رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
التجلي في حياة يسوع كما رواه لوقا الإنجيلي
الأحد الثاني من الصوم: التجلي في حياة يسوع كما رواه لوقا الإنجيلي (لوقا 9: 28-36) النص الإنجيلي (لوقا 9: 28-36) 28 وبَعدَ هذا الكَلامِ بِنَحوِ ثَمانِيَةِ أَيَّام، مَضى بِبُطرسَ ويوحنَّا ويعقوبَ وصعِدَ الجَبَلَ لِيُصَلِّي. 29 وبَينَما هو يُصَلِّي، تَبَدَّلَ مَنظَرُ وَجهه، وصارَت ثِيابه بِيضاً تَتَلألأُ كَالبَرْق. 30 وإِذا رَجُلانِ يُكَلِّمانِه، وهُما مُوسى وإِيلِيَّا، 31 قد تَراءَيا في المَجد، وأَخَذا يَتَكلَّمانِ على رَحيلِه الَّذي سَيتِمُّ في أُورَشَليم. 32 وكان بُطرُسُ واللَّذانِ معَه قد أَثقَلَهُمُ النُّعاس. ولكِنَّهُمُ استَيقَظوا فَعايَنوا مَجدَه والرَّجُلَينِ القائميَنِ مَعَه، 33 حتَّى إِذا هَمَّا بِالانصِرافِ عَنه قالَ بُطرُسُ لِيَسوع: ((يا مُعَلِّم حَسَنٌ أَن نَكونَ ههُنا. فلَو نَصَبنا ثَلاثَ خِيَم، واحِدَةً لَكَ وواحدةً لِموسى وواحِدةً لإِيليَّا!)) ولم يَكُنْ يَدري ما يَقول. 34 وبَينَما هو يَتَكَلَّم، ظهَرَ غَمامٌ ظَلَّلهُم، فلمَّا دَخَلوا في الغَمام خافَ التَّلاميذ. 35 وانطَلَقَ صَوتٌ مِن الغَمامِ يَقول: ((هذا هوَ ابنِيَ الَّذي اختَرتُه، فلَه اسمَعوا)). 36 وبَينما الصَّوتُ يَنطَلِق، بَقِيَ يَسوعُ وَحدَهُ، فالتَزَموا الصَّمْتَ ولم يُخبِروا أَحداً في تِلكَ الأَيَّامِ بِشَيءٍ ممَّا رَأَوا. مقدمة في الأحد الثاني من زمن الصوم يصف لوقا الإنجيلي "تجلي" سيدنا يسوع المسيح في طريقه إلى اورشليم للآلام والقيامة تتميمًا لمشيئة الآب. وإذ يتعذر على تلاميذه أن يفهموا لماذا اختار معلمهم ذلك الطريق (متى 16: 22)، أراهم شيئا من مجده ليقوِّم رؤيتهم ويُعلن لهم حقيقته، ويُقِّوِّي إيمانهم، لذلك أمرهم بان يصغوا إلى تعليمه لكي يعيشوا خبرة المجد والعلاقة الكاملة مع الله. فالاحتفاء بالتجلّي الرّب أمام تلاميذه المقربين يعلن وجه يسوع بحسب هويته الإلهية الإلهيّ من ناحية، ووجه المُخلَّصين بعد الحياة الدنيا من ناحية أخرى. إذ يدعونا الإنجيلي اليوم لنُصبح، مثل يسوع المُمجد. ويعلق الراهب أنَسطاس السيناوي "اليوم، على جبل طابور، قد تَجَلَّت سريًّا حالة الحياة المستقبليّة وملكوت السعادة "(عظة حول التجلّي). ومن هنا تكمن أهمية البحث في وقائع النص الإنجيلي وتطبيقاته. أولاً: تحليل وقائع نص إنجيل لوقا (لوقا 9: 28-36) 28 بَعدَ هذا الكَلامِ بِنَحوِ ثَمانِيَةِ أَيَّام، مَضى بِبُطرسَ ويوحنَّا ويعقوبَ وصعِدَ الجَبَلَ لِيُصَلِّي تشير عبارة " ثَمانِيَةِ أَيَّام " إلى نهاية عيد المظال؛ وعيد المظال (סוכות) أو عيد العُرش أو الأكواخ هو من الأعياد الثلاثة الهامة مع عيد الفطير وعيد الأسابيع الوارد ذكرهم في تثنية الاشتراع (16: 13). يبدأ هذا العيد بعد يوم كيبور יוֹם כִּפּוּר (يوم الغفران)، ويستمر ثمانية أيام؛ وهو إحياء لذكرى خيمة السعف التي آوت بني إسرائيل في البرِّية أثناء خروجهم من مصر. وفي نهايته يحتفل بنو إسرائيل باستلام التوراة، وتسمى فرحة التوراة " (שמחת תורה)، وخلال الأيام الخمسة تقام المظلات قرب البيت أو على السطح وشرفات البيوت المفتوحة، وفي اليوم الثامن تبدأ صلوات طلب المطر. وفي العهد الجديد تدل عبارة " ثَمانِيَةِ أَيَّام " على رقم الأبدية. وبالتالي يرمز إلى القيامة والحياة الأبدية، في حين يَرد في إنجيل متى بعد ستة أيام (متى 16: 1) فالرقم (6) هو عدد النقص، فالإنسان خلق في اليوم السادس وسقط في اليوم السادس. ويجد هذا الرقم كماله في اليوم السابع من التجلي. فيما متى ومرقس أحصيا الأيام الستة التي بين يوم الوعد ويوم التجلي، أمَّا لوقا الإنجيلي فأحصى أيضا اليوم الذي فيه أعلن الرب وَعْده وأحصى يوم التجلي وهكذا حصل على ثمانية أيام. وهكذا ان حدث التجلي ليس مُنعزلاً، بل هو مرتبط بلحظة خاصة في حياة يسوع. بعد ثمانية أيام من حديث المسيح في قيصرية فيلبس عن صليبه، واعتراف بطرس بإيمانه بالمسيح تجلى الرب في مجده على الجبل مما يشير أنَّ بعد الصليب لا بُد من