منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  رقم المشاركة : ( 1 )  
قديم 29 - 11 - 2022, 06:41 PM
الصورة الرمزية Mary Naeem
 
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو
  Mary Naeem غير متواجد حالياً  
الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,268,883

خَرابُ الهيَكل ونِهاية العَالم




خَرابُ الهيَكل ونِهاية العَالم







الأحد الثالث والثلاثون: خَرابُ الهيَكل ونِهاية العَالم (لوقا 21: 5-19)






النص الإنجيلي (لوقا 21: 5-19)



5 وقالَ بَعضُهم في الهيَكل إِنَّه مُزَيَّنٌ بِالحِجارةِ الحَسَنَةِ وتُحَفِ النُّذور، فقال: 6 ((هذا الَّذي تَنظُرونَ إِلَيه سَتأتي أَيَّامٌ لن يُترَكَ مِنه حَجَرٌ على حَجَر مِن غَيرِ أَن يُنقَض)). 7 فسأَلوه: ((يا مُعلّم، ومَتى تكونُ هذه، وما تكونُ العَلامَةُ أَنَّ هذه كُلَّها تُوشِكُ أَن تَحدُث؟)) 8 فقال: ((إِيَّاكُم أَن يُضِلَّكُم أَحَد! فسَوفَ يأتي كَثيرٌ مِنَ النَّاسِ مُنتَحِلينَ اسمي فيَقولون: أَنا هُو! قد حانَ الوَقْت! فلا تَتبَعوهم. 9 وإِذا سَمِعتُم بِالحُروبِ والفِتَن فلا تَفزَعوا، فَإِنَّه لابُدَّ مِن حُدوثِها أَوَّلاً، ولكِن لا تَكونُ النِّهايةُ عِندَئِذٍ)). 10 ثُمَّ قالَ لَهم: ((ستَقومُ أُمَّةٌ على أُمَّة، ومَملَكَةٌ على مَملَكَة، 11 وتَحدُثُ زَلازِلُ شديدة ومَجاعاتٌ وأَوبِئَةٌ في أَماكِنَ كَثيرة، وستَحدُثُ أَيضاً مَخاوفُ تأتي مِنَ السَّماءِ وعَلاماتٌ عظيمة. 12 ((وقَبلَ هذا كُلِّه يَبسُطُ النَّاسُ أَيدِيَهُم إِلَيكمُ، ويَضطَهِدونَكم، ويُسلِمونَكم إلى المَجامِعِ والسُّجون، وتُساقونَ إلى المُلوكِ والحُكاَّمِ مِن أَجْلِ اسمي. 13 فيُتاحُ لكم أَن تُؤَدُّوا الشَّهادَة. 14 فاجعَلوا في قُلوِبكم أَن لَيسَ علَيكم أَن تُعِدُّوا الدِّفاعَ عن أَنفُسِكم. 15 فسَأُوتيكم أَنا مِنَ الكَلامِ والحِكمَةِ ما يَعجِزُ جَميعُ خُصومِكم عَن مُقاوَمَتِه أَوِ الرَّدِّ علَيه. 16 وسيُسلِمُكُمُ الوالِدونَ والإِخوَةُ والأَقارِبُ والأصَدقاءُ أَنفُسهم، ويُميتونَ أُناساً مِنكم، 17 ويُبغِضُكم جَميعُ النَّاسِ مِن أَجْلِ اسمي. 18 ولَن تُفقَدَ شَعْرَةٌ مِن رُؤُوسِكم. 19 إِنَّكم بِثَباتِكُم تكتَسِبونَ أَنفُسَكم.





مقدمة



يتناول إنجيل الأحد (لوقا 21: 5-19) خطاب يسوع الأخير لتَلاميذِه وهم خارجون من الهيكل، وكان كلامه جوابا لسؤال بعض تَلاميذِه ((يا مُعَلِّمُ انظُر! يا لَها مِن حِجارَة ويا لَها مِن أَبنِيَة)) فقالَ لَه: يسوع: ((أَتَرى هذهِ الأَبنِيَةَ العَظيمة؟ لَن يُترَكَ هُنا حَجَرٌ على حَجَرٍ مِن غَيرِ أَن يُنقَض)) " (متى 13: 1-3) فجاء خطاب يسوع إنباء بخراب الهيكل مع تشابك فيه تشابكا وثيقا دمار اورشليم ونهاية العالم وعودة المسيح في المجد مع تحذيراته؛ ولكن الضيقات والاضطهادات الّتي تحتل مركزية في الكتاب المقدس تسبق نهاية العالم. إذ تساعدنا على فهم معنى زمننا الحاضر أثناء توجهنا نحو مستقبل بحسب الـمشيئة الإلهيّة. الله يُمهل ولا يُهمل وما علينا إلا التزام والصبر والثقة، لانَّ الكلمة الأخيرة ستكون لله كما تنبأ ملاخي النبي "هُوَذا يأتي اليَومُ المُضطرِمُ كالتَّنُّور، فيَكونُ جَميع المُتَكَبِّرينَ وجَميعُ صانِعي الشَّرِّ قشّاً، فيُحرِقهمُ اليَومُ الآتي...وتُشرِقُ لَكمِ، أَيُّها المُتَّقونَ لِآسْمي، شَمسُ البِرِّ" (ملاخي 3: 20). ومن هنا تكمن أهمية البحث في وقائع النص الإنجيلي وتطبيقاته.



أولا: وقائع النص الإنجيلي (لوقا 21: 5-19)



5 وقالَ بَعضُهم في الهيَكل إِنَّه مُزَيَّنٌ بِالحِجارةِ الحَسَنَةِ وتُحَفِ النُّذور، فقال:



تشير عبارة "قالَ بَعضُهم" إلى بعض تلاميذ المسيح الذين سألوه وهم خارجون من الهيَكل (مرقس 13: 1-3). أمَّا عبارة "الهيَكل" فلا تشير إلى الهيَكل الأول الذي بناه سليمان الملك سنة 968 ق.م (1ملوك 6: 1) والذي دمّره نبوخذنصّر عام 586، إنما تشير إلى الهيَكل الثاني الذي بناه زُربابل عام 536 بعد العودة من السَبي، ودنَّسه السلوقيّون في القرن الثاني قبل الميلاد، وأعاد المَكَّابيون تدشينه بعد ذلك، وقام المَلِكُ هيرودُسُ الكبير بعمل توسُّعات كبرى فيه عبر ست وأربعين سنة. فبلغ طول رواق سليمان في الهيَكل حوالي 469 متر، وأمَّا الرواق الملكي فكان مُزّينا بمائة وستين عمودًا على امتداد 276 متراً. وقد جعله هيرودُسُ أجمل بناء في اورشليم، ليس لإكرام الله، بل لإرضاء اليهود وكسب ثقتهم وولاءهم حيث أنَّ الهيَكل هو رمز الأمَّة اليهودية وعنوان فخرها؛ أمَّا عبارة "الحِجارةِ الحَسَنَةِ " فتشير إلى حجارة الهيَكل البالغ طول بعضها نحو 10 أمتار، وصفوف أعمدته التي قطعت من الرخام يبلغ ارتفاع كل واحد منها نحو 11 مترا. وللهيكل ثمانية أبواب، بعضها مطلي بالذهب، والبعض الآخر بالفضَّة. والهيَكل نفسه كان صغيرًا، أمَّا صالاته وأروقته وأبراجه التي كانت تحيط به جعلته من أعظم المباني الفخمة في العالم. فهذا البناء كان رمزا لحضور الله مع شعبه؛ وكان اليهود يتطلعون للهيكل كونه علامة مُلكهم، فهو الموضع الوحيد الذي فيه يُعلن الله مجده، ويتقبّل من أيدي مؤمنيه الذبائح والتقدمات. وكان اليهود يفخرون جدّاً بهيكلهم، الذي كانوا يعتبرونه أحد عجائب العالم القديم. فكان يُقال " من لم يرَ اورشليم، لم يرَ مدينة جميلة، ومن لم يرَ الهيَكل، أبداً لم يرَ الفرح أبداً". وفي زمن المسيح كان الهيَكل في عصره الذهبي؛ ولا عجب أنَّ دهش التلاميذ عندما سمعوا أنَّ ذلك البناء الشامخ سوف يُهدَم تمامًا؛ أمَّا عبارة "تُحَفِ النُّذور" فتشير إلى هبات المؤمنين، وهي مواد بناء أو زينات للهيكل، وكان اليهود يفتخرون بجمال الهيَكل، وكانت أنظارهم تتجه إلى المباني الضخمة والتحف، أمَّا ربُّ المجد فكان نظره نحو المتعبِّدين بالروح والحق كما صرّح يوما السيد المسيح "تَأتي ساعةٌ -وقد حَضَرتِ الآن -فيها العِبادُ الصادِقون يَعبُدونَ الآبَ بِالرُّوحِ والحَقّ فمِثْلَ أُولِئكَ العِبادِ يُريدُ الآب" (يوحنا 4: 23). وهنا يعلن يسوع لنا كي لا تُغرينا العظمة الظاهرة من بهاء الهيَكل ووفرة الهبات.



6 هذا الَّذي تَنظُرونَ إِلَيه سَتأتي أَيَّامٌ لن يُترَكَ مِنه حَجَرٌ على حَجَر مِن غَيرِ أَن يُنقَض.



