أفهمني الله إن كل السرّ يتعلّق بي وبموافقتي الحرّة على الذبيحة التي أقدّمها بملء كل جوارحي . وفي هذا العمل الحرّ الواعي تكمن كل قوة وقيمة أمام عظمته. وإن لم يحصل شيء واحد مّما قدَّمت ذاتي له، فكأنّ كل الأشياء قد تحقّقت أمام الرب.
فهمت حينئذ أنني قد دخلت في إتحاد مع العظمة غير المدركة. وشعرت أن الله ينتظر كلمتي وموافقتي وغاصت روحي في الرب وقلت:«اصنع منّي ما يرضيك، أتوسل إليك ،يا رب، إبقَ معي في كل لحظة من حياتي».
لمّا وافقت على الذبيحة بكل قلبي وإرادتي ، سيطر عليّ فجأة حضور الله.
غاصت نفسي في الله وداخلتني سعادة لا أستطيع أن أدوّن ولو أصغر مظاهرها. شعرتُ أن عظمته تغمرني. وذبت في الله بشكل خارق العادة.
رأيت أن الله قد ارتضى بي وان روحي، في المقابل، قد أغرقت ذاتها فيها. شعرت، وأنا على وعي من إتحادي بالله، أنه خصّني بمحبّة فائقة، وأنا بدوري أحببته من كل نفسي. لقد حلّ سرّ عظيم أثناء هذه العبادة، سرّ بين الله وبيني وبدا لي وكأنني أموت حبّاً [لرؤية] نظره.
تحدثت طويلاً إلى الله دون أن ألفظ كلمة واحدة. وقال لي الرب. «انت فرح قلبي، من اليوم فصاعداً، مهما تعملين، ستقرّ عيناي بكل الأعمال حتى أصغرها، التي تقومين بها». شعرت آنذاك أنني مكرسّة إلى أبعد حدّ. إن جسدي الترابي هو ذاته ولكن نفسي تبدّلت. إن الله يعيش فيها الآن بكامل رضاه. لم يكن ذلك شعوراً إنّما حقيقة ساطعة لا يستطيع شيء أن يحجبها.