مجدٍ. وأمَّا عبارة بُطرسَ ويوحنَّا ويعقوبَ" فتشير إلى الرسل الثلاثة "المُقرَّبين" الذين لهم علاقة حميمة مع يسوع، إذ أخذهم يسوع معه شهوداً لمجده، فقد رافقوه في رسالته حين شفى ابنة يائيرس (لوقا 8: 51)، وفي نزاعه في بستان الجسمانية (لوقا 22: 39). ويبدو أنهم أكثر استعدادا لفهم وقبول المسيح. وإن عدد ثلاثة يُعتبر كافيا لإثبات الشهادة في الشريعة الموسوية. يُعلق بطرس الوقور، رئيس دير كلوني " اليوم، يُعظّم النور الحقيقي هذا الجسد البشري، يُظهره إلهيًّا أمام الرسل، ليقوموا هم أيضًا بتعظيمه في الأمم" (العظة الأولى عن التجلّي). وهكذا الرسل الثلاثة شهود عيان عن إستباق القيامة بتجلي الرّبّ أمامهم . أمَّا عبارة "الجَبَلَ" فتشير إلى جبل غير مُحدَّدٍ، الجبل بوجه عام (متى 14: 23)، كما كان الأمر في الجليل حين أرسل يسوع التلاميذ لإعلان البشارة قبل صعوده إلى السماء (متى 28: 16)؛ أمَّا في إنجيل متى فيشير إلى جبلٍ عالٍ (متى 17: 1)، كما كان الأمر حين جُرب يسوع في البَرِّية (متى 4: 8). الجبل حسب التقليد القديم في الديانات مكان سكنى الآلهة على الأرض. فإن وَطِأَ الإنسان جبلا، فهذا يعني أنه صار قريبا من الله. فالجبل له دلالة لاهوتية أكثر منها جغرافية. فهو مكان للوحي (أشعيا 2: 2-3)؛ حيث أنَّ الجبل يرتبط بالاقتراب إلى الله والاستعداد لسماع أقواله، فقد ظهر الله لكل من موسى (خروج 24: 12-18)، وإيليا (1ملوك 19: 8-18) على جبل. يسوع بالذّات، كان ينزوي دائماً على جبل ليصلّي ليلتقي مع أبيه، وأمَّا التقاليد التي ترجع إلى القرن الرابع الميلادي فقد أشارت إلى جبل طابور أو الطور الذي يقع على بعد عشرة كيلومترات شرق مدينة النّاصرة في الجليل بالرغم من أن هذا الجبل ورد ذُكره 12 مرة في العهد القديم، لكنه لم يذكر اسمه في العهد الجديد. وهذا الجبل منفردٌ عن بقية جبال الجليل وعلوه 420 م فوق السهل و562 م فوق سطح البحر الأبيض المتوسط. وآخرون يرون أنَّ التجلي حدث على جبل حرمون أو جبل الشيخ الذي تعلو قمته المغطاة بالثلج نحو 2743 م، وهو يبعد 19 كم شمال شرقي قيصرية فيلبس (بنياس)، ويمكن رؤيته من مناطق كثيرة في فلسطين، وهو يـتألق مثل الذهب في ضوء الشمس. أمَّا عبارة "لِيُصَلِّي" فتشير إلى هدف صعوده إلى الجبل وهو لقاء يسوع مع أبيه السماوي. يبتدئ يسوع كل أعماله العظمى بالصلاة كما فعل يوم عماده، ووقت انتخابه الرسل، وتجليه وزمن صلبه، وغالبا ما يذكر لوقا صلاة يسوع في إنجيله (5: 16و 6: 12 و9: 18و 10: 21 و11: 1و 23: 34). وصلاة ربَّنا يسوع هي حديث الشركة مع الآب الواحد معه في اللاهوت. هذا ما يجعل وجه يسوع مضيئًا، بشركته مع الله الآب. بالصلاة التقى يسوع وجهاً لوجه مع الله أبيه، فشعَّ فيه نور وجهه، وتبدّلُ منظرُه. فالصلاة هي اللحظة التي نضع فيها حياتنا الحقيقية أمام الله إذ نتغير في كل شيء. الصلاة هي انفتاح وجودنا على حياة شركة قادرة على تحويل الحياة كلها. فإذا أردنا أن ننعم بتجلِّي الرب في أعماقنا، يلزمنا أن نرتفع على الجبل معه لنصلِّي، فلا طريق للتجليِّ بدون الصلاة! فعن طريق الصلاة يتغيَّر شكل الإنسان ويعلق البابا فرنسيس " إن الصلاة تغيّر الواقع. هي تغيّر على الدوام فإما تُغيّر الأمور أو تُغيِّر قلوبنا"، كما جاء في وصية بولس الرسول "تَحَوَّلوا بِتَجَدُّدِ عُقولِكم" (رومة 12: 2). 29 وبَينَما هو يُصَلِّي، تَبَدَّلَ مَنظَرُ وَجهه، وصارَت ثِيابه بِيضاً تَتَلألأُ كَالبَرْق تشير عبارة " تَبَدَّلَ مَنظَرُ وَجهه " إلى التغيُّر الذي هو كشف أمجاد يسوع المُختفية وراء الوجه، حيث اضطر أن يُخفيها حتى يُمكِّننا أن نراه ونسمعه دون خوف، ودون أن نموت. كما جاء في الشريعة " لا يَراني الإِنْسانُ وَيحْيا " (خروج 33: 20). يكشف الوجه شخصية الإنسان بكليته وبعلاقاته وبتواصله مع نفسه خارجيًا، ويكشف عن هويته الإنسان. أمَّا عبارة " تَبَدَّلَ " في الأصل اليوناني ἐγένετο (معناها صار) فتشير إلى ظهور مجد يسوع المسيح الإلهي. في حين انه تجنَّب لوقا استعمال كلمة "تجلى" في أصل اليوناني μετεμορφώθη (معناها تحوّل، تغيّر هيئته) كما هو ورد في إنجيل متى (17: 2)، ومرقس (9: 2) لان كلمة "تجلى" لها مضمون وثني عند قرَّاء لوقا الإنجيلي أي تحوُّل الآلهة إذا أرادوا الظهور في شكل بشري. لكن لوقا يتكلم بالأحرى على " مجد " يسوع أي تغير وجه يسوع. ونجد في هذه العبارة إشارة إلى موسى لدى لقائه بالله على جبل سيناء (خروج 34: 29) علماً أنَّ يسوع هو موسى الجديد.