تشير عبارة "هذا الَّذي تَنظُرونَ إِلَيه" إلى كلام يسوع المُوجَّه إلى الشعب فيما يخصُّ الهيَكل الذي يُؤكِّد الغرض الحقيقي للنبوَّءة، حيث تنبَّأ الرب يسوع عن دمار الهيَكل وأورشليم كمن ينفض غبار رجليه ضد ذلك البيت وتلك المدينة التي رفضته فتركهم خرابا (متى 10: 14). وفي الواقع، كان الهيَكل مع قدسيَّته قد تحوّل في حياة اليهود بسبب ريائهم إلى عقبة أمام العبادة الروحيّة، لأنَّهم انشغلوا بعظمة الهيَكل الخارجي وابتعدوا عن قدسيَّة هيكل، وكانوا يهتمّون بإصلاح المباني لا القلب، الأمر الذي كرّس أغلب الأنبياء حياتهم لتصحيح هذا المفهوم، خاصة إرميا النبي. فمن كلماته المشهورة " لا تَتَّكِلوا على قَولِ الكَذِبِ قائلين: ((هذا هَيكَلُ الرَّبِّ، هَيكَلُ الرَّبِّ، هَيكَلُ الرَّبّ " (إرميا 7: 4). وجاء بعده حزقيال النبي يُعلن لليهود أنّ ثمرة اهتمامهم بالمبنى دون الحياة الداخليّة أدّى إلى خراب الهيَكل الأول على يد نبوخذ نصًّر578 ق. م. (حزقيال 10: 18-19)؛ أمَّا عبارة " سَتأتي أَيَّامٌ لن يُترَكَ مِنه حَجَرٌ على حَجَر " فتشير إلى إنباء يسوع عن دمار هيكل أورشليم، وكان أجمل هيكل في زمانه، وبهذا عرّض يسوع نفسه للاستهزاء، إذ خراب الهيكل لكل يهودي كان يعني انتهاء العهد، الّذي عقده ربّهم يهوه مع الشعب. أمَّا عبارة "يُنقَض " فتشير إلى إنذار يسوع بأسلوب الأنبياء التقليدي عن المأساة التي ستحلُّ بالهيَكل (ميخا 3: 12 وارميا 7: 1-15، حزقيال 8). وجد التلاميذ وهم يتطلعون إلى هذا المبنى الفاخر الضخم، أنَّ أقوال يسوع عن خرابه صعبة التصديق. لكن الهيَكل تمَّ تدميره فعلا بعد أربعين سنة على يد القائد الروماني طيطس سنة 70م. حيث عايش بعض التلاميذ هذه الحادثة. وحذَّرهم يسوع من المستقبل ليتمكَّنوا من العيش في الحاضر. وكان بعض الأنبياء قد أنذروا بخراب الهيَكل (ميخا 3: 12، إرميا 7: 1-15، حزقيال 8-11) للدلالة على أنَّ الرب ينقض العهد الذي سبق أنَّ قطعه مع شعبه؛ وبما أنَّ شعب إسرائيل رفض أن يرى في يسوع مرسل الله، سيدمّر الهيَكل، وهذا ما شكَّكَ الناس كما جاء في اتهامات اليهود ضد يسوع "هذا الرَّجُلُ قال: إِنَّي لَقادِرٌ على نَقضِ هَيكَلِ اللهِ وبِنائِه في ثَلاثةِ أَيَّام" (متى 26: 61.). لكن يسوع يُعلن حقيقة الأحداث حتى يكشف لتلاميذه معالم الطريق كيلا يربطوا قلوبهم بحجارة وأبنية، بل بهيكل روحي داخلي يسكنه الرب ويُقيم فيه ملكوته. ويُعلق البابا فرنسيس " يسوع لا يريد الإساءة إلى الهيَكل، إنّما أراد أن يفهمهم ويفهمنا نحن اليوم، أن البُنى البشريّة، حتى الأكثر قدسيّة، هي فانية ولا يجب أن نضع فيها ضماناتنا"(صلاة التبشير الملائكي الأحد 13. 11. 2016). يسوع هو المسكن الحقيقي لله على الأرض، مكان الحضور الإلهي الذي يرمز له الهيَكل. لهذا السبب أفادنا متى ومرقس الإنجيليين أنه حينما مات يسوع انشقَّ حجاب الهيَكل " إِذا حِجابُ المَقدِسِ قَدِ انشَقَّ شَطْرَيْنِ مِنَ الأَعلى إلى الأَسفَل، وزُلزِلَتِ الأَرضُ وتَصَدَّعَتِ الصُّخور" (متى 27: 51). وباختصار، يقول يسوع إن الهيَكل فخم بِالحِجارةِ الحَسَنَةِ وتُحَفِ النُّذور لكنه لن يستمر إلى الأبد، وبالتالي لا يمكن أن يكون حقًا مكانًا للخلاص. تعلق القدّيسة تيريزا -بينيديكت الصليب (إيديث شتاين) " لقد بنى الرّب يسوع المسيح، مكان هيكل سليمان، هيكلاً من الحجارة الحيّة (1بطرس 2: 5)، أي شَرِكة القدّيسين. هو يقف في وسط الهيكل كرئيس الكهنة الأزليّ، وهو على مذبحه القربان المُقدَّم إلى الأبد "(صلاة الكنيسة).



7 فسأَلوه: يا مُعلّم، ومَتى تكونُ هذه، وما تكونُ العَلامَةُ أَنَّ هذه كُلَّها تُوشِكُ أَن تَحدُث؟



تشير عبارة " فسأَلوه " إلى التلاميذ الذين يطرحون السؤال على يسوع كما ورد في إنجيل متى ومرقس، أو إلى الجماعة المرافقة. وبذلك تكون هذه خطبة يسوع العلنية الأخيرة الوداعية لأُورشليم؛ أمَّا عبارة "مَتى تكونُ هذه " فتشير إلى رغبة التلاميذ معرفة موعد دمار الهيَكل، أمَّا يسوع فأشار إليهم أن يهتمّوا بالأحرى بالاستعداد لمجيئه، بالسلوك حسب طريق الربّ، فإنّه متى جاء ثانية سيدعوهم خاصّته. وأمَّا عبارة "ما تكونُ العَلامَةُ؟" فتشير إلى العلامات التي شغلت العالم اليهودي والعالم المسيحي، ويُعلق القديس كيرلس الكبير أن التلاميذ والشعب لم يفهموا كلمات يسوع، فقد حسبوه يتحدث عن نهاية العالم، كأنهم ربطوا هدم الهيَكل بمجيء السيد الأخير ونهاية الأزمنة، ربما لأنه لم يكن ممكنًا في التصور اليهودي تدمير هيكل أورشليم، إنما سيزداد قوة وزينة خاصة بمجيء المسيّا المنتظر ليملك خلاله، ويبقى الهيَكل حتى نهاية الدهر"؛ فدمار الهيَكل وأُورشليم مفتاح لقراءة الكثير من حوادث التاريخ. لكن يسوع نبّههم بألاَّ يطلبوا علامات بل أن يطلبوا ملكوت الربّ. أمَّا عبارة "تُوشِكُ أَن تَحدُث؟ " فتشير إلى زمن دمار الهيَكل وعلامة ذاك الدمار. ويقدِّم لنا يسوع هنا نبوءات لانهيار نهائي لعالم وليس للعالم.



8 فقال: إِيَّاكُم أَن يُضِلَّكُم أَحَد! فسَوفَ يأتي كَثيرٌ مِنَ النَّاسِ مُنتَحِلينَ اسمي فيَقولون: أَنا هُو! قد حانَ الوَقْت! فلا تَتبَعوهم.



تشير عبارة " قال" إلى الخطاب الأخير الذي وجَّهه يسوع لتلاميذه مودعاً أورشليم ومعلنا خرابها. أمَّا عبارة " إِيَّاكُم أَن يُضِلَّكُم أَحَد" فتشير إلى تحذيرهم من إلى الضلال على مستويات مختلفة، منها تضليل المسيح الكذاب، كما جاء في إنجيل متى " إِيَّاكم أَن يُضِلَّكُم أَحَد! فَسَوفَ يَأتي كثيرٌ مِنَ النَّاسِ مُنتَحِلينَ اسْمي يَقولون: ((أَنا هو المسيح)) ويُضِلُّونَ أُناساً كثيرين"(متى 24: 4)، وتضليل شيطاني " فأُلقِيَ التِّنِّينُ الكَبير، الحَيَّة القَديمة، ذاكَ الَّذي يُقالُ لَه إِبْليسُ والشَّيطان، مُضَلِّلُ المَعْمورِ كُلِّه، أُلقِيَ إلى الأَرضِ وأُلقِيَ معَه مَلائِكَتُه" (رؤيا 12: 9)، وتضليل سياسي كما ورد في رؤية يوحنا " لكِنَّ مَأخَذي علَيكَ هو أَنَّكَ تَدَعُ المَرأَةَ إِيزابَلَ وشَأنَها، وهي تَقولُ إِنَّها نَبِيَّة، فتُعَلِّمُ وتُضَلِّلُ عَبيدي لِيَزْنوا فيَأكُلوا مِن ذَبائِحِ الأَوثانِ"(رؤيا 2: 20)، وتضليل تعليمي " إِذا قُلْنا: إِنَّنا بِلا خطيئة، ضَلَّلْنا أَنفُسَنا ولَم يَكُنِ الحقُّ فينا"(1يوحنا 1: 8 26)؛ فلا بدَّ إلى رؤية جديدة، لئلا تختلط علينا الأمور، ولا نرى الرب حيث هو حاضر، بل نراه حيث لا يوجد. أمَّا عبارة " مُنتَحِلينَ اسمي " في الأصل اليوناني ἐπὶ τῷ ὀνόματί (معناها باسمي أو تحت اسمي) تشير إلى مسحاء كذبة ينتحلون شخصية يسوع وعمله وسلطته مُدَّعين أنَّهم يحملون الخلاص لتضليل المؤمنين فيما يخصُّ هوية المسيح، وهؤلاء الأنبياء الكذّابين يَدّعون أنَّه قد وصلتهم رسائل من الله، فينادون بالرخاء والثراء ويقولون للشعب ما يريد أن يسمعه فيلقون البلبلة، كما صرَّح يسوع "إِيَّاكُم والأَنبِياءَ الكَذَّابين، فإِنَّهم يَأتونَكُم في لِباسِ الخِراف، وهُم في باطِنِهِم ذِئابٌ خاطِفة"(متى 7: 15)؛ فاليهود رفضوا المسيح الحقيقي، وكانوا في انتظار مسيحِ آخرِ، مما دفع البعض للادِّعاء أنهم هم المسحاء، خادعين الناس بعجائبهم الكاذبة ؛ أمَّا عبارة "قد حانَ الوَقْت " فتشير إلى معلمي الضلال لأنهم يُعلنون أنَّ النهاية قد جاءت "سيُقالُ لَكم: ها هُوَذا هُناك، ها هوْذا هُنا، فلا تَذهَبوا ولا تَندَفِعوا" (لوقا 17: 23). ويشير جواب يسوع في هذه الآية إلى علامات النهاية وعلامات مجيء ابن الإنسان. وقد فصل لوقا الإنجيلي دمار الهيَكل (لوقا 19: 27، 44) عن نهاية العالم. ويسوع أوصى تلاميذه ألاَّ يهتمُّوا كثيرًا بمعرفة موعد مجيئه بالضبط، بل أن يهتمَّوا أكثر بالاستعداد لمجيئه. ومن هذا المنطلق، إنَّ هذه الآية تدمّر كل تعاليم جماعة الأدفنتست Adventists أو السبتيين التي تحدِّد بشكل دقيق زمن مجيء السيد المسيح في آخر الزمان، إذ أعلنوا بإن نهاية العالم سنة 1843، ثم سنة 1844. وقامت أيضا جماعة شهود يهوه بتحوّيل كلمة الله من كلمة للخلاص والتمتّع بملكوت الله الحاضر داخل القلب إلى مناقشات فكريّة عقيمة ومجادلات فكريّة تخصَّ تحديد الأزمنة، الأمر الذي يرفضه السيِّد المسيح تمامًا. لكن يسوع يطلب من تلاميذه أن لا ينخدعوا من هؤلاء الأنبياء الكذبة، الذين يُخيفون الناس بتلك النبوءات حول نهاية العالم. ويعلق القدّيس يوحنّا الذهبيّ الفم " لن يحصل المجيء الثاني للمسيح كالمرّة الأولى في بيت لحم، في مكان حقير وبدون أن يعلم أحد بذلك؛ لكنّ الربّ سيأتي بكلّ مجده، ولن يكون هنالك من حاجة للإعلان عن مجيئه. لذا، أضافَ قائلاً: "إذا قالَ لكم عندئذٍ أحدٌ من الناس: ها هوذا المسيحُ هنا، بل هنا، فلا تصدّقوه". من خلال هذا الكلام، أرادَ أن يقولَ لنا أنَّ المجيء الثاني لن يكون متواضعًا كالأوّل، بل سيتجلّى في مجده الكامل"(العظة 76).



