رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
قداسة البابا شنوده الثالث دروس من نهر النيل نهر النيل مصدر عطاء لنا. فهو يعطينا الماء الذي نشربه، والماء الذي يروى الأرض والنبات والشجر. ولكنه فوق ذلك كله -بشيء من التأمل في تاريخه ومساره- يعطينا نهر النيل الكثير من الدروس الروحية. فما هي تلك الدروس؟ نحن نعلم أن هذا النهر أصله قطرات من الماء، نزلت مطرًا، وتجمعت فصارت نهرًا، على مدى سنوات طويلة جد. فقطرات الماء، بالتوالي والمدى الزمني، استطاعت أن تكوّن نهرًا. فهذا النهر العظيم أصله شيء بسيط: قطرات من الماء.. ومن هنا نأخذ الدرس الأول: فلا نستهين بالشيء البسيط. إنه بالزمن قد يتحول إلى شيء ضخم. وهذا ما نراه في الحياة: إن أكبر مشروع، أو أكبر اختراع بدأ بفكرة. وكما يقول المثل "إن أطول مشوار أوله خطوة"... ومن الناحية السلبية: إن أبشع جريمة يمكن أن تبدأ بمجرد انفعال! ومستعظم النار تكون من مستصغر الشرر! فلنحترس إذن من الصغار التي تقود إلى الكبائر... الملاحظة الثانية: إن قطرات الماء اللينة الناعمة، لما سقطت بمتابعة واستمرار، استطاعت أن تحفر في الجبل والأرض طريقًا! وبمرور الأيام والأعوام عمقّت هذا المجرى وأطالته واستقرت فيه. وهنا نأخذ درسًا من المثابرة وعدم النكوص أمام العقبات ما دامت نقطة الماء تستطيع أن تشق لها طريقًا وتحفر لها مجرى... ولكنها ليست نقطة ماء وحدها، بل تجمع من هذه النقاط، أعطاها طاقة وقوة. وهذا هو الدرس الثالث الذي نأخذه: إن قطرة الماء وحدها قد لا تستطيع أن تفعل شيئًا. ولكن تجمع هذه القطرات يجعلها طاقة جبارة... ملاحظة أخرى: وهى أن هذا الماء في منبعه من جبال الحبشة، يحمل معه طينًا. ويبدو لأول وهلة معكرًا، بينما كله فائدة. هذا الطين الذي يعكره هو الغرين الذي كان سبب خصوبة أرض مصر، وهو الذي كسا رملها بالطين، وجعلها أرضًا زراعية منتجه. فلا تنظر إلى الماء وقتذاك وتنتقد عدم صفائه، بل العكس -في عمق- تمتدح دسمه. وعلى الرغم مما كان يحمله من الطين، فإن له عذوبة في مذاقه، بعد بعض عمليات من التصفية. وما أعذب ماء النيل. وهذا الأمر يعطينا درسًا آخر في عدم الحكم حسب الظاهر. إنما نحكم في عمق وبعد تحقق. نلاحظ أنه في بادئ الأمر، قبل أن يعمق النيل مجراه، كانت المياه تنسكب على الجانبين مكونة مستنقعات، ما لبثت أن زالت بمرور الزمن... كلما تعمق المجرى شيئًا فشيئًا.. هذا الأمر يعطينا فكرة عن التدرج. ويعطينا درسًا في أننا لا نحكم على أمر إلا بعد أن يستقر ويكمل. فنقطة البدء أحيانا لا تسّر... ولكن يجب أن نعطى الأمور راحتها، في المدى الزمني الذي تستكمل فيه وضعها ورونقها... ونصبر على كل مبتدئ، حتى يصل إلى غايته. إننا نأخذ درسًا آخر من الجنادل الستة التي في مجرى النيل، التي سُميت خطأ بالشلالات... هذه تمثل الصلابة والصمود. آلاف السنين تمر عليها، والمياه والأمواج تصدمها، وهى ثابتة في مكانها لا تتزعزع. إنها أقوى من الماء. وقد احترم النيل وجودها واستبقاها وسط مياهه، أو أن قوة مياهه لم تقدر عليها. فبقيت شاهدًا على أن لكل قوة حدودًا!! درس آخر نأخذه من نهر النيل، وهو : إنه لم يكتف بأن عمّق مجراه، إنما أيضًا صار له شاطئان: هذان الشاطئان ليسا حاجزين يحدان حريته في الجريان، إنما هما يحفظانه في مجرى سليم، بحيث لا ينسكب ماؤه هنا وهناك. إنهما درس لنا أن يمارس الإنسان حريته وسط حاجزين لا يتجاوزهما: الأول هو وصايا الله، والثاني هو النظام العام وقوانين الدولة. وبين هاذين يسير في مجراه كما يشاء. ويقول إن هذين الأمرين لا يحدان حريته، إنما يحفظانه من الضياع... درس آخر نأخذه من (وفاء النيل) الذي كان عيدًا تقيمه مصر للنيل كل عام ذاكرةً وفاءه. فهو في كل عام كان يرتفع منسوب مائه إلى الحد الذي يطمئن به الشعب إلى أنه سيكون كافيًا لهم في الشرب وفي الزراعة... فيقيمون احتفالًا لذلك يفرحون فيه ويبتهجون... وفى الحقيقة إن هذا الوفاء يرجع إلى الله تبارك اسمه، الذي لم يحرمنا من أمطاره التي سببّت امتلاء النيل بالماء. وإن كنا في عيد وفاء النيل، إنما نذكر ضمنا نعمة الله علينا بالماء، فهذا درس آخر ينبغي أن نذكره على الدوام، فنشكر الله الذي ينعم علينا بالماء ملاحظة أخيرة، وهى أن النيل من منبعه إلى مصبه، قد قطع رحلة طويلة حتى وصل إلينا. وكان في أثنائها يوزع من خيره على كل بلد يصادفه: فأعطى أثيوبيا، والنوبة، والسودان، ومصر، وكل الصحراوات المحيطة. إنه درس في كرم العطاء، وفي منح الخير لكل من يصادفه ونحن نشكره على كل ذلك. وهذه البلاد التي منحها من مائه تنطوي كلها تحت عنوان (أبناء النيل). |
|