أمَّا عبارة "ثِيابه بِيضاً تَتَلألأُ" تشير إلى المجد السماوي المُنعم به على المختارين الذين يصيرون كالملائكة (متى 28: 3) فالثياب المُشِعَّة هي إحدى علامات المجد السماوي التي تُمنح للمختارين كما هو مـألوف في الرؤية اليهودية (رؤية 3: 4). أمَّا عبارة "بِيضاً" فتشير إلىاللون السماوي للمسيح الذي لا يظهر خلال حياته على الأرض إلاّ في لحظة مميّزة، عند التجلّي، حيث صارَت ثِيابه بِيضاً. فاللون الأبيض يشير إلى لون القيامة والظفر. والمسيح بدمه يُبرِّر المؤمن فيترنَّم مع صاحب المزامير " نَقِّني بِالزُّوفى فأَطهُر إِغسِلْني فأَفوقَ الثَّلجَ بَياضًا" (مزمور 51: 9)؛ أمَّا العلاّمة مكسيموس فيقول إن "الثياب التي أضحت بيضاء ترمز إلى كلمات الكتاب المقدس التي كادت تصبح واضحة وشفافة ونيرة" (PG 91, 1128). أمَّا عبارة "البَرْق" فتشير إلى يسوع المسيح الذي يمرُّ في الألم كالبرق، ثم يرى النور كما قال أشعيا النبي واصفا إياه "ِسَبَبِ عَناءَ نَفْسِه يَرى النُّور ويَشبَع" (أشعيا 53: 11). ولا يُدرك هذا المشهد العجيب إلاَّ في فكرة قيامة المسيح المجيدة وهو استباق لها. 30 وإِذا رَجُلانِ يُكَلِّمانِه، وهُما مُوسى وإِيلِيَّا، تشير عبارة "وإِذا رَجُلانِ يُكَلِّمانِه" إلى ظهور موسى وإيليا، ولم يذكر لوقا في أي صورة ظهرا. أمَّا عبارة "مُوسى وإِيلِيَّا" فتشير إلى صورة سابقة ليسوع في العهد القديم. يظهر موسى وإيليا هنا بمظهر الشاهدين للعهد، أكثر منهما ممثِّلين الواحد الشريعة والآخر الأنبياء. عُرف "موسى" في الدين اليهودي على مثال إيليا الذي صعد إلى السماء (2 ملوك 2: 11) وعلى مثال أخْنُوخ (التكوين 5: 24) الذي اختطفه الله إلى السماء (عبرانيين 11: 5). أمَّا عبارة "إِيلِيَّا" فتشير إلىسابق المسيح (ملاخي 3: 23)، ويطابق في الإنجيل بينه وبين يوحنا المعمدان (متى 17: 12). والترتيب (موسى -إيليا) في إنجيلي لوقا ومتى معكوس في إنجيل مرقس (إيليا -موسى) "تَراءَى لَهم إِيلِيَّا مع موسى" (مرقس 9: 4). أمَّا عبارة " يُكَلِّمانِه "فتشير إلى تشديد لوقا الإنجيلي على حديث موسى وإيليا إلى يسوع بصفتهما صورة سابقة له في العهد القديم. لكن موسى وإيليا لا يتكلمان مع التلاميذ مباشرة، حيث ليس لديهما شيء يقولانه إلا َّمن خلال يسوع. وهذ الأمر يُبيٍّن أنَّ الشريعة القديمة انتهت! وكل ما يريد أن يقوله الله سيقوله من خلال الأبن. ولكن الابن يحاور أبيه السماوي عن طريق الشريعة والأنبياء، ويُعلق البطريرك بييرباتيستا "يحاور يسوع الآب عن طريق إصغائه إلى الشريعة والأنبياء في شخص موسى وإيليا". يدعونا لوقا كمؤمنين إلى الحوار مع كلمة الله لنُدرك معنى التجلي وبالتالي القيامة. 31 قد تَراءَيا في المَجد، وأَخَذا يَتَكلَّمانِ على رَحيلِه الَّذي سَيتِمُّ في أُورَشَليم. تشير عبارة " تَراءَيا في المَجد " إلى تمتُّع " موسى" و "إيليا" بالمجد، أي بنور وبهاء كالسماويين. وان موسى وإيليا لم يظهرا بالروح بلا جسد، وإنما بهيئة جسميَّه كما كان يسوع. إن إيليا نقل بالجسد إلى السماء (2 ملوك 2: 11) وأمَّا جسد موسى فقد أقيم من الأموات (رسالة يهوذا، 9) وعاد كل منهما إليه بشكل سرّي. إنَّ موسى وإيليا َتراءَيا في المجد، لانَّ الله أشركهما في عمله تعالى (خروج 34: 29-35)، وعادا إليه بطريقة غامضة (تثنية الاشتراع 34: 5-6). وسيُهب الله المجد لجميع الذين سيُقبلون في العالم الآتي (1 تسالونيقي 2: 12) أمَّا يسوع فإنَّه يتمتع بهذا المجد في هذه الأرض منذ الآن قبل موته وقيامته كما هو الأمر في حادث التجلي (لوقا 9: 23). أمَّا عبارة "المَجد" فتشير إلى ظهور السر الإلهي (رومية 3: 23) الذي ينسبه