أقر آخرون بصحة هذه الاعتبارت، فأدخلوا بالتالي بعض التعديلات على تعليم بيلاجيوس.
ويعترف هؤلاء بأن شمولية الخطية لا يمكن أن تكون فقط نتيجة الإقتداء بقدوة سيئة، وأن الشر الأدبي لا يأتي الإنسان من الخارج وحسب.
وهم يرون أنفسهم مضطرين إلى الإقرار بأن الخطية تسكن داخل الإنسان من وقت الحبل به وولادته فما بعد، وأنه يأخذ طبيعته الفاسدة من أبويه.
بيد أنهم يذهبون إلى أن هذا الفساد الأدبي صفةُ الذنب، وهو لذلك أيضاً لا يستحق العقاب. وهذا الفسادُ الأدبي الكامن لا يصير خطية وذنباً وفعلاً يستحقَّ اللوم إلا عندما يُذعن له الإنسان باختياره متى بلغ أشُدَّه، أي عندما يتقبل المسؤولية عنه - إذا جاز التعبير - ويحوِّله بإرادته الحَُّرة إلى أفعالٍ أثيمة.
قد يكون في هذا الرأي شبه البيلاجيوسي تسويةٌ ذات شأن، إلا أنه يتبين لنا بعد التفكير فيه أنه غير وافٍ إلى أبعد حد.
ذلك أن الخطية قوامها دائماً اللاشرعية وخرق القانون، والتعدي والابتعاد عن الناموس الذي وضعه الله لخلائقه المتميزة بالعقل والخُلُق. وبينما يمكن أن يتم انتهاك هذا الناموس بما يرتكبه البشر من أعمال أثيمة، قد يتمُّ ذلك أيضاً في ميوله ونزعاته، أي في طبيعته التي يحملها منذ الحبل به وولادته.
والرأي شبه البيلاجيوسي يقر بهذا ويتحدث عن فسادٍ أدبي سابق لخيارات الإنسان وأفعاله. ولكن إذا نظرنا إلى هذا الواقع بعين الجد فلا مفر من الاستنتاج أن الفساد الأدبي الكامن الآن في الطبيعة البشرية هو أيضاً خطية وذنب وأنه بالتالي لا بد من معاقبته.
فليس ثمة إلا هذان الاحتمالان: إما أن تكون الطبيعة البشرية منسجمةً مع ناموس الله، فتكون بذلك ما ينبغي لها أن تكون، وفي هذه الحالة لا تكون فاسدة؛ وإما أن تكون الطبيعة البشرية فاسدة أدبياً ولا تستجيب لناموس الله، فتكون بالتالي لا شرعية وغير مبررة، ولذلك تجعل الإنسان مذنباً ومستحقاً اللوم.