رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
في حجال العُرْسِ [1- 3] ولما فرغوا من العشاء أدخلوا طوبيا عليها [1]. وإذ دخل، تذكَّر كلمات رافائيل، ووضع بخورًا مسحوقًا على قلب السمكة وكبدها وأشعل نارًا (فصار دخانًا) [2]. اشتم الشيطان الرائحة، فهرب إلى الأماكن العليا بمصر، وقيَّده الملاك [3]. لم يذكر هنا أن طوبيا وسارة وقفا للصلاة قبل حرق قلب السمكة وكبدها، إذ سبق أن قيل إنه طلب منها أن تقوم ليصليا معًا (طو 8: 4). واكتفى هنا بقوله: "ووضع بخورًا مسحوقًا". يشير البخور إلى الصلاة، إذ يقول المرتل: "لتستقم صلاتي كالبخور قدامك" (مز 141: 2). كما قيل عن أحد الملائكة في السماء: "وقف ومعه مبخرة من ذهب وأعطى بخورًا كثيرًا لكي يُقَدِّمه مع صلوات القديسين جميعهم" (رؤ 8: 4). أما عن حرق قلب السمكة وكبدها، فقد سبق لنا الحديث عن السمكة أنها رمز للسيد المسيح الذي بذل نفسه حتى الموت موت الصليب من أجل خلاصنا. لقد اشتمّ الشيطان رائحة صلوات العروسين التي صاحبت رائحة البخور المسحوق على قلب السمكة وكبدها فهرب. أما في العهد الجديد، فيليق بنا أن ترتفع صلواتنا مع رائحة المسيح الذكية. وكما يقول الرسول بولس: "لنا رائحة المسيح الذكية في الذين يخلصون وفي الذين يهلكون" (2 كو 2: 15). يليق بالعروسين كما بكل مؤمنٍ حقيقي أن يختفيا في الصليب ويشعرا دومًا بنصرتهما في المسيح يسوع وتحت قيادته على كل قوات الظلمة: على شهوات الجسد الشريرة والخطية وإغراءات العالم الشرير وإبليس وكل قواته. وكما يقول القديس أغسطينوس [لقد غلب العالم كله كما نرى أيها الأحباء... لقد قهر لا بقوة عسكرية بل بجهالة الصليب... لقد رُفِع جسده على الصليب فخضعت له الأرواح.] * ضَعْ مذبح بخور في أعماق قلبك. كُنْ رائحة المسيح الذكية . العلامة أوريجينوس * تصدر رائحة معرفة الله عن المسيح وبه. يقول بولس: "رائحة"، لأن بعض الأشياء تُعرَف برائحتها حتى إن كانت غير منظورة. الله غير المنظور يود أن يُدرِك بالمسيح. الكرازة بالمسيح تبلغ آذاننا كما تبلغ الرائحة أُنوفنا، فتجلب الله وابنه الوحيد إلى أعماق خليقته. من ينطق بالحق عن المسيح يصير مُجَرَّد رائحة صادرة عن الله، يتأهَّل للمديح ممن يؤمنون به. أما الذي يُقَدِّم تأكيدات خاطئة عن المسيح فله رائحة سيئة لدى المؤمنين وغير المؤمنين على السواء. أمبروسياستر القديس أمبروسيوس * لا يوضع البخور إلا بعد أن تكون المجمرة مُتَّقِدة مقدمًا، أو يكون الجمر مشتعلاً. هكذا في حالة أذهانكم، لتتقد أولاً بالغيرة، وبعد ذلك قَدِّموا صلواتكم . القديس يوحنا الذهبي الفم * الروح القدس هو الذي يملأ حياتنا برائحة القداسة، والبخور هو الفضائل المختلفة التي يشتمّها العريس كرائحة طيب أفضل من الأطياب الأخرى. القديس غريغوريوس أسقف نيصص التزم العروسان بالوصية الإلهية: "وأما أنت فمتى صليت فادخل إلى مخدعك واغلق بابك، وصلِّ إلى أبيك الذي في الخفاء" (مت 6: 6). وكأن العروسين في أول لقاء في مخدعهما شعرا أنهما دخلا معًا ليكونا في حضرة الله. بهذا يتحوَّل مخدع العروسين إلى مخدع الصلاة الخفي. يعترض البعض على استعمال قلب السمكة وكبدها ومرارتها لهزيمة الشيطان وشفاء طوبيت من العمى. * يقولون هل تشفي المرارة العين العمياء، يُرد على ذلك ما ورد في (إش 21: 38) إذ وُضع قرص تين على الدبل، فبرأ حزقيا الملك. ووضع السيد المسيح طينًا على عيني الأعمى فانفتحت عيناه. فهل التين يشفي؟ أو الطين يفتح العيون؟! وهكذا أيضا في معجزات أليشع النبي. * السبب ببساطة أن الإنسان يتكوَّن من جسدٍ وروحٍ. وأعمال الروح غير مرئية للجسد، فيسمح الله بأشياء مادية للدلالة على الأشياء روحية. مثلاً المعمودية بها ننال غفران للخطايا ونحصل بها على البنوة لله، وهي دفن مع المسيح وقيامة معه، ونحن لا نرى شيئًا من هذا كله، لذلك ندفن المعمد في ماء، ثم نخرجه من الماء للدلالة على الدفن والقيامة. والمعمودية غسل من الخطايا، لذلك نستعمل الماء للدلالة على الغسل. هكذا يستخدم الله معنا أشياء مادية، لأن لنا جسد مادي. نحن لسنا أرواح فقط فلابُد أن نشعر بشيءٍ مادي. الصورة الحسية تُغَذِّي حواس الجسد. وهكذا استعمل السيد المسيح مع تلاميذه الزيت لشفاء الأمراض (مر 13: 6؛ يع 14: 5). وبنفس المفهوم ألقى موسى قطعة شجر في الماء المُر فصار عذبًا (خر 25: 15) وإليشع وضع عود خشب في الماء فطفى الحديد (2 مل 6: 6). وأُلقي دقيق في قدر مسموم فلم يؤذِ الطعام أحدًا (2 مل 41: 4). وهناك سؤال: ألم يكن الله قادرًا أن يملأ شاول الملك أو داود من الروح بكلمة من صموئيل النبي وبدون سكب الدهن؟ حرق الكبد والقلب هو تعبير عما فعله طوبيا وزوجته من ضبط مشاعرهما وغرائزهما لربط الشيطان وبهذا غلبوه. * قال الملاك لطوبيا: "إذا أحرقت كبد الحوت ينهزم الشيطان"، فهل هذا عمل سحري؟ قطعًا لا. إنما هو شكل مادي لعمل روحي. فالكبد والقلب يُعَبِّران عن المشاعر. كان اليهود يطلقون على المشاعر "أحشاء" (في 1: 2؛ 2 كو 15: 17) وحتى الآن فإن لفظ القلب يطلق على المشاعر، فنقول: "فلان له قلب رحيم أو فلان بلا قلب". لذلك نفهم أن حرق الكبد والقلب يشير إلى المشاعر الملتهبة بين طوبيا وعروسه في الليلة الأولى للزواج ولكنهم تغلَّبوا على هذه المشاعر، فكانا كمن أحرقاها. فإنه صعب جدًا أن يعيش شاب وشابة دون أن يلمسا بعضهما. وهكذا قيل عن القديس يوحنا كاما وزوجته اللذين زوَّجهما أبواهما دون رضائهما، وأرادا أن يعيشا في حياة البتولية، وعاشا فترة كإخوة حتى ترهَّب كلاهما. "إن هذا يفوق الطبيعة البشرية، أن ينام شابان بجانب بعضهما ولا تثور فيهما الطبيعة إلى الشهوة. ومن هو الذي يدنو من النار ولا يحترق." أما المرارة بطعمها المُرّ فتشير إلى الصليب الذي حمله طوبيت في مرضه. وفي رائحة المُرّ الجميلة إشارة لاحتمال طوبيت بشكرٍ. والله يسمح بالصليب لتنقيتنا. وهذا ما حدث لطوبيا. ولقد فهم طوبيا أن الآلام التي أصابته كانت لتأديبه وتنقيته (طو 11: 17). تَقدَّم طوبيا للزواج بها كمشورة الملاك، ووضع كبد السمكة وقلبها على جمر مبخرة في الحجرة فصعد منها دخان، فخرج الشيطان بالصلاة لله والبخور بلا رجعةٍ. * ليس لدى الشيطان الحرية أن يفعل أي شيءٍ ضد خدام الله الحيّ ما لم يسمح الربّ له، وإلاَّ يُطرد الشيطان نفسه بإيمان المختارين، ويظهرون أنهم منتصرون في التجربة، كما يظهر للعالم أن المُرتدِّين إلى الشيطان هم بالحقيقة خدامه. عندكم حالة أيوب الذي ما كان يمكن للشيطان أن يفعل معه شيئًا ما لم ينل سلطانًا من الله، ما كان يدخل به في تجربة، ولا يلمس ممتلكاته. ولم يكن للجيئون من الشياطين سلطان على قطيع الخنازير ما لم يطلبون هذا من الله (مت 8: 31-32)، فكم بالأكثر بالنسبة لسلطانهم على قطيع الله. العلامة ترتليان |
|