رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
عندما يكون الوالدون قد جمعوا الممتلكات، من نوعٍ أو آخر، لمصلحة أولادهم، لا يعترض الأولاد قط على الاستيلاء على الأملاك التي يُخلِّفها لهم الآباء عند موتهم. فهم لا يعترضون على الحصول على الميراث مع أنهم لم يحصلِّوه بكدهم، ومع أنهم أحياناً يُثبتون بسلوكهم المخزي أنهم غير مستحقين له إن يتولَّونه ظلماً بإسرافٍ في عيشة الخلاعة. وإذا لم يكن للمتوفي أولاد، فإن الأقرباء الأباعد، كأحفاد الأخ أو الأخت وأبناء العمومة، يتقدمون دون أي تأنيب من الضمير للاشتراك في إرث خلَّفه على غير توقع أفراد من الأسرة مجهولون أو مغمورون. هذا كله يصح في مجال المقتنيات المادية. ولكن هنالك أيضاً خيرات معنوية، من قيم المراتب والمناصب، والشرف والصيت الحسن، والعلم والفن، يرثها الأبناء من الآباء، ولم يكسبوها بأي حال، إلا أنهم ينسبونها إلى أنفسهم دون اعتراض، ولهم بالحقيقة أن يفعلوا ذلك بامتنان. فمن الممكن أن يُقال إذاً إن قانون ميراث كهذا صالح للعمل به في الأُسر والأجيال والشعوب، وفي الدولة والمجتمع، والعلم والفن، وفي البشرية جمعاء. ذلك أن الجيل اللاحق يعيش على الخيرات التي ادخرها الجيل السابق، والأحفاد يتولون في ميادين الحياة جميعاً العمل الذي كان الأجداد يقومون به. وليس من إنسانٍ واحد، مادام الأمر نافعاً له، يُبدي اعتراضاً على هذا الترتيب الإلهي الكريم. على أن كل شيء يتغير حينما يعمل قانون الميراث هذا بعينه لغير مصلحة الإنسان المعني. فعندما يُناشد الأولاد أن يعولوا والديهم الفقراء، فإنهم يقطعون حالاً كل علاقة بوالديهم ويُشيرون إلى سبيل المؤسسات الكنسية أو الخيرية التي تهتم بإغاثة المحتاجين. وعندما يشعر الأقرباء بأن كرامتهم قد أهدرت لأن أحد أفراد الأسرة تزوج بحسب رأيهم، زواجاً دون المستوى اللائق، أو فعل فعلةً شائنة، فإنهم يتركونه حالاً في ورطته ويُبدون له عدم الرضى. فإلى حدٍّ ما، توجد في كل إنسانٍ نزعةٌ لأن يتمتع بفوائد الاندماج في الجماعة وبمنافع علاقات القُربى المتبادلة، مع رفض ما يقابل ذلك من واجبات. إلا أن هذه النزعة، في حد ذاتها، هي برهانٌ قوي على الحقيقة المماثلة في وجود مجموعة متوافقة من الامتيازات والواجبات فثمة وحدةُ حالٍ وتكافل أو تضامن مشترك لا يستطيع أحدٌ أن يُنكر وجودهما وفاعليتهما. وحقيقة نحن لا نعرف بالتمام كيف يعمل هذا التكافل ويُحدث تأثيره. فما زلنا نجهل مثلاً حقيقة قوانين الميراث التي بموجبها تؤول الخيرات المادية والمعنوية من الآباء إلى الأبناء. فنحن لا نفهم هذا السر: كيف يُتاح لشخص فرد، يُولد في الأسرة ويتربى على يدها، أن يبلغ حالة استقلالٍ وحرية، ومن ثم يحتل في الأسرة مركزه الخاص الذي يكون أحياناً متميزاً بالقوة والنفوذ. وليس في وسعنا أن نُشير إلى الحد الفاصل الذي عنده يتوقف التكافل ويبدأ الاستقلال الشخصي والمسؤولية الفردية. غير أن هذا كُلَّه لا يغير شيئاً من حقيقة وجود مثل هذا التضامن وكون الناس متحدين بعضهم ببعض في تكافل حقيقي، سواء كان ذلك في أسرٍ صغيرة أو كبيرة تجمعها علاقاتٌ متبادلة فلا شك أن الأفراد موجودون، ولكن هنالك أيضاً رابطة غير منظورة تجمع الأسر والأجيال والشعوب في وحدة قوية.وكما أن للإنسان نفساً واحدة، فالشعوب أيضاً لها "نفس" قوية أو جامعة، بمعنى مجازي طبعاً. هنالك خصائص شخصية ولكن ثمة أيضاً خصائص اجتماعية تتميز بها دائرة معينة من الناس. وهنالك خطايا فردية خاصة، ولكن توجد أيضاً خطايا اجتماعية عامة. كذلك أيضاً توجد ذنوب فردية، ولكن هنالك أيضاً ذنوب اجتماعية مشتركة. وهذا التكافل الذي يتبدى بألف طريقة وطريقة في العلاقات ما بين الناس يحمل معه مرةً تلو الأخرى، وعلى نحوٍ طبيعي،فكرة تمثيل الأقلية للأكثرية.