رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
إن كثيرين يحاولون التملُّص من حتمية الخطية بوصفهم للفساد الأدبي الذي يصحب الإنسان منذ ولادته بالتعبير الغامض "الشهوة". وبالطبع، ليس استعمال هذه الكلمة خطأً في ذاته. فالكتاب المقدس أيضاً يستخدمه غالباً. ولكن بتأثير النزعة التقشُّفية التي نشأت في الكنيسة المسيحية بالتدريج، غالباً ما استخدم علمُ اللاهوت هذه اللفظة بمعنىً محدود جداً، إذ مال إلى اعتبارها تدلُّ فقط على الشهوة الجسدية أو التناسلية الموجودة في الإنسان على نحو خاص، وبذلك انتهى إلى الفكرة القائلة بأن هذه الشهوة، وإن كانت قد أُعطيت للإنسان عند خلقه، ولذلك فهي ليست أثيمة بحد ذاتها، إلا أنها توفر مع ذلك فرصة مواتية لارتكاب الخطية. وقد كان كالفن هو من عالج مفهوم الشهوة على هذا النحو. فهو لم يعترض على إطلاق اسم "الشهوة" على الفساد الأدبي الذي يولد الإنسان عليه. لكنه أراد أن تُفهم هذه الكلمة حقَّ الفهم. ومن الأمور التي رآها ضرورية أن نميز بين الرغبة والشهوة. فالرغبات ليست بحد ذاتها خاطئة، وكلُّها أُعطيت للإنسان عند خلقه. ولأنه، بوصفه إنساناً، مخلوقٌ محدود ومتناهٍ وغير مستقلٍ، فإن له حاجاتٍ كثيرة العدد، وبالتالي له رغباتٌ عديدة جداً. فإذا جاع رغب في الطعام، وإذا عطش رغب في الشراب، وإذا تعب رغب في الراحة. وهذا المبدأ عينه يصدق على الناحية الروحية في الإنسان. فإن عقل الإنسان خُلِق على حالٍ تجعله يرغب في الحق؛ كما أن إرادة الإنسان، بفضل طبيعتها من حيث إن الله خالقُها، ترغب في الصلاح. فنقرأ في (أمثال 11: 8) أن "منتظر الصديقين مفرِّح"، أي أن رغبة الأبرار مُسِرَّة. فلما رغب سليمان في الحكمة لا في الغنى، حسن ذلك في عيني الرب (1 ملوك 3: 5 - 14). ولما اشتاق ناظم المزمور (42) لله كما يشتاق الأيل إلى جداول المياه، كانت تلك أيضاً رغبةً صالحة وعزيزة. |
|