رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
زَاغَ الأَشْرَارُ مِنَ الرَحِمِ. ضَلُّوا مِنَ الْبَطْن،ِ مُتَكَلِّمِينَ كَذِبًا [ع3]. كأن المرتل يقول لهم: إنني لست أدهش لما تمارسونه من ظلم وشرور، فإن أعمالكم تتناغم مع طبيعتكم وأنتم بعد في البطن، فأنتم أشرار، نسل شرير من سلف شرير". إن كان هذا هو حالهم، فإننا نحن أيضًا نشاركهم في الفساد الذي يحلّ بكل البشرية. لكن نعمة الله هي التي تضمنا إليه، وتهبنا البنوة له. ليس لنا فضل في ذلك. يقول المرتل: "متكلمين بالكذب".لأنه كما يقول القديس أغسطينوس إن ينطقوا بالحق أو بالظلم، فهم ينطقون بالكذب، لأنهم يحملون الشر مخفيًا في قلوبهم. ارتكاب الخطية والانغماس في الشر تغرب عن الله وعن ناموسه. يقول الرسول بولس: "أنتم الذين كنتم قبلًا أجنبيين وأعداء في الفكر، في الأعمال الشريرة" (كو 1: 21). يرى العلامة أوريجينوس أنه لايمكن تفسير هذه العبارة حرفيًا، لأنه لا يستطيع أحد أن يتكلم بمجرد ولادته، ولا أن يزوغ نحو الشر وهو في رحم أمه. إنما يُفهم من هذا أنه كما يوجد أبكار للرب، يكرسون حياتهم لله، هكذا يوجد أبكار لإبليس، يكرسون كل طاقتهم لمقاومة الحق الإلهي. اعتمد بعض الهراطقة على هذه العبارة كما على قول الرسول بولس إن الله أفرزه قبل أن يُولد ودعاه لنعمته (غل 1: 15)، ناسبين للأشرار طبيعة الشر قبل ميلادهم، بينما للقديسين طبيعة صالحة. ويجيب عليهم العلامة أوريجينوس قائلًا: [نقول إن بولس قد اُختير ليس مصادفة، ولا لأن له طبيعة مختلفة، وإنما هو نفسه ينسب علة اختياره إلى ذلك الذي يعرف كل شيء قبل أن يحدث... إذ سبق فرأى الله بولس سيجاهد بفيضٍ أكثر من غيره في الإنجيل... ولهذا السبب كرسه يسوع وهو في رحم أمه لخدمة الإنجيل. لو أنه اختير قضاءً وقدرًا كما يقول الهراطقة، أو لأنه ورث طبيعة أفضل من غيره، لما كان يخشى من أن يُدان إن فشل في الكرازة بالإنجيل (1 كو 16: 9).] * عندما ينطقون بالظلم إنما ينطقون بالباطل، لأن الظلم مخادع. وعندما ينطقون بالعدل يتكلمون أيضًا بالباطل، لأنهم ينطقون بشيءٍ، ويخفون في قلوبهم شيئًا آخر. القديس أغسطينوس * لا يصنع الجنين قبل ولادته خيرًا ولا شرًا، وإنما يفعل ذلك بعد ولادته وبلوغه. أما قوله "من الحشا البطن"، فمعناه أن الأشرار بما أنهم مولودون من والدين أشرار غير عارفين الله، ولم يتعلموا أنه معتني بالعالم، لهذا صنعوا أعمالًا تقصيهم عن العدل، ومارسوا أعمال الظلم، وتكلموا بالكذب من بدء ولادتهم. أيضًا يعني أن الله بسابق علمه يعرف الذين سيكونون صديقين كقوله لإرميا النبي: "قبلما صورتك في البطن عرفتك، وقبلما خرجت من الرحم قدستك" (إر 1: 5). وبهذا المعنى أيضًا جاء قول الله لفرعون: لهذا الأمر نفسه أقمتك لكي أُظهر فيك قدرتي، ولكن سابق علم الله لم يكن سببًا في أن يصير إرميا قديسًا وفرعون شريرًا. وأيضًا جرن المعمودية هو بطن ورحم، لأن المعمودية تلد ولادة روحية. أما الخطاة والذين زاغوا عن حقيقة الإيمان ابتعدوا عنها بكذب اعتقاداتهم وتزييف كلامهم، وقد ضلوا، لأنهم فضلوا الكذب عن الحق. أما القديس غريغوريوس النيسي فيقول: إن الكنيسة هي بطن ورحم، لأنها تلد المسيحيين، وتأتي بهم إلى النور الإلهي والحياة الأبدية. وأما الهراطقة فقد أقصوا منها وتغربوا عنها. وأيضًا المرء في بدء نشأته إذا عمل فضيلة أو رذيلة يُقال إنه من الرحم صنع هذا. وكما جاء في سفر أيوب: "إن أكلت لقمتي وحدي، فما ناولت منها يتيمًا، بل منذ البطن كنت أهديهم وأعولهم كأب" (راجع أي 31: 17-18). أيضًا التعليم الفاسد هو البطن والرحم الذين نشأوا فيه، فالذين يقبلونه أقصوا عن الله، وتغربوا عنه منذ بطنأمهاتهم التي هي غريبة منه. الأب أنثيموس الأورشليمي * حسب الكلمة النبوية، عندما انحرف الناس عن الرحم واهب الحياة الذين فيه تشكلوا، نطقوا بالباطل عوض الحق (مز 58: 3). لهذا اتخذ الوسيط بكر طبيعتنا العامة، وجعلها مقدسة خلال نفسه وجسده، بغير امتزاج ودون أية نزعة نحو الشر، محتفظًا بها في نفسه Himself. فعل هذا لكي ما إذ يصعد بها إلى أب عدم الفساد خلال عدم فساده، تنسحب الجماعة كلها معها بسبب الطبيعة المشتركة، حتى يهب الآب المحرومين من الميراث "البنوة" (غل 4: 5؛ أف 1: 5)، كأبناء لمن فقدوا الميراث، ويجعل من أعداء الله أن يشاركوا في اللاهوت (الحياة المقدسة) . القديس غريغوريوس النيسي يرى القديس أغسطينوس في تعبير "زاغ الأشرار من الرحم"، إشارة إلى الذين بعدما وُلدوا من الكنيسة تغربوا عنها، وحملوا لها روح العداوة؛ تغربوا عن الحق! * ممن تغربوا؟ عن الحق! من أين تغربوا؟ عن المدينة المطوَّبة، عن الحياة المطوَّبة... يوجد من وُلدوا من أحشاء الكنيسة... وهو أمر صالح! أنهم تشكَّلوا هكذا ولم يُجهضوا. لتحملكم الأم، ولا تُجهضكم. إن كنتم في طول أناة تبقون حتى تتشكلوا، ويكون فيكم تعليم الحق الأكيد، فإن الأحشاء الملموسة تحتفظ بكم. ولكن إن كنتم في غير صبرٍ تترجون أمكم، فإنها ستتخلص منكم وهي في ألمٍ، لكن خسارتكم أعظم من خسارتها. لهذا فإن هؤلاء زاغوا من الرحم، لأنهم نطقوا بأمور باطلة... لقد زاغوا من الرحم، لأن الحق يقطن في أحشاء الكنيسة. القديس أغسطينوس |
|