رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
البشارة مسيرةُ وعد بالإنتصار على الخطيئة ويُعلِّمنا حدثُ البشارة لمريم "فلمّا تمَّ الزمان، أُرسلُ الله ابنَهُ مَولوداً لإمرأةٍ، مَولوداً في حُكمْمِ الشريعة، ليفتدي الذين هم في حُكْمِ الشريعة" (غلاطية ٤: ٤-٥) أنّ الله هو سيدُ تاريخ البشر، يسهرُ عليه ويقودُه بحبِّه وحكمته، لكي يكونَ تاريخَ خلاصٍ للبشرية جمعاء. البشارة لمريم تُشكّل فيه نقطة وصول وإنطلاق. أما نقطة الوصول فهي بعد مسيرة الوعد بالإنتصار على الخطيئة والشرّ، طيلة العهدِ القديم. وهو وعدٌ قطعه الله لحواء المرأة الأولى بعد سقطتها وإغواء الحيّة "الشيطان" لها، إذ قال للحيّة: "أجعل عداوة بينكِ وبين المرأة، وبين نسلكِ ونسلها، فهو يسحق رأسكِ، وأنت ترصدين عقبه" (تكوين ٣: ١٥). فتحقَّق الوعدُ بالبشارة لمريم التي هي المرأة الجديدة البريئة من خطيئة آدم وحواء، ومن أي خطيئة شخصية. ونسلها هو يسوع المسيح فادي الإنسان والمفتدون به. والحيّة هي الشيطان "ابو الكذب"، "أنتم أولادُ أَبِيكُم إبليس، تُرِيدُون إتمامَ أبِيكُم إبليس" (يوحنا ٨: ٤٤) وكلّ الذين أغواهم وساروا في طريق الخطيئة والشرّ، وينهجون نهجه باعتماد الكذب والتضليل. أما نقطة الإنطلاق فهي العهد المسيحاني الجديد، عهد النعمة والإنتصار على الخطيئة والموت الذي بدأه يسوع المسيح، ابن مريم بالجسد وابن الله منذ الأزل، مذ تَكوَّن في أحشاءِ مريم يوم البشارة. وهكذا دخل الله، بالمسيح وعمل الروح القدس، في قلب الأسرة البشرية وتاريخها، جاعلاً من هذا التاريخ تحقيقاً لتصميمه الخلاصي، بالتعاون مع كلِّ إنسان، ولاسيما الذين أصبحوا بالمعمودية أعضاءً في جسده السرّيِّ الذي هو الكنيسة. إنّ الكنيسة، بعنصرَيها الإلهي والبشري، كما يُسمّيها القديس أغسطينوس "المسيح الكلّي"، مؤتمنة على تحقيقِ تصميمِ الخلاص بواسطة كلِّ واحدٍ من أعضائها، لخيرِ جميع الشعوبِ والأمم، مُدركةً أنّ طريقَها شاقٌ إذ "تسيرُ" على حدِّ قول القديس أوغسطينوس: "بين اضطهاداتِ العالم وتعزياتِ الله". من كلِّ ذلك أنَّ نُدرِكُ أن حدثَ البشارة لا ينتهي في الماضي، بل يستمرُّ كتحقيقٍ متواصلٍ لتصميم الله الخلاصي، عِبرَ كلِّ إنسان، ولاسيما المسيحيين أعضاءِ جسدِ المسيح. فيتغيَّر فقط الزمانُ والمكانُ والأشخاص. ويبقى على كلِّ إنسان أن يكتشفَ، بالصلاة والتأمّل وإلهامات الروح القدس، دورَه في تصميم الخلاص الذي ينتظرُه اللهُ منه. |
|