9 وإِذا سَمِعتُم بِالحُروبِ والفِتَن فلا تَفزَعوا، فَإِنَّه لابُدَّ مِن حُدوثِها أَوَّلاً، ولكِن لا تَكونُ النِّهايةُ عِندَئِذٍ.



تشير عبارة " بالحُروبِ والفِتَن " إلى أحداث لا تعود إلى آخر الأزمنة، بل إلى التاريخ المتعلق بالاضطرابات الحربية والسياسية في الإمبراطورية الرومانية في الفترة ما بين صعود السيد المسيح وخراب الهيَكل، منها الحرب التي اشتعلت في الإسكندرية حوالي عام 38 م. بين المصريين واليهود المُقيمين فيها، والحرب التي نشبت في سلوقية في العراق على ضفة نهر دجلة وقُتل فيها خمسون ألفًا من اليهود. كما حدث هياج شديد بين اليهود والسامريين، والاضطرابات التي رافقت موت نيرون في السنة 68م. ويسوع يضع أمامنا كل أنواع الشر الذي يؤثر على البشر: حروب، كوارث طبيعية، أمراض، مجاعات، واضطهادات. ولا يقول لنا ما هو سبب وأصل هذه الشرور التي نخضع لها. فلا يمكننا اعتبارها كعقاب من الله على خطايانا لكن تحذير لنا. أمَّا عبارة " لا بُدَّ مِن حُدوثِها " فلا تشير إلى الحتمية، ولا إلى المشاريع البشرية، بل إلى التدبير الإلهي؛ وهذه الأحداث هي بداية الآلام الأخيرة كما أشار دانيال النبي (دانيال 2: 28). أمَّا عبارة "النِّهايةُ" فتشير إلى نهاية التدبير الإلهي الحاضر، وإقامة ملكوت الله على وجه نهائي، كما جاء في تعليم يسوع المسيح "يُبغِضُكم جَميعُ النَّاسِ مِن أَجلِ اسمي. والَّذي يَثبُتُ إلى النِّهاية فذاكَ الَّذي يَخلُص"(متى 10: 22). فالتاريخ يبقى في يد الله، ويجب على المؤمن أن يحافظ على هدوئه. لقد كان هناك أناس في كل جيل منذ قيامة المسيح يدّعون أنهم يعرفون بالتدقيق نهاية العالم، ولكن لم يَصْدق أحد منهم، لان المسيح سيرجع حسب توقيت الله وليس حسب توقيت البشر، والعلامة الوحيدة الواضحة لمجيء المسيح هي أنَّ العالم كله سيراه آتيا في السحاب عند ظهوره، كما صرّح يسوع المسيح " وحينَئذٍ يَرى النَّاسُ ابنَ الإِنسانِ آتِياً في الغَمام في تَمامِ العِزَّةِ والجَلال" (مرقس 13: 26). ويعلق أوريجانس اللاهوتي " حين تصل الأمور إلى حدّها لدى المؤمنين، وحين يأتي زمن الجيل الجديد المُنحل والفاسد، حيث "يَزْدادُ الإِثْم، فتَفتُرُ المَحَبَّةُ في أَكثرِ النَّاس" (متى: 24: 12) حينئذ، "تقصّر الأيام" (متى 24: 22). نعم، الرّب نفسه يعرف إطالة مدّة الأيام عندما يحين وقت الخلاص، ويعرف اختصار مدّة زمن المِحَن والخراب. أما بالنسبة إلينا، طالما لدينا النهار ويطول لنا زمن النور " لِنَسِرْ سيرةً كَريمةً كما نَسيرُ في وَضَحِ النَّهار" (رومة 13: 13)، ولنقم بأعمال النور" (عظات عن سفر يشوع، 11: 3-4).



10ثُمَّ قالَ لَهم: ستَقومُ أُمَّةٌ على أُمَّة، ومَملَكَةٌ على مَملَكَة،



تشير عبارة "ثُمَّ قالَ لَهم" في الأصل اليوناني ὁ δὲ εἶπεν αὐτοῖς " (معناها حينئذ قال لهم) فتشير إلى ذلك الوقت؛ وهي مقدمة إلى مدخل جديد في الكلام (لوقا 22: 12) التي تُميّز علامات النهاية (لوقا 21: 10-11، 25-27) من التاريخ السابق (لوقا 21: 12-19، 20-24)؛ أمَّا عبارة " أُمَّةٌ على أُمَّة، ومَملَكَةٌ على مَملَكَة " فتشير إلى موضوع رؤيوي كما جاء في نبوءة أشعيا النبي " أُحَرِّضُ مِصرَ على مِصرَ فيُقاتِلُ الإنسانُ أَخاه والرَّجُلُ صَديقَه مَدينَةٌ مَدينَةً ومَملَكَةٌ مَمْلَكَة" (أشعيا 19: 2). وهو من المواضيع التقليدية حيث يقرأ الكاتب ما يحدث من حروب على ضوء كلمة الله. هكذا فعل دانيال حين عاد إلى الوراء فتحدث عن ممالك الفرس واليونان مُبيِّنًا أنَّ الله يُشرف على التاريخ. ومثله فعل يوحنا الرسول في سفر الرؤيا، الذي قرأ ما حصل في القرن الأول المسيحي على ضوء مسيرة الكنيسة في العالم الوثني. ولعلَّ إعلان السيد عن هذه الحروب كان من أجل المؤمنين لئلا يتشككوا.\



11 وتَحدُثُ زَلازِلُ شديدة ومَجاعاتٌ وأَوبِئَةٌ في أَماكِنَ كَثيرة، وستَحدُثُ أَيضاً مَخاوفُ تأتي مِنَ السَّماءِ وعَلاماتٌ عظيمة.




تشير عبارة "تَحدُثُ زَلازِلُ شديدة" إلى الزلازل التي حدثت يوم صُلب رب المجد (متى 27: 51) والتي حدثت في كريت عام 46 م.، وفي روما عام 51 م.، وفي أفاميا سنة 53 م. وفي لاذقية فريجيه عام 60 م.، وفي أورشليم سنة 67م إلخ.؛ أمَّا عبارة "مَجاعاتٌ وأَوبِئَةٌ في أَماكِنَ كَثيرة " فتشير إلى المجاعات كالتي تنبأ عنها أَغابُس (أعمال الرسل 11: 28) التي حدثت عام 49 م. وتفشى الوباء في روما عام 65م والذي أدَّى بحياة ثلاثين ألفًا، وتشير أيضا إلى ما وصفه يوسيفوس فلافيوس المؤرخ اليهودي في أورشليم قبيل دمارها خاصة المجاعة التي أصابت السكان حتى كانوا يأكلون البذار التي في بواقي الحيوانات، وذلك بسبب حصار اورشليم لمدة ستة سنوات، حيث نفذ كل ما عند اليهود من طعام، فحدثت مجاعات، مات بسببها الكثيرون الذين لم يجدوا من يدفنهم، فظهرت الأمراض والأوبئة؛ أمَّا عبارة "عَلاماتٌ عظيمة" فتشير إلى إنباء يسوع بآخِر الأزمنة عن حدوث نكبات وكوارث في العالم الطبيعي، وهي مسألة تقليدية في الدين اليهودي المعاصر ليسوع. وقد يسمح الله بذلك لكي يُدرك الإنسان أن العالم المادي غير خالد، ومصيره إلى الزوال، حيث انه يسير في طريق الدمار يومًا بعد يوم، فيسمح الله بالضيقات لأجل توبة الخاطئين. ويُعلق القدّيس يوحنّا الذهبيّ الفم "بعد أن أنهى يسوع المسيح تنبّؤاته بشأن أورشليم، انتقلَ إلى الجزء المتعلّق بمجيئه، وأخذ يُعدّد العلامات التي ستدلّ على ذلك؛ معرفة مفيدة، ليس للتلاميذ فقط، بل لنا أيضًا ولجميع الذين سيأتون من بعدنا. من خلال إطلاع تلاميذه على علامات مجيئه الثاني، أرادَ المخلِّص أن يُعلِمَهم بالمكان وبأضاليل المُسحاء الدجّالين" (العظة 76).



12 وقَبلَ هذا كُلِّه يَبسُطُ النَّاسُ أَيدِيَهُم إِلَيكمُ، ويَضطَهِدونَكم، ويُسلِمونَكم إلى المَجامِعِ والسُّجون، وتُساقونَ إلى المُلوكِ والحُكاَّمِ مِن أَجْلِ اسمي.



