رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
اَللهُ مُسْكِنُ الْمُتَوَحِّدِينَ فِي بَيْتٍ. مُخْرِجُ الأَسْرَى إِلَى فَلاَحٍ. إِنَّمَا الْمُتَمَرِّدُونَ يَسْكُنُونَ الرَّمْضَاءَ [6]. جاء في تفسير القديس أغسطينوس، "الله مُسكن الذين بمزاجٍ واحدٍ في بيت". وكأن ما يراه القديس هنا أن المرتل يتحدث لا عن متوحدين في عزلة عن البشر، وإنما عن وحدة في الفكر أو المزاج أو الطبع، يجمعهم الله ويسكن في وسطهم، ويقيم منهم هيكلًا له بسبب روح الوحدة. وكأنه ليس من هيكل يقدسه الله، مثل الوحدة بين المؤمنين. * إذ نكون بمزاجٍ واحدٍ نسكن في بيت، نتأهل أنه هو أيضًا يتنازل ويسكن بيننا... هذا هو مسكن الرب المقدس، الأمر الذي يطلبه أغلب الناس، الموضع الذي تُسمع فيه الصلاة... فالرب لا يسكن في أي موضع أيًا كان، وإنما في موضعٍ يكون بالأكثر خاصًا ومكرمًا. هكذا لا يسكن الله في كل البشر الذين في بيته (إذ هو لا يسكن في أواني الهوان)، إنما مسكنه المقدس هم أولئك الذين لهم مزاج واحد، أو لهم سلوك واحد في بيتٍ. * لكي يبرهن أنه بنعمته يبني لنفسه هذا الموضع، وليس من أجل استحقاقات مُسبقة لهؤلاء الأشخاص الذين يقيم منهم مسكنًا له، انظروا ما يلي ذلك: "الذي يقود المقيدين (الأسرى) في قوة". فإنه يحل قيود الخطية الثقيلة، التي كانوا مقيدين بها، فلم يكونوا قادرين على المشي في طريق الوصايا؛ لكنه يقودهم في قوةٍ لم تكن لديهم قبل نوالهم نعمته. * تقود نعمة المسيح في قوةٍ. بأي قوة سوى تلك التي بها يجاهدون ضد الخطية حتى الدم؟ فإنه خرج من كل نوع أشخاص متأهلون أن يصيروا مسكنه المقدس، هؤلاء الذين إذ حُلوا (من القيود) قاموا إلى الحياة. فإنه حتى المرأة التي ربطها الشيطان 18 سنة حلّ (المسيح) قيودها بأمره (لو 13: 16). وغُلب موت لعازر بصوته (يو 11: 45). ذاك الذي فعل هذا في الأجساد، قادر بالأكثر أن يفعل أمورًا عجيبة في الشخصيات، ويجعل البشر الذين من مزاجٍ واحدٍ يسكنون في بيت "يقود الأسرى في قوة، مثل أناسٍ منزعجين يسكنون القبور". * يبني الرب له هيكلًا من الأيتام والأرامل، أي من الأشخاص المحرومين من الشركة في رجاء هذا العالم، لذا يُكَمِّل حديثه: "الله في موضع قدسه"... أناس لهم فكر واحد، ورأي واحد، هذا هو موضع قدس الرب. القديس أغسطينوس * هل تظن أنه يمكنك أن تثبت وتحيا إن كنت ترتدّ عن الكنيسة، مُشيِّدًا لنفسك بيوتًا أخرى، ومسكنًا مختلفًا، بينما قيل لراحاب التي سبق وأخذت صورة الكنيسة: "ويكون أن كل من يخرج من أبواب بيتك إلى خارج، فدمه على رأسه" (يش ٢: ١٩). وأيضًا نجد أن سرّ خروف الفصح لا يحوي شيئًا آخر في سفر الخروج مثلما أن الحمل الذي يُذبح يجب أن يؤكل في بيتٍ واحدٍ، وهو يمثل الكنيسة. فيقول الكتاب: "في بيت واحد يؤكل. لا يخرج اللحم من البيت إلى خارج" (خر ١٢: ٤٦). إن جسد المسيح ومقدَّسات الرب لا يمكن أن تخرج إلى خارج، ولا يمكن أن يكون هناك بيت آخر للمؤمنين إلاَّ الكنيسة الواحدة. ويشير الروح القدس إلى هذا البيت، وإلى العائلة المتحدة، ويعنيها، عندما يقول في المزمور: "الله مُسكِّن المتوحدين في بيت" (مز ٦8: ٦). ففي بيت الله في كنيسة المسيح، يسكن المؤمنون بنفسٍ واحدة، ويستمرون كذلك في وئام وبساطة. * في بيت الله، في كنيسة المسيح، يسكن البشر