الحكام في مصر - الإمبراطور أناستاسيوس
تولى هذا الإمبراطور سنة 491 م. وكان واقفًا على أحوال مصر وملما بكل ما فيها لأنه مكث بها منفيا من وجه سلفه، وكان مقيما في مركز منوف بمديرية المنوفية حيث كان له أصدقاء كثيرون، وحدث أن أحد الأغنياء أشار عليه بزيارة راهب اشتهر بالتقوى يدعى ارميا فزاره بصحبة بعض أصحابه الذين طلبوا من الراهب أن يباركه ويباركهم جميعا ولم يبارك اناستاسيوس Anastasius I ببركة خاصة، وبعد انصرافهم صرح اناستاسيوس بحزن لذلك، واظهر خوفه من أن يكون الراهب قد عرف أن خفاياه سيئة، فأبى أن يباركه. فحاول أصحابه أن يزيلوا هذا الظن عنه ولكنهم لم يفلحوا فعادوا إلى الراهب وأخبروه بالأمر فاستدعاه إليه ولما اختلى به هو وثلاثة من أصحابه اخبره بأنه رأى يد الله مرفوعة فوق رأسه فلم يرضى يجعله يباركه بعد الله ثم أوصاه قائلا:
أن الله الذي عينك لمنصب الملك يطلب منك أن تعيش صالحا بعيد عن الأفعال الرديئة غير موافق لا نصار مجمع خلقيدون لأن من يصادق على ذلك المجمع يحل عليه غضب الله.
وقد تمت نبوءات الأب ارميا فجلس اناستاسيوس على عرش الملك وطلب بعض وجوه الأقباط من هذا الأب أن يوفد إليه بعض تلاميذه لزيارته فأرسلهم تحت رئاسة راهب يدعى وريدنوس من أقارب ذلك الناسك وأوصاهم بألا يقبلوا منه هبة أو عطية إلا أن يكون بخورًا أو بعض ما تحتاج إليها الكنائس.
ولما كان هذا الإمبراطور منفيا بنى كنيسة أرسل إليها مع أولئك الرسل أواني من الذهب والفضة وبخورًا ونذورًا عظيم المقدار، كما أنه أهدى بعض أصحابه من المصريين هدايا فاخرة وعين بعضهم في وظائف سامية في الحكومة.
وصفوة القول أنه لم يقيم بين القياصرة من عمل مثله على إسعاد مصر وإرجاع السلام إليها وكان نظير سلفه في احترامه للمذهب القديم وإمداده لذويه بعمارة كنائسهم وأديرتهم وإحسانه إلى رهبانهم ودفع مرتباتهم، ولما رأى أن الانشقاقات الدينية هي التي تبدد السكينة نفى كل الأساقفة الغربيين.
وفى أيام هذا القيصر هجم الفرس على مصر ونشب القتال بينهم وبين الرومانيين مدة أصيبت فيها البلاد بمجاعة قادحة. وفى أثناء اشتدادها تبرع أحد المسيحيين اليهود بتوزيع مقدار عظيم من الحنطة على المحتاجين في يوم عيد القيامة فتزاحم الجياع على أبواب الكنائس حتى هلك منهم 300 ألف نفس في ذلك اليوم.