رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
المسيح الواحد رفض القديس كيرلس كل طرح نسطور باعتباره يقسّم وحدة المسيح الشخصية حيث نادى بوجود «ابنين» أو انسانًا هو يسوع مع اللوغو الإلهي، الأمر الذي جعل نسطور نفسه لم يستطع أن يشرح لنا كيف كانت شخصية المسيح الداخلية في حالة وجود «ابنين»…. وكان لفظ الاتحاد في المسيح واحد هو المفتاح لكل كتاباته بعد سنة ٤٢٨م، وهي الفكرة المهيمنة والسائدة داخل كتابه “المسيح واحد”. غير أن مهمته لم تكن بالمهمة السهلة. ذلك أن التقليد السابق للقديس كيرلس كان قد اقترح طرقًا أخرى كمداخل لهذا الموضوع، لكن تلك الطرق لم تكن واضحة. فإن جيل القديس كيرلس كان قد افترق إلى طريقين بين لاهوتيين متعاونين تمامًا، ثبت كلاهما أنه غير مقبول لدى الإجماع الأرثوذكسي، كان الأول التعليم الأنطاكي عن الابنين، والثاني التعليم الأبوليناريوسي القائل بالاتحاد الذاتي للمسيح، بتعليمه أن الكلمة حل محل العقل البشري أو الوعي الإنساني في المسيح، لأن الأعلى يحل محل الأدنى، وهو ما تم رفضه تمامًا، كتقدير بائس للتجسد، سرعان ما تحول إلى تدمير للبشرية وليس اتحاد بها. وقد أدرك القديس كيرلس أن مهمته هذه تقع في اتجاه مختلف عن کلا الطرفين، وأن عليه أن يعول على تكامل الألوهية والناسوتية، وعند عرضه لشركتهما المتكاملة، والنتائج المترتبة عليها، استقر على اللفظ المفتاح «وحدة أو اتحاد»، فمن اللاهوت والناسوت تم اتحاد ما، وليس تداخل ما، أو تعايش ما، أو علاقة ما، أو إحلال ما، أو ارتباط ما. ليس أي هذه الأشياء التي افترضها مقاوموه، فهو يجادل في أمر الاتحاد بكل ما تحمله الكلمة من معنى، ومع هذا، فهو اتحاد من النوع الذي لا يدمر عناصر تكوينه. لقد كان اتحادًا على غرار اتحاد النفس بالجسد في البشر، وهو اتحاد يقود إلى أحوال جديدة وإمكانات جديدة لكلا المكونين، بينما يحافظ على عناصرهما الأساسية دون أي مساس، فهو ليس مثل طريقة اتحاد الرمل والسكر (لأنه اتحاد لا يصنع شيئًا لأي من عناصره) أو مثل اتحاد النار بالخشب (وهو اتحاد يعمل فقط من خلال تحطيم أحدي عنصريه للعنصر الآخر، ومن ثم يقضي على أسس هذا الاتحاد) …. عند القديس كيرلس هناك فقط شخص واحد وكيان واحد ووحيد في المسيح، ذلك اللوغوس الإلهي. لكن المسيح لم يكن مجرد لوغوس الله، بل كان اللوغوس الذي اختار أن يدخل بكامله في حياة إنسانية. فإن المسيح كان إلهيا وإنسانيًا بغير انفصال، لا يلغي شكل منهما وجود الآخر، فلا اللاهوت ولا الناسوت في المسيح قد تناقص، بل كلاهما تناميا بالخبرة، فالناسوت على مستوى الوجود والأخلاق، واللاهوت على المستوى التدبيري. يقول القديس كيرلس: «المسيح واحد، وهو ابن ورب، ليس بمعنى أن لدينا انسانًا حقق مجرد اتصال مع الله، كإله، بواسطة اتحاد كرامة أو سلطة. لأن المساواة في الكرامة لا توحد الطبائع، فإن بطرس ويوحنا يتساويان في الكرامة الواحد مع الآخر، فكل منهما رسول وتلميذ مقدس، إلا أن الاثنين ليسا