تشير عبارة "قَبلَ هذا كُلِّه" إلى ما تمَّ إنجازه قبل أن يتمَّ ذكره في النبوءة السابقة من ناحية، وتشير أيضا إلى مقدمة جديدة لموضوع اضطهاد التلاميذ والشهادة التي يجب أن يؤدُّوها. إن لوقا الإنجيلي يعود إلى الوراء ويعرض حياة الكنيسة في التاريخ، ومن أشهر الذين استشهدوا في هذه الفترة القديس يعقوب أخو يوحنا أحد التلاميذ الاثني عشر، إذ" قَبَضَ المَلِكُ هيرودُسُ عليه وقَتَلَه بِحَدِّ السَّيفِ سنة 62 م." (أعمال الرسل 12: 2)، ومَتِّيَّا الذي اخْتير نيابة عن يهوذا الخائن، حيث رجمه اليهود ومات سنة 68م. (أعمال الرسل 1:25-26)؛ أمَّا عبارة "يَضطَهِدونَكم" فتشير إلى مجتمع مسيحي مُضطهد من الخارج. يُضَّطهد المؤمنون الذين يعملون من أجل الخير والعدل والبشارة؛ والاضطهاد هو ميزة الكنيسة الذي كان لوقا الإنجيلي شاهدا لبدايته. فقد قالَ المسيح: "إذا اضطَهَدوني، فَسيَضطَهِدونَكم أيضًا (يوحنا 15: 20). وإذا واضطهدوكم، "لأَنَّكم لَستُم مِنَ العالَم" (يوحنا 15: 19) كما أنّي لستُ من العالم" (يوحنا 17: 14). فكما أنَّ المسيح تألم للدخول في مجده (لوقا 24: 26)، كذلك لا بدَّ للكنيسة أن ترى في الاضطهاد علامة اقتراب ملكوت الله (متى 13: 21)؛ بل أصبح الاضطهاد علامة انتماء حقيقي لتلاميذ المسيح الذين يشاركون في مصيره. فالاضطهاد لا يُضعف عزائمهم، بل يُشدِّدها، منا قال بطرس الرسول " طوبى لَكم إِذا عَيَّروكم مِن أَجْلِ اسْمِ المَسيح، لأَنَّ روحَ المَجْدِ، روحَ الله، يَستَقِرُّ فيكم... إذا تَأَلَّمَ لأَنَّه مَسيحِيّ فلا يَخْجَلْ بِذلِك، بل لِيُمَجَدِ اللهَ على هذا الاِسْم" (1بطرس 4: 14-16)؛ أمَّا عبارة " المَجامِعِ" فتشير إلى المجالس الدينية الصغرى (متى 5: 22) المؤلفة من 23 وجيه من وجهاء المجمع، وكانت هذه المجامع بمثابة محكمة في القضايا التي لم تكن من صلاحية "المجلس الكبير" الذي في اورشليم. فبعد سقوط اورشليم في سنة 70 م اكتسبت هذه المجالس المحلِّية أهمية كبرى؛ أمَّا عبارة " المُلوكِ والحُكاَّمِ" فتشير إلى المشهد الذي يرويه لوقا الإنجيلي عن محاكمة بولس الرسول في اورشليم وقيصرية في حضرة الملك أغريباس واخته برنيقة (أعمال الرسل 25: 13-26: 32). فكان اليهود يلقون القبض على التلاميذ الربّ في كل مكان ويُساقونَ إلى المُلوكِ والحُكاَّمِ مِن أَجْلِ اسم يسوع ويجتازون الشدائد. فهدف عدو الخير من إثارة الحروب والأوبئة والاضطهاد هو إثارة رعب المؤمنين فيرتبكون خائفين على حياتهم الزمنية، ولكن من يرتبك يخسر أفراحه، خاصة الفرح بمجيء المسيح والمجد المنتظر. أمَّا عبارة " مِن أَجْلِ اسمي" فتشير إلى سبب عبور المؤمنين بالمسيح بوقت الضيق والاضطهادات منذ فصح المسيح وحتى مجيئه الثانيّ أي قبل حلول زمن نهاية الأزمنة. والاسم يعبر عن شخص يسوع ودوره.



13 فيُتاحُ لكم أَن تُؤَدُّوا الشَّهادَة.



تشير عبارة " فيُتاحُ لكم" إلى وقوع الاضطهاد على التلاميذ الذي يصبح وسيلة للشهادة للمسيح وللحق. أمَّا عبارة"الشَّهادَة" فتشير إلى إعلان قيامة يسوع وسيادته، وهو الدور الذي قام به الرسل الاثني عشر (أعمال الرسل 1: 8) وإسطِفانُس (أعمال الرسل 22: 20) وبولس الرسول (أعمال الرسل 22: 15). وقد كتب بولس الرسول وهو في السجن أنه يتوقع الألم، لأنه يُعينه على معرفة المسيح بشكل أفضل، كما يعُينه على إداء عمل المسيح للكنيسة، كما صرّح" فأَعرِفَهُ وأَعرِفَ قُوَّةَ قِيامتِه والمُشارَكَةَ في آلامِه فأَتمثَّلَ بِه في مَوتِه" (فيلبي 3: 10). وفي هذا الصدد كتب ترتليانوس، أحد آباء الكنيسة في القرن الثاني الميلادي " إن دم المسيحيين هو بذرة نمو الكنيسة". فهؤلاء جميعاً شهدوا للرب يسوع وللبشارة التي يحملونها. والشهادة في اليونانية μαρτύριον التي قد تقود أحيانا إلى الاستشهاد، فاتخذت اللفظة فيما بعد معنى الاستشهاد أيضا، أيّ نصير شهود وشهداء، في ذات الوقت، فالشدائد التي تصيب التلاميذ بشكل مباشر تكون مناسبة للكرازة بالملكوت (متى 24: 14) وهذه الشدائد قد تكون الاضطهادات وربما عذابات يتحملها الرسل من اجل الإنجيل كما صرَّح بولس الرسول "هو الَّذي يُعَزِّينا في جَميعِ شَدائِدِنا لِنَستَطيعَ، بما نَتَلقَّى نَحنُ مِن عَزاءٍ مِنَ الله، أَن نُعَزِّيَ الَّذينَ هُم في أَيَّةِ شِدَّةٍ كانَت"(2 قورنتس 1: 4) ، أو هي أحداث سياسية كونية كما ورد في سفر الرؤيا "هؤُلاءِ هُمُ الَّذينَ أَتَوا مِنَ الشَدَّةِ الكُبْرى، وقَد غَسَلوا حُلَلَهم وبَيَّضوها بِدَمِ الحَمَل"(رؤيا 7: 14).



14 فاجعَلوا في قُلوِبكم أَن لَيسَ علَيكم أَن تُعِدُّوا الدِّفاعَ عن أَنفُسِكم.



تشير عبارة " لَيسَ علَيكم أَن تُعِدُّوا الدِّفاعَ عن أَنفُسِكم" إلى دعوة يسوع إلى تلاميذه أن يضعوا ثقة عظيمة فيه. ويُعلق البابا غريغوريوس الكبير" كما لو أن الرب يقول لتلاميذه: لا تخافوا، أدخلوا المعركة، فإني أنا الذي أحارب، أنتم تنطقون وأنا الذي أتكلم". يتقبل المؤمنون من مسيحهم فماً وحكمةً ويشعرُ المُضَّطهِدون بالضعف أمامهم". يسوع يدعونا أما اضطرابات العالم والاضطهادات ألاَّ نضل ولا ننخدع بل نصمد ونثق بكلامه " لسَّماءُ والأَرضُ تَزولانِ وكَلامي لن يَزول" (لوقا 21: 33)، " تُعانونَ الشِدَّةَ في العالَم ولكن ثِقوا إِنِّي قد غَلَبتُ العالَم " (يوحنا 16: 33).



15 فسَأُوتيكم أَنا مِنَ الكَلامِ والحِكمَةِ ما يَعجِزُ جَميعُ خُصومِكم عَن مُقاوَمَتِه أَوِ الرَّدِّ علَيه.



تشير عبارة "فسَأُوتيكم" إلى وعد بالضمانات الّتي سيمنحها يسوع لعبور الضيقات والاضطهادات والشدائد. إنها مساعدة يسوع لتلاميذه الذين هم شهوده (يوحنا 14: 18-21)، إذ يساندهم روح الله عندما يُسلمون إلى المحاكم، ولذا ليس عليهم أن يهتموا بالدفاع عن دعواهم (متى 10: 19-20)؛ حيث أنَّ النجاح لا يتأتّى من قواهم ولا من قدراتهم، بل من الرب. والنجاح مضمون على عكس الحجارة الجميلة للهيكل، التي لا تصمد في وجه الزمن وعنف البشر. أمَّا عبارة "أَنا" فتشير إلى ضمير التوكيد الذي يؤكد كلمات يسوع، حيت أنّه نفسه يتعهد أن يعطي تلاميذه العون الإلهي الذي يحتاجون إليه للدفاع عن أنفسهم ولتأدية شهاداتهم، ولذا يتوجب عليهم أن يثقوا به؛ ألم يقل الرب يسوع "الرُّوحَ القُدُسَ يُعَلِّمُكم في تِلك السَّاعةِ ما يَجِبُ أَن تَقولوا؟" (لوقا 12: 12)؛ أمَّا عبارة "الكَلامِ" في الأصل اليوناني στόμα (معناها من الفم) فتشير إلى التكلم بنعمة الروح القدس (مرقس 13: 11)؛ وأمَّا عبارة "الحِكمَةِ " فتشير إلى تقدمة براهين مقنعة للسامعين من خلال الروح القدس الموعود به، كما يوضِّح ذلك إنجيل يوحنا "مَتى جاءَ المُؤَيِّدُ الَّذي أُرسِلُه إِلَيكُم مِن لَدُنِ الآب رُوحُ الحَقِّ المُنبَثِقُ مِنَ الآب فهُو يَشهَدُ لي وأَنتُم أَيضاً تَشهَدون لأَنَّكُم مَعي مُنذُ البَدْء"(يوحنا 15: 26-27). أمَّا عبارة "يَعجِزُ جَميعُ خُصومِكم عَن مُقاوَمَتِه أَوِ الرَّدِّ علَيه" فتشير إلى ما تمَّ في حياة الجماعة المسيحية الأولى مثل كلام بطرس ويوحنا في المجلس اليهودي "َمِنَ البِرِّ عِندَ اللهِ أَن نسمَعَ لَكُم أَمِ الأَحْرى بِنا أَن نسمَعَ لله؟ اُحكُموا أَنتُم، أَمَّا نَحنُ فلا نَستَطيعُ السُّكوتَ عن ذِكْر ما رَأَينا وما سَمِعْنا"(أعمال الرسل 4: 19-20)، وفي موضع آخر أجاب بُطرُسُ والرُّسُل عظيم الأحبار وحاشيته "الله أَحَقُّ بِالطَّاعَةِ مِنَ النَّاس. إِنَّ إِلهَ آبائِنا أَقامَ يسوعَ الَّذي قَتَلتُموه إِذ علَّقتُموه على خَشَبَة. وهو الَّذي رَفعَه اللهُ بِيَمينِه وجَعَلَه سَيِّدًا ومُخَلِّصًا لِيَهَبَ لإِسْرائيلَ التَّوبَةَ وغُفرانَ الخَطايا، ونَحنُ شُهودٌ على هذِه الأُمور. وكذلِكَ يَشهَدُ الرُّوحُ القُدُسُ الَّذي وهَبَه اللهُ لِمَن يُطيعُه" (أعمال الرسل 5: 29-33)، وكذلك نجد مثل هذا الأمر في خطبة إسطفانس أول شهداء المسيحية (أعمال الرسل 7: 1-53).



