رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
عظة البشارة للبطريرك فؤاد الطوال، بطريرك القدس للاتين، في كنيسة البشارة في الناصرة، السلام عليك يا صاحبة العين والبئر في مدينتنا السلام عليك يا حامية البيت الفلسطيني وشفيعة كل عائلة: نٌحييك في بلدك وعيد بشارتك. نحييك ونحن لا نزال في قلب السنة الكهنوتيّةِ التي أعلنها قداسة الحبرِ الأعظمِ البابا بندكتس السادس عشر، بمناسبة مرور مئةٍ وخمسينَ عاماً على وفاة القدّيس جان ماري فيانّيه، خوري آرس. نُحييك ونحن في خضم التحضير والتساؤل الكثير حول مؤتمر أساقفة الشرق الأوسط، علّنا نعرف شرقنا من غربنا، علنا نعرف ونتعرف على صدق هويتنا. علّنا نتذكر انكِ أنت الأم ونحن الأبناء، علّنا نحيي الشبه والصلة القائمة بين الأم والأبناء. نحتفل في عيد البشارة في بلد البشارة. لنا اليوم موعدِ مع مريمَ العذراء، كما كان لها موعد مع الملاك الذي بشرها وحياها، هي الممتلئة نعمة والحبلى بمخلّص العالم ورسول السلام. وما أعظم المواعيد والأحدات التي تعاقبت مؤخرا في هذه الكنيسة. هنا كان لنا موعد مع قداسة أبينا البابا بندكتوس السادس عشر في أيار الماضي ومع مندوبه بمناسبة تطويب الام ماري ألفونسين في تشرين الثاني الماضي. وفي كل مرة كانت بنت الناصرة هي التي تجمعنا حولها. نلتقي اليومَ لإبراز شخصيّةِ مريم المتعدّدةِ الصفاتِ والعميقة الأبعادِ، ولتسليط الضوء على دورِها الهام في تنفيذِ تصميمِ الله الخلاصيِّ. لأنّنا مريميّون ومن أبناء الجليل، ولأنَّ ابتهالاتِنا باسمِها تَتَردَّدُ أصداؤها في جميع أديارِنا وكنائِسِنا واحتفالاتنا، على أفواه أطفالنا وأخوياتنا، ولأنّنا نعتبِرُها سيّدة الجليل بدون منازع أو شريك، ملكة على قلوبِنا ومراكِزِنا ومؤسّساتِنا، بل بالأحرى هي صاحِبةَ الدّارِ، والسيِّدَةِ الأولى، والأمَّ الحاضرةَ أبداً لتقودَنا إلى ابنِها مخلصنا يسوعَ المسيح وتلبّي لديه حاجاتنا ، كما فعلت في قانا الجليل، لأجلِ كلِّ ذلك ولأجل سِواه ممّا لم نذكرْهُ الآن، فإنّنا نجتمع اليوم في عيد البشارة نُعيّد ونهلل ونهنئ بالعيد بعضنا البعض. نَعَم، نحنُ أبناء الجليل وأبناء مريم، نحن مريميّونَ بامتيازٍ، نُحبُّها من الصميمِ، نستحضِرُها في كلِّ صغيرةٍ وكبيرةٍ، نقدِّمُ لها الحب والإكرامَ، نتشفع اليها، نصلّي الى “تلك المرأةِ العظيمةِ” بنت بلدنا،اذ بها تمّت المصالَحَةِ بين الله والبشرية. إنّها مدرسَةٌ ومعلِّمةٌ ومِثالٌ لنا: منها نتعلّمُ التواضُعَ، إذ نسمعُها تردِّدُ: “أنا أمةُ الله فليكن لي بحسب قولك”، ونراها، وهي أمُّ اللهِ، تخدِمُ بكل خَفَرٍ ومحبّة المدعوّين إلى عرسِ قانا الجليل. مِطواعةٌ هي لصوت الله وساميةٌ في تواضُعِها، مُحبة وخدومة وقد عَبَّرت عن رغبتِها في الخدمةِ عندما زارت مسرعة قريبتها أليصابات سعيا الى المساعدة. منها نتعلّمُ الصلاةَ والتأمُّلَ في سرِّ المسيحِ، كيف لا، وهي الصامتَةُ الكُبرى التي تحفظُ كلمةِ اللهِ وتتأمّلُ بها في