لماذا التجارب ؟
لا احد منا يرحب بالتجارب . كثيرا ما نتسائل عندما نواجه صعوبات الحياة ومعضلاتها : لماذا حدث لنا هذا ؟ نحن نؤمن بالله ونحبه وهو يحبنا . نحن نحسب ما دام الله يحبنا انه لن يصبنا اي ضرر او سوء ، لكن نحن في مأزق ، نحن امام مشكلة ٍ كبيرة . كان للرب يسوع علاقة صداقة قوية مع عائلة ٍ في بيت عنيا . كانت هذه العائلة تتألف من اخ ٍ واختين يحبون الرب يسوع كثيرا وهو يحبهم اكثر . يوما ً من الايام مرض لعازر مرضا ً شديدا ً مما دعا الاختين مريم ومرثا ان يرسلا بسرعة ٍ الى الرب يسوع رسالة عاطفية تمس القلب يقولان له : " يَا سَيِّدُ ، هُوَذَا الَّذِي تُحِبُّهُ مَرِيضٌ " ان ما حدث كان بعكس ما توقعت الاختان تماما ً، فبدلا ً من ان يهرع الرب اليهما لكي يشفي أخاهما مكث في الموضع الذي كان فيه يومين ، ولعل أصعب ما في هذا أن مكوثه كان مقصودا ً واختياريا ً . لكن هنالك حقيقة أهم بكثير من الشفاء ، يقول الكتاب : " فَلَمَّا سَمِعَ يَسُوعُ ، قَالَ: «هذَا الْمَرَضُ لَيْسَ لِلْمَوْتِ ، بَلْ لأَجْلِ مَجْدِ اللهِ، لِيَتَمَجَّدَ ابْنُ اللهِ بِهِ " ( يوحنا11 : 4 ) قال هذه الكلمات ثم صمت وبقي حيث هو لمدة يومين كاملين . هل اختبرت يوما ً صمت المسيح عندما تكون مجربا ً ومتالما ً ؟ ما أرهب َ هذا الصمت . لماذا هذه التجربة ؟ لماذا مرض لعازر هذا المرض الخطير ؟ لماذا حكمت الظروف ان يكون يسوع بعيدا ً عن بيت عنيا ؟ لما لم يتجاوب مع الدعوة ويأتي ؟ لماذا لم يقل كلمة حتى ولو من بعيد فيشفى المريض ؟ لماذا هذا الصمت وهذا الغياب ؟ أسئلة ٌ كثيرة لا جواب لها . إن كان يصعب علينا ان نفسر كلام المسيح بعمقه ومعناه الاصيل فكيف لنا أن نفسر صمته الرهيب ؟ . إن عدم تجاوب المسيح مع رغباتنا وطلباتنا بالطريقة التي نتوقعها وبالسرعة التي نتوخاها يجعلنا نصاب بالحيرة والاحباط ونشعر ان كل الابواب قد اوصدت امامنا . ألا يكفي ان الجميع اهملونا حتى المسيح الذي لم يطلب احد منه مساعدة الا ولبى طلبه بسرعة ؟ لقد شفى ابن خادم الملك في كفرناحوم من بعيد ( يوحنا 4 ) كما أبرأ في بركة حسدا مريضا ً منذ 38 سنة ( يوحنا 5 ) ووهب البصر للمولود اعمى ( يوحنا 9 ) واسرع لشفاء غلام قائد المئة ( متى 8 ) لماذا الآن هذا الاهمال المتعمد ؟ إن للرب قصدا ً لكل ما يحدث في حياتنا ، لقد رأى المسيح انه آن الاوان لهذه العائلة المؤمنة أن تنتقل الى مستوى ارفع واقوى من الايمان والى علاقة ً أعمق بشخصه ، فتدرك بأن يسوع محب وحنون سواء لبى الدعوة أم لا ، سواء كان قريبا ً أم بعيدا ً ، سواء تجاوب معنا أم لم يتجاوب . لنا الثقة انه يفعل ما يجب فعله ، لا شك ان الموقف يحتاج الكثير من التدريب ومن النضوج الروحي . مهما حدث في حياتنا من تجارب لنتأكد أن الله يريد خيرنا ، كيف لا وهو الذي احبنا محبة ً لا مثيل لها ، كيف لا وهو الذي تحمل الآلام وموت الصليب لكي يؤمّن لنا خلاصا ً ومستقبلا ً سعيدا ً في السماء . لم يعدنا المسيح يوما ً بالحماية من تجارب الحياة وصعوباتها لكنه وعدنا بحضوره ورفقته لنا وسط هذه التجارب ، كما يقول كاتب المزامير : " إِذَا سِرْتُ فِي وَادِي ظِلِّ الْمَوْتِ لاَ أَخَافُ شَرًّا ، لأَنَّكَ أَنْتَ مَعِي " ( مزمور 23 : 4 ) . لقد وعدنا بالسلام وسط العاصفة ، هذا السلام الذي يفوقُ كل عقل ٍ والذي يحفظ قلوبنا وافكارنا مطمئنة ً في شخصه .
يسمح الله بالتجارب لكي يصل بنا الى هذا النوع من الايمان ، الايمان الذي يرى ما بعد التجربة من بركات ٍ وامجاد ، كما كتب الرسول بولس الى اهل رومية يقول : " ( رومية 8 : 18 ) فَإِنِّي أَحْسِبُ أَنَّ آلاَمَ الزَّمَانِ الْحَاضِرِ لاَ تُقَاسُ بِالْمَجْدِ الْعَتِيدِ أَنْ يُسْتَعْلَنَ فِينَا." ويقول لاهل كورنثوس : " كَحَزَانَى وَنَحْنُ دَائِمًا فَرِحُونَ ........ كَأَنْ لاَ شَيْءَ لَنَا وَنَحْنُ نَمْلِكُ كُلَّ شَيْءٍ." ( 2 كورنثوس 6 : 10 ) . نعم نحن نملك الايمان والثقة والرجاء . نحن نملك المسيح ، هذا يساعدنا لكي نتخطى كل الصعاب فلا نتكل على شعورنا عندما تحسسنا الظروف ان الله بعيد ٌ عنا ، بل لنتأكد من محبته وقربه لأن كلمتهُ ومواعيده ُ صادقة . تقول كلمة الله في رسالة فيلبي 4 : 5 - 7 " اَلرَّبُّ قَرِيبٌ. لاَ تَهْتَمُّوا بِشَيْءٍ ، بَلْ فِي كُلِّ شَيْءٍ بِالصَّلاَةِ وَالدُّعَاءِ مَعَ الشُّكْرِ، لِتُعْلَمْ طِلْبَاتُكُمْ لَدَى اللهِ . وَسَلاَمُ اللهِ الَّذِي يَفُوقُ كُلَّ عَقْل ، يَحْفَظُ قُلُوبَكُمْ وَأَفْكَارَكُمْ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ " .