رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الملكة العروس: بدأت تسبحة العُرس بالكشف عن شخصية العريس وإمكانياته وأعماله وسمات مملكته وفاعليته، الآن تقدم لنا العروس الملكة، ومركزها في عيني عريسها، وسمائها، ودورها الإيجابي. "قامت الملكة عن يمينك" [9]. لم يقل "قانت العروس" بل "قامت الملكة عن يمينك" وذلك لتأكيد الحقائق التالية: 1. أنها وإن كانت في حالة عُرس دائم، وفرح بلا إقطاع، لكن يلزمها أن تدرك دورها الإيجابي بكونها "ملكة". دخولها إلى العُرس، هو دخول إلى حالة فرح، لا لتعيش مدللة تنتظر من يخدمها، بل تحمل المسئولية لتعمل لحساب الآخرين. جاء المسيح الملك لكي يخدم ويبذل نفسه عن كثيرين، وهكذا يليق بالكنيسة - كهنة وشعبًا - أن يشاركوا العريس هذه السمة: سمة الخدمة الباذلة والحب العملي بلا توقف! 2. جلوسها عن يمين الملك هو شرف عظيم، من يستحقه؟! لكنه "اليمين" يعني القوة، فجلوسها عن يمينه إنما يعني أنها تحمل قوته، فلا تنسب أي نجاح إلى ذاتها بل إلى عريسها العامل في حياتها... كل ما في حياتها هو ديْن لذاك الذي أقامها ملكة. لهذا إذ يشرح القديس يوحنا الذهبي الفم كيف رأى داود النبي الكنيسة ملكة يقول: [طرح نفسه علينا كثوب: "لأن كلكم الذين اعتمدتم بالمسيح قد لبستم المسيح" (غل 3: 27). وحينما رأى داود ذلك الثوب من بعيد بعينيه النبويتين صرخ عاليًا، وقال: "قامت الملكة عن يمينك". فجأة صارت المتسولة والمطرودة ملكة تقف عن يمين الملك؛ ويظهر النبي المسيح والكنيسة كعريس وعروس واقفين في عُرس]. 3. إنه عرس فريد فيه ترتدي العروس عريسها كثوب تختفي فيه (غل 3: 27)، فتحمل شركة سماته: أي الحياة السماوية التي يرمز لها بالذهب. فقد قيل: "مشتملة بثوب موشى بالذهب متزينة بأنواع كثيرة" [9]. ثوب الكنيسة منسوب بالذهب، بمعنى آخر، في كل أفكارها وتصرفاتها تمارس الحياة السماوية، والفكر السماوي. أما زينتها المتنوعة فتشير إلى المواهب المتعددة لأعضائها. الكل يشترك في انسحاب قلوبهم إلى السماء لكن لكل واحد موهبته الخاصة التي لبناء الجميع. وكما يقول الرسول: "فأنواع مواهب موجودة ولكن الروح واحد" (1 كو 12: 6)، "هكذا أنتم أيضًا إذ أنكم غيورون للمواهب الروحية اطلبوا لأجل بنيان الكنيسة أن تزدادوا" (1 كو 14: 12). 4. يطلب العريس السماوي من عروسه أن تحتل مكانتها في العائلة الملوكية السماوية بكونها عروس وملكة. فهو يحبها، مقدمًا آخر قطرة من دمه لاقتنائها، إذ ليس من شيء في نظره أثمن منها. لهذا يطالبها مشاركته في ذات الحب، فتعتبر كل شيء آخر غيره بلا قيمة مهما كان عزيزًا عليها. يطلب منها أن تخرج بقلبها من العالم وشره وخداعاته، كما يُطالبها أن تهجر أقرب الناس إليها لتلتصق به، كما أخلى ذاته لكي يلتصق بها. لقد قدس ذاته لأجلها (يو 17: 19)، طالبًا تقديس كل حياتها أو تكريس كل قلبه لخدمته، حاسبًا هذا هو جمالها الروحي الذي يشتهيه فيها، إذ يقول: "أسمعي يا ابنتي وانظري وميلي بسمعك. وانسي شعبك وبيت أبيكِ. فإن الملك اشتهي حسنك، لأنه هو ربك" [10-11]. يرى القديس يوحنا الذهبي الفمأن الكنيسة قد صارت عروسًا للمسيح بعد أن كانت أختًا له، إذ جددها بالمعمودية قبل أن تصير عروسًا له. ولئلا تُفهم هذه الألقاب مثل "أخته" و "عروسه" بطريقة مادية أو بقرابة جسدانية أو دموية، نراه يدعوها هنا "ابنته". كيف تكون الأخت والعروس ابنة للعريس؟ إنه يود أن يكشف عن مدى شوقه للالتصاق بنا فيقدم لنا هذه الألقاب، فنقبله كل شيء بالنسبة لنا. ففي هذا المزمور يقدم نفسه هكذا: * الإله [6] الأبدي الذي يملك على القلب ويحملنا إلى عرشه السماوي. * المسيح [7] المسموح بدهن الابتهاج، مكرسًا كل إمكانياته ليهبنا فرحه الأبدي. * الملك [6] الذي يقيمنا ملكة تنعم بشركة مجده الملوكي. * عريسًا [11] نتحد به كعروس، فنحمل بهاء فينا. * سيدًا [11] نتعبد له بفرح. * أبًا روحيًا [10] ونحن ككل، ابنته المدللة في عينيه. ويلاحظ في دعوته إليها بأن تنسى شعبها وبيت أبيها لتلتصق به، الآتي: أ. يطالبها بتقديس حواسها، خاصة السمع والنظر؛ فإن كان هو سامع الصلوات والمتطلع إلى البائسين، يليق بنا نحن أن نسمع إليه بالطاعة، وأن نتطلع إليه بالحب. أول وصية هي "اسمع"... لأن الطاعة أفضل من ذبائح الجهال. والطاعة القلبية هي انعكاس للحب الداخلي الذي يسحب قلوبنا - العين الداخلية - التأمل في الله محبوبنا! ب. يُطالبها بالتشبه بإبراهيم أب الآباء الذي بالإيمان أمال أذنه إلى دعوة الله، فترك أرضه وعشيرته وبيت أبيه، منطلقًا من أور الكلدانيين إلى حيث دعاه الله لينال المواعيد الإلهية المتلاحقة. كان يجب عليه أن يخرج من بين الوثنيين، وينسى كل خبراتهم لينعم بخبرات روحية جديدة بالتصاقه بالله ودخوله في عهد معه. * في هذا المزمور يتحدث الله عن النفس البشرية أنها إذ تقتدي بإبراهيم يلزمها أن تخرج من أرضها ومن عشيرتها، وأن تترك الكلدانيين أي الشياطين (العبادة الوثنية) وتسكن أرض الأحياء التي يقول النبي عنها في موضع آخر: "وأنا أومن أني أُعاين خيرات الرب في أرض الأحياء" (مز 27: 13). لكن لا يكفي الخروج من أرضكم ما لم تنسوا شعبكم وبيت أبيكم، أي إن لم تحتقروا (شهوات) الجسد، وتلتصقوا بالعريس في عناق وطيد وثيق . القديس جيروم * قال القديس باسيليوس: [إن أب الخطاة هو الشيطان، إذ قيل إن من يصنع الخطية هو مولود من إبليس (8: 41، 44). إن قوله أن يخرجوا من بيت أبيهم يعني أن يكفوا عن فعل الخطية وأن يولدوا لله بالمعمودية ليصيروا أولاده. أنثيموس أسقف أورشليم إذ يدعوها أن تنسى بيت أبيها... يشتهي حسنها، لأنها إذ تتخلى عن إبليس وأعماله تقبل عمل الله فيها كسرّ جمالها. * لا يُعطى النسيان جمالًا... فما نوع النسيان هذا الذي يسكب جمالًا على النفس؟ إنه نسيان الخطية! لكن، متى يأتينا نسيان الشر؟ عندما نتذكر الأمور الصالحة، عندما نتذكر الله! إن كنا نتذكر الله على الدوام لا يمكننا أن نتذكر تلك الأمور أيضًا! * إن كان فينا أي شيء عتيق، فلنطرحه عنا؛ إن كان فينا أي غضن أي دنس أو عيب، فلنغسله فنصير أطهارًا (أف 5: 27)... يمكن حتى لمن تشوّه تمامًا أن يستعيد هذا الجمال الذي يقول عنه داود: "يشتهي الملك حسنك". القديس يوحنا الذهبي الفم * إننا مدعوون من الله الآب خلال مبادرة مباركة مغبوطة أن نهجر أبانا الشيطان. حقًا إننا نترك أبانا الشيطان شريطة الاستعانة بالله، والجهاد الدائم أن نتحاشى شره المخادع ونهرب منه. الأب قيصريوس أسقف آرل * يعني إن تركتِ أعمال شعبكِ الشنيعة، وخرجت من بيت أبيك، يتجلى بهاؤك الأول، وتصيرين شهية المنظر. وأما بهاء النفس وجمالها فهو حسن العبادة والعفة والاتضاع وسائر الفضائل التي تُرضي الله. أنثيموس أسقف أورشليم * بالنسبة للشخص الذي يقول: "اسمعي يا ابنتي"، يكون لها بمثابة أب. إنه يشهد أن الذي يحثها على نسيان بيتها وشعبها هو أب لابنته، ويتم ذلك بموت الإنسان مع المسيح عن اهتمامات هذا العالم. يقول الرسول: "ونخن غير ناظرين إلى الأشياء التي تُرى بل إلى التي لا تُرى، لأن التي تُرى وقتية وأما التي لا تُرى فأبدية" (2 كو 4: 18). وإذ ننطق قلبيًا من هذا البيت المنظور الزمني نوجّه أعيننا وقلوبنا إلى ذاك الذي نبقى فيه إلى الأبد، ونحقق