوغسطينوس "إن الفرح التام هو في المشاركة نفسِها، وفي المحبَّة نفسِها، وفي الوحدة نفسِها" (رسالة يوحنا، 1و 3: PL 35).
الرُّعاة هم رمز لراعي الرُّعاة سيدنا يسوع المسيح وهم بالتالي رمز للرعاة الروحيِّين الذين يظهر لهم الرَّبّ يسوع المسيح فيبشِّرون باسمه في كل مكان كما بشَّر الرُّعاة بالمسيح في بلدتهم على أثر سماعهم أنشودة المجد والسلام والفرح من الـمَلائِكَة الأطهار. وكما زار الرُّعاة يسوع وعاشوا اختبارهم الروحي ونقلوا حدث الخلاص المنتظر من هذا الطِّفْل إلى جميع الذين التقوا بهم، كذلك علينا زيارة مغارة الطِّفْل الإلهي ونطلب نعمة الرغبة في رجاء جديد لحياتنا ونقل الحدث اليوم لمن هم حولنا اقتداء بالرسول بولس " سأُبَشِّرُ بِاسمِكَ إِخوَتي وفي وَسْطِ الجَماعَةِ أُسَبِّحُكَ" (عبرانيين 2: 12).
الخلاصة:
ميلاد يسوع في بَيتَ لَحم، هو حدث في قلب التاريخ، ولا يزال صوت الرُّعاة يُدوي في قلوبنا " هَلُمَّ بِنا إلى بَيتَ لَحم " فعلى مثال الرُّعاة الذين ذهبوا إلى بَيتَ لَحم ليروا الطِّفْل الإلهي وسجدوا له، كذلك نحن أيضا لنبحث عنه ولنسجد لهذا الطِّفْل الإلهي الذي لم يتردَّد أن يكون فقيرا ليحمل لنا حب الله والخلاص والفرح الحقيقي. فنجد الجواب على المتاعب التي تمزّق قلوبنا وبيوتنا ومجتمعاتنا وعالمنا.
ميلاد الرَّبّ يسوع هو أسلوب خلق جديد حيث يأتي الرَّبّ ليدخل في العالم وفي التاريخ فيشارك الإنسان في بناء هذا الكون. أنه شكل من أشكال الخلاص الذي يهبه الله لكل البشر، كما جاء في نبوءة أشعيا "كَشَفَ الرَّبّ عن ذراعِ قُدسِه على عُيونِ جَميعِ اَلأُمَم فتَرى كُلُّ أَطْرافِ الأَرضِ خَلاصَ إِلهِنا" (أشعيا 52: 10). ويمثل الرُّعاة الفقراء والمتواضعين الذين يرون في هذا الطِّفْل تحقيق وعد الله، ويأملون في أن يتمّ خلاصه لكلّ واحد منهم.
ميلاد الرَّبّ هو إمكانية تحقيق الحق والعدل والسلام كما هو مذكورٌ في سفر أشعيا "لِنُمُوِّ الرِّئاسة ولسَلام لا آنقِضاءَ لَه على عَرًشِ داوُدَ ومَملَكَتِه لِيُقِرَّها ويُوَطِّدَها بِالحَقِّ والبِرّ مِنَ الآنَ وللأَبَد غَيرَةُ رَبِّ القُوَّات تَصنعُ هذا" (أشعيا 9: 6). وإذا كانت الشمس تبشّر بانتصار النور على الظلام، فالمسيح بميلاده يبشّر الناس بقيام الخلاص، وانتصار النعمة على الخطيئة، والسعادة على الشقاء، والحب على البغضاء، والسلام على الحرب والخصام، والحياة على الموت، كما جاء ف تعليم يوحنا الإنجيلي: "بميلاده العجيب كانَتِ الحَياة والحَياةُ نورُ النَّاس والنُّورُ يَشرِقُ في الظُّلُمات ولَم تُدرِكْه (يوحنا 1: 4).
وأخيرا، الميلاد لا يكتمل إلاَّ إذا فتحنا أبوابنا للمسيح المولود، وانتصر فينا النور على الظلام، والحقيقة على الأوهام، والنعمة على الخطيئة، والحب على العداء، والرحمة على الجفاء. أمَّا إذا أعددنا لميلاد في بيتنا كل شيء، ونسينا أن نعد للمسيح في قلوبنا مكانا، فلا عيد ولا ميلاد. هلمَّ نفتح باب قلوبنا نفتحه للمسيح المولود، كما جاء في ترنيمة الميلاد "ليلة الميلاد يُمَّحى البغضُ، ينبت الحب، تدفن الحرب. عندما نسقي عطشان كأس ماء، عندما نكسي عريان ثوب حب، عندما نجفف الدموع من العيون، عندما نملأ القلوب بالرجاء، نكون في الميلاد. عندما أقَبِّل رفيقي دون غش، عندما تموت فيَّ روحُ الانتقام، عندما يزول من قلبي الجفاء، عندما تذوب نفسي في كيان الله، أكون في الميلاد. ويعلق القدّيس يوحنّا الذهبيّ الفم " لنسرع بفرحٍ إلى مسكن الطفل. إن كنتم رعاة، تعالوا فقط وستعاينون الطفل في الإسطبل. إن كنتم ملوكًا، فإنّ الأرجوان الذي تلبسونه وكلّ المجد الأرضي لن يخدمكم أبدًا إن لم تأتوا إلى بيت لحم. وأن كنتم رجال علم على غرار المجوس، فإن كل المعرفة الّتي تكتنزونها لن تخلّصكم إن لم تأتوا مظهرين احترامكم. وإن كنتم غرباء فإنّكم سوف تدخلون إلى قلب هذا الملك"(عظات عن إنجيل القدّيس متّى). فلنسجد مع المجوس، ولنمجّد مع الرعاة، ولنرنّم مع الملائكة: "وُلِدَ لنا اليَومَ مُخَلِّصٌ وهو الـمَسيحُ الربّ؛ الربّ الله الذي ظهر لنا. وكل ميلاد وأنتم بخير.
دعاء

أنت يا من كنت منذ الأزل، ويا من صرت بشرًا ودخلت الزمن، بسر ولادتك العجيبة، جدِّد البشرية. أنت يا من هو نور الأمم ومعلم القداسة، نوِّر خطانا بنور كلمتك. يا كلمة الله، الذي صرت إنسانا في أحشاء البتول مريم، وكشفت بطريقة مدهشة للرعاة المتواضعين، ميلادك المجيد، امنحنا، نحن الذين نعلن إيماننا بتجسدك، أن نشارك في حياتك الخالدة بشفاعة أمك مريم البتول. آمين. مع أطيّب الأمنيّات بسنة سنة جديدة مباركة بالحب والفرح والسلام تحت رعاية مريم أمّنا وباسم يسوع ونحن نحياها متأملين في الأحداث البشريّة بعين يسوع ومريم.
رد مع اقتباس
إضافة رد


الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع
سجود الرُّعاة للطفل الإلهي يسوع المسيح (لوقا 15: 15-17)
يا أم سيدنا يسوع المسيح صلي لأجلنا
يا ام سيدنا يسوع المسيح صلى لاجلنا
عيد ميلاد مجيد || ميلاد يسوع المسيح ||
يا أم سيدنا يسوع المسيح


الساعة الآن 11:29 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024