بفكرٍ واحدٍ، ويستمرون في انسجامٍ وبساطةٍ. * إنهم يواظبون معًا في الصلاة، معلنين بإلحاح وباتفاق صلواتهم أن الله يُسكن من هم بفكرٍ واحدٍ في بيت، يُدخل فقط الذين لهم اتفاق في صلواتهم إلى البيت الإلهي. * أوصانا الله أن نكون صانعي سلام وفي وحدة وبفكرٍ واحدٍ في بيته... ويريدنا إذا وُلدنا ثانية أن نستمر هكذا. إذ صرنا أولاد الله نظل في سلام الله، وإذ صار لنا الروح الواحد يكون لنا أيضًا القلب الواحد والفكر الواحد. الله لا يقبل ذبيحة المخاصم، بل يوصيه أن يترك المذبح ويتصالح أولًا مع أخيه، حيث يُسر الله بصلوات صانع السلام. الشهيد كبريانوس إذ يدخل الله إلى قلوب شعبه المنكسرة يعلن مملكته، أو سكناه في وسطهم، ويجعل منهم بيتًا واحدًا متناغمًا ومنسجمًا، لهم "شكل واحد" هو "شكل ابن الله" أو التشبه به، مع تنوع مواهبهم وقدراتهم. يؤكد القديس إكليمنضس السكندري أن غاية المخلص في تعليمه والبشر وتدريبهم وتهذيبهم أن يصيروا على شاكلته. * "الله في موضع قدسه". يسكن الله دائمًا بين قديسيه، وحيث توجد القداسة يكون موضع قدس الله. "يُسكِن الله البشر ذوى الطريق الواحد"، هؤلاء الذين يختارون طريقًا واحدًا للحياة، ويتمسكون به. حقًا إن الإنسان البار مثابر، فإنه يقرر مرة يحيا حياة فاضلة، أما الخاطئ فعلى النقيض، إذ هو متقلب: "الشرير متقلب كالقمر" (ابن سيراخ 27: 11). وفي النص العبري: "الله مَّسكن المتوحدين في بيت"، حيث لا تجد الخطية لها موضعًا وسط المتوحدين". القديس جيروم * لأن الرب يُسكن البشر بفكر واحد في بيت. من ثم يمكن للحب وحده أن يدوم دون انزعاج وسط من لهم هدف واحد وفكر واحد، يريدون ويرفضون معًا نفس الأمور. الأب يوسف أ. يرى البعض أن المتوحدين هنا يُقصد بهم المهجورون، مثل المرأة المُطَلقة أو الأرملة، وليس لها موضع للسكن. فإن الله بحبه يهتم بالفئات العاجزة عن وجود مسكن مستقر. ب. يرى البعض أن المتوحدين هنا أولئك الذين يعانون من حدة الانفعال، فلا يجدون من يقبل السُكنَى معهم. فإن الله يترفق بهم، ويُعِد لهم مسكنًا حتى تستقر نفوسهم. ج. ربما يقصد بالمتوحدين أولئك الذين يعتزلون المجتمع، وينفردون. د. ربما يعني الذين سقطوا تحت أسرٍ، وحُرموا من بلدهم وبيتهم، فيشعرون بالعزلة القاتلة. ه. الشعب الذي عاش في مصر أثناء نظام السخرية وقد حُرِموا من أصدقاء لهم، أو الذين ساروا في البرية وقد عجزوا عن التمتع بالحياة الاجتماعية في صداقات... فإنهم يستقرون هم أو أولادهم في أرض الموعد، ويكوِّنون صداقات فيما بينهم. و. يرى البعض في هذه العبارة الكشف عن دور الله في اختيار الزوج أو الزوجة، فهو مهتم بإقامة الأسرة المقدسة متى سلَّم الإنسان حياته في يد الرب. "مُخْرِجُ الأسرى إلى فَلاَحٍ". خلق الله الإنسان ليتمتع بالحرية، فإن كان يسمح لبعض أولاده بالسقوط تحت الأسر، أو بالسجن، لكنه هو الذي يُطْلِقُ الأسرى ويُعْتِقهم من السجن، كما فعل مع يوسف. أو كما فعل بالشعب كله حين أطلقه من عبودية فرعون. "إنما المتمردون يسكنون الرمضاء (الأرض الجافة)": من يتمرد على الله، يَحرِم نفسه من عطية مياه الروح القدس؛ وتجف أعماقه لتصير قفرًا بلا ثمر، لا يجد تعزية داخلية، ولا قوت يُشبِع نفسه، أو ماءً يرويها. يتنازل الله ويجعل من شعبه مسكنًا له، فيقيم في وسطهم، وبحبه