رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
سَبِيلٌ لَمْ يَعْرِفْهُ كَاسِرٌ، وَلَمْ تُبْصِرْهُ عَيْنُ بَاشِقٍ، وَلَمْ تَدُسْهُ أَجْرَاءُ السَّبْعِ، وَلَمْ يَعْدُهُ الزَّائِرُ ( أيوب 28: 7 ، 8) هذه العبارات نطَق بها أيوب يوم بلواه المُحرِقة، فها نحن نسمعه يَسُبُ سوادَ يومِهِ، ويُنَدِّدُ بموقف أصحابِهِ، يُعلِنُ بوارَ رجائِهِ، يستمسِكُ بكمالِ بِرِّهِ، ثم يعلِنُ أن الحكمةَ ليست بموفورةٍ لدى أترابِهِ. وكثيرًا ما بَحَثَ المسكين عن حكمةٍ وتقنين، في حديثِ أصحابِهِ وخِبراتِ الأقدمين. فهل مِن شارحٍ مُعلِّلٍ لِمَ البلوى ولِمَ الأنين؟ أ ليس مِن مُسافرٍ، امتلأت جعبةُ مراحِمِهِ زيتًا وخمرًا، فيصُبُّها على جراحِ المُبتَلين؟ ولكن وا أسفاه لقد خاطَبَ أصحابه: «ولكن ارجعوا كُلكم وتعالوا، فلا أجدُ فيكم حكيمًا» ( أي 17: 10 ). وها أيوب يفرِدُ إصحاحًا بأكملِهِ، المُقتبسة منه الآيات المذكورة أعلاه، يشرحُ فيه أن الإنسانَ بحث ونقَّبَ، حفَرَ دؤوبًا وبلا كَللٍ عن كُلِ ثمينٍ في الحياة من وجهة نظرِهِ فوَصَلَ إليه، ولكنه أخفَق في العثور على الحكمةِ التي من الله. يستخدم البعض الآيات المذكورة أعلاه تطبيقًا على درب الألم الذي سارَه المسيح وتُرَدَدُ على أنها تنطبق على طريقِ العدل الذي تمشَّى فيه ( أم 8: 20 ). وحقيقةً، هذه الآيات ترسِمُ لنا سبيلاً وعِرًا، مُرعِبًا، غيرَ معتادٍ، لم تعرفْهُ الكواسرُ (الطيور الجارحة)، ولم تبصرْه عينُ باشقٍ (النسور)، لم تَدسْه أجراءُ السباعِ (أشبال الأسد)، ولم يَعْدُهُ الزائر (الأسد الذي يزأر)، ولكنها لا تنطبقُ على طريقِ العدلِ ولا تشرحها على وجه الإطلاق، وذلك لأنها تشرح في قرينتها، أن ما عجَزَ عن دخولِهِ الكواسرُ والسباعُ، وصل إليه الإنسان لاستخراجِ كُلَ ما هو ثمينٌ. فلقد حَفَرَ الإنسانُ في الصخورِ سَرَبًا (سراديب)، ورأت عينُهُ كُلَّ ما هو ثمينٌ، وأبرز الخفياتِ (باطن الأرض) إلى النورِ. إذًا هذا السبيلُ اقتحمَهُ الإنسان بل واعتاد السير فيه، ولكن ظلَّ المبتَلى يتساءَل، مُعلِنًا إفلاسَ أرضِ الأحياءِ بل الغمر والبحر، عن الإدلاءِ بطريقِ الحكمةِ فتساءَل أيوب: «أما الحكمةُ فمِن أين توجدُ، وأينَ هو مكانُ الفهم؟» ( أى 28: 20 ،12) |
|