رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
تاريخ لغة الإشارة: عندما نتحدث عن تاريخ لغة الإشارة، لا بد من التنويه إلى أنها كانت موجودةً في اليونان القديمة، ولكن ظهور لغة الإشارة لأول مرة أمرٌ غير معلوم، ومع ذلك، تتّفق الكثير من المصادر التاريخية على أن استعمال اليدين للتواصل كان معمولاً به في السابق تماماً كما كان عليه استخدام اللغة المنطوقة، وكانت حركات اليدين هذه ناتجةً عن حاجة البشر إلى التفاعل فيما بينهم، كما يُعتقد أن الصيّادين استخدموا الإشارات للتواصل مع بعضهم البعض من مسافاتٍ بعيدة وسط السهول الممتدة. وعند الحديث عن لغة الإشارة الأمريكية (ASL) على وجه التحديد، نجد أن الأمريكيين الأصليين في السهول العظمى القديمة قد طوّروا نظاماً معقداً للتعامل بالإشارات فيما بينهم، ما جعل التجارة بين القبائل ممكنة، كما أنه من أجل التغلب على حواجز اللغة، طوّر السكان الأصليّون في أمريكا نظاماً موحداً لإيماءات اليد؛ بغرض التفاوض مع القبائل التي لا تتحدث بلغتهم؛ بما في ذلك الرحّالة الأوروبيّون. وصدر أول سجل مكتوب للغة الإشارة في اليونان القديمة، خلال القرن الخامس قبل الميلاد، حتى أن الإغريق القدماء الذين لم يستطيعوا التحدث بلغة منطوقة كانت لديهم لغة إشارة "بدائية" ليمارسوا نشاطاتهم ويواصلوا حياتهم اليومية. وكان الفيلسوف أرسطو، تلميذ أفلاطون، يعتقد أن القدرة على سماع الكلام هي الوسيلة الوحيدة التي يمكن تعليم الناس بها، وبالتالي فإنه يستحيل تعليم الصم من منظوره، وعلى الرغم من عدم وجود أي أدلة واقعية تدعم فرضية أرسطو، إلا أنها اعتُمدت على نطاقٍ واسع لمدة 2000 سنة في مختلف أنحاء العالم. وخلال هذه الحقبة الزمنية، كان يُنظر للصم كبشر أدنى درجةً من الآخرين، ولا يمكنهم حيازة الممتلكات بشكلٍ قانوني، حتى أنهم حُرموا من الجنسية والحقوق الدينية، ولم يتمكنوا من الزواج؛ لأن الناس كانوا يخشون أن يكون الصمم وراثياً ينتقل عبر الأجيال. وفي العام 685 م، عمل رئيس أساقفة يورك، جون بيفرلي، على تعليم صبي أصم الكلام، واشتُهر بذلك الإنجاز على نطاقٍ واسع، ولكن بدلاً من أن يُنظر إلى هذا العمل على أنه دليلٌ يُثبت خطأ رؤية أرسطو، اعتبر المفكرون في تلك الحقبة أن هذا العمل إلهي! حتى أنه تم تقديس بيفرلي لاحقا لقيامه بالـ "معجزة" من منظور الناس آنذاك. وبدأت مرحلة اندثار ادعاء أرسطو في القرن السادس عشر، حين بدأ الفلاسفة والمعلمون بالتشكيك بأن الأشخاص الصم لا يمكنهم أن يتعلموا، وأول مَن تحدّى افتراض أرسطو هو الطبيب وعالم الرياضيات الإيطالي، جيرولامو كاردانو، والذي رأى أن السمع ليس ضرورياً لفهم الأفكار؛ لذا بدأ بتطوير رموز حركات اليد الخاصة به. وعلى الرغم من أن رموز كاردانو لم يتم اعتمادها بشكلٍ كبير، إلا أنه استخدم أساليبه الخاصة لتعليم ولده الأصم، وفيما بعد أثّرت نظريات كاردانو على القادة والمفكرين في ذلك الحين، وفي الوقت نفسه تقريباً، في العام 1570 م تحديداً، بدأ الراهب الإسباني، بيدرو بونس دي ليون، بتعليم طلابه الصم من أبناء النبلاء الإسبان؛ لأنهم لم يكونوا مؤهلين لوراثة الممتلكات، فقد علّمهم القراءة والكتابة والتحدث؛ ليصبحوا قادرين على المطالبة بالثروات العائلية التي تخصّهم. وكان لكلٍّ من كاردانو وليون دوراً كبيراً في إلهام راهب إسباني آخر، يُدعى خوان بابلو دي بونيت، والذي اتخذ أكبر خطوة في تاريخ لغة الإشارة المبكر، فبعدما طوّر أساليبه الخاصة لتعليم الطلبة الصم، تمكّن