16وسيُسلِمُكُمُ الوالِدونَ والإِخوَةُ والأَقارِبُ والأصَدقاءُ أَنفُسهم، ويُميتونَ أُناساً مِنكم،



تشير عبارة "سيُسلِمُكُمُ الوالِدونَ والإِخوَةُ والأَقارِبُ والأصَدقاءُ أَنفُسهم" إلى مجتمع مسيحي مُمزق من الداخل وذلك بسبب الخيانة من داخل العائلة وداخل الكنيسة؛ إذ يرتدَّ كثيرون من الذين كانت علاقتهم بالله علاقة سطحية بلا عمق، مثل النباتات التي لا جذور لها (متى 13: 18 -22). والمؤمنون المُرتدُّون يُسلمون إخوتهم المؤمنين، ربما خوفًا أو ربما غيرة أو حسدًا، أو ربما لفتور المحبة في تلك الأيام، أو ربما من كثرة الشدائد بدون تعزية، كما ورد في رسالة يعقوب الرسول "لا يَتَذَمَّرَنَّ بَعضُكم على بَعْض"(يعقوب 5: 9)؛ أمَّا عبارة "يُميتونَ أُناساً مِنكم" فتشير إلى بعضهم الذين سيستشهدون، ولكن ليس الجميع، خلافا لما ورد في إنجيل متى (10: 21)، مما يدلّ على أنَّ الاضطهاد لن يستطيع إسكات صوت شهود يسوع، لكنهم سيخلصون بفضل صبرهم، كما قال يسوع " إِنَّكم بِثَباتِكُم تكتَسِبونَ أَنفُسَكم. "(لوقا 21: 19).



17 ويُبغِضُكم جَميعُ النَّاسِ مِن أَجْلِ اسمي.



تشير عبارة "يُبغِضُكم جَميعُ النَّاسِ" إلى شدة الحِقْد والكراهية من قِبل غير المسيحيين سواء أ كانوا يهوداً أم وثنيين. يتعرض المُبشِّرين إلى بغض بسبب إيمانهم بالسيد المسيح. لهذا يتشكَّك المؤمنون ويتسألون: ماذا ينتظر الله؟ ولماذا لا يتدخّل بسرعة؟ (رؤيا 6: 10). ويعلق جان تولير راهب دومينكيّ " لقد وعد الرّب يسوع المسيح تلاميذه بالسّلام دائمًا، (لوقا 24: 36). كسب التلاميذ السّلام بالمعاناة والكفاح، والمحبّة بالألم. وبالموت وجدوا الحياة"(العظة 21 عن الصّعود). أمَّا عبارة "اسمي" فتشير إلى شخص يسوع المسيح.



18 ولَن تُفقَدَ شَعْرَةٌ مِن رُؤُوسِكم.



تشير عبارة "لَن تُفقَدَ شَعْرَةٌ مِن رُؤُوسِكم" إلى وعد بالوقاية من الخطر الشخصي مع الثقة بالآب الذي يعتني حتى بأصغر تفاصيل حياتهم، كما حدث فعلا في العاصفة مع بولس الرسول " فلا يَفقِدُ أَحَدٌ مِنكُم شَعرَةً مِن رأسِه" (أعمال الرسل 37: 34). إن أعداءهم لا يستطيعون إيذاءهم بأدنى أذى إلاَّ بإذن الله لإتمام مقاصده الإلهية. تدل هذه العبارة أيضا على عدم وجود سلطان للأعداء على نفوس التلاميذ (متى 10: 28-31)، ولا أحد من المؤمنين سيعاني من الضياع الروحي والأبدي. فالتلاميذ سيكونون في الأمان الروحي الكامل، لكن لا يعني ذلك انهم لن يُصابوا بأذى أو يُقتلوا خلال الاضطهاد؛ في الواقع معظم التلاميذ استشْهدِوا على الأرض، لكنهم يُحفظون للحياة الأبدية، كما قال أحد الأخوة الشهداء المَكَّابيين السبعة "إنَّكَ أَيُّها المُجرِمُ تَسلُبُنا الحَياةَ الدُّنيا، ولَكِنَّ مَلِكَ العالَم، إِذا مُتْنا في سَبيلِ شَرائِعِه، سيُقيمُنا لِحَياةٍ أَبَدِيَّة" ( 2 مكابى 7: 9)؛ ويُعلق القديس أوغسطينوس "عندما حثَّ الرب يسوع شهداءه على الصبر، وعدهم أن ينال الجسد نفسه كمالًا تامًا في المستقبل بلا فقدان، لا أقول فقدان عضو منه، وإنما دون فقدان شعرة واحدة". لأنّ الله يهتمّ بشعبه المُثابر حتى إلى ما بعد الموت. فلا بدَّ التحلي بالرجاء وبالشجاعة لمواجهة الواقع الـملموس وكلنا أمل بيسوع القائم الذي وعدنا بأننا سنعبر هذه الضيقات.



19 إِنَّكم بِثَباتِكُم تكتَسِبونَ أَنفُسَكم.



تشير عبارة "الثبات" في الأصل اليوناني ὑπομονή (معناها الصبرِ والمثابرةِ، المقاومة والثقة) إلى الصبر والاحتمال إلى اقصى الحدود في الإيمان حتى النهاية على وجه علني ورسمي، كما أوضح يسوع في موضع آخر "الَّذي يَثبُتُ إلى النِّهايَةِ فذاكَ الَّذي يَخلُص"(متى 24: 13)؛ وهذا الصبر ضرورة، بخاصّة وقت الألمِ والتجربةِ، وفي اللحظات التي نميلُ فيها نحو اليأس، وعندما تستهوينا إغراءات العالم، وعندما نكون مُضَّطهدين من داخل عائلاتنا وكنيستنا وخارجها. وهذا الثبات في نظر يسوع شهادة لدى جميع الأمم كما أعلن يسوع "ستُعلَنُ بِشارَةُ المَلكوتِ هَذه في المَعمورِ كُلِّه شَهادَةً لَدى الوَثَنِيِّينَ أَجمَعين، وحينَئِذٍ تَأتي النِّهاية" (متى 24: 14)؛ فالثبات يشهد أن دينونة الله قد بدأت عَبر مِحن الأزمنة الأخيرة. ونتيجة لذلك يتوجب على التلاميذ أن يثبوا في الشدائد؛ ويُعلق البابا غريغوريوس الكبير "وضع اقتناء النفس في فضيلة الصبر، لأن الصبر هو أصل كل الفضائل والحامي لها. الصبر هو احتمال الشرور التي تسقط علينا من الآخرين بهدوء دون أن نحمل مشاعر سخط ضد من يُسقطها علينا". أمَّا عبارة "تكتَسِبونَ أَنفُسَكم" فتشير إلى تمسك التلاميذ بالإيمان زمن الاضطهاد الذي يؤدِّي إلى ربح نفوسهم وإدراك خلاصهم. كما صرّح يسوع "لا تَخافوا الَّذينَ يَقتُلونَ الجَسد ولا يَستَطيعونَ قَتلَ النَّفْس، بل خافوا الَّذي يَقدِرُ على أَن يُهلِكَ النَّفْسَ والجَسدَ جَميعاً في جَهنَّم" (متى 10: 29) ومن هذا المنطلق، على المسيحية في كل عصر مواجهة الشدائد والصعوبات والاضطهادات، لكن من المُطمْئِن أن يعرفوا أنَّ الروح القدس يبقى معهم، ويُعزّيهم ويحميهم ويُعطيهم الكلمات التي يحتاجونها. ويُعطيهم هذه الطمأنينة والشجاعة والرجاء ليقفوا ثابتين في المسيح في كل المواقف الصعبة التي يواجهونها. ومن هذا المنطلق، ينبغي له تلميذ للمسيح أن يعرف حقيقة واحدة وهي: أنّ خلاصه سوف يأتي من ثباته. فينبغي أن يثبت حتّى عندما يكون الثمن هو حياته.





ثانياً: تطبيق النص الإنجيلي (لوقا 21: 5-19)



انطلاقا من الملاحظات الوجيزة حول وقائع النص الإنجيلي (لوقا 21: 5-19)، نستنتج انه يتمحور حول تحذيرات يسوع لتلاميذه حول المسحاء الكذابين والضعف أمام الاضطهاد والشهادة والثبات في الإيمان لدى إعلانه عن خراب الهيَكل ونهاية العالم ومجيئه الأخير.



التحذير الأول من خداع المسحاء الكذابين



عندما طلب التلاميذ علامات الزمن لخراب الهيَكل (لوقا 12: 5-7) حذّرهم يسوع من المسحاء الكذبة "فقال: ((إِيَّاكُم أَن يُضِلَّكُم أَحَد! فسَوفَ يأتي كَثيرٌ مِنَ النَّاسِ مُنتَحِلينَ اسمي فيَقولون: أَنا هُو! قد حانَ الوَقْت! فلا تَتبَعوهم. (لوقا 21: 8). وعلَّق القديس أثناسيوس "إن إبليس مخادع ينتحل لنفسه اسمًا محبوبًا للكل، يُشبه رجلًا يريد أن يسرق أولادًا ليسوا له، فينتهز فرصة غياب والديهم ليجتذب نظراتِهم ويسحبهم إليه بتقديم أمور يتوقون إليها. هكذا في كل هرطقة ينطق العدو مخادعًا "أنا هو المسيح ومعي الحق". فإن ظهور مسحاء وأنبياء كذبة لخداع البشرية هو أول علامة لمجيئه في الأزمنة الأخيرة. فهؤلاء المسحاء الكذابين يُقيمون مملكة إبليس تحت ستار المسيح أو اسم الله لخداع الكثيرين وسحبهم عن مملكة الله وخلاصهم من خلال الإغراءات.