يقيم لهم بيتًا هو ملكوته، لكي يسكنوا فيه. إنه حب متبادل فائق! يشتهي الله السكنى وسط شعبه، ويهبهم الفرصة ليشتهوا السكنى في ملكوته. يتحدث هنا عن المتوحدين بكونهم يتركون كل شيء من أجل الله، وبروح الحب يعيشون في بيت واحد، هو الكنيسة. والأسرى هم الذين استعبدتهم الخطية وأَسَرَهُم عدو الخير، يُحَررهم المخلص من قيود الشر. وعن المتمردين الذين يسكنون القبور، الذين يظنون في العصيان نوعًا من الحرية، فيحرمون أنفسهم من بيت الله أبيهم، ليعيشوا في القبور، تحت سلطان الموت وقوات الظلمة. * قوله: "متوحدون" يدل على اليهود الذين كان بينهم وقد أسكنهم في بيت، أعني في أورشليم. أما متوحدو الحال (يقول القديس أثناسيوس) فهم الذين يتجنبون كل شهوة دنيوية، ويصيرون في حياة البتولية لله وحده، أبرياء من كل ريبٍ وشكٍ. هؤلاء يسكنهم في بيت، أي في ملكوت السماوات أبديًا... وأما قوله "مخرج المقيدين (الأسرى)" برجولته (بشريته)، فهم المتمردون الذين يسكنون في القبور، ويعني الإسرائيليين الذين كانوا مغلولين برق العبودية في مصر، وكأنهم كانوا أمواتًا يسكنون القبور وهم أحياء، أخرجهم بقوة عظيمة، مع أنهم كانوا يتمردون بضجرهم وتقمقمهم عليه وعلى نبيه. وأيضًا الذين قيدهم الشيطان في الجحيم حلَّهم ربنا برجولته، أعني بأخذه صورة رجل وبتأنسه وإبطاله الموت. أيضًا المقيدون هم الموجودون بعقال خطاياهم، المتمردون على الله بشنائعهم، الساكنون في قبور العقل والأموات بابتعادهم عن الحياة الأبدية. وأيضًا عابدو الأصنام الذين قيل عنهم في نبوة إشعياء النبي: "قائلًا للأسرى أخرجوا، للذين في الظلام اظهروا" (إش 49: 9). وأيضًا: "وأجعلك عهدًا للشعب ونورًا للأمم، لتفتح عيون العُمي، لتخرج من الحبس المأسورين من بيت السجن" (إش 42: 6-7). الأب أنثيموس الأورشليمي قيل عن سجين أُطلق سراحه بعد سجنه زمانًا طويلًا ظلمًا، وفي الطريق وحوله عائلته وأصدقاؤه مبتهجين ومتهللين، وقف فجأة أمام تاجر حَمَامٍ ليشترى كل ما لديه من حَمَام، ثم فتح باب القفص، وترك الحَمَام يطير. سُئل عن سبب تصرفه هذا، فقال: "إن الذي ذاق مرارة الحبس لا يطيق أن يري كائنًا في حبس!" معروف أن الطيور والحيوانات تموت في زمن مبكر جدًا (حوالي نصف عمرها) متى كانت حبيسة، ولو في أقفاص ذهبية، ومهما قُدِّم لها من طعام, هكذا كل كائن، خاصة الإنسان، يدرك ما هو مفهوم الحرية. وقد تولي الله نفسه هذا العمل، لا ليطلق المأسورين ويحل رباطهم فيمارسون بشريتهم التي قتلها الذل حتى ليَحسِبوا تحررهم خروجًا من القبر، وخلاصًا من فساد طبيعتهم المتمردة، وإنما ليهبهم أيضًا ذاته "قوة وجبروتًا". * الله ذاته بقوته يحرر مَنْ ربطتهم الخطية وقيَّدَتهم بالشيطان، وذلك كما حرر المرأة التي ذُكِرَتْ في الإنجيل، تلك التي قيدها الشيطان ثماني عشرة سنة (لو 13: 11-13)، "أما المتمردون فيسكنون في القبور". الله حلو بطبيعته، أما الذين يحركونه إلى المرارة فهم الخطاة، يجعلون الله مرًا لهم. لا يُغَيِّر الله طبيعته، لكن الخطاة أنفسهم يجعلون الله مرارتهم، "فيسكنون في القبور". "ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون"، لأنكم تشبهون قبورًا مبيضة!" (مت 23، 27). كما أن القديس هو هيكل الله، هكذا يجعل الخاطئ نفسه قبرًا. القديس جيروم |
|