قلبِها. تظهر صلاة مريم في البشارة إصغاءً وتجاوباً مع إرادة الآب، وثقةً بصلاحِ الله واستسلاماً لإرادتهِ وقبولاً بمشروعهِ الخلاصيَ حتى وان اقتضى هذا المشروع المشاركة في درب الصليب ونفاذ سيف الحزن في قلبها. سلّمت العذراء لله أمرها، ثقةً منها بأنَّه هو خيرُها الأعظم، كما سلّم الله لها ابنه الوحيد، كي تغذيه وتربيه وتشركه بدمها الطاهر. في هذه السنة المكرسة للكهنوت، يتعلّمُ الكهنة الرهبان والراهبات والمكرسون، من مواقف أم المسيح، كيفَ نطابَقُ إرادتنا مع إرادة يسوع الكاهنِ الأعظم، فنتمكّنُ من التشبُّهِ بهِ في تقديمِ الذات بكليَّتِها خدمة لله والقريب… وتقديمُ الذاتِ هذا، هو فتحٌ جديدٌ استهلته مريمُ في الناصرةِ في فقرها وتواضعها، وفي بيت لحم في مغارة الفقر والبرد، وفي مصر زمن الغربة واللجوء والتشرد; كما وكتبَ يسوع فصلَهُ الثاني في شوارع القدس حاملاً صليبه، قبل أن يتسلق الجلجلة. وحريٌ بِنا أن نكتُبَ فصولَهُ القادمة في حياتِنا اليوميّةِ، بروح تضحية وعطاء، فنكونَ للمسيح كهنةً ورهباناً وراهباتٍ ،على ما يحب ويشتهي. معكم يا أهل الناصرة، معكم أيٌّها الإخوةُ المسيحيون في الأردن والجليل وفلسطين وقبرص، ندعو مريمَ العذراء المحتفى بها لتُرافِقنا في تحضير سينودس كنائس الشرق الأوسط، لترافقنا في هذِهِ السنةِ الكهنوتيَّةِ لكيما، نكونَ على مِثالِها، مُرشدينَ للمؤمنينَ الذينَ يوكلُهُم الربُّ لِعنايتِنا الرعويَّةِ. وجديرٌ بِنا ألاّ ننسى أنَّ مريمَ هي أوّلُ من قالَ للرب “نَعم”، وأصبحت بما قالت ُنموذجاً لنا، وشاهدةً وداعِمةً، بِوصفِها أمّاً للمؤمنين وللكنيسةِ، وما زالَ حبُّها الوالدي يتدفّقُ بغزارةٍ على جميع الكهنة المدعوّينَ اليوم إلى حملِ المسيحِ إلى الآخرينَ، المتعطّشين إلى نور الإيمان ونارِ المحبّة، والى توطيد السلام في بلادنا وبيوتنا وعائلاتنا، ولا سيما في قدسنا. وعلى ذكر القدس، نؤكد أن دعوة هذه المدينة هي أن تكون مدينة الحوار بين الاديان والاحترام المتبادل بين المؤمنين، المدينة التي تحترم التعددية وتدين بالحوار البناء، بحيث لا يعتدي أحد على مقدسات الآخر ومشاعره وأماكن عبادته. نصلي اليوم من أجل سلام القدس ومن أجل حسن الجوار بين أصحاب الديانات التوحيدية. إخوتي الأحبّاء، حضوركم المميّز والنوعيّ، يعكس حبَّكم لمريم والاهتمام بعيدها الذي هو عيدكم. باسمِكم جميعاً وباسم مؤمنينا الذين لم يتمكنوا من المشاركة اليوم، وباسم أبناء المدينة، المواطنين والمغتربين، أُحيّي سيدتنا مريم العذراء المحتفى بها اليوم في الناصرة وفي الكنيسة جمعاء، ونردد عليها من بعد الملاك سلام الله: السلام عليك يا سلطانة يا أم الرحمة. السلام عليك يا حياتنا وحلاوتنا ورجاءنا: نصرخ إليك نحن المنفيين أولاد حواء، نتنهد إليك نائحين وباكين في هذا الوادي وادي الدموع. فلذلك يا شفيعتنا ميلي إلينا بنظرك الحنون، وأرينا بعد هذا المنفى يسوع ثمرة بطنك المباركة، يا حنونة يا رؤوفة يا حلوة مريم البتول. |
|