رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
راسِخينَ في الإيمان
الإيمانُ، هَذهِ الفَضيلَةُ الإلهيّة، الّتي يُريدُ اللهُ أَنْ يُفيضَها في قَلْبِ كُلِّ إنسَانٍ، مُهَيِّئًا السُّبَلَ لأجلِ ذَلِك، حتّى يَبْلُغَ كُلُّ بَشَرٍ مَعرِفَة الحَقّ، يسوعَ الْمَسيح، الّذي هوَ كَمَالُ الحقِّ وَتَمامُه. وَالكَنيسةُ، بِتَعْليمِهَا، شاهِدَةٌ لِهذا الحَق، وَنحنُ أَعضَاءَها شُهودٌ لِلمَسيحِ الحقِّ، الّذي بِهِ آَمَنَّا وَنُؤمِن. وَلِسَانُ حَالِنا، مَع الرُّسُل، يَقولُ مُخاطِبًا الرّب: ﴿زِدْنا إيمانًا﴾ (لوقا 5:17). وَليسَ ذَلِكَ فَحَسب، بَل عَلى مِثالِ وَالِدِ الصّبيِّ الّذي يَصيحُ لأجلِ شِفَاءِ وَلَدِهِ الْمُصابِ، في إنجيلِ مَرقُس، نُنَاجي الرّبَّ قَائِلين: ﴿آَمَنْتُ، فَشَدِّدْ إيمانِيَ الضَّعيف﴾ (مرقس 24:9). لأنَّ الإيمانَ يَبقَى هَذا الكَنزَ الثَّمين، الّذي: ﴿نحمِلُهُ في آَنيةٍ مِن خَزف﴾، على حَدِّ وَصفِ القِدّيسِ بُولسَ في رِسَالتِهِ الثَّانية إلى أَهلِ قورنتوس (2قور 7:4). وَلِذلِكَ نحتاجُ إلى نِعمةٍ إلهيّةٍ وَجُهدٍ ذَاتي، لِلْحفَاظِ عَليِهِ من الفُقدانِ، وَحِمايتِهِ مِنَ الضَّياع! فَالإيمانُ يَا أَحِبَّة، فَضيلَةٌ تُحارَبُ دَومًا وأَعداءُهُ كَثيرون، وَلَهُم مَرَادٌ وَهَدَفٌ وَاحِد، أَلا وهوَ: زِراعَةُ الشَّكِ الْمُفضي إلى الجُحودِ وَنَبذِ الإيمان. فَإمّا أَن تَنْجُوَ بِإيمانِكَ فَيَنجو بِك، وَإمّا أَنْ تَفقِدَهُ، فَتَفقِدُ نَفسَكَ إلى الأبَد! إذا كانَ الإيمانُ يَعني سَلامًا وَسَكينَةً وَاسْتِقرَارًا، فَالشَّكُّ نَقيضُ كُلِّ ذلِك، لأنّه يَعني اِضْطِرَابًا وَضَوجَانًا واهتِزازًا في النَّفس! شَكُّ الإنسانِ لا يَتَوَقَّفُ فَقَط عِندَ الأمورِ غَيرِ الْمَرئيّة، أَو تِلكَ الّتي لا تخضَعُ لِلحَواسّ. بَل يَطالُ أَيضًا الأمورَ الْمَحْسُوسَة، يَطالُ الأشْخَاصَ مِن حَولِك، وَيَطالُ نَفسَكَ الّتي تَشُكُّ فيهَا وَفي مَقدِرَتِها! الشَّكُّ حَالَةٌ مِن العَجزِ الّتي تَسلِبُكَ الثَّقةَ والأمانَ والوُضوح، وَتزرَعُ فِيكَ الحَيرةَ والقَلقَ والهواجِس! اِسْمَعوا قولَ الرّسلِ يخاطِبونَ الرّبّ: ﴿زِدْنَا إيمانًا﴾، وَهمُ الّذينَ مَكَثوا مَعَهُ وَرافَقوه، أَيّامًا وَسِنين، فَسَمِعوا كَلامَه، وَعايَنوا