لوقا البشير إلى يسوع لدى عودته في آخر الأزمنة (لوقا 9: 26)، بل منذ الفصح (لوقا 24: 26)، أو بالأحرى منذ التجلي (لوقا 9: 32). وأمَّا عبارة " أَخَذا يَتَكلَّمانِ " فتشير إلى حوار موسى وإيليا مع يسوع حول الحدث الفصحيّ الذي يتمّ في أورشليم. وهنا يسمع يسوع كلمة أبيه عنه من خلال موسى وإيليا، وهذه الكلمة بذل الذات في سبيل الناس المأسورين بخطاياهم، والتي تقوده إلى الموت. أمَّا عبارة "رَحيلِه " في الأصل اليوناني ἔξοδος (معناه خروج) فتشير إلى عمل موسى الذي قاد بني إسرائيل من البرية إلى ارض الميعاد وتُحدد رسالة يسوع لدى شعبه؛ فيسوع هو موسى الجديد الذي يُحقِّق "الخروج الجديد" بموته وقيامته وصعوده، وهذا الخروج يمكّن المؤمنين من الاقتراب من الله معه. وسيتم هذا الخروج في أورشليم، مركز تاريخ الخلاص (2 بطرس 1: 15)؛ وهكذا يلتحم الصليب بالمجد. بالصليب نتحرَّر من عبودية الشيطان والخطيئة وننتقل إلى حرية مجد أبناء الله. ونحن لا يمكننا أن ننعم بمجد المسيح وتجليه فينا الآن ما لم نقبل الصليب معه، ولذلك لن ننعم بالمجد الأبدي بدون صليب. وموضوع "الخروج" له اهتمام خاص لدى موسى وإيليا بسبب اختبارهما الشخصي. والجدير بالذكر أنَّ متى ومرقس ذكرا أن موسى وإيليا تكلما مع يسوع ولم يذكرا موضوع الكلام، ولكن لوقا كشف أنَّ ذلك الموضوع هو الموت الذي عزم يسوع أن يموته في اورشليم لأجل خطايا العالم. هل كلّ واحد منا وجد "طريق رحيله" الخاصّ به، وفهم رسالته ومُخطَّط الله الذي وضعه الله له؟ أمَّا عبارة "سَيتِمُّ" فتشير إلى تحقيق موت المسيح إتماما لإرادة الله وللنبوءات والمتعلقة به ولعمل الفداء. أمَّا عبارة "أُورَشَليم" فتشير إلى مكان آلام المسيح وقيامته، وبالتالي إلى مركز تاريخ الخلاص حيث سيتم السر الفصحى. لقد اختتم موسى وإيليا عهد القديم، عهد الرموز والانتظار، وشهدا لقيام عهد يسوع المسيح، عهدا أبديا يفتتح يسوع بدمه على الصليب. 32 وكان بُطرُسُ واللَّذانِ معَه قد أَثقَلَهُمُ النُّعاس. ولكِنَّهُمُ استَيقَظوا فَعايَنوا مَجدَه والرَّجُلَينِ القائميَنِ مَعَه، تشير عبارة "قد أَثقَلَهُمُ النُّعاس" إلى نوم الرسل بسبب تعبهم بسبب صعودهم على الجبل وحلول الليل. أمَّا عبارة "لكِنَّهُمُ استَيقَظوا" فتشير إلى الرسل الذين ناموا طيلة مدة الحوار بين يسوع وموسى وإيليا واستيقظوا عندما اقترب الحوار من نهايته فلم يسمعوا سوى قليل منه. أمَّا عبارة "عايَنوا مَجدَه" فتشير إلى الرسل الثلاثة الذين اكتشفوا مجد يسوع وكيانه العميق ورسالته، بانتظار نور القيامة. ويُعلق الراهب أنَسطاس السيناوي "على جبل طابور أتاح الرّب يسوع أمام تلاميذه أن يشهدوا تجليًّا ربّانيًّا رائعًا، كصورة رمزية مُسبقة عن ملكوت السماوات، تمامًا كما لو قال لهم، "الحَقَّ أَقولُ لكم: مِنَ الحاضِرينَ ههُنا مَن لا يَذوقونَ الموتَ حتَّى يُشاهِدوا ابنَ الإِنسانِ آتِياً في مَلَكوتِه"(متى 16: 28) (عظة لمناسبة عيد التّجلّي). أمَّا عبارة "مَجدَه " فتشير إلى الإنباء بالحدث الفصحى أي موت يسوع على الصليب وقيامته. وينفرد لوقا الإنجيلي هنا من بين الأناجيل في ذكر هذا المجد الذي يربط بين الصليب وبين الله؛ بحيث إذا كان الصليب هو المحبة الكاملة، والمحبة الكاملة هي الله، والله هو المجد (أفسس 1: 17) نفهم إذاً أن الصليب والمجد هما شيء واحد. فالصليب طريق المجد. فمن يبدأ بالصليب ينتهي بالمجد. وفي هذا الصدد قال بولس الرسول " إِذا شارَكْناه في آلامِه، نُشارِكُه في مَجْدِه أَيضًا" (رومة 8: 17). تجاوب الرسل الثلاثة على حدث تجلي الرب أولا بالمعاينة. 33حتَّى إِذا هَمَّا بِالانصِرافِ عَنه قالَ بُطرُسُ لِيَسوع: ((يا مُعَلِّم حَسَنٌ أَن نَكونَ ههُنا. فلَو نَصَبنا ثَلاثَ خِيَم، واحِدَةً لَكَ وواحدةً لِموسى وواحِدةً لإِيليَّا!)) ولم يَكُنْ يَدري ما يَقول. تشير عبارة "يا مُعَلِّم" في العبرية מוֹרֶה في الأصل رابي רַבִּי أي (العظيم)، وهو لقب يُطلق على علماء الشريعة (مرقس 11: 21)؛ أمَّا عبارة " حَسَنٌ أَن نَكونَ ههُنا " فتشير إلى التباس: هل الأمر حَسَنٌ لبطرس في فرحه الحاضر، أم حَسَنٌ ليسوع وإيليا وموسى الذين يريد بطرس أن يقدّم لهم مساعدة؟ على كل حال يسيء بطرس فهم الموقف، لكن كلامه يدلُّ على فرحته واهتمامه بخدمة الضيوف الثلاثة، شأنه شأن إبراهيم مع ضيوفه الثلاث (التكوين 18). ويعلق أنَسطاس السيناوي الراهب "نعم يا بطرس، الحقّ أنّه من الجيّد أن نكون هنا مع الرّب يسوع، وأن نبقى معه دومًا" (عظة لمناسبة عيد التّجلّي). أمَّا عبارة "فلَو نَصَبنا ثَلاثَ خِيَم، واحِدَةً لَكَ وواحدةً لِموسى وواحِدةً لإِيليَّا! " فتشير إلى حلم بطرس في البقاء في ذلك المكان ورغبته في تمديد المشهد. وهذا الأمر يُذكرنا في رغبة بولس الرسول "لِي رَغبَةٌ في الرَّحيل لأَكونَ مع المسيح وهذا هو الأَفضَلُ جِدًّا جِدًّا" (فيلبي 1: 23) أمَّا عبارة " خِيَم " فتشير إلى عيد الأكواخ أو عيد المظال (خروج 23: 16، وأحبار 23: 27-34 وتثنية الاشتراع 16: 13). لعلَّ بطرس كان يفكر في عيد المظال، حيث كانت تُنصب الخيام للاحتفال بتذكار الخروج وخلاص الله لشعب العهد القديم من العبودية في مصر. وفيه يتذكر الشعب أيضا حضور الله وسط شعبه في البَرِّية.أمَّا عبارة "ولم يَكُنْ يَدري ما يَقول" فتشير إلى " العذر بالجهل " لان بطرس لم يفهم عظمة الله في شخص يسوع، إذ كان يجهل أنّ جسد يسوع شكّل وشاحًا لألوهيّته، وكان يشكّل جزءًا من قوّة الله، أي في شعاع المجد الذي كان يليق بشكل خاصّ والطبيعة البشريّة التي أخذها على عاتقه. تجاوب الرسل الثلاثة على حدث تجلي الرب ثانيا بالكلام. 34 وبَينَما هو يَتَكَلَّم، ظهَرَ غَمامٌ ظَلَّلهُم، فلمَّا دَخَلوا في الغَمام خافَ التَّلاميذ. تشير عبارة "غَمامٌ" إلى علامة تجلي الله (2 ملوك 2: 7-8)، كما كان الأمر على جبل سيناء (خروج 19: 16) وعلى خيمة الموعد (خروج 40: 34-35) وعلى الهيكل يوم تدشينه في زمن سليمان (1 ملوك 8: 10-12). أمَّا عبارة " ظَلَّلهُم " فتشير إلى حضور الله الفعَّال وسط شعبه كما اختبره شعب العهد القديم خلال مسيرة الخروج (خروج 40: 34–35)؛ وما يحصل على جبل التجلي هو امتداد لما حصل على جبل سيناء. ولكن الجديد هو أنَّ الله أصبح منظوراً في شخص يسوع. أمَّا عبارة "خافَ التَّلاميذ " فتشير إلى دخول التلاميذ في حالة فقدوا فيها السيطرة على الأمور، لأنهم أدركوا أنّهم أمام ظهورٍ إلهي فخافوا حتى الموت كما جاء في الشريعة "لا يَراني الإِنْسانُ وَيحْيا " (خروج 33: 20). 35 وانطَلَقَ صَوتٌ مِن الغَمامِ يَقول: ((هذا هوَ ابنِيَ الَّذي اختَرتُه، فلَه اسمَعوا)). تشير عبارة " صَوتٌ مِن الغَمامِ " إلى كلمة الآب الذي يدعو التلاميذ إلى الإصغاء للخبر السار، أي لابنه الحبيب وهو يسير نحو أورشليم ليبذل نفسه فداءً عن الجميع. أمَّا عبارة " هذا هوَ ابنِيَ الَّذي اختَرتُه " فتشير إلى شهادة الآب بحقيقة المسيح أنه إله، ابن الله المختار الذي من يسلّم حياته حبًّا للآب، ويبذلها حتى الصليب كي يصبح خادمًا للبشر الخطأة. وهذا اللقب أطلقه لوقا الإنجيلي على يسوع، وقد اقتبسه من أشعيا النبي" أَجلِ الرَّبِّ الأَمين وقُدّوسِ إِسْرائيلَ الَّذي آخْتارَكَ" (أشعيا 49: 7)، هو من يسلّم حياته حبًّا للآب، فيصبح خادمًا للبشر الخطأة. وقد ورد هذا اللقب في المؤلفات الرؤيوية اليهودية. أمَّا عبارة "فلَه اسمَعوا" فتشير إلى يسوع النبي الذي يجب على الشعب كله أن يسمع له كما جاء في عظة بطرس الرسول "سيُقيمُ لكُمُ الرَّبُّ إِلهُكم مِن بَين إِخوَتِكم نَبِيًّا مِثْلي، فإِلَيه أَصْغوا في جَميعِ ما يَقولُ لَكُم" (أعمال الرسل 3: 22) وذلك استنادا إلى كلام موسى النبي (تثنية الاشتراع 18: 15). والصوت هو موجَّه إلى التلاميذ ومن خلالهم إلى الجموع. فهذا الصّوت هو لنا نحن أيضا. ويُعلق القديس أوغسطينوس "أعطنا يا رب قلبا مُحب وهو سيفهم ما تقوله؟". فعلينا أن نتدرَّب على السماع، وسط الأصوات العديدة، إلى صوت الابن الذي يريد إخبارنا عن مشيئة الآب. وهي أنه يَعرفنا ويختارنا ويُحبنا ويجعلنا أبناء له. والكلام عند اعتماد يسوع (متى 3: 17) كان موجّه إلى يسوع أنه هو الابن (مزمور 2: 7) والعبد المتألم (أشعيا 42: 1). وأن كل كلمة يقولها المسيح هي كلمة إلهيه، فمن يسمعها يحيا كما جاءت وصية أمُّه العذراء "مَهما قالَ لَكم فافعَلوه" (يوحنا 2: 5). تجاوب الرسل الثلاثة على حدث تجلي الرب ثالثا بالسمع. 