رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
كونوا أَنتُم أيضًا مُستَعِدّين كونوا أَنتُم أيضًا مُستَعِدّين (متّى 44:24) عظة الأحد الأوّل مِن زمن الْمجيء أَيُّها الإخوةُ والأخواتُ الأحبّاءُ في الْمَسيحِ يَسوع! نَستَهِلُّ اليوم زَمنَ الْمَجيءِ الْمُقَدَّس، وتُرافِقُنا فيهِ قِراءاتٌ مِن بِشَارَةِ الإنجيليِّ مَتّى! وَكَمَا نَعلَم، فَالسَّنَةُ الِّليتُورجِيَّة، بِنَاءٌ عَظيم، يَرتَكِزُ عَلَى رَكيزَتَينِ أَسَاسِيَّتَين: ميلادِ الْمَسيح، وَفِصحِه الْمَجيد. وَلِكُلِّ رَكيزَةٍ أَسَاسٌ يَدْعَمُها. فَالْميلادُ يَسبِقُهُ زمنُ الْمَجيء، وَالفِصحُ يَسبِقُهُ زَمنُ الأربعين أَو الصَّومُ الكَبير. وَكِلاهُما زَمَنَينِ هَامَّين، مِن خِلالِهِما نَتَحضَّرُ لِزَمَنٍ عَظيم! فَميلادُ الْمَسيحِ مَع مَوتِه وقيامتِه، يُشَكِّلانِ لُبَّ العَقيدَةِ وَجَوهَرَ الإيمان، وَعَليهِمَا تَتَربَّعُ جَوهَرَةُ العَقائِد: عَقيدةُ الفِداءِ والخَلاص! فَالكَلِمَةُ صارَ بَشرًا، لِيُتِمَّ عَمَلَ فِدَائِنا وَيُحقِّقَ لَنَا الخلاص! في الأحدِ الأوّلِ مِن زَمَنِ الْمجيء، نَقرَأُ مِنَ الفَصلِ الرّابِعِ وَالعشرينِ مِن بِشَارةِ مَتّى. وَفيه يُعطي الْمسيحُ مَثَلَ نوح. فَفي أَيَّامِهِ عَاشَ النَّاسُ حَياةً شِبْهَ لا وُجودَ للهِ فيها، وَاسْتَفحَلَت فيهم وَبَينَهم الْمَعصيَةُ بِأنواعِها. في تِلكَ الّلحظة، حين يَحيا النَّاسُ حياةً طَبيعيَّةً في نَظَرِهم، يَحدُثُ مَا هوَ غَيرُ مُتَوَقَّع، لِتَنقَلِبَ الأمورُ انقلابًا عَظيمًا. فالطُّوفَانُ يَدلُّ على نِهايةِ مرحَلَةٍ لِتبدَأ أُخرى. نِهايَةُ الشّرِّ والخَطيئة، وبِدايةُ الخيرِ والنِّعمَة! وَلَكِنَّنا نعلَمُ أنَّ الّذينَ أَتُوا بَعدَ الطُّوفان، قَد خَطِئوا وَعَاثوا فَسَادًا! وَنحن نَعلَمُ أَيضًا أنَّ عالَمَنا يَعجُّ بالْمَعاصِي والعُصَاة! وَهذا يَعني أنَّ النِّعمَةَ، وإنْ حَصَلنَا عَليها، تَظلُّ حَالةً مُؤقَّتةً وَغيرَ ثَابِتَة، لأنَّنا بِسهولَةٍ نَزِلُّ وَنَجنَحُ صَوبَ الخَطَأ. فَكَم مِنَ الْمَرَّاتِ اعْتَرَفنَا، وَسَألنَا الغُفرانَ، وَقَصدنَا التَّوبَةَ، ثُمَّ مَا لَبِثنَا أنْ عُدنا للوقوعِ في الإثمِ، وَارتَكبنَا الذُّنوبَ مُجَدَّدًا؟! وَهذا يَدلُّ عَلَى حالةِ عَدمِ الاستقرارِ الّتي نَعيشُهَا كَبَشريّين. فَكُلُّ اعتَرَافٍ وفِعلِ توبةٍ وَنَدَامَة، هوَ طُوفانٌ يُزيلُ خَطَايانَا وَيَغسِلُنا. وَكُلُّ عَودَةٍ للخطيئَة، هوَ رُجوعٌ للحالَةِ مَا قَبلَ النِّعمَة، أي حَالَةِ الْمَعصيَة! وَمِن هُنا، تَظَلُّ حَياتُنا: ﴿مَا دُمنا مُقيمينَ في الجَسد﴾ (2قورنتوس 6:5)، تَتَأَرجَحُ بَينَ حالاتِ الغُسْلِ وَالتَّوبَة، وَحَالاتِ الاتِّسَاخِ والسُّقوط. في الوَقتِ عَينِه، لا نَنْسَى أَنَّ الطُّوفانَ يَبْقَى قُوَّةً جَارِفَة، أَمَامَها البَعضُ يَنْجو، وَآخرونَ لَا يَنْجُون! فَإنْ كَانَ قومُ نُوحٍ قَد هَلَكوا بِسببِ كَثرةِ مَعاصيهِم، فَنوحٌ قَد نَجا لِأنَّه وُجِدَ مَرْضِيًّا عِندَ الرّب! فاللهُ يَا أَحبَّة أَبٌ رَحيم، وَلَكنَّهُ يَبقى الدَيّانَ العَادِل. وَأَمَامَ قُوّةِ عَدْلِه، الّذي لا يَحتمِلُ خِداعًا أو مُوارَبَةً أو مُجامَلَة، يَنالُ الجميعُ جزاءَهُم العَادِل. وَحينَها سَيَنْجَرِفُ البَعضُ بخَطاياهم، إلى الْموتِ والهلاكِ الأبَديّ! يَقولُ الرّب في وَصْفِهِ لحالَةِ النّاسِ مَا قبلَ الطُّوفان: ﴿وَما كَانوا يَتَوَقَّعونَ شَيئًا﴾ (متّى 39:24). فالحَياةُ يَا أَحِبَّة صُنْدوقُ مُفاجَآت! وَأحيانًا كَثيرة، لا نَعلَمُ ما تُخفيه لَنا، وَلَو بَعدَ سَاعَة. وَهذا هوَ عُنصرُ الْمُبَاغَتَة، حينَ لا شَيءَ مُتوقَّع، وكُلُّ شَيءٍ مُتوقَّع! عِندَما نَكونُ كَقَومِ نوح، نحيَا حَيَاتَنَا البَشَريَّةَ الفَانِيَة، مِن غَيرِ اسْتِعدَادٍ للسّاعَةِ الّتي يَأتي فِيهَا يَومُ الربِّ العَظيم! لِلسَّاعَةِ الّتي فِيهَا تُخْمَدُ أَجْسَادُنا تَحتَ التُّراب، وَتُقبَضُ أَرواحُنا لِتَمْثُلَ في مِيزانِ العَدلِ الإلهي! وَعِندها يَنْجو مَن يَنْجو، وَيَهلِكُ مَن يَهلِك! زَمنُ الْمَجيء أَيُّهَا الأحبَّة يُبنَى عَلَى فِكرةِ الاستعداد. وَهذهِ هيَ الرّسالَةُ الأولى لِهذا الأحدِ الأوّل مِن آحادِ الْمَجيءِ، أَنْ: ﴿كونوا أَنْتُم أيضًا مُستَعِدِّين﴾ (متّى 44:24). مُشكِلَتُنا أَنَّنَا لا نَستَعِد، أو لا نُحسِنُ الاستعدادَ كَمَا يَنبَغي، لِأنّنا لا نَكتَرِث. فَنَصرِفُ الجُهدَ والهمَّ والعُمرَ، لا نَتَوقّعُ شَيئًا لأنَّ الحياةَ أَغْرَتنَا حَتّى أَعْمَتْنَا، سَاعِينَ وَراءَ كُلِّ شَيء، ولا نَسْعَى إلى اللهِ وَاهِبِ كُلِّ شَيء، وَغَايةِ كُلِّ شَيء! ولا نُدرِكُ ذلِك إلّا وَقَدْ فَاتَ الأوان، وأَتَى ابنُ الإنسانِ، فاتِحًا كتابًا، يَحوي عَن كُلٍّ حِسابًا (مِن ترتيلة Dies irae، ذلك اليومُ انتقامًا). مَاذَا حِينَهَا سَتُقدِّم إلى الله؟ تنكة زيت، نُصيّة جِبنة، رطل سمنة، شوال قمح، وَطاة، رصيد بنك، دكاكين، مخازن، شَقّةَ في عمّان، سيارة، مَنصب مرموق، وظيفة حسّاسة، شهادة عُليا... لن يَشفعَ لَك مِنها شيء! فَتَعَلَّم السِّبَاحَةَ وَركوبَ الأمواج، عَساكَ تَنجو مِن طوفانِ العَدلِ الإلهي!!! |
|