رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
التوبة والاعتراف: "يا رب لا تبكتني بغضبك، ولا برجزك تؤدبني" [1]. نفس الكلمات الواردة في افتتاحية مزمور التوبة الأول (مز 6: 1)، ومع التشابه الشديد لكن الكلمات في النص العبري ليست متماثلة تمامًا. وكما سبق فقلنا في المزمور 6 إن المرتل لا يسأل الله ألا يبكته وإنما ألا يبكته بغضبه. فهو محتاج إلى توبيخ الله بعنايته الإلهية لا بسخطه. بسبب الخطية نخشى سخط الله وغضبه، لكن بتطلّعنا إلى أبوته الحانية نرى في تأديباته حبًا ورعاية: "يا ابني لا تحتقر تأديب الرب ولا تكره توبيخه؛ لأن الذي يحبه الرب يؤدبه وكأب بابن يُسر به" (أم 3: 11). اعترفوا بهذه الأمور أمام الله. اعترفوا أمام الديان عن خطاياكم في الصلاة؛ إن لم يكن باللسان فبالذاكرة، فتتأهلوا للرحمة. القديس يوحنا الذهبي الفم وثقلت عليّ يدك" [2]. يشعر داود النبي أن آثامه قد طمت فوق رأسه، وأن سهام المعركة قد طعنت ضميره، انغرست فيه سريعًا، فأدرك أن يدّ الله القدوس تضغط عليه بالتأديب. ما هي سهام الله إلا تأديباته النابعة عن حبه لنا، تجرح لا لتهلك، بل لتفرز الحق عن الباطل، ولتلهب النفس نحو الحياة الجديدة المقدسة في الرب فتصير مجروحة حبًا (نش 2: 5؛ 5: 8). تُجرح قلوبنا بسهام الله لنختبر حياة التوبة من أعماق القلب ويتّقد حبنا لله مخلصنا. سهام الرب هي وعوده التي أعلنها في كتابه، أو هي كلمته التي تهب النفس يقظة ومعرفة صادقة للنفس ولله وقدرة على التوبة، بهذا تُجرح النفس فتتمتع بالسبت الحقيقي، أي الراحة في الرب. سهام الله أيضًا هي كلمة الله المتجسد الذي قد طُعن لأجلنا ففُتِح جنبه لندخل إلى أحشائه وندرك أسرار حبه. هو نفسه سهام الآب الذي لا يخطئ الهدف، بل ينغرس في القلب ليهبه جراحات الراحة القائمة على حب فائق لا يتوقف! إنه يد الآب الذي بتجسده وصلبه تمّكن مني؛ اقترب إليّ ودخل أعماقي، وصار رأسي، وصرت أنا فيه أتمتع بالشركة معه! وكأن المرتل يقول: فلتأدبني لكن أرسل سهامك، أي لينزل كلمة الله إلى عالمي، وليدخل إلى أعماقي، وليستلم قلبي وفكري وجسدي، وليتمكن مني تمامًا! ما الذي جعل السهام تنتشب به؟ العقوبة... ربما أيضًا آلام الذهن والجسد معًا التي يلزمنا أن نحتملها في هذه الحياة؛ هذه هي ما لقبها بالسهام. ذكر أيوب البار أيضًا هذه السهام حينما عانى من آلام عنيفة، معلنًا أن سهام الرب قد نشبت به (أي 6: 4). حقًا إننا عادة نعتبر السهام كلمات الله، ولكن يمكنه أن يشعر بثقل هذه الآلام حين تنشب به؟ كلمات الله وإن كانت السهام فهي تولد الحب لا الألم! أو هل لأنه لا يوجد حب بلا ألم (دُعيت سهامًا)؟ حينما نحب شيئًا ما لا نملكه نشعر بالحزن... هكذا تنطق عروس المسيح في شخص الكنيسة بهذه الكلمات في نشيد الأناشيد: "لأني مجروحة حبًا" (نش 2: 5؛ 5: 8)... لقد أحبت شيئًا لم تملكه بعد، لذا حزنت لأنها لم تقتنه بعد (بالكمال). إنها حزينة، فقد جُرحت؛ لكن هذا الجرح يدخل بها إلى كمال الصحة الحقيقية سريعًا. القديس أغسطينوس يعتبر أبناء الله أن يده تتمكن منهم أو تنزل عليهم بسبب خطاياهم، لأسباب عدة: أ. ليكشف لهم عن مدى مرارة الخطية. ب. ليحميهم بعنايته الإلهية حتى أثناء معاناتهم تأديباته. ج. ليمنحهم التوبة والرجوع إليه فيطلبون رب الجنود (إش 9: 3). يدّ الله كما قلنا هي سهامه، تشير من جانب إلى تأديباته الهادفة لخلاص أولاده، كما تشير إلى السيد المسيح الذي تمم الخلاص كما بيد الآب العاملة، لأنه والآب واحد. لقد أحب الآب العالم فبذل ابنه الوحيد الجنس، معلنًا بالصليب الحب الإلهي! إن كان الله يشتهي خلاص أولاده مستخدمًا كل وسيلة، فإن أولاده من جانبهم يدركون حبه، طالبين ألا يغضب عليهم بل ينزع عنهم خطاياهم التي نزعت عنهم سلامة حياتهم الداخلية، وحطمت عظامهم، أي قوتهم الداخلية. هذا ما عبّر عنه المرتل بقوله: "ليس شفاء يوجد لجسدي من وجه سخطك. ولا سلامة لعظامي من وجه خطاياي" [3]. بسبب خطاياه يحل غضب الله عليه ما لم تسنده المراحم الإلهية، فيفقد كل صحة جسده، يكون كمن أُصيب بمرض مهلك، وترتجف عظامه الداخلية، أي يهتز كل كيانه. لقد ضعف جدًا داود الجبار في قتاله وهو المعروف بشجاعته؛ هذا الذي لم يرعبه الأسد ولا الدب ولا جليات بكل أسلحته وهو صبي أعزل بلا سلاح... يقف وهو ملك في رعب شديد ترجفه خطيته؛ لقد فقد المرتل الحلو كل بهجة ونسى كل مجد ليواجه موتًا أبديًا محققًا! "لأن آثامي قد تعالت فوق رأسي، مثل حمل ثقيل قد ثقلت عليّ" [4]. يعبر المرتل عن كثرة خطاياه وثقلها التي ارتفعت فوق رأسه كحمل ثقيل أغرقته. لقد شعر بخطورتها ومرارتها إذ صارت تسحقه كحمل ثقيل يتجاوز قدرته. لقد أحنت رأسه إلى التراب عوض ارتفاعها إلى السماء، ونزلت به لتسحقه عوض تمتعه بالمجد، فصار محتاجًا إلى خلاص الله العجيب. ما من متغطرس إلا ذاك الإنسان الشرير الذي يرفع رأسه متشامخًا في الهواء، إنه متعجرف ومتكبر ذاك الذي يرفع رأسه ضد الله... ولأن الآثام رفعت رأسه عاليًا؛ كيف يعامله الله؟ "مثل حمل ثقيل قد ثقلت عليّ"... تعلو أحزانه على رأسه وتهبط آثامه على إكليله. القديس أغسطينوس إن كان بعد هذا كله تبدو لك الفضيلة كثقل، تطلّع إلى الرذيلة أنها أكثر ثقلًا. هذا ما صرح به (السيد) إذ لم يقل أولًا: "احملوا نيري عليكم" وإنما سبق ذلك القول: "تعالوا إليّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال"، موضحًا أن الخطية أيضًا لها تعبها وأنها حمل ثقيل يصعب احتماله. فإنه لم يقل فقط "يا جميع المتعبين" بل قال "والثقيلي الأحمال". هذا أيضًا تحدث عنه النبي عندما وصف طبيعتها: "مثل حمل ثقيل قد ثقلت عليّ"، وأيضًا وصفها زكريا أنها وزنة من الرصاص . القديس يوحنا الذهبي الفم الخطية ثقيلة للغاية كالرصاص، إذ قيل عن فرعون وجنوده: "غاصوا كالرصاص في مياه غامرة" (خر 15: 10)، وعندما دخلت خطية الشك في حياة القديس بطرس بدأ يغرق (مت 14: 31). |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
مزمور 119 | التوبة والاعتراف هما الطريق الآمن |
مزمور 32 - على طريق التوبة والاعتراف |
سر التوبة والاعتراف |
سر التوبة والاعتراف |
ما هو سرّ التوبة والاعتراف قوانين سرّ التوبة والاعتراف |