36وبَينما الصَّوتُ يَنطَلِق، بَقِيَ يَسوعُ وَحدَهُ، فالتَزَموا الصَّمْتَ ولم يُخبِروا أَحداً في تِلكَ الأَيَّامِ بِشَيءٍ ممَّا رَأَوا. تشير عبارة "بَقِيَ يَسوعُ وَحدَهُ" إلى عدم ضرورة وجود لموسى وإيليا، فاختفاؤهما وبقاء المسيح وحده دلالة على تركيز الأنظار على المسيح وحده كمخلص، فلا الشريعة ولا الأنبياء يستطيعان أن يُخلصا، ولكنهما يقودان فقط للمسيح المُخلص. وهنا بدأ بطرس ويعقوب ويوحنا يرون يسوع على حقيقته، كما هو، دون أحكام مسبقة، ودون توقعات مسبقة. وهذا هو الارتداد الأعظم للحياة هو القدرة على رؤية الله كما هو عليه، وهكذا تعلم الرسل أن يروا في التجلي وجه الله الجديد، صورة الله الحقيقي في يسوع المسيح. أمَّا عبارة "التَزَموا الصَّمْتَ" فتشير إلى تنفيذً لأوامر المسيح لتلاميذه (متى 17: 9، ومرقس 9: 9). والأرجح أنهم ظلوا صامتين إلى بعد القيامة. أمَّا عبارة " الصَّمْتَ "فتشير إلى موضوع مألوف في الأدب الرؤيوي (دانيال 12: 4)، وهو يدل على السر المسيحاني (مرقس 1: 34) الذي كشفه صوت الله، وشهد به الإيمان المسيحي، أمَّا عبارة "لم يُخبِروا أَحداً" فتشير إلى التلاميذ الذين لم يفهموا شيئا لذلك صمتوا (لوقا 18: 34)، أو تشير إلى عدم حلولالوقت لكشف معنى السر المسيحاني بوجه نهائي (مرقس 1: 44). وفي الواقع، رفض يسوع الظهور بمظهر المسيح، لكن أظهر ذلك في أقواله وأعماله. ويُوضِّح لوقا أن هذا السر لن يُكشف إلا بعد القيامة، وانَّ حدث التجلي لا يُفهم إلاَّ بعد ظهور مجد سيدنا يسوع المسيح في قيامته من بين الأموات. ولذلك فان التلاميذ حافظوا على السر حتى قيامة يسوع، حيث أنَّ مسيرة آلام المسيح لا تفهم إلاّ في إطار مخطط الله الخلاصي الذي نكشفه في الكتب المقدسة. أمَّا عبارة "تِلكَ الأَيَّامِ" فتشير إلى زمن يسوع رسالة يسوع على الأرض تمييزاً على الزمن الفصحى حيث سيعلن الرسل سر المسيح: موته وقيامته. ثانياً: تطبيقات النص الإنجيلي (لوقا 9: 28-36) بعد دراسة وتحليل وقائع النص الإنجيلي (لوقا 9: 28-36) نستنتج انه يتمحور حول تجلِّي يسوع في المجد أمام تلاميذه كابن الله وابن الإنسان. ومن هنا نبحث عن أهميته التجلي في حياة يسوع والتلاميذ. 1) التجلي في حياة يسوع: كشف حدث التجلي ثلاث صفات عن كيان يسوع: ابن الله وابن الإنسان المتألم والمتمم الشريعة ووعود الأنبياء. أ) يسوع ابن الله تُعد حادثة التجلي قلب الإنجيل، لأنها بالغة الأهمية في حد ذاتها لشخص يسوع. إنها تكشف مجد يسوع بإعلان ألوهيته، إذ أخذ يسوع معه بطرس ويعقوب ويوحنا إلى قمة الجبل ليُريهم من هو بالحقيقة؛ فهو ليس مجرد نبي عظيم، بل ابن الله ذاته الذي طال انتظاره. ويؤيد اعتراف بطرس الرسول أنَّ يسوع هو المسيح ابن الله الذي تمّ إعلانه في قيصرية فيلبس "مسيحُ الله" (لوقا 9: 18-21). ظهر يسوع أنَّه ابن الله بصلاته على الجبل "مَضى بِبُطرسَ ويوحنَّا ويعقوبَ وصعِدَ الجَبَلَ لِيُصَلِّي" (لوقا 9: 28) إن هذه الكلمات تُذكرنا في سيناء حيث "مُجِّد" موسى (خروج 34: 29-30). لا يظهر حضور الله هنا بتكلّمه من وسط السحاب والنار (تثنية 5: 2-5)، وإنما في حضرة موسى وإيليا يظهر يسوع لتلاميذه متجلياً بمجد الله. ظهر يسوع أيضا أنَّه ابن الله من خلال النور الإلهي الذي كان يحمله يسوع على هذه الأرض وقد ظل مختبأ خلف تواضع جسده، لكنه ظهر في التجلي. إذ "تَبَدَّلَ مَنظَرُ وَجهه، وثِيابه البِيضاء المتلألئة كَالبَرْق"؛ وهي أمور لا تخصُّ حالة البشر الأرضية، إنما تعبِّر مقدما عن حالة المسيح القائم من بين الأموات، الذي سيظهر للرسول بولس في نور ساطع (أعمال الرسل 9: 3). والنور الذي أشعَّ به وجه المسيح، هو نور مجد الله ذاته (1 قورنتس 4: 6)؛ وحيث أنَّه ابن الله، فهو شعاع مجده (عبرانيين 1: 39)، ومجده لا يعرف الفساد، ومنذ تجليه