يستمرّ خوف مريم فمن أين أتى هذا غير العاديّ؟ هل هو مُرسَل مِن قِبَل الله أم مِن قِبَل الشيطان المخادع؟
«لا تخافي يا مريم!» يكررها رئيس الملائكة. «أنا جبرائيل ملاك الله. وقد أرسلني الله لكِ. لا تخافي فقد نلتِ نعمة لدى الله، وها أنتِ تحبلين وتلدين ابناً وتسمّينه يسوع. هذا سيكون عظيماً وابن العلي يدعى، سيكون كذلك بحقّ، وسيعطيه الربّ الإله عرش داود أبيه ويملك إلى الأبد على آل يعقوب، ولن يكون لملكه انقضاء. أدرِكي أيّتها العذراء القدّيسة، محبوبة الربّ وابنته المباركة، والمدعوّة لتكوني أمّ ابنه، أيّ ابن ستُنجِبين».
«كيف سيكون هذا وأنا لا أعرف رجلاً؟ هل رفض الربّ الإله تقدمة خادمته، ولا يريدني أن أبقى عذراء مَحبَّة به؟»
«لا، لن يكون بفعل بشر أن تصبحي أُمّاً يا مريم. فأنتِ العذراء الأزليّة، قدّيسة الله. والروح القدس يحلّ عليكِ وقوّة العليّ تظلّلكِ. لذلك فالمولود منكِ يدعى القدّوس، قدّوس هو وابن الله. وكلّ شيء مستطاع لدى الربّ إلهنا. وها إنّ أليصابات العاقر قد حَمَلَت في شيخوختها بابن سيكون النبيّ الذي يهيّئ الطريق لابنكِ. فالربّ قد مسح عنها العار، وذِكرها يدوم بين الأمم مرتبطاً باسمك ِ مثل ارتباط اسم خليقته بقدّوسكِ، وحتّى نهاية الدهور تطوّبكما جميع الأمم بسبب حلول نعمة الربّ عليكما، وعليكِ أنتِ بشكل خاصّ، وقد حلَّت على الأمم بواسطتكِ. أليصابات هي الآن في شهرها السادس، وحَملها يثير فرحها، وسيثيره أكثر عندما تعلم ببهجتكِ أنتِ.. لا شيء غير مستطاع لدى الله يا مريم الممتلئة نعمة. ماذا ينبغي لي أن أقول لربّي؟ لا تضطربي لأيّة فكرة. الربّ يسهر على مصالحكِ إذا وثقتِ به. والعالم والسماء والأزليّ ينتظرون كلمتكِ!»
تقول مريم، وهي الآن بدورها، ذراعاها متصالبتان على صدرها وقد انحنت انحناءة كبيرة: «ها أنا ذا أمة للربّ، وليكن لي بحسب قولكَ». يشعّ الملاك فَرحاً. يَخشَع لأنّه بالتأكيد يرى روح الله نازلاً على العذراء المنحنية في قبولها. ثمّ يختفي دون تحريك السجّادة الستارة التي يتركها منسدلة على السرّ المقدّس.