الرب قال له سب داود
بينما كان داود الملك هارب من ابنه أبشالوم، الذي قاد تمرد مسلح ضده، خرج رجل من سبط بنيامين اسمه شمعي بن جيرا، وأخذ يرشقه بالحجارة، ويسبه، قائلًا: "وَهكَذَا كَانَ شِمْعِي يَقُولُ فِي سَبِّهِ: "اخْرُجِ! اخْرُجْ يَا رَجُلَ الدِّمَاءِ وَرَجُلَ بَلِيَّعَالَ!" (2صم 16: 7). فثار قواد جيش الملك، وطلبوا من الملك الإذن بمطاردة شمعي وقتله، ولكن الملك رفض باتضاع قلب، قائلًا: "لَعَلَّ الرَّبَّ يَنْظُرُ إِلَى مَذَلَّتِي وَيُكَافِئُنِي الرَّبُّ خَيْرًا عِوَضَ مَسَبَّتِهِ بِهذَا الْيَوْمِ" (2صم 16: 12).
لم يتذمر داود الملك من سوءِ حاله، ولا اهتمّ بكرامته الشخصية، لأنه أحس بحاجته الماسة لرحمة الله أكثر من أي أمرٍ آخر. لم يَدَعِ داود أنه بار ولا أنه لا يستحق الإهانات التي أصابته من ابنه أبشالوم، أو من شتيمة شمعي له، لكنه استرجع في قلبه ضعفاته، وتذكر خطاياه، فأعلن صراحة أمام شعبه، استحقاقه لكل ما يأتي عليه، قائلًا: إن الرب هو الذي قال لشمعي سبَّ داود.
لقد استفاد الملك من سبِّ شمعي له في تعميق مشاعر الاتضاع أمام الله، معتبرًا الذل والخزي الذي لحق به علانية فرصة للتذلل أمام الله، الذي يرفع المتضعين، كقوله: "لعل الرب ينظر إلى مذلتي". طلب داود الملك مراحم الله كضعيف ومسكين واثقًا أن الله سيقبل تضرعه، كقول الكتاب: "اُفْرُجْ ضِيقَاتِ قَلْبِي. مِنْ شَدَائِدِي أَخْرِجْنِي. انْظُرْ إِلَى ذُلِّي وَتَعَبِي، وَاغْفِرْ جَمِيعَ خَطَايَايَ" (مز 25: 17، 18).
← انظر كتب أخرى للمؤلفهنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
القارئ العزيز... إن وقتَ الضيقِ هو وقتٌ مناسب جدًا لفحص الذات، واكتشاف خطاياك وتقصيراتك، لأن الإنسان في ذلك الوقت يشعر بالضعف، فلا تضيع تلك الفرصة التي ستكشف لك حقيقة نفسك واحتياجك لنعمة الله.
أنسَ ذاتك ومواهبك وإنجازاتك، واهدأ واجلس في مخدعك، واتضع أمام الله متذكرًا خطاياك، كقول إرميا النبي: "يَجْلِسُ وَحْدَهُ وَيَسْكُتُ، لأَنَّهُ قَدْ وَضَعَهُ عَلَيْهِ. يَجْعَلُ فِي التُّرَابِ فَمَهُ لَعَلَّهُ يُوجَدُ رَجَاءٌ" (مرا 3: 28، 29).
احذر أن يلهيك العدو الشرير بالتذمر والبكاء على حالك، أو بالشعور بالبر وعدم الاستحقاق لما قد أتى عليك من تعب، قاوم ذلك الفكر إن أتاك، وتذكر قول داود يوم ضيقه: "... دَعُوهُ يَسُبَّ لأَنَّ الرَّبَّ قَالَ لَهُ: سُبَّ دَاوُدَ. وَمَنْ يَقُولُ: لِمَاذَا تَفْعَلُ هكَذَا؟" (2صم 16: 10).