نعود إلى فرعون لنجده يقول: "أنت قد أمرت"، مع أنه واضح من سياق الحديث أن فرعون لم يسمع عن يوسف أنه أمر بإحضار عائلته، لكن فرعون يحسب ما يصدر عنه كأمر لحساب يوسف وعائلته كأنما صدر من يوسف نفسه، وما يصدره يوسف من أمر لصالح مصر إنما كأنه قد صدر عن فرعون. أقول مع الفارق ما يهبنا الآب بأمره أنما يكون في المسيح، وما يهبه لنا المسيح إنما هو خلال الآب!
ما أعذب الكلمات التي قالها فرعون: "لا تحزن عيونكم على أثاثكم، لأن خيرات جميع أرض مصر لكم" [20].
لم تكن بالأمر السهل أن يترك إسرائيل الشيخ وبنوه وأحفاده وعبيده أرضهم بالرغم مما لحق بهم بسبب المجاعة ما لم يتطلعوا إلى الوعد "لأن خيرات جميع أرض مصر لكم". ونحن أيضًا لا نستطيع أن نتخلى عما لنا في أرض غربتنا ما لم يفتح الرب بصائرنا لنرى المجد الأبدي المعد لنا إن رحلت قلوبنا إلى هناك... فبولس الرسول إذ انفتحت عيناه الروحيتان لتعاينا هذا المجد قال: "ما كان لي ربحًا فهذا قد حسبته من أجل المسيح خسارة، بل إني أحسب كل شيء أيضًا خسارة من أجل فضل معرفة المسيح يسوع ربي الذي من أجله خسرت كل شيء وأنا أحسبها نفاية لكي أربح المسيح" (في 3: 7، 8). وجد القديس بولس في السيد المسيح اللؤلؤة كثيرة الثمن التي من أجلها باع كل شيء بفرح وسرور. أكتشف فيض الغنى فيه فترك كل شيء منطلقًا بقلبه وفكره وكل أحاسيسه، وجد فيه كل الشبع الحقيقي.