رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
ما هو موقف الإنسان تجاه هذه المبادرة الإلهية؟ أولًا: "اختبأ آدم وامرأته من وجه الرب الإله في وسط شجر الجنة" [8.] هذا الهروب هو ثمر طبيعي للعصيان والانفصال عن دائرة الرب، إذ لا تطيق الظلمة معاينة النور، وكما يقول آدم: "سمعت صوتك في الجنة فخشيت، لأني عريان فاختبأت" [10.] يحدثنا القديس أمبروسيوسعن سر هروب الخاطئ من وجه الرب بقول: [الضمير المذنب يكون مثقلًا حتى أنه يعاقب نفسه بنفسه دون قاضٍ، يود أن يتغطى لكنه يكون أمام الله عاريًا.] كأن الخطية تفقد الإنسان سلامه الداخلي وتدخل به إلى حالة من الرعب. ويعلل القديس ديديموس الضرير اختفاء آدم بقوله أن الإنسان قد طلب المعرفة خلال خبرة الشر فاختبأ من وجه الرب بابتعاده عن معرفة الله النقية. ويري العلامة أوريجانوس أن الأشرار يختفون عن وجه الرب إذ قيل" "حَوّلوا نحوي القفا لا الوجه" (إر 2: 27)، أما الأبرار فيقفون أمامه بثقة ليهبهم الحياة المقدسة (1 يو 3: 21)، قائلين مع إليشع النبي: "حيّ هو الرب الذي أنا واقف أمامه" (2 مل 5: 16). هكذا أختفي آدم بعد السقوط ولم يقدر أن يعاين الرب لا لأن الرب مرعب ومخيف وإنما لأن الإنسان في شره فقد صورة الله الداخلية التي تجتذبه بالحب نحو خالقه محب البشر، فصار الله بالنسبة له مرعبًا وديانًا لخطاياه، فالغيب في الإنسان الذي فقد نقاوة طبيعته وخسر استنارة بصيرته الداخلية. لذلك يعلق القديس ديديموس الضرير على اختفاء آدم برعب، هكذا: [يعلل آدم عريه كسبب لخوفه، هذا العري الذي نجم عن فقدانه للفضيلة التي تستره، فالفضيلة بالحق هي ملبس إلهي. بهذا يعظ الرسول: "البسوا الرب يسوع" (رو 13: 14)، "البسوا أحشاء رآفات" (كو 3: 12)، أي زينوا أنفسكم بسلوك الرأفة حسب المسيح، أو "نلبس أسلحة النور" (رو 13: 12)، حتى نقدر أن نحارب الأعداء (الروحيين).] ثانيًا: عندما التقي الله بالإنسان خلال مبادرته بالحب بالرغم من هروب الأخير وتخوفه، فإن الأخير لم ينكر خطأه لكنه برر خطأه بإلقاء اللوم على الغير، فقال آدم: "المرأة التي جعلتها معي هي التي أعطتني من الشجرة فأكلت" [12]، وقال المرأة: "الحيّة غرّتني فأكلت" [13.] هكذا ألقي آدم باللوم على حواء بل على الله الذي أعطاه حواء، وألقت المرأة باللوم على الحيّة، ولم يعتذر أحد منهما عما ارتكبه. يعلق القديس ديديموس الضرير على إجابة آدم بقوله: [كان يليق به أولًا أن يفكر بأنه استلم زوجته من الرب لخيره، وأنه لم يتسلمها لتعطيه دروسًا بل لتتمثل هي به.] كما يعلق على إجابة حواء بقوله: [الآن تعترف أنها انخدعت... فإن هذا هو حال المخدوعين لا يدركون الشر إلاَّ بعد إتمامه، إذ تخفي الشهوة عنهم إدراكهم للحقيقة وتنزع عنهم المعرفة .] |
|