واحدا. كما أننا لا نرى أن طريقة الاتصال هي بحسب المجاورة لأن هذه لا تكفي لتحقيق الاتحاد الطبيعي، ولا بحسب مشاركة اعتبارية مثلما إننا نحن الذين نلتصق بالرب كما هو مكتوب «فنحن روح واحد معه» (۱کو 6: ١٧)، بل بالحري نحن نرفض تعبير «الاتصال»؛ لأنه لا يعبّر تعبيرا كافيًا عن الاتحاد. ونحن لا نقول عن الكلمة الذي من الله الآب إنه إله المسيح وربه، حتى لا نجزئ أيضا المسيح الواحد والابن والرب إلى اثنين، ولكيلا نسقط في جريمة التجديف بأن نجعله هو إلهه وربه. وكما قلنا سابقا، فإن كلمة الله قد اتّحد بالجسد «أقنوميا»، فهو إله الكل ورب الجميع، وهو ليس عبدًا لنفسه ولا سيدا لنفسه… فبحسب القديس كيرلس، اللاهوت في ذاته لا يمكن أن يتغير، لأنه مطلق وكامل، لكن هذا لا يعني أن اللاهوت لا يمكنه أن يعمل بشكل آخر مختلف، وإلا ما كانت هناك علاقة بين الله وخليقته، فقد عمل الله خلال الزمان أو في الزمان والمكان، ليس لأن تلك كانت طريقته في العمل، بل لأن تلك كانت طريقة خليقته، وبالتالي فقد تنازل وعمل بهذه الطريقة لأجل محبته للبشر وللعالم الذي كان الله يهيئه لإنجاز المستحيل. فالواحد الذي هو فوق الزمان قرر أن يدخل التاريخ أو يتعامل مع التاريخ. وفي رأي القديس كيرلس، إذا أنكر المرء ذلك، لأنكر كل مصداقية الإله الخالق الذي نفذ عهده مع الجنس البشري داخل التاريخ. وفي حالة التجسد، فإن نفس المضادة الظاهرية نشهدها مرة أخرى، وإن بشكل أكثر فرادة وحميمة. فالتجسد، كما رآه القديس كيرلس كان فعلًا من أفعال القدرة الكلية الله. بحسب زعم نسطور – لم يختبر الكلمة حقيقة هذه المحدودية والشك والألم وكل ما يعصف بالحياة البشرية ويفتك بها. فيقول القديس كيرلس لماذا كان يشغل نفسه بالتجسد من أصله؟ الألم والموت البشري، لقد أراد الابن أن يحرر الطبيعة البشرية من أوجاعها لذلك اجتاز -بكونه انسانًا- كل الآلام التي تجتازها هذه الطبيعة، وهذا ذكره القديس كيرلس، إذ يقول: «كما أن إبادة الموت لم تتم بطريقة أخرى غير موت المخلص، هكذا أيضًا من جهة كل ألم من آلام الجسد: فلو لم يشعر بالخوف (طبعًا خوف الإنسان الطبيعي)، لما أمكن للطبيعة البشرية أن تتحرر من الخوف، ولو لم يكن قد اختبر الحزن، لما كان هناك تحرر من الحزن على الإطلاق؛ ولو لم يكن قد اضطرب وانزعج، لما وجد أي مهرب من هذه المشاعر. ومن جهة كل انفعال من الانفعالات التي تتعرض لها الطبيعة البشرية، فإنك ستجد المقابل لها بالضبط في المسيح. فانفعالات الجسد كانت تتحرك، لا لكي تكون لها السيطرة كما يحدث في حالتنا نحن، بل لكي حينما تتحرك، فإنها يتم إخضاعها كلية بقوة الكلمة الساكن في الجسد، وهكذا فإن طبيعة الإنسان تجتاز تغيرًا نحو الأفضل. |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
التمتع بالعضوية فى جسد المسيح الواحد |
الواحد الذي تحتاجه هو المسيح |
نحن كلنا أعضاء في جسد المسيح الواحد |
لو الواحد صدق المسيح ... |
لما الواحد فينا يدوق رعاية المسيح ليه |