في لمعان ملابسه، حيث صارَت ثِيابه بِيضاً تَتَلألأُ كَالبَرْق (لوقا 9: 29) شُوهد جسده في المجد (متى 17: 2). فالضياء في ملابسه علامة مجده (أعمال الرسل 22: 6-11)، والمجد لا يظهر إلاَّ عند كمال الإيمان. عندما تجلَّى يسوع، أظهر الغمام أيضا حضور الله، حيث "ظهَرَ غَمامٌ ظَلَّلهُم، فلمَّا دَخَلوا في الغَمام" (لوقا 9: 34) كما كان يحدث في العهد القديم، اظهر الغمام أيضا مجد الابن (متى 17: 1-8). إن هذا المجد يُثير خوف التلاميذ، وهذا الخوف الديني يعتري كلَّ إنسانٍ إزاء كل ما هو إلهي (لوقا 1: 29-30)، من ناحية، ومن ناحية أخرى، يُثير لدى بطرس فرحَه أمام مجد ذاك الذي اعترف به أنه المسيح الموعود به. لكن مجد المسيح لا يكتمل ألاَّ في قيامته من الأموات (لوقاً 21: 27)؛ ولذلك فان التجلي ما هو إلاَّ استباق لتجلي قيامة المسيح. بل صورة سابقة لمجد القيامة. هكذا بدأ التجلي صورة لمجد ابن الله وهو مجد مخفي الآن، ولكنه سينكشف في القيامة وفي عودة يسوع، ابن الله. ونستنتج مما سبق، أنَّ الحقيقة الأساسية التي يكشفها لنا التجلي هي العلاقة القائمة بين المجد وشخص يسوع المسيح؛ فإن مجد الله كله حاضر فيه. وحيث انه ابن الله، فهو " شُعاعُ مَجْدِه وصُورةُ جَوهَرِه "(عبرانيين 1: 3). وإن مجد الله يتجلى "على وَجْهِ المسيح " (2 قورنتس 4: 6)، ومنه يشعّ على جميع البشر (2 قورنتس 3: 18). هو " رَبَّ المَجْد" (1قورنتس 2: 8)، هذا المجد الذي سبق ورآه أشعيا "وتكلّم عنه" (يوحنا 12: 41). فلم يكن يسوع مجرَّد واحداً من بين الأنبياء، بل ابن الله الوحيد الذي يفوق سلطانهم وقوتهم. ألوهيَّة المسيح سر عظيم. وليس بالأمر السهل تأكيد مثل هذا السر وإثباته. فكان يسوع إنسانا أيضا، وكان من الصعب أن نعرفه لأوَّل وهله، انه إلهٌ محجوب، إلهُ مستتر في ناسوته. فإن التجلي هو دعوة قوية ليس فقط بأن الله هو يسوع. بهذه الطريقة فقط يمكننا أن نكون حقًا، مثله ومعه. ب) يسوع ابن الإنسان المتألم لا يكشف حدث التجلي أنَّ يسوع هو ابن الله فحسب، إنما يكشف أيضا انه ابن الإنسان المتألم، لقب تنبأ عنه كل من دانيال وأشعيا. فقد تجليِّ يسوع أمام تلاميذه في صورة من المجد والعظمة والجلال، وأضاء وجهه كالشمس ولمعت ثيابه كالثلج. وهكذا أعلن ابن الإنسان انه هو ابن الله، وهو الوحيد القادر على كشف وجه الآب. يكشف لنا يسوع عن وجه الله الذي لا يطلب القرابين بل يقدم نفسه كنعمة. وبالتالي، فإن التجلي هو دعوة إلى الإيمان بأن يسوع هو الله. إن ما رآه التلاميذ لم يكن بهاء اللاهوت فحسب بل كان مجد الناسوت الكامل الذي هو بلا خطيئة حيث لم يكن للموت حق عليه. وان الرب في تلك اللحظة كان مستعداً للرجوع إلى السماء بدون الموت، لان الموت نتيجة للخطيئة، وكان هو بلا خطيئة. لكنه لم يرجع إلى السماء لكي يشترك كإنسان في سر الموت البشري كي ينجز فداء العالم وخلاصه. في الواقع، كان حديث يسوع مع موسى وإيليا يدور حول "رحيله" إلى أورشليم (لوقا 9: 31)، مكان العبور بالموت على الصليب لدخول المجد (لوقا 24: 25-27)؛ فقد تَراءَيا في المَجد، وأَخَذا يَتَكلَّمانِ على رَحيلِه الَّذي سَيتِمُّ في أُورَشَليم (لوقا 9: 31). إن هذه الرحيل ما هو إلاَّ موت يسوع وارتفاعه في المجد على الصليب. يرى لوقا في رحيل يسوع إلى اورشليم طريق المجد بواسطة الصليب. وليس الغرض من هذه الرحيل مجرد الحجَّ الذي يقوم به أتقياء إسرائيل حسب شريعة موسى (لوقا 2: 46)، وإنَّما هو الرحيل المصيري الذي يشمل حقبة من حياة يسوع (لوقا 9: 51). ومن هذا المنطلق، فإن التجلي يسبق ويرمز إلى الحدث الفصحى، الذي عن طريق الصليب سيُدخل المسيح في كامل ازدهار مجده وكامل كرامته النبوية. يأمر الله بصوته الإلهي رسل يسوع بأن يسمعوا لمن هو الابن، مختار الله "هذا هوَ ابنِيَ الَّذي اختَرتُه، فلَه اسمَعوا" (لوقا 9: 35) فان يسوع يُنعت بالمختار كما سينعت به على الصليب إذ "وقَفَ الشَّعْبُ هُناكَ يَنظُر، والرُّؤَساءُ يَهزَأُونَ فيقولون: ((خَلَّصَ غَيرَه فَلْيُخَلِّصْ نَفْسَه، إِن كانَ مَسيحَ اللهِ المُختار!" (لوقا 