فنحن لا نستطيع أن نكون حاضرين عند كل شيء بأنفسنا ولا أن نقوم بكل شيء شخصياً. إذ أن الناس منتشرون على وجه الأرض كلِّها ويعيشون بعيدين بعضهم عن بعضهم مسافاتٍ شاسعةٍ. وهم لا يعيشون معاً في وقت واحد بل يعقب بعضهم بعضاً في أجيالٍ متتالية ثم إنهم ليسوا جميعاً متساوين في القدرة والحكمة. وهم يختلفون إلى ما لا نهاية في المواهب والقدرات. من هنا يُدعى في كل حين بعض الأقلاء إلى التفكير والتكلُّم، أو على التقرير والتصرف، باسم الأكثرية أو نيابة عنها. وفي الواقع إنه لا يمكن إقامة أسرة مجتمعٍ حقيقية بغير تفاوت في المواهب والمهمات ودون تمثيل وإنابة. فما من جسمٍ يمكن التواجد إلا إذا كانت فيه عدة أعضاء مختلفة وكانت جميع تلك الأعضاء خاضعةً لسيطرة رأس يفكر عنها ويتخذ القرارات باسمها جميعاً. ومثل هذا الدور يتولاه الأب في الأسرة، والمدير في المؤسسة ومجلس الإدارة في الجمعية، والقائد في جيشه، والمجلس النيابي أو البرلمان بالنسبة للذين يمثلهم، والملك بالنسبة إلى رعاياه. ثم إن المرؤوسين يشتركون في عواقب تصرفات ممثليهم. على أن ذلك كُلَّه يعني فقط دائرة صغيرة ومحدودة من البشرية. وفي دائرة كهذه يستطيع إنسان واحد، إلى حدٍّ ما، أن يكون لكثيرين إما بركةً وإما لعنةً، غير أن الآثار تبقى، رغم ذلك، مقصورة على نطاق مقيد على نحوٍ لا بأس به. حتى أن إنساناً ذا سلطان مثل نابليون، وإن لم يكن نطاق سلطته ونفوذه كبيراً بهذا المقدار، لا يحتلُّ في تاريخ العالم إلا مكاناً يسيراً، ويكون له دورٌ عابرٌ وحسب. غير أن الكتاب المقدس يحدثنا عن شخصين شغلا مكانةً خاصة، كلاهما وقف على رأس الجنس البشير بكامله، وله قوة ونفوذ لا يمتدان إلى أمة أو مجموعة من الأمم فقط، ولا إلى بلد أو قارة فحسب ولا على مدى قرنً واحدً أو عدة قرونٍ محدودة، بل يشملان البشرية بكاملها ويصلان إلى أقاصي الأرض ويدومان مدى الأبدية. هذان الشخصان هما آدم والمسيح.أولهما يقف عند بداية التاريخ، أم الثاني ففي وسطه. الأول يقف رأس البشرية القديمة، أما الثاني فرأس الخليقة الجديدة. الأول مصدر الخطية والموت في العالم، أما الثاني فينبوع البر ومعين الحياة. فبفضل المقامين الفريدين اللذين لهذين الشخصين على رأس البشرية، من الممكن مقارنة أحدهما بالآخر. فإن بينهما تناظُراً أو تماثُلاً من حيث المكانة والأهمية والتأثير النافذ، في جميع أشكال التكافل الظاهرة بين الناس، من أسرة وعشيرة وقبيلة وأمة ونحوها. ثم إنه يُمكن ويجوز أن يُستعان بجميع وجوه هذا التناظر أو التماثل لإلقاء الأضواء الكاشفة على التأثير الذي كان لكلٍّ من آدم والمسيح في لجنس البشري كلِّه. وفي هذا ما يُقنعنا، إلى حد معين، بصلاحية عمل قانون الميراث حتى في مجال حياتنا العُليا، أعني في حياتنا الدينية والخُلقية، مادام هذا القانون لا يقوم وحده بل هو وثيق الصلة بالبشر عموماً لكونه جزءاً لايتجزأ من وجود البشرية العضوي. فآدم والمسيح، مع ذلك، يشغلان على السواء مكانة فريدة كلياً. وكلاهما ذو أهمية بالنسبة إلى الجنس البشري لا يمكن أن يُحرِز مثلها البتة أيُّ واحد من فاتحي العالم أو عباقرته الأفذاذ. والميراث الذي به شملنا آدم أجمعين بتعديه، هو وحده يجعل من الممكن لنا أن نتصالح كلياً مع الله في المسيح. |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
مكانة مريم هي اعلى مكانة من الآباء |
مكانة جوزك قبل مكانة والديك |
كن فليل الكلام |
فليم رعب |
ولقد أجابت المرأة عن السؤال الثانى ولكنها لم تجب عن السؤال الأول |