ذلك إذا ما كنا ونحن نتحدث في الجسد لا نعود بعد في حرب مع الرب حسب الجسد، معلنين بالقول والفعل حقيقة قول الرسول الطوباوي: "سيرتنا نحن هي في السموات" (في 3: 20). الأب بفنوتيوس * ترك الرسل والديهم (مت 9: 9؛ مر 11: 15-19)، تركوا الأقارب، تركوا كل ممتلكاتهم في لحظة. تركوا العالم وقنيته اللامحصورة... الله لا ينظر إلى حجم الممتلكات، بل إلى تدبير النفس التي نبذتها. القديس جيروم * إذ يعتبر البعض (في هذا القول) استعارةً، يقولون إنه حينما جاء المسيح من اليهودية خرجت الكنيسة لاستقباله، خرجت من ديارها (أي من الوثنية)، إذ كُتب: "أنسي شعبك وبيت أبيكِ". لأن المسيح أيضًا خرج من تخومه (مت 15: 21-22)، لهذاصار ممكنًا أن يقع كل منهما في حب الآخر, ولهذا قيل: "وإذا امرأة كنعانية خارجة من تخومها" (أنظر مت 15: 22). * حتى راعوث، لو لم تكن قد تركت زوجها قبلًا ونبذت بيتها وجنسها وبلدتها وأقرباءها ما نالت هذه القربى. هكذا الكنيسة أيضًا إذ تخلت عن العادات التي اكتسبتها من آبائها، عندئذ وليس قبل ذلك، صارت جميلة في نظر عريسها . القديس يوحنا الذهبي الفم يقول السيد المسيح: "خرجت من عند الآب وقد أتيت إلى العالم" (يو 16: 28)، وذلك بإخلائه ذاته، ونزوله إلينا دون أن ينفصل قط عن الآب لأنه واحد معه ومساوٍ له في الجوهر... هو خرج إلينا ليلتقي بنا، ونحن أيضًا نخرج إليه من "الذات" أو "الأنا" لنلتقي معه في دائرة الإخلاء كعروس مع عريسها. وكما يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [إنه إذ رأى البشرية وقد تركت الله وصارت زانية، نزل الكلمة الإلهي إليها لا في كمال بهائه بل ابنًا للإنسان، حتى لا تخاف منه ولا تهرب، بل تقبله وتتقبل الاتحاد معه والتمتع بعمله فيها فتصير بالحق عروسه الجميلة والملكة]. به نترك فسادنا ونحمل الطبيعة الجديدة الجميلة والتي لا يشيخ جمالها مع الزمن ولا ينحل. * اعلموا أنكم قد ارتبطم بالمسيح، فامتنعوا عن تلك الحماقات، إذ هو لا يُسر بمثل تلك الانحرافات، بل يطلب جمالًا آخر به يزداد حبه لنا بالأكثر جدًا، أعني ما في النفس (من جمال). هذا ما يُلزمكم النبي أن تطلبوه، إذ يقول: "فيشتهي الملك حسنك". القديس يوحنا الذهبي الفم * كيف تصير المدوسة والفقيرة ملكة؟! إلى أين ارتفعت؟ لقد صارت الملكة التي تقف عاليًا بجوار الملك! كيف؟ لأن الملك صار خادمًا، وهو ما لم يكن عليه بالطبيعة، إنما صار هكذا. أفهموا إذن ما يخص اللاهوت، واستوعبوا ما يخص الإخلاء! أفهموا من كان هو؟ وماذا أصبح لأجلكم؛ ولا تخلطوا بين الأمور المتمايزة، ولا تجعلوا من جدلكم حول تعطفاته الجزيلة مجالًا للتجديف. القديس يوحنا الذهبي الفم هكذا صار الملك خادمًا لكي يُقيم من الخادمة ملكة، وأخلى الملك ذاته لكي يسكب جماله عليها أبديًا! * المرض يفسد الجمال الجسدي، وطول الأيام يُحطمه، والشيخوخة تجعله شاحبًا، ويأتي الموت ويقتنصه بكليته. أما جمال النفس فلا تهزه الأيام ولا الأمراض ولا الشيخوخة ولا الموت ولا شيء من هذا، بل يبقى دائم الازدهار. كم من مرة أسقط الجمال المتطلعين إليه في تصرفات شريرة؟! أما جمال النفس فيجتذب الله ذاته ليحبه، وذلك تمامًا كما قال النبي مخاطبًا الكنيسة: "اسمعي يا ابنتي وانظري وميلي سمعك... فإن الملك قد اشتهى حسنك" . القديس يوحنا الذهبي الفم |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
متى أرى الكل قد صاروا الملكة العروس الجالسة عن يمينك |
متى أرى الكل قد صاروا الملكة العروس |
مزمور 45 - مجد العروس |
مزمور 45 - العروس الجامعة |
يا مريم الملكة، العروس، وأم الله |