فِعالَهُ، وَتَأَمَّلوهُ وَلَمَسوُه (راجع 1 يوحنّا 1:1)، وَشَارَكوهُ مُعظَمَ لَحظاتِ رِسالَتِه. وَمَع ذلِك يَطْلُبونَ الاسْتِزادَةَ مِن الإيمان! فإذا كانَ هَذَا حَالُهم، فَمَاذا يَكونُ حالُنا نَحن؟! نحنُ نُؤمِنُ بِنَاءً على البِشارَةِ الّتي نَقَلَها لَنا الرُّسل: ﴿ذاكَ الّذي رَأيناهُ وَسَمِعناهُ، نُبشِّرُكُم بِهِ أَنتُم أيضًا﴾ (1يوحنا 3:1). وهي بِشَارةُ الإيمانِ الّذي لا يَزالُ حيًّا وبَاقِيًا، وَينتقِلُ مِن جِيلٍ إلى جِيل، بالرّغمِ مِن كُلِّ الصِّعَابِ الّتي تَعَرَّضَ لَها، وَالشَّدائِدِ الّتي تَثورُ ضِدَّهُ! إنَّ جملائِيلَ، أَحدُ وُجَهَاءِ الفِرّيسيين ومُعلِّمٌ لِلشّريعة، قَد قَالَ في سِفرِ أَعمالِ الرُّسل، مُخاطِبًا أَقرانَهُ مِن اليهودِ في شَأنِ الرُّسل: ﴿إنْ يَكُن هذا الْمَقصَدُ أَو العَمَلُ مِن عِندِ النَّاس فَإنَّهُ سَيَنتَقِض، وإنْ يَكُنْ مِن عندِ الله، لا تَستَطيعوا أن تَقضوا عَليهم﴾ (أعمال 38:5-39). ولِذلكَ أَيّها الأحبّة، نحنُ نحيا بالإيمانِ، تملَؤنا الثِّقَةُ، وَيَحدونَا اليَقينُ بِقَولِ الْمُعلِّمِ الصّادِق: ﴿وَهَاءَنَذا مَعَكُم طَوالَ الأيّامِ، إلى نِهايةِ العالَم﴾ (متّى 20:28). نحنُ نُؤمِنُ، وَلَكِنَّ إيمانَنا لَيسَ بِمَنْأى عَنِ الهزَّاتِ وَالاضْطِرابات، سواءً على الْمُستَوى الجَماعيّ أَو عَلَى الْمُستَوى الشَّخصي. تَمامًا كَما قالَ الرّب: ﴿تُعانونَ الشِّدَّةَ في العَالَم، وَلكن ثِقوا إِنّي قَد غَلَبتُ العالم﴾ (يوحنّا 33:16). وَبَعضُ تِلكَ الهزّات، يَكونُ أَثرُهَا مُدَمِّرًا عَلى بَعضِ النَّفوس، الّتي تَنقُصُها الثِّقَةُ مِنَ الأساس، فَيَختَلُّ إيمانُها الْمَبَنيُّ عَلى الرَّمل، وَربّما يَسقُطُ سُقوطًا شَديدًا (راجع متّى24:7-27)! لِذلِك، لا يَكفي فَقط أنْ تُؤمِن، بَل أَيضًا تحتاجُ لِفَضيلَةِ الثَّبَات: ﴿إنَّكُم بِثَبَاتِكُم تَكْتَسِبونَ أَنفُسَكُم﴾ (لوقا 19:21). وَلا يَكفي أَيضًا الإيمانُ السَّطحيُّ الْمَوروثُ عَنِ الآباءِ والأجداد، بِحُكمِ وِلادَتِنا في عائِلاتٍ مَسيحيّة، والّذي لا يَتَعدّى كونه مُجرَّدَ عَادَاتٍ وَمُمارسات، أَحيانًا كَثيرَة تَخلُو مِن الرّوحِ والقَناعَة، إنَّمَا نحتاجُ إلى تَغذيةِ الإيمانِ وَتقوِيَتِه، لِيُصْبِحَ إيمانًا نَاضِجًا وشَخصِيًّا وواعِيًا