يبدو أنَّ المُسحاء الدجالين أو المسحاء الكذابين ظهروا أثناء نشأة الكنيسة مثل سمعان الساحر الذي كان "يُدهِشُ أَهْلَ السَّامِرَة زاعِمًا أَنَّه رَجُلٌ عَظيم. فكانوا يُصْغونَ إِلَيه بِأَجمَعِهم مِن صَغيرِهم إلى كَبيرِهم، ويَقولون: ((هذا هو قُدرَةُ اللهِ الَّتي يُقالُ لها القُدرَةُ العَظيمة" (أعمال الرسل 8: 9-10)، وكذاك ثودَس "فقَد قامَ ثودَسُ قَبلَ هذهِ الأَيَّام، وادَّعى أَنَّه رَجُلٌ عَظيم، فشايَعَه نَحوُ أَربَعِمِائةِ رَجُل، فقُتِلَ وتَبَدَّدَ جَميعُ الَّذينَ انقادوا لَه، ولَم يَبْقَ لَهم أَثَر"(أعمال الرسل 5: 36)، وقامَ بعده "يَهوذا الجَليليُّ أَيَّامَ الإِحصاء، فَاستَدرَجَ قَومًا إلى اتِّباعِه"(أعمال الرسل 5: 37). وفي نهاية الثورة اليهودية الثانية في السنة 135 حيث أعلن الرابي عقيبه معلم المجمع أن باركوخبا رئيس الثورة هو المسيح فأعدمه الرومان. قال يوسيفوس المؤرخ اليهودي في هذا الصدد أن مزوِّرين كثيرين وسحرة جذبوا إليهم كثيرين إلى البرية يخدعونهم، فمنهم من جنّ، ومنهم من عاقبه فيلِكْس الوالي، ومن بينهم ذلك المصري الذي ذكره ِقائِد الأَلْف حين قال لبولس الرسول "أَفَلَستَ المِصرِيَّ الَّذي أَثارَ مُنذُ أَيَّامٍ أَربَعَةَ آلافِ فَتَّاك، وخَرَجَ بِهم إلى البَرِّيَّة؟ " (أعمال الرسل 21: 38).



ظهرت في أيامنا الأخيرة مئات البدع والفلسفات الملحدة المُضَللة التي تشكك في وجود الله، بل وفلسفات تتستر تحت رداء الدين. وثمار هذه الفلسفات والبدع الارتداد وفتور محبة الكثيرين. ويُعلق القديس أوغسطينوس "يحذّرنا الرب من أنه حتى الأشرار يقدرون أن يصنعوا معجزات معيّنة لا يستطيع حتى القدّيسين أن يصنعوها، فليس بسببها يُحسبون أعظم منهم أمام الله".



أضاف البابا فرنسيس أن ما قاله يسوع ينطبق علينا أيضًا نحن الذين نعيش في القرن الحادي والعشرين "إِيَّاكُم أَن يُضِلَّكُم أَحَد! فسَوفَ يأتي كَثيرٌ مِنَ النَّاسِ مُنتَحِلينَ اسمي، وهذه دعوة للفطنة، إنها الفضيلة المسيحية لمعرفة أين هو روح الرب وأين روح الشر. واليوم أيضًا نجد "مسحاء" كذبة يريدون أن يحلّوا مكان يسوع، وأولئك الذين يحاولون جذب الناس إليهم خاصة الشباب، فلنتذكر بأن يسوع حذَّرنا منهم وطلب ألاَّ نتبعهم".



التحذير الثاني من الضعف في الاضطهاد والشهادة والثبات



لم يكتفِ يسوع من تحذير تلاميذه من المسحاء الدجالين والأنبياء الكذبة بل وجّه لهم تحذيرات أخرى حول الضعف أمام الاضطهادات والشهادة والثبات:



أ) تحذير من الضعف تجاه الاضطهاد



طلب التلاميذ علامات للأزمنة النهائية، فأعطاهم يسوع الاضطهاد علامة لهم. ويحاول الكائن الشرير من خلال الاضطهاد أن يفصل الإنسان البار عن الله، لان البار يحب لله وأمين لكلمته (أعمال الرسل 7: 27)، ولان الشرير يرى في البار توبيخا حياً (الحكمة 2: 12-14) وشاهداً لله الذي يتجاهله (الحكمة 2: 16-20). فالشرير يستهدف الله من خلال البار الذي هو شاهدا لمحبة الله ورحمته ونعمته (الحكمة 3: 7-10).



تنبأ يسوع عن اضطهاد التلاميذ (لوقا 21: 12-19) عِلمًا أنَّ الإيمان ليس ضمانة السلامة وعدم التعرّض للاضطهادات. حتى في الاضطهاد والضيق هناك طريق شهادة للحياة. فقَبْل دمار اورشليم، حذّر يسوع تلاميذه من الاضطهاد قائلا" وقَبلَ هذا كُلِّه يَبسُطُ النَّاسُ أَيدِيَهُم إِلَيكمُ، ويَضطَهِدونَكم، ويُسلِمونَكم إلى المَجامِعِ والسُّجون، وتُساقونَ إلى المُلوكِ والحُكاَّمِ مِن أَجْلِ اسمي" (لوقا 21: 12). إنّ الاضطهاد ضروري، لأنه العلامة التي يُعرف بها تلاميذ الرب، التي بها يُمكن لهم أن يشهدوا لانتمائهم إلى ربهم.



عندما كتب لوقا إنجيليه كانت الجماعة المسيحية الأولى معرضة للاضطهادات. فقد تعرَّض بطرس ويوحنا إلى الاضطهاد (أعمال الرسل 14: 1-3). وكان شاول الطرسوسي من أول من تمَّمُوا هذه النبوة باعتباره يهوديا مُضطهِداً كما أكد حنانيا "يا رَبّ، سَمِعتُ بِهذا الرَّجُلِ مِن أُناسٍ كَثيرين كم أَساءَ إلى قِدِّيسيكَ في أُورَشَليم. وعِندَه ههُنا تَفويضٌ مِن عُظَماءِ الكَهَنَةِ لِيوثِقَ كُلَّ مَن يَدعو بِاسمِكَ" (أعمال الرسل 9: 102)، وباعتباره مسيحيا مُضطَهَدا بعد ذلك كما صرّح "جَلَدَني اليَهودُ خَمسَ مَرَّاتٍ أَربَعينَ جَلْدَةً إِلاَّ واحِدة، ضُرِبتُ بِالعِصِيِّ ثَلاثَ مَرَّات، رُجِمتُ مَرَّةً واحِدَة" (2 قورنتس 11: 24). وتعرَّض بولس الرسول ورفيقه سيلا للضرب والسجن (أعمال الرسل 16: 22). لم يهرب بولس الرسول من الاضطهادات بل تقبلها بكل افتخار قائلا " فإِنِّي راضٍ بِحالاتِ الضُّعفِ والإِهاناتِ والشَّدائِدِ والاِضطِهاداتِ والمَضايِقِ في سَبيلِ المسيح، لأَنِّي عِندَما أَكونُ ضَعيفًا أَكونُ قَوِيًّا"(2 قورنتس 12 10).



اختبر شعب الله، على طول امتداد تاريخه، الاضطهاد الذي لم يستثنِ منه السيد المسيح نفسه، إذ جاء ليُخلص العالم، ومع ذلك قد أبغضه العالم (يوحنا 3: 17، 15: 18)، لا بل بلغ الاضطهاد الذروة في آلامه (متى 23: 31-32)، وإن الرسل أنفسهم الذين سمعوا يسوع يعلن لهم ذلك، نجدهم بعد سنوات قليلة " فَرِحين بِأَنَّهم وُجِدوا أَهلاً لأَن يُهانوا مِن أَجْلِ الاسْم" (أعمال الرسل 5: 41). وكتب القدّيس أوغسطينوس، "لقد تم تقييد الشهداء، وسجنهم وجلدهم وعذّبوا وحرقوا ومزّقوا وذبحوا – ومع ذلك، تضاعف عددهم".



نستنتج مما سبق أنَّ الاضطهاد ليس بالأمر العارض في حياة المؤمن لكن يُلازم المؤمن على الدوام حتى يعبر من هذا العالم كما جاء في رؤيا يوحنا "هؤُلاءِ هُمُ الَّذينَ أَتَوا مِنَ الشَدَّةِ الكُبْرى، وقَد غَسَلوا حُلَلَهم وبَيَّضوها بِدَمِ الحَمَل" (رؤيا 7: 14)، ويُعلق الأب ثيوفلاكتيوس "نطق يسوع بالاضطهاد لكي يستعد تلاميذه لاحتمال الاضطهادات والشرور بصبر عظيم". فالاضطهاد، ككل عذابات المسيح، إنما هو ضروري لإتمام رسالته ولتحقيق تدبير الخلاص.



يسوع يُطمئِننا أن عمل الله على الدوام يُقاوم، لكنه بالمقاومة يزداد قوة، ويتجلى بأكثر بهاء. ولا يستطيع التلاميذ أن يطمعوا في معاملة تختلف عن التي لاقاها سيدهم: إنهم في أثره وعلى مثاله وبسببه، يلاقون الاضطهادات كما صرّح "ما كانَ الخادِمُ أَعظمَ مِن سَيِّده. إِذا اضطَهَدوني فسَيَضطَهِدونَكم أَيضاً" (يوحنا 15: 20)، وعلى التلاميذ أن يشربوا كأسه وأن يتعمَّدوا بمعموديته (مرقس 10: 39). والنتيجة أنَّ البار الذي يحتمل الاضطهاد، يغلب العالم إلى الأبد كما وعد به السيد المسيح " تعانونَ الشِدَّةَ في العالَم ولكن ثِقوا إِنِّي قد غَلَبتُ العالَم" (يوحنا 16: 33). ويُعلق أحد الوعاظ في القرن الثاني " قارنوا أنفسكم مع الشجرة المُثمرة. خذوا الكرمة مثلا. فإنها تُجرِّدُ أولا من أوراقها. ثم تتكوّن البراعم. ثم الحصرم. ثم العنب الناضج. وهكذا يتحمَّل شعبي التقلبات الشدائد، ثم ينال الصالحات" (Funk 1, 158).



