رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
"الإنسان إذ كان في كرامة ولم يفهمها. قيس بالبهائم التي لا معرفة لها، وشُبّه بها" [12]. من يظن أنه يستقر في هذا العالم ويبقى متلذذًا بمباهجه غبي وبلا فهم، ويُسحب كالحيوانات. لهذا يُشبّه الأنبياء الأشرار الملتصقون بالزمنيات بالذئاب أو الأسود أو الكلاب والثيران والحيات الخ، وذلك من جهة عدم تعقلهم. أما الأبرار والملتصقون بالسمويات فيُشبهون ببعض الطيور والحيوانات لا من جهة عدم فهمهم وإنما من جوانب أخرى، فتُشبه الكنيسة بالحمامة في طهارتها، والحمل في وداعته، بل وشُبه السيد المسيح بالحمل بكونه الذبيحة والفدية عن البشرية، والأسد الخارج من سبط يهوذا المدافع عن شعبه ضد إبليس وجنوده. على أي الأحوال: "الإنسان إذ كان في كرامة ولم يفهمها". ماذا يعني: "إذ كان في كرامة". أي بخلقته على صورة الله ومثاله فضَّله على الحيوانات أم يخلق الله الإنسان ليس كما خلق الحيوان، إنما خلق الإنسان لكي يسود على الحيوانات... والذي خُلق على صورة الله صار يُقارن بالحيوانات التي بلا إحساسات وصار مثلها، بينما قيل: "لا تكن كفرس أو بغل بلا فهم". القديس أغسطينوس - إن فعلنا غير هذا، غير مدركين إننا على صورة الله، وانشغلنا بأجسادنا أكثر مما بنفوسنا، أخشى أن يوبخنا الروح القدس بقوله بالنبي: "والإنسان في كل سموّه لم يثبت، إنه يشبه البهائم التي تُباد". - إن كان رجل ملتصق بزوجته دون حدود... وينظر إلى زوجة آخر أو ابنته أو خادمة له أو لغيره - وهذه خطية خطيرة للغاية - فهو مغلوب من الشهوة البهيمية، ويصير كالبهائم ويفقد آدميته... إن كنتم لا تخشون أن تصيروا كالبهائم فعلى الأقل خافوا من أن تموتوا مثلها. الأب قيصريوس أسقف آرل وأيضًا إذ كان الإنسان في كرامة قد صار كالبهائم، مما يُشير إلى أنه بسبب خطئه الشخصي تشبه بالبهائم، إذ تمثل بحياتهم غير العاقلة... هكذا سيُدان بعدل، فإنه إذ خُلق إنسانًا عاقلًا، فقد تعلقه الحقيقي الذي من الله، ليعيش بطريقة غير عاقلة، معارضًا برّ الله، مستسلمًا لكل روح أرضي، وخاضع لكل الشهوات وكما يقول النبي: "الإنسان إذ كان في كرامة ولم يفهمها، قيس بالبهائم التي بلا إحساس وتشبه بها". القديس إيريناؤس من جهة أخرى، هل ينفض (الإنسان) نير خالقه، ويتجاهل أوامره الإلهية، ومن ثم يُخضِع النفس للجسد، مفضلًا ملذات الجسد، غير مدركٍ لكرامته، ومن ثم يتشبه بالبهائم التي بلا حس؟! وبهذا يتعرض للموت والفساد، مما يُسبب له حالة إحباط... الأب يوحنا الدمشقي تنحني رؤوسهم نحو الأرض، ويتطلعون إلى بطونهم، ويسعون فقط من أجل خير بطونهم! رأسك يا إنسان متجهة نحو السماء، وعيناك تنظران إلى أعلى! فحين تنحط بنفسك إلى أهواء الجسد، وتُستعبد لبطنك ولأعضائك السفلية، تتمثل بالحيوانات الدُّنيا غير العاقلة وتصير كواحدة منها. إنكم مدعوون إلى اهتمامات أكثر شرفًا، فاطلبوا ما هو فوق حيث المسيح جالس. ارفعوا نفوسكم إلى فوق الأرضيات... ثبتوا سيرتكم في السماء، في وطنكم الحقيقي، التي هي أورشليم السماوية، فإن رفقاءكم في الوطن هم الأبكار المكتوبون في السماء . القديس باسيليوس الكبير كرامة الطبيعة العاقلة تظهر في تمييز الخير من الشر، والذين يبددونها يشبهون بحق "الحيوانات العجماوات" التي لا عقل لها ولا تمييز. بهذه القدرة على الإدراك يمكننا أن نجد طريقنا إلى الله. إنها المعرفة الطبيعية، وهي سابقة للإيمان وأصله. هي السبيل إلى الله. مار إسحق السرياني منذ أخطأ الإنسان الأول وعصى الله قيل: "صار الإنسان كالبهائم". فقد أعتبر حقًا من الكائنات غير العاقلة، لهذا شُبّه بالبهائم، إذ يقول الحكمة:"... صار الشهواني والزاني كبهيمة عجماء"، وكما أضيف: "أنه يصهل، أيا كان الذي يمتطيه". هذا معناه أن الإنسان لا يعود ينطق بعد، لأن الذي يمتطيه ضد العقل... إنه حيوان أعجم يخضع لشهوات قد امتطته. القديس اكليمندس الإسكندري امتطى (السيد) أتانًا (مر 11: 1-8، يو 12: 13) حتى يحّول النفس (التي صارت كما يقول النبي غير عاقل وشُبهت بالحيوانات العجماوات) إلى صورة الله، ويُخضعها للاهوته . الأب دوروثيؤس من غزة خلق إله الجميع الإنسان على الأرض بعقلٍ قادرٍ على الحكمة، وله قدرات للفهم، لكن الشيطان خدعه، على الرغم من أن (الإنسان) مخلوق على صورة الله، مفضلًا ألا تكون له معرفة خالقه وجابل الجميع. وقد تسبب (الشيطان) في انحطاط سكان الأرض إلى أدنى مرتبة من اللاعقلانية والجهل. وإذا يدرك الطوباوي داود هذا يبكي بمرارة، ويقول إن الإنسان الذي في كرامة لم يفهم ومن ثم شُبه بالبهائم التي بلا فهم. القديس كيرلس الكبير هذا ما فعلته بنا الشهوات البهيمية، لذا لاق بالإنسان - وقد أدرك ما انحط إليه فعجز عن معرفة أسرار الله - أن يقبل كلمة الله فيه، يقبل عمله الإلهي في حياته كما من خلال تلميذيه اللذين حلا الأتان والجحش (مت 21: 3)، يحلانه من رباطات الخطية بالروح القدس ويقدمانه كمركبة إلهية نارية تنطبق في حرية نحو أورشليم العليا (غل 4: 26). يستمر المرتل في حزنه وأسفه على شقاء البشرية، فإنه إذ يعتمد البشر على غناهم ومالهم يسلكون هذا الطريق في حماقة وينحطون، يأتي الجيل التالي فلا يتعظ من سلفه بل يرتضي السلوك في ذات الاتجاه ويغبطونه. "هذا سبيلهم صار شكًا لهم، ومن بعد هذا بأفواههم يرتضون" [12]. |
|