رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
اِلْتَصَقَتْ نَفْسِي بِكَ. يَمِينُكَ تَعْضُدُنِي [8]. غاية المرتل من الترنم لله وسط الضيقة، ليس أن ينزع عنه الضيق، بل أن يلتصق بالله إلهه، ليحتضنه بيمينه، ويعلن له عن نفسه. أنه يود الشركة مع الله، والاستنارة به، والالتصاق به إلى الأبد. السير مع الله يلهب بالأكثر الشوق إليه، فينسى المؤمن كل ما هو حوله، ويعطش إلى الله، فيلتصق به. في رسالة بعثها القديس جيروم إلى ديمترياس، إحدى شريفات روما التي نذرت نفسها لحياة البتولية، أوضح لها أن من يلتصق بالعالم يجد صعوبة في النمو الروحي، أما من يلتصق بالله فالطريق بالنسبة له سهل. [لتحبي أن تشغلي ذهنكِ بقراءات من الكتاب المقدس... لتقولي دائمًا مع العروس التي في نشيد الأناشيد: "في الليل طلبت من تحبه نفسي... أخبرني يا من تحبه نفسي أين ترعى، أين تربض عند الظهيرة" (نش 3: 1؛). ومع المرتل: "التصقت نفسي بك، يمينك تعضدني"(مز 63: 8). ومع إرميا: "لم أجد صعوبة... أن اتبعك" (إر 17: 16 LXX)، لأنه "ليس حزن في يعقوب، ولا رأى تعبًا في إسرائيل" (عد 23: 21 LXX). حين كنتِ في العالم أحببت أمور العالم.] * يتفق هذا القول مع ما قاله إرميا النبي: "وأنا لم اضطرب راعيًا وراءك" (راجع إر 17: 16). وما قاله هوشع: "وراء الرب يمشون" (هو 11: 10). وما قاله الرسول في الرسالة الأولى إلى أهل كورنثوس: "من التصق بالرب فهو روح واحد" (1 كو 6: 17). فمن يمقت الشر يلتصق بالصلاح، وهو يلتصق بالرب بالإيمان والأعمال، والله يعضده ويعينه بيمينه الذي هو ابنه الوحيد، ولا يقدر العدو على أذيته. الأب أنثيموس الأورشليمي * لقد هرب داود من وجه شاول (1 مل 19: 18)، لا لكي يهجر الأرض حقًا، وإنما لكي يهرب من عَدْوَى إنسان قاسٍ عاصٍ وغادر. هرب لكي يلتصق بالله، إذ يقول: "التصقت نفسي بك" (مز 63: 8). انسحب ونَأَى بنفسه عن رجاسات هذا العالم، سما بنفسه تمامًا، وذلك كما تأمل إسحق عندما تجوَّل في الحقل (تك 24: 63)... لأن هذه شهادة واضحة تمس الالتصاق بالفضائل، حيث يتجوَّل الإنسان ببراءة قلبه، فلا يشترك في الشهوات الأرضية وإنما يشق طريقه بفكر متحرر، أي بلا لوم، ولا يفتح موضعًا للفساد في داخله. القديس أمبروسيوس * إنني أريدك أن ترى أنواع الأسلحة المختلفة وصفاتها، إذ ينبغي علينا إن أردنا أن نحارب في المعركة الإلهية ضد الشيطان ونُحسَب بين قوّاد المئات (الروحيين) الذين للإنجيل أن نتمنطق بها علي الدوام. يقول الإنجيل: "حاملين فوق الكل ترس الإيمان الذي به تقدرون أن تطفئوا جميع سهام الشرير الملتهبة" (أف6: 16). الإيمان هو الذي يوقف سهام الشهوة الشريرة ويهلكها بالخوف من الدينونة والإيمان بملكوت السماوات... بحسب خبرتنا نستطيع بالتمسك بالله إماتة إرادتنا وقطع شهوات هذا العالم، ونتعلم من أولئك الذين في علاقتهم بالله يقولون بكل إيمان: "التصقت نفسي بك" (مز 8:63)، "لصقتُ بشهادتك. يا رب لا تخزِني" (مز31:119)، "أما أنا فالاقتراب إلى الله حسن لي" (مز 28:73)، فعلينا ألا نكل بسبب تشتت العقل والتراخي، لأن "المشتغل بأرضهِ يشبع خبزًا وتابع البطالين يشبع فقرًا" (أم 19:28). يلزمنا ألا ننسحب من جهادنا في السهر بسبب اليأس الخطير لأن "الآن ملكوت الله يُغصَب والغاصبون يختطفونهُ" (مت 12:11). فلا يمكن نوال فضيلة بغير جهاد، ولا يمكن ضبط العقل بغير حزن قلبي عميق، لأن "الإنسان