سفر فى الكتاب المقدس لم يذكر كلمة الله
هو سفر أستير
لماذا لم يذكر الكاتب اسم الله في سفر أستير ؟
1- كان وقت السبي البابلي بالنسبة لأهل يهوذا وقت جفاف روحي، فتعرّضوا للضعف الروحي الشديد وكادوا يفقدون هويتهم، ولم يعودوا يذكرون اسم الله، فالذين كانت لديهم بقية من الغيرة المقدَّسة قد عادوا إلى أورشليم في الفوج الأول بقيادة زرُبَّابل، أما الذين ظلوا في أرض السبي فارتبطوا بهذه الأرض الغريبة التي تاجروا فيها وربحوا وبنوا بيوتًا وغرسوا بساتين وقد ضعف حنينهم لأورشليم مدينة الله العلي.
2- أراد الكاتب أن يوجّه هذا السفر ليس لليهود فقط بل لملوك وعظماء فارس أيضًا، حتى لا يفكر أحد ثانية في إبادة اليهود، ولذلك حرص على أن يخلو سفره من اسم الجلالة، حتى يقبله الجميع يهود وغير يهود، ولئلا يتجرأ أحد ويضع اسم آلهة فارس عوضًا عن اسم الإله الحقيقي إله إسرائيل. وربما تحاشى الكاتب ذكر اسم الله، لأن هناك دماء كثيرة سُفكت في هذا السفر، فلئلا يربط الأمميون بين هذه المجازر وبين اسم الله، لذلك فضل أن لا يذكر اسم الله على الإطلاق، ويقول "القس أنجيلوس المقاري" عن الكاتب: "ربما هو لم يذكر اسم الله في هذا العالم لكي لا يربط الأمم بين ما حدث من مجازر وقتل، وبين اسم الله فيُعثروا ويظنوا أن الله وراء هذا الانتقام وسفك الدم. ومن هذا المنطق أيضًا لم يذكر شيء عن أورشليم والهيكل وما شابه من طقوس حتى لا يتم الربط بينها وبين هذا القتل وكأنه بأسلوب آخَر يقول إن كان هذا قد حدث فأنا أتحمله مع أستير... أما بقية اليهود ومعهم إله اليهود فلا تقحموهم في الأمر"(2).
- قَبِلَ اليهود السفر وأقرُّوا قانونيته، وفي مجمع جامينا 90 م. أُحتسب ضمن الأسفار القانونية بلا عائق، وقبلت الكنيسة السفر كسفر قانوني مُوحى به من الله، وبالرغم من أن اسم الله لم يُذكَر في السفر مباشرة، ولكن السفر قدم صورة رائعة عن رعاية الله لشعبه، فيد الله واضحة تمامًا في مجرى الأحداث، فهو الذي أعطى نعمة لفتاة يهودية غريبة يتيمة الوالدين لكي تصبح ملكة، وهو الذي وفَّق مردخاي لاكتشاف مؤامرة الخصيين لاغتيال الملك، وعندما صام الشعب وصرخوا... لمن؟ بلا شك لإلههم الذي استجاب لهم سريعًا، وهو الذي سمح أن يتعرض الملك للأرق ليكتشف أنه لم يكافئ مردخاي الذي أنقذ حياته، فكرَّمه تكريمًا كبيرًا وهو الذي حوَّل قلب الملك تجاه أستير التي حملت رأسها على كفها ودخلت إليه في وقت محظور على أي أحد الاقتراب منه، كما أن قول مردخاي لأستير: "إن سَكَتِّ سُكُوتًا في هذا الوقْت يَكُونُ الفَرَجُ والنَّجاة لِليَهُود من مكَانٍ آخَرَ"(أس 4: 14) وهنا معنى خفي لله، لأن عبارة "مَكَانٍ آخَرَ" في الأصل العبري تحمل ضمنًا معنى "إن أُغلقت الأبواب فسوف يفعل الله"، وقال "متى هنري": "إن لم يكن اسم الله مكتوبًا هناك فإن إصبعه هناك". والحقيقة أن كل من يقرأ السفر يزداد إيمانًا بالله الذي يرعى شعبه، حتى وإن ظلوا في أرض السبي ولم يعودوا إلى أورشليم فهو أمين من جهتهم.
- جاء اسم الله في تتمة السفر: "وقال مَرْدَخَايُ إنَّ هذا كُلَّهُ إنَّما كان من قِبَلِ الله" (أس 10: 4)، وفي صلاة مردخاي: "فَأَمَّا مردَخَايُ فَتَضَرَّعَ إلى الرَّبِّ مُتذَكِّرًا جَمِيعَ أَعمَاله. وقال اللَّهُمَّ أيُّها الرَّبُّ المَلِكُ القَادِرُ على الكُلِّ إذ كُلُّ شَيءٍ في طَاعَتِكَ، وليس من يُقَاوم مَشيئَتَكَ... أنت صنَعْتَ السماء والأرض وكلَّ ما تَحتَ السموات. أنْت ربُّ الجَمِيعِ وليس مَنْ يُقَاوِمُ عزَّتَك"(أس 13: 8 - 11)، وفي صلاة أستير: "لا تُسلِّمْ أيُّها الرَّبُّ صَولَجَانَك إلى من ليسُوا بشيءٍ لئَلاَّ يضْحكُوا من هلاكنَا.. اُذكُرنا يا رب واستَعلن لنا في وقت ضَنكنَا وهبنِي ثِقَةً أَيُّهَا الرَّبُّ مَلِكُ الآلِهَةِ وَمَلِكُ كُلِّ قُدْرَةٍ" (أس 14: 11، 12)، وقبل دخول أستير إلى الملك: "دعتْ مُدَبِّرَ ومُخَلِّص الجَمِيعِ الله.." (أس 15: 5).