أمَّا على صعيد حياة الكنيسة تشكّل الاضطهادات الشرط للنصر النهائي الذي يفوز به المسيح وخاصته. إنها مقدمة ليوم الدينونة (1 بطرس 4: 17-19)، وإقامة الملكوت والتمهيد لنهاية العالم كما جاء في سفر الرؤيا "هؤُلاءِ هُمُ الَّذينَ أَتَوا مِنَ الشَدَّةِ الكُبْرى، وقَد غَسَلوا حُلَلَهم وبَيَّضوها بِدَمِ الحَمَل. لِذلك هم أَمامَ عَرشِ اللهِ يَعبُدونَه نَهارًا ولَيلاً في هَيكَلِه، والجالِسُ على العَرشِ يُظَلَلّهُم " (رؤيا 7: 14-15). ويُعلق البابا فرنسيس قائلا "أن يسوع حذَّرنا مما سيواجهنا من اضطهادات ومعاناة ولكنه طمأنَّنا: "ولَن تُفقَدَ شَعْرَةٌ مِن رُؤُوسِكم"، مذكرًا إيانا بأننا بين يدي الله ولا يجب أن تبعدنا عنه التجارب".



ب) تحذير من الضعف تجاه الشهادة



لم يحذّرنا الرب يسوع من الضعف تجاه الاضطهاد ولكنه يُحذّرِنا أيضا من الضعف تجاه الشهادة. فالاضطهاد يُتيح الشهادة، وتقوم الشهادة في الإقرار بحقيقة الإنجيل الطاهر والتبشير به. كلّ الشرّ الذي سيُصيبنا هو فرصة لكي نؤدّي الشهادة للعالم بأنّ الخير أقوى من الشرّ، وأنّ الحُب والإخلاص لله سوف يهزم الكراهية.



أمَّا شهادة يسوع فهي نموذج لشهادة المسيحيين، لأنَّ يسوع هو الشاهد الأمين الأسمى (رؤيا 1: 5). لقد جاء إلى العالم شاهدًا للحق كما أعلن أمام الحاكم بيلاطس النبطي " وأَنا ما وُلِدتُ وأَتَيتُ العالَم إِلاَّ لأَشهَدَ لِلحَقّ."(يوحنا 37:18). إنه يشهد بما رأى وسمع عند الآب (يوحنا 3: 11)، ويشهد ضد العالم الشرير كما صرّح " شهَدُ علَيه بِأَنَّ أَعمالَهُ سَيَّئَة"(يوحنا 7: 7) ويشهد لنفسه كما قال لليهود "إِنِّي، وإِن شهِدتُ لِنَفْسي فشَهادتي تَصِحّ فأَنا أَعلَمُ مِن أَينَ أَتَيتُ وإلى أَينَ أَذهَب" (يوحنا 8: 13-14). وتصل قمة شهادته في اعترافه أمام بُنطِيوس بيلاطُس كما صرّح بولس الرسول إلى تلميذه طيموتاوس " أُوْصيكَ، في حَضرَةِ اللّهِ الَّذي يُحيِي كُلَّ شَيء وفي حَضرَةِ المسيحِ يسوعَ الَّذي شَهِدَ شَهادةً حَسَنَةً في عَهْدِ بُنطِيوس بيلاطُس"(1 طيموتاوس 6: 13) كاشفاً بذلك عن تدبير الله الخلاصي " المسيحُ يسوعُ الَّذي جادَ بِنَفْسِه فِدًى لِجَميعِ النَّاس. تِلكَ شَهادةٌ أُدِّيَت في الأَوقاتِ المُحَدَّدَةِ لَها" (1 طيموتاوس 2: 6).



تنبأ يسوع عن اضطهاد التلاميذ على يد كلِّ من اليهود في المجمع، والأمم في المحاكم، وبذلك تسنح الفرصة أمامهم للشهادة “فيُتاحُ لكم أَن تُؤَدُّوا الشَّهادَة" (لوقا 21: 13). فيتحوَّل الاضطهاد إلى شهادة للمُضّطهِدين أنفسهم الذين يحسبون أنهم قادرون أن يكتموا صوت الحق بالسلطان الزمني والعنف، إذا بالحق يتجلَّى أمامهم، ويزداد صوته وضوحًا في فكرهم.



يعتبر الاضطهاد مدعاة فرح للمسيحيين لأنها مناسبة لإعلان بشارة الإنجيل والشهادة ليسوع المسيح. هذا ما رأيناه حين أراد هيرودُسُ أن يكتم أنفاس القديس يوحنا المعمدان، فصار صوت يوحنا يدوي في أذنيه حتى بعد استشهاده. ونجد بولس الرسول أيضا قد أشار إلى فائدة دخوله إلى السجن لكي يُبشر الكثيرين. فكان له فرصة مخاطبة السلطات العليا في ذلك الوقت: أغريباس الثاني (أعمال الرسل (1: 26) والوالي غاليون في قورنتس (أعمال الرسل 18: 12) وفليكس وفسطس في قيصرية (أعمال الرسل 24: 1)، 25: 1) وحكام وحراس السجن (فيلبي 12: 1). وكان اليهود الهيلينيَّون يتساءلون من أين لإسطِفانُس هذه الحكمة (أعمال الرسل 6: 10).



أمَّا الرسل فهم شهودٌ للمسيح في سبيل نشر الإنجيل في العالم أجمع (أعمال الرسل 1: 8)، حيث أنَّ من واجبهم المجاهرة رسمياً أمام الناس، بكل الأعمال التي حدثت، ابتداء من معمودية يوحنا حتى صعود يسوع، ولاسيما بقيامته التي جاءت مصداقيةً على سيادته المطلقة (أعمال الرسل 1: 22). واتخذت الشهادة، لكي تصل إلى الناس، صورة واقعية، ألا وهي التبشير بالإنجيل كما جاء في تعليم يسوع " ستُعلَنُ بِشارَةُ المَلكوتِ هَذه في المَعمورِ كُلِّه شَهادَةً لَدى الوَثَنِيِّينَ أَجمَعين" (متى 24: 14).



وأمَّا شهادة بولس الرسول فقد تمّت لما أقيم، على طريق دمشق، شاهداً للمسيح أمام كل البشر تلبية لطلب يسوع المسيح "فَإِنَّكَ ستَكونُ شاهِدًا له أَمامَ جَميعِ النَّاسِ بِما رأَيتَ وسَمِعت"(أعمال الرسل 15:22). وهكذا في كل مكان من البلدان الوثنية، جاهر بولس الرسول بقيامة يسوع "شَهِدْنا على اللهِ أَنَّه قد أَقامَ المسيح"(1 قورنتس 15: 15)، وأنشأ الإيمان في الجماعات المسيحية في تسالونيقي (2 تسالونيقي 1: 10،) وفي قورنتس (1 قورنتس 1: 6).



يمكن أن تتحوَّل الشهادة إلى الاستشهاد. وما الاستشهاد سوى شهادة الإيمان المَمْهُورة بشهادة الدم. فعندما يترتب على التلاميذ أن يشهدوا أمام السلطات والمحاكم (لوقا 21: 13-14)، تأخذ الشهادة طابعاً رسمياً إلا أنها غالباً ما تعقبها الآلام والاستشهاد (رؤيا 1: 9).



احتمل المؤمنون الاضطهاد والاستشهاد، وأولهما إسطِفانُس الذي ختم شهادته بدمه المسفوك (أعمال 22: 20). ويتوقع شهود الإنجيل نفس المصير على هذه الأرض كما جاء في رؤية يوحنا " فإِذا أَتَمَّا شَهادَتَهما، حارَبَهما الوَحشُ الصَّاعِدُ مِنَ الهاوِيَة فغَلَبَهما وقَتَلَهما" (رؤيا 11: 7). فما أكثر الذين سفكوا دمهم "في سبيل كلام الله والشهادة التي شهدوها" (رؤيا 6: 9،). قد سكرت بابل، رمز القوة الشرسة المعادية للمسيحية، بدم هؤلاء الشهود (رؤيا 17: 6). ولكن لن يكون لها النصر إلا في الظاهر، أمَّا في الحقيقة هم الشهداء الذين بالاشتراك مع المسيح، سيغلبون إبليس، "بدم الحمل وبكلمة شهادتهم" (رؤيا 12: 11). ويعلق القديس قبريانس، الأسقف من القرن الثالث: "عندما يحلّ الاضطهاد، يوضع جنود الربّ تحت الاختبار، وتنفتح السماء للشهداء" فالمسيحي المؤمن هو الشاهد ذو مصداقيّة للربّ يسوع أمام الجميع. وهذه هي مهمّته ورسالته في الزمن الأرضيّ. وفي هذا الصدد يقول البابا فرنسيس" ونحن في هذا الوقت من انتظار مجيء الرب، علينا أن نعيش الانتظار كزمن للشهادة".



ج) تحذير من الضعف تجاه الثبات



يحتاج الإنسان إلى الثقة للشهادة في سبيل الإنجيل ومواجهة الاضطهاد لكي يثبت، حتى ولو تعرّض لأبشع الضغوط، خيانة أقرب الناس، بالثبات في الإيمان يجد في ذلك طريق حياة، ولا يفقد الأمل في بلوغ هدفه فيمن يضع ثقته؟ يضع الثقة في حكمة الله (أمثال 3: 5)، وبقدرة الخالق ضابط الكل، وبعنايته (تكوين 1: 1) وبرحمة الله (مزمور 13: 6).

إنّ الدعوة المسيحيّة هي دعوة إلى الثبات. ويمكننا أن نميّز بين فئتين من الناس: الفئة الأولى تشعر أنّها مَدعوّةٌ للثبات لتحيا حياةً مسيحيّة حَقّة. لكنّ هذهِ الدعوةَ تقعُ في قلوبِ أفرادِها موقع حبّةُ البذرِ على الصخرِ. حماسُهم شديد لكنّهُ سرعان ما يخمد ولا يبقى منه شيء، كنيران الهشيم. وأمّا الفئة الثانية فهي التي تستقبل الدعوة مثلما تستقبل الأرض الصالحة الزرع، فتنبت الحياة المسيحيّة في أفرادها وتنمو، مُتخطيّةً الصعابَ، مُقاومةً العواصفَ. ذلك لأنّ الثبات توافر عند أفرادِ الفئةِ الثانية، وأُهمل عند أفرادِ الفئةِ الأولى من الناس "إنّكم بثباتكم تكتسبون أنفسكم". ومن الطبيعيّ أنّه لو أردنا أن نثبتَ، لن يكفينا الاعتماد على قوانا الشخصيّة، بل نحتاج إلى معونة الله. وقد دعا القديس بولس الله "إِلهُ الثَّباتِ" (روما 15: 5). ومن هذا المنطلق، يجد تلاميذ الربّ يسوع الخلاص، حتّى وسط الاضطهادات، بفضل ثباتهم.

