أن الشهداء بمقدار أشتداد حبهم ليسوع، فبمقدار ذلك كانت تحلو لديهم العذابات من أجله. حتى كأنهم لم يعودوا يشعروا بها. وكان الموت يصير لديهم عذباً حلواً. وكان مجرد تصورهم مرائر آلام إلهٍ متجسدٍ على الصليب يخفف عنهم مرائر تعاذيبهم معزياً إياهم. ولكن أهل أن حب سيدتنا مريم البتول ليسوع، قد كان على هذه الصورة يعزيها ويخفف عنها مرائر الأوجاع، لا لعمري، بل أن أبنها الحبيب يسوع الذي كان هو يتألم، فهو نفسه كان علة أحزانها وآلامها، وأن الحب الشديد الذي كان قلبها به مغرماً نحوه تعالى، فهو عينه كان الجلاد الوحيد الكلي قساوة المعذب إياها. لأن كل أستشهاد هذه الأم الإلهية كان قائماً في مشاهدتها عذابات أبنها المحبوب منها بهذا المقدار، والبريء من كل خيال ذنبٍ. بل البراءة بالذات، الذي كان يتألم آلاماً فائقة الوصف. وبالتالي أنها بمقدار أزدياد حبها إياه حباً هكذا عظيماً، فبمقدار ذلك كانت شدة أوجاعها وأحزانها تتعاظم من دون أدنى تعزيةٍ