وَقَويًّا. لِذلكَ، تَظلُّ ردّاتُ فِعلِنا إنسانيّةً قَبَليّةً بَحتَة، وَرَغباتُنَا أَرضيَّةً مَادِّيَة، في الْمَواقِفِ الّتي يجبُ عَلَينَا فيها أَنْ نَتَصَرّفَ كَمُؤمنينَ مَسيحيّين، قُلُوبُهم مُرتِفِعة إلى العُلَى، لَدَى الرَّب! يَقولُ الأديبُ الرّوسيّ فيودور دوستويفسكي: (عَشِقتُ ذنوبي، عِندما رأيتُ إيمانَكُم الْمزيّف)! جُملَةٌ قَاسية مُوجَّهَة لَنا، لأنَّنَا أحيانًا كَثيرة لا نَتَصرّفُ بِما يُشَرِّفُ اِسمَ يَسوع بَل بِما يُهينُهُ، فنكونُ حَجَرَ عَثرَةٍ للآخرين، وَسَببَ نُفورٍ ورفضٍ للإيمان. لأنَّنا أَدَّينَا ونُؤدّي شَهادَةً مُضرِّة، بِانْقِسَامَاتِنا وَتَناحُرِنا وَسوءِ تصرُّفاتِنا، في الوقتِ الّذي يجبُ فِيهِ، أَنْ نَسعَى أَكثرَ مِنْ أَيِّ وَقتٍ مَضَى، لأنْ نَحيَا أَبناءً لله، بِالقَولِ الحَسَنِ وَالْمَثلِ الصّالِح! وَأَرَى أَنَّ حِجارةَ الرَّحَى الأكبر، مُعَدَّةٌ لأعنَاقِ بَعضٍ مِن أُولئِكَ الَّذينَ يَتَبَوَّؤونَ الْمَنَاصِبَ العُليا وَالْمراكِزَ الكُبرَى! فَهَنيئًا لَكم كَراسيكُم الآن، الّتي قَد تُمسي غَدًا سَبَبَ هَلاكِكُم! أَخيرًا، أَختُمُ بِكَلِماتِ يَعقوبَ الرّسول، قائِلًا: ﴿فَأرِني إيمانَكَ مِن غَيرِ أعمال، أُرِكَ أَنا إيمانِي بِأعمالِي. فَكَما أنَّ الجَسَدَ بِلا روحٍ مَيْت، فَكذلِكَ الإيمانُ بِلا أعمالٍ مَيت﴾ (يعقوب 18:2، 26). فَأَيُّ أيمانٍ بِلا أَعمَال هوَ كَالجَسَدِ بِلا رُوح، هو كَالْمَركَبَةِ في وَضعِ حِيَاد. الإيمانُ الّذي نُريد يا أحبّة، هُوَ إيمانٌ لا يُستَبدَلُ عِندَ وُقُوعِ صِدامٍ مع كَاهنٍ أو راهِبة، أَو لِعَدمِ حُصُولِك عَلى وَظيفةٍ في مَدْرسَةِ ((الطّائِفة))، أَو عَدَمِ نيلِك مُبتَغَاك مِن الْمَحكَمَة الكَنَسيّة...إلخ. وَفي عالمٍ يعبُدُ الْمَادَّة، هو إيمانٌ لا يُباعُ لأجلِ حَفنَةٍ من الْمَالِ، ولا يُشتَرى بِقَليلٍ مِن الطّعامِ والْمُسَاعَدَات! الإيمانُ الّذي نُريد يا أحبّة، هو الإيمانُ الحيُّ النّابِض، الّذي يَتَفَجَّرُ ويَتَدَفَّقُ أَعْمَالًا. هوَ الإيمانُ الْمُتَحرِّكُ الّذي يُثمِرُ بِرًّا وَصَلاحًا. هوَ الإيمانُ الصّامِتُ والفَعَّالُ في آنٍ واحِد، على مِثالِ القِدّيسِ يُوسف. هو الإيمانُ الواثِقُ بِقَولِ الرّبِّ وَبإرادَتِه، على مِثالِ مريم. |
|