رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
ابن الميراث وابن الجسد: الوليمة العظيمة التي أقامها إبراهيم يوم فطام إسحق ألهبت مشاعر هاجر وابنها بالضيق والغيظ، فتذكرت هاجر مرارة هروبها من وجه ساراي (16: 6)، وكانت إلى وقت قريب تتطلع إلى ابنها بكونه الوارث الوحيد لإبراهيم. هذه المشاعر تجسمت في حياة ابنها الذي صار يمزح مع إسحق (21: 9) مزاحًا سخيفًا يكشف عن مرارة نفسه التي لم يكن من السهل أن يخفيها، حتى دعى الرسول بولس هذا المزاح اضطهادًا (غل 4: 29)، الأمر الذي أثار نفس سارة فطالبت إبراهيم بطرده مع أمه، قائلة "لأن ابن هذه الجارية لا يرث مع ابني إسحق" [10]. قبح الكلام جدًا في عيني إبراهيم إذ حسبه ظلمًا من سارة، هذا مع عدم تجاهله لابنه حتى وإن كان من جارية. وكان صوت الله له: "لا يقبح في عينيك من أجل الغلام ومن أجل جاريتك. في كل ما تقول لك سارة اسمع لقولها، لأنه بإسحق يدعى لك نسل، وابن الجارية أيضًا سأجعله أمة لأنه نسلك" [12-13]. بلا شك كان قلب إبراهيم قد تعلق بابنه الذي حسبه لسنوات طويلة الوحيد له حتى متى جاء إسحق لم يكن سهلًا أن يطرد الأول، لكن الأمر الإلهي جاء صريحًا أنه لا يرث. وقد فسر لنا الرسول بولس ما حمله هذا الأمر من نبوة رمزية. فالابن الأول والأكبر سنًا جاء حسب الجسد، أما الثاني فجاء حسب وعد الله يمثل الأبناء بالروح، وكأن الأول يشير إلى اليهود الذين تمسكوا بحرف الناموس وشكلياته وعاشوا على مستوى الجسد لا الروح، فصاروا مطرودين، أما كنيسة العهد الجديد فجاءت ثمرة النعمة الإلهية لها حق الميراث. في وضوح يقول الرسول: "الذي من الجارية وُلد حسب الجسد وأما الذي من الحرة فبالموعد. وكل ذلك رمز، لأن هاتين هما العهدان: أحدهما من جبل سيناء الوالد للعبودية الذي هو هاجر... وأما نحن أيها الأخوة فنظير إسحق أولاد الموعد، ولكن كما كان إلى وُلد حسب الجسد يضطهد الذي حسب الروح هكذا الآن أيضًا. لكن ماذا يقول الكتاب: "أطرد الجارية وابنها لا يرث ابن الجارية مع ابن الحرة. إذًا أيها الأخوة لسنا أولاد جارية بل أولاد حرة" (غل 4: 23-31). وإذ قبلنا الإيمان بالسيد المسيح صرنا بالروح القدس أولاد سارة (كنيسة العهد الجديد) الحرة، أما إن سلكنا خلال الحرف الناموسي القاتل والشكليات بلا روح فنرتد إلى روح العبودية لننتسب للجارية. يقول العلامة أوريجانوس: [أن سلكتم حسب الجسد تكونون أبناء هاجر، وبالتالي تتعارضون مع الذين يعيشون بالروح.] إن سلكنا حسب الحرف القاتل وعشنا في أعماقنا كجسديين نكون كالابن الجسد الذي يمثل الإنسان الأول الترابي، أما إن سلكنا بالروح فنصير أبكارًا لا حسب الجسد بل حسب الروح ونحسب روحيين وكما يقول الرسول بولس: "ليس الروحاني أولًا بل الحيواني وبعد ذلك الروحاني، الإنسان الأول من الأرض ترابي، الإنسان الثاني الرب من السماء. كما هو الترابي هكذا الترابيون، وكما هو السماوي هكذا السماويون أيضًا. وكما لبسنا صورة الترابي سنلبس أيضًا صورة السماوي" (1 كو 15: 46-49). إذ يوجد إسحق في داخلنا، أي نحمل روح الإنجيل الحيّ، يطرد حرف الناموس القاتل! |
|