يتوقع أبناء الله من العالم ألواناً من السخرية والاضطهاد، بسبب ثقتهم بالله، حيث أنَّ يسوع نفسه قد اختبر ذلك كما روى متى الإنجيلي "وبعدَ ما سَخِروا (الجنود) مِنه نَزَعوا عَنه الرِّداء، وأَلبَسوه ثيابَه وساقوه لِيُصلَب" (متى 27: 43،)، وقد أسلم روحه بصرخة كلها حب وثقة قائلا" يا أَبَتِ، في يَدَيكَ أَجعَلُ رُوحي!" (لوقا 23: 46). فبفعل المحبة المملوء ثقة ً انتصر يسوع على كلِّ قوات الشر، وجذب إليه قلوب البشر أجمعين كما صرّح يوما "وأَنا إِذا رُفِعتُ مِنَ الأَرض جَذَبتُ إِلَيَّ النَّاسَ أَجمَعين" (يوحنا 12: 32).



التلميذ الذي يثق، يُصبح في الواقع شاهداً أميناً، وهو يقيم أمانته على أساس أمانة الله، واثقاً بأن النعمة الإلهية ستكمّل عمله كما جاء في تعليم بولس الرسول " الرَّبَّ أَمينٌ سيُثِّبتُكم ويَحفَظُكم مِنَ الشِّرِّير"(2 تسالونيقي 3: 3). إن هذه الثقة التي يؤكدها الرسول، تعطيه، حتى في ساعات الأزمة (غلاطية 5: 10)، يقيناً لا يضعف، ليبشّر بكلمة الله كما حدث مع بولس الرسول "يُعلِنُ مَلَكوت الله ويُعَلِّمُ بِكُلِّ جُرأَةٍ ما يَختَصُّ بِالرَّبِّ يسوعَ المَسيح، لا يَمنَعُه أَحَد" (أعمال 28: 31).

إن هذه الثقة التي لا تتزعزع، هي أحد شروط الثبات (عبرانيين 3: 14)، حيث أنَّ التلاميذ يعلمون على مَن اتكلوا (2 طيموتاوس 1: 12). ولذا فلا شيء يفصلهم عن محبة الله كما يصرّح بولس الرسول " وإِنِّي واثِقٌ بِأَنَّه لا مَوتٌ ولا حَياة، ولا مَلائِكَةٌ ولا أَصحابُ رِئاسة، ولا حاضِرٌ ولا مُستَقبَل، ولا قُوَّاتٌ، ولا عُلُوٌّ ولا عُمْق، ولا خَليقَةٌ أُخْرى، بِوُسعِها أَن تَفصِلَنا عن مَحبَّةِ اللهِ الَّتي في المَسيحِ يَسوعَ رَبِّنا" (رومة 8: 38-39)، حيث إن كل شيء-يعاونهم للخير "إِنَّنا نَعلَمُ أَنَّ جَميعَ الأشياءِ تَعمَلُ لِخَيْرِ الَّذينَ يُحِبُّونَ الله" (رومة 8: 28). ويضيف بولس الرسول أيضا " تَقوَّوا في الرَّبِّ وفي قُدرَتِه العَزيزَة وتَسلَّحوا بِسِلاحِ الله لِتَستَطيعوا مُقاوَمةَ مَكايدِ إِبليس، فلَيسَ صِراعُنا مع اللَّحمَ والدَّم، بل مع أَصحابِ الرِّئاسةِ والسُّلْطانِ ووُلاةِ هذا العالَم، عالَمِ الظُّلُمات، والأَرواحِ الخَبيثةِ في السَّمَوات" (أفسس 6: 10-12).



نستنتج مما تقدَّم أن التلميذ المُضَّطَهد برجاء يجعله الله أمينا ثابتاً وفرحا (رومة 12: 12)، لأنه عالمٌ على من اتكل (2 طيموتاوس 1: 12)؛ لذلك عليه أن يوجّه نظره نحو المسيح الذي صبر على ما لقى من مخالفة الخاطئين وان يجري نحو الهدف كما جاء في توصيات بطرس الرسول" أَمَّا الَّذينَ يَتأَلَّمونَ كما شاءَ الله، فلْيَستَودِعوا الخالِقَ الأَمينَ نُفوسَهم مُواظِبينَ على عَمَلِ الخَير" (1بطرس 4: 19)، ويجري بدون أن تثبط همته وعزيمته (عبرانيين 11:1).



لم يترك يسوع تلاميذه بلا استعداد للسنوات الصعبة المقبلة، بل حذَّرهم من المسحاء الكذبة الذين يدَّعون سلطاناَ الهياَ وحذَّرهم أيضا من الكوارث الطبيعية، والاضطهادات، لكنَّه أكد لهم انه سيظل معهم ليحميهم، وليُعلن ملكوته بوساطتهم، ووعد انه يأتي في النهاية في مجد وقوة ليُنقذهم من كل ذلك. إن الله يُنهل ولا يُهمل وما علينا إلا الالتزام والصبر والثقة، فمن اتَّكل على الله لا يَخزى كما جاء في نبوءة ملاخي " وَلَكُمْ أَيُّهَا الْمُتَّقُونَ اسْمِي، تُشْرِقُ شَمْسُ الْبِرِّ وَالشِّفَاءُ فِي أَجْنِحَتِهَا" (ملاخي 4: 2).



فهو يوجَّه لكل منهم دعوة إلى الثبات "لا تَخَفْ ما ستُعاني مِنَ الآلام. ها إِنَّ إِبْليسَ يُلْقي مِنكُم في السِّجنِ لِيَمتَحِنَكم، فتَلقَونَ الشِّدَّةَ عَشرَةَ أَيَّام. كُنْ أَمينًا حَتَّى المَوت، فسأعْطيكَ إِكْليلَ الحَياة" (رؤيا 2: 10)؛ ويُعلق البابا فرنسيس قائلا "أن يسوع يعدنا بالنصر: “إنّكم بِثَباتِكُم تكتَسِبونَ أَنفُسَكم” (لوقا 21: 19)، ويُشدّد على هذه الكلمات مفعمة بالرجاء لكي ننتظر بصبر ثمار الخلاص، وبالرغم من الأزمات والكوارث التي تضرب العالم، فطيبة الرب ورحمته ستحققان، وهذا هو رجاؤنا ".





الخلاصة



إذ بعد أن أعطى يسوع درسًا لتلاميذه من خلال مراقبته للأرملة الّتي أعطت كلّ ما لديها (لوقا 19: 1-4). يستكمل يسوع خطابه، الذي استمده من تصريح أدلّى به بعض الحاضرين عن أحجار الهيكل الـمُزينة، لينطلق من تساؤل التلاميذ (لوقا 19: 5-7)، الّذي استعان فيه لوقا الإنجيلي بالأسلوب الرؤيوي، عن محنة أخيرة حول كوارث مزعجة وغير متوقعة. يكشف الرّبّ بأنّه يتوجب أنّ تحدث عدّة أشياء قبل حلول زمن نهاية الأزمنة فانطلق يسوع متنبِّئاً عن ضيق نهاية الأزمنة وعودته في المجد. وتوجّه بكلامه إلى التلاميذ والشعب في الهيَكل. وميَّز لوقا بين الأحداث القريبة: اضطهاد التلاميذ (لوقا 12-19) ودمار اورشليم (لوقا: 20-24) وأحداث نهاية الأزمنة (لوقا 22: 10-11، 25-27)، لم يترك الربّ يسوع تلاميذه بلا استعداد للسنوات الصعبة المقبلة، بل حذَّرهم من المسحاء الكذبة والضعف تجاه الاضطهاد والشهادة كي يعرفوا كيف يتصرفوا في زمن المحنة خاصة في زمن الحاضر استعدادا للمستقبل.



وقد كان على المسيحيّة، في كل عصر، مواجهة هذا الاحتمال. وفي النهاية حثَّ السامعين على السهر والرجاء (لوقا 22: 28-36). أكّد يسوع انه سيظلّ معهم ليحميهم، وليعلن ملكوته بواسطتهم. ووعد أنّه يأتي في النهاية في مجد وقوّة لينقذهم من كلّ ذلك.



ويدعو الربّ البعض أن يكونوا شهداء من أجل إيماننا. غير أن دعوة معظمنا هي أن نكون شهداء دون سفك الدم، شهداء يشهدون لفرح وقوّة الإنجيل وسط التحدّيات اليوميّة، والتجارب والشدائد الّتي تعترضنا في طريق اتّباعنا يسوع المسيح.





الدعاء



أيها الآب السماوي، نطلب إليك باسم ابنك يسوع المسيح، أن تمحنا نعمة الثبات وسط مصاعب الحياة والاضطهاد والخيانة والشدائد، ولا يضلنا أحد خاصة من المسحاء الدجالين والأنبياء الكذبة وأن نكون مخلصين للّحظة الحاضرة وأن نظلّ أمناء للمسيح حتى آخر لحظة من حياتنا أو آخر قطرة من دمنا فنثبت على الإيمان الذي يساعدنا تحمل الاضطهادات فلا تسقط شعرة من رؤوسنا دون أن تجعل منها إكليلًا لمجدكَ وخلاصا لنا. آمين.



الأب لويس حزبون - فلسطين
رد مع اقتباس
إضافة رد


الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع
(لوقا 21: 5) وقالَ بَعضُهم في الهيَكل إِنَّه مُزَيَّنٌ
كأنهم ربطوا هدم الهيَكل بمجيء السيد الأخير ونهاية الأزمنة
لام يسوع المُوجَّه إلى الشعب فيما يخصُّ الهيَكل
فانظُر إلى العَالم مِن الداخل ، تكُن فنانا ..
امتداد الكنِيسَة إلى العَالم أجمع


الساعة الآن 08:51 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024