مولود للمشقَّة" (أي7:5). ومن أجل الوصول "إلى إنسانٍ كامل. إلى قياس قامة مِلْءِ المسيح" (أف 13:4) يلزمنا أن نكون علي الدوام في جهاد عظيم مع عناية لا نهائية . الأب سيرينوس * عندما سمع داود العظيم هذا وفهمه قال: "الساكن في ستر العلي، في ظل القدير يبيت، بخوافيه يظللك" (مز 91: 1، 4). وتعنى "بخوافيه" "بكتفيه"، وهذا هو نفس الشيء مثل السير وراء الله، لأن الكتف في ظهر الجسم، ويقول داود عن نفسه: "التصقت نفسي بك، يمينك تعضدنني" (مز 63: 8). وأنت ترى كيف تتفق المزامير مع التاريخ في الكتاب المقدس. فيقول المزمور إن اليد اليمنى لله تساعد الشخص الذي التصق بالله وسار وراءه، ويقول التاريخ في الكتاب إن اليد تلمس الشخص الذي ينتظر في الصخرة عند سماع الصوت الإلهي، ويصلي لكي يسير وراء الله. القديس غريغوريوس أسقف نيصص * إنّ المرتبط بالزواج هو -حسب قول الرسول بولس- منقسمٌ بين اهتماماتٍ كثيرة؛ "أما المتزوج فيهتم فيما للعالم كيف يُرضي امرأته" (1 كو 7: 33)، أما أنتم المحبّون العاشقون لله فتعيشون دون انفصالٍ عنه قط، مردِّدين بلا انقطاعٍ ما قاله داود النبي مدفوعًا باشتياقه: "التصقت نفسي بك، ويمينك عضَّدتني" (مز 63: 8). إنكم لا تجرون وراء حقولٍ أو بيوتٍ أو ما شابه ذلك لكي تقتنوها وتمتلكوها، ولكنكم بعيدون إلى حدٍّ ما عن الشهوات المخزية والنميمة والبُخل وأيّة خدعةٍ أخرى، بل على العكس، فكما هو مكتوبٌ: "الرب إلهك تتّقي، إياه تعبد وبه تلتصق" (تث 10: 20)، وهذا هو في الحقيقة ما تحققونه في حياتكم: "اِذهب وبِع أملاكك، وأعطِ الفقراء، فيكون لك كنز في السماء، وتعال اتبعني" (مت 19: 21). َتتجلَّى قوة هذا القول فيكم عندما تبتعدون عن العالم بكل حزمٍ، وتنبذونه مع كل اهتماماته. إنكم تعتمدون بكلّيتكم على الله الذي قال: "اُطلبوا أولًا ملكوت الله وبرَّه وهذه كلها تُزاد (أو "تتضاعف") لكم". (مت 6 : 33)[31] القديس أنبا سيرابيون أسقف تميّ * جاء أخٌ إلى القديس مقاريوس راغبًا في خدمة المسيح في الحياة الرهبانية، وتوسل إلى الشيخ أن يُرشده ويوجِّهه ويُحصِّنه من نبع المبادئ النسكية التي كانت تفيض منه بغزارة بنعمة الروح القدس، وأن يوضِّح له كيف يمكنه بمعونة الرب أن يتجنَّب فخاخ العدو وهجماته الشريرة. فأجابه المغبوط مقاريوس: "إذا رغبتَ حقًا من كل قلبك أن تهجر العالم يا ابني، وأن تلتصق بالمخلِّص الرب كما يقول النبي: "التصقَتْ نفسي بك، يمينك تعضدني" (مز 63: 8)، ويمين الرب مهيَّأة في الحقيقة لقبول الذين يلتجئون إليها؛ فينبغي أن تنبذ العالم وترفض كل أعماله كقول الرسول: "لأنكم قد مُتُّم، وحياتكم مستترة مع المسيح في الله، متى أُظهِر المسيح حياتنا فحينئذٍ تُظهَرون أنتم أيضًا معه في المجد" (كو 3: 3). فردوس الآباء يعلق القديس أغسطينوس على هذه العبارة "التصقت نفسي خلفك" [3 LXX]: أ. إن الالتصاق بخلف الله لن يتحقق إلا بغراء الحب. ب. الالتصاق يتحقق بالاشتياق إلى الله، وبالتالي العطش إليه، بهذا تلتصق النفس به. ج. يتم الالتصاق بخلف الله، لكي لا نحسب أنفسنا مشيرين له، فيسلك هو حسب إرادتنا، إنما هو القائد الذي يتقدمنا، ونحن نسلك وراءه، نقبل إرادته وننفذ وصاياه. * الغراء (الذي به تلتصق النفس بالله) هو نفسه الحب. ليكن لك الحب، الذي كما بغراء تلتصق نفسك خلف الله. لا تلتصق بالله، وإنما خلف الله، حتى يسير أمامك وأنت تتبعه القديس أغسطينوس |
|