"صعد الله بتهليل،
والرب بصوت البوق" [5].
يقول المرتل إن الرب قد صعد بتهليل وبصوت البوق، لماذا؟
1. بتهليل علامة العبادة بفرح شديد، إذ يقول الإنجيلي: "وأُصعد إلى السماء، فسجدوا له ورجعوا إلى أورشليم بفرح عظيم، وكانوا كل حين في الهيكل يسبحون ويباركون الله" (لو 24: 51-53). صعوده لم يدخل بهم إلى حزن وحرمان، بل إلى فرح عظيم وسجود وتسبيح وشكر لله... لأنهم رأوا في صعوده صعودًا لهم. ما صنعه الرب إنما لحسابهم وباسمهم. صعوده حوّل الكنيسة إلى سماءً متهللة متعبدة، تُشارك السمائيين تسابيحهم وفرحهم!
2. أما عن صوت البوق فلم نسمع في العهد الجديد عن سماع التلاميذ لأصوات بوق، لكننا ندرك أنهم رأوه الملك الغالب المنتصر، انطلق إلى السماء لتبّوق السماء معلنة نصرة مليكها. بصعوده تهللت الأرض لأنها اتحد مع السماء، وأعلنت أبواق السماء نصرة مليكها. ولهذا فعند مجيئه الأخير سيضرب الملائكة صوت بوق (1كو 15: 52، 1 تس 4: 16).
* التهليل هو صوت الغالبين الفرحين، والبوق هو علامة المُلك وإشهاره.
إذن قوله: "صعد الله بتهليل" معناه أنه بعد قهر الموت، وصرع الخطية، وقمع الشياطين، ونزع الضلالة، وحوّل الأشياء إلى ما هو أفضل، صعد راجعًا إلى السماء، وهو لم يكن مفارقًا للسماء ولا للعالم عند تجسده (إذ يملأ لاهوته السماء والأرض).
لم يكن صعوده بقوة غريبة عنه مثل ارتفاع إيليا النبي، وإنما كان ذلك بقدرته وحده...
ويقال أيضًا: "بوق" عن تسابيح الملائكة الذين كانوا يشيرون إلى بعضهم البعض بفتح الأبواب السماوية واستقبال ملك المجد (مز 24: 7-10). كما يُقال أيضًا عن أفواه الرسل وكرازتهم في العالم بصعود بربنا، إذ كانت كما من بوقٍ... فقد بلغت شهرة صعود ربنا أن يُنادي بها علانية من جيل إلى جيل.
لم يقل النبي "بصوت الأبواق"، بل "بصوت البوق"، ذلك لأجل اتفاق رأي الرسل والملائكة باتحاد واحد.
الأب أثيموس أسقف أورشليم
* ما هو التهليل إلا دهشة الفرح التي لا تُعبر عنها كلمات؟! فقد دُهش التلاميذ فرحين، إذ رأوا ذاك الذي حزنوا عليه لموته يدخل السماء. حقًا لم تكن الكلمات تكفي للتعبير عن الفرح، لذا بقى التهليل يعبر عما عجزت عنه الكلمات.
وُجد أيضًا صوت بوق، أي صوت الملائكة... فقد بشر الملائكة بصعود الرب... "أيها الرجال الجليليون ما بالكم واقفين تنظرون إلى السماء، إن يسوع..." (أع 1: 11)...
لقد اختفى الجسد من أمام أعينكم لكن الله لا يترك قلوبكم.
تطلعوا إليه صاعدًا، آمنوا به غالبًا، ترجّوا مجيئه، ولكن خلال رحمته الخفية اشعروا بحضرته. فإن الذي صعد إلى السماء وانحجب عن أعينكم، وعدكم، قائلًا: "ها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء العالم" (مت 28: 20).
بعد يُخاطبنا الرسول، قائلًا: "الرب قريب، لا تهتموا بشيء".
يجلس المسيح فوق السموات، والسموات بعيدة جدًا، أما الجالس هناك فهو قريب...
القديس أغسطينوس
إن كان السيد المسيح قد صعد إلى السموات ليجعلها قريبة جدًا منا، فإنه ليس من عمل تقوم به الكنيسة مثل التسبيح المستمر بكونه العرش الذي يتربع عليه عريسها الملك، لهذا ففي عدد واحد يُكرر المرتل كلمة "رتلوا" أربع مرات