من نشر أول كتاب عن لغة الإشارة في العام 1620 م، والذي تضمّن أول نظام منشور لهجاء الأصابع في التاريخ، وقد حاز هذا الكتاب على اهتمامٍ واسع في جميع أنحاء أوروبا لتعليم التلاميذ الصم. وإلى العاصمة الفرنسية باريس، حيث عمل الكاثوليكي، آبي شارل ميشيل دي ليبي، كمعلم للسكان الصم في فرنسا، وأصبح مجتمع الصم الفرنسيين يعتمد لغة إشارة مشتركة في باريس، أخذت تتطور على مدى قرون. واكتشف ليبي أن الصم يتعلمون بصرياً الأشياء نفسها التي يتعلمها الآخرون عن طريق السمع؛ ولأن الصم والبكم كانوا يمتلكون لغةً قوية ومعبّرة كما هي عليه اللغة الفرنسية المنطوقة، كان المفتاح لتعليمهم هو التواصل بواسطة الأيدي بدلاً من الأصوات، وتمت إضافة نظام ليبي لنظام لغة الإشارة الفرنسية القديم وإنشاء سلسلة من حركات اليد كبديل للأصوات. وفي العام 1760 م، أسّس ليبي أول مدرسة مجانية متخصصة بلغة الإشارة العامة في العالم، وذلك بتمويل من ميراثه، وكانت تُعرف هذه المدرسة باسم المعهد الوطني للصم والبكم، ومع استمرار تطوير نظام الإشارة الفرنسي وأساليب ليبي في التعليم، توافد الصم من جميع أنحاء فرنسا إلى مدرسته، حتى أن مسؤولين من دول أخرى أرسلوا مندوبين ليتعلموا أسلوب ليبي في التدريس، وأدى تأثيره إلى إنشاء 21 مدرسة في فرنسا وعدة بلدان أخرى. وفي الفترة الزمنية ذاتها، كان توماس برايدوود، يؤسس أكاديمية "برايدوود" للصم والبكم في إنجلترا، وذلك بالتزامن مع الوقت الذي افتُتحت فيه مدرسة ليبي في فرنسا، وقام هذا المعلم بتدريس طلابه باستخدام أساليب فريدة من نوعها للغة الإشارة، وبالطبع كان له دورٌ أساسي في تطوير لغة الإشارة البريطانية التي يمارسها الأفراد اليوم في المملكة المتحدة. وكان ليبي أول معلم "يدوي"، وأول مدرّس أدرك أن لغة الإشارة هي الوسيلة الوحيدة التي يجب أن يستعملها الأشخاص الصم للتواصل فيما بينهم ومع الآخرين، وليست مجرد طريقة لمساعدتهم على التحدث باللغة الشفهية، كما عُرف بلقب "أبو الصم"، وهو من أوائل الأشخاص في التاريخ الذين أكدوا أن الصم يستحقون المعاملة كبشر يعملون بكامل طاقتهم ولديهم ما يمكن أن يُفيد مجتمعاتهم، حتى لو تحدثوا بلغةٍ مختلفة. أما لغة الإشارة الأمريكية الحديثة، فهي مشتقة من النظام الذي تم إنشاؤه خلال القرن الثامن عشر الميلادي، ولكن الولايات المتحدة لها تاريخها الخاص في مجال لغة الإشارة أيضاً، فقد تمكّن الأمريكي، توماس هوبكنز جالوديت- وهو شخصية بارزة في تعليم الصم- من السفر إلى فرنسا في العام 1815 م لدراسة طرق الاتصال مع الأفراد الصم. وفي العام 1817 م، عندما عاد إلى الولايات المتحدة، أسّس أول مدرسة للصم في البلاد، وتحديداً في مقاطعة هارتفورد، كونيتيكت. وبحلول العام 1863 م، أصبح هناك 22 مدرسة لتعليم الصم في جميع أنحاء الولايات المتحدة، وفي العام 1864 م، تم إنشاء كلية متخصصة بتعليم الصم. وقبل ذلك، وتحديداً في العام 1854 م، كانت نسبة الصم في جزيرة "مارثا فينيارد" بولاية "ماساتشوستس" الأمريكية أعلى بنحو 35 مرة من المعدل الوطني؛ ونظراً لأن هذه الجزيرة كانت موطناً لعددٍ كبير من الأشخاص الصم، تم وضع لغة إشارة خاصة بهم في المنطقة قبل أن تنتشر هذه اللغة لأنحاءٍ أخرى من البلاد. وفي يومنا هذا، يوجد العديد من المنظمات والمؤسسات المتخصصة بتعليم الصم وتأهيلهم للانخراط بالمجتمع، من خلال تعلّم لغة الإشارة الأمريكية التي انتشرت خارج البلاد، لا سيما في الدول الناطقة باللغة الإنجليزية. |
|