فلنتأمل بكم من الحب والخشوع والأنعطاف القلبي، مارست مريم أفعال عبادتها الأولى لله، حينما رأت ذاتها مغلوقاً عليها داخل حصن هيكل الرب المقدس، فقبل كل شيءٍ جثت على الأرض مقبلةً إياها، بحسبما هي أرض بيت الله، ثم سجدت لعظمته تعالى الغير المحدودة، وقدمت له الشكر على ما أنعم به عليها، بأنه عاجلاً قد أرتضى في أن يقبلها منذ طفولتها لتسكن في بيته، وهكذا قربت ذاتها كضحيةٍ وقربانٍ كاملٍ بجملتها، من دون أن تبقي لنفسها شيئاً ما خاصاً بها، بتقدمتها له كل قواها وجميع حواسها، وعقلها بتمامه، وقلبها بكليته، ونفسها بأجمعها، وجسدها كله، لأنها حينئذٍ، كما يقول العلماء، لكي ترضي الله بأفضل نوع قد صنعت نذر البتولية الدائمة، مكرسةً له جسدها الكلي الطهارة بحفظ العذرية مطلقاً