23: 35). يرى لوقا في مسيح الله المختار "عبد الله المتألم" الذي تكلم عنه النبي أشعيا. ويخاطب الله عبده المتألم الذي احتقرته الأمم على لسان النبي أشعيا (49: 7). وقد يكون في هذا تلميح إلى آلام المسيح (لوقا 23: 31). يظهر يسوع منذ التجلي بالمجد، لكنه لن يبلغ كاملا إلاَّ في موته (لوقا 9: 31). ويبدو أنَّ التلاميذ لم يفهموا هذا السر (لوقا 9: 36)، إلاّ في نور القيامة (لوقا 24: 7). تجلى مجد الله لا في قيامة يسوع فقط، بل في حياته وخدمته وموته أيضاً. وأسمى ظهور مجد إلهي فيه هو عبور الألم والموت (لوقا 9: 28-36). فيسوع "يُقدس" نفسه مُقدِّماً ذاته للموت (يوحنا 17: 19)، بوعي تام ورضى (يوحنا 13: 1)، وبطاعة كاملة لأبيه السماوي (يوحنا 14: 31). ج) يسوع مُتمِّم الشريعة والأنبياء يؤيد التجلي وحي يسوع، ابن الإنسان المتألم والمُمجَّد، والذي بموته وقيامته يتمِّم الكتب المقدسة ونبوءاتها عن المسيح (لوقا 24: 44-46)، وذلك بترائي مُوسى وإِيلِيَّا في المَجد مع المسيح (لوقا 9: 31). كان موسى وإيليا من أعظم الأنبياء في العهد القديم. فموسى يمثل الشريعة، فقد كتب التوراة أي الأسفار الخمسة الأولى في الكتاب المقدس، وتنبأ عن مجيء نبي عظيم (تثنية 18: 15-19)؛ ويشهد موسى للنبي المنتظر يسوع المسيح (لوقا 24: 27) أنه هو النبي الذي تنبأ عنه، فنجده بجواره عند التجلي (لوقا 9: 30-31). وهذا الأمر يؤكد أن المسيح ليس بناقض للشريعة، إنما هو موسى الجديد، الذي يقود شعب الله للخلاص (لوقا 29: 31)، ويبلغ بالشريعة إلى كمالها (متى 5: 17) لأنه هو غايتها كما جاء في تعليم بولس الرسول "غايَةُ الشَّريعةِ هي المسيح، لِتَبْرير ِكُلِّ مُؤمِن" (رومة 10: 4). يمثل إيليا الأنبياء الذين تنبأوا عن مجيء المسيح (ملاخي 4: 5: 6). بالنيابة عن الأنبياء يُقدِّم إيليا المسيح على أنه هو محور النبوات، ويُبرهن ظهور موسى وإيليا مع يسوع أنَّ يسوع يتمم كلا من الشريعة ووعود الأنبياء، وأن الشريعة والأنبياء يجب أن يفسحا الطريق للمسيح، ويؤيد ظهورهما رسالته السماوية. وبهذا نفهم أن المسيح هو غاية الشريعة ومركز النبوات (رؤية 19: 10). يذكّرنا صوت الآب ((هذا هوَ ابنِيَ الَّذي اختَرتُه، فلَه اسمَعوا)) بثلاث نبوات من العهد القديم: الأولى، تخصُّ المسيح وبنوته الآلهة (مزمور 2: 7)، والثانية تتعلق بعبد الله المتألم واختياره (أشعيا 42: 1)، والثالثة يعلن فيها عن موسى جديد (تثنية الاشتراع 18: 15): " يُقيمُ لَكَ الرَّبُّ إِلهُكَ نَبِيًّا مِثْلي مِن وَسْطِكَ، مِن إِخوَتكَ، فلَه تَسْمَعون". فالسماع له هو في الواقع السماع للكلمة الذي صار جسداً، والذي يرى فيه المؤمن مجد الله كما جاء في إنجيل يوحنا " والكَلِمَةُ صارَ بَشَراً فسَكَنَ بَينَنا فرأَينا مَجدَه" (يوحنا1: 14). 2) التجلي في حياة التلاميذ لم يلعب التجلي دوراً هاما في حياة السيد المسيح فحسب، إنما لعب دوراً هاماً أيضا في حياة التلاميذ الروحية. أصبح لهم التجلي يوم غير مسبوق ولا معهود، بحيث انفتحت فيه السّماء، وبرز لهم ظِلُّ ضوء الفصح مُسبقاً، إذ شاهدوا مجد المسيح الإلهي، الذي سيقول عنه بولس: لم ترهُ عينّ! وقد ترك أثرا بالغاً على الكنيسة الأولى (2 بطرس 1: 16: -18)، فقد ثبَّت إيمانهم الذي لولاه لتزعزع شهادة بطرس أنَّ يسوع هو المسيح ابن الله (لوقا 9: 18-22)، حيث أظهر التجلي أنَّ فكرة المسيح المتألم لم تكن مناقضة لإعلان العهد القديم، بل كانت مطابقة تماما لشهادة الشريعة والأنبياء الذين كان موسى وإيليا يُمثلانهم. حثَّ التجلي التلاميذ على أهمية الاستماع للرب (لوقا 9: 35) عندما تكلم يسوع عن آلامه المقبلة، وهو ما لم يكن بطرس مستعدا أن يسمعه (مرقس 8: 29). طلب صوت الآب من التلاميذ أن يسمعوا له. "هذا هوَ ابنِيَ الَّذي اختَرتُه، فلَه اسمَعوا"(لوقا 9: 35). وجاءت كلمة الآب لتؤكّد صحة تعاليم يسوع، وكان هذا الصوت موجّه إلى التلاميذ. فعندما يقول يسوع لتلاميذه أنه سيتألم وسيموت وسيقوم، هذه حقيقة، يجب أن نسمعها ونؤمن بها. إن يسوع كابن الله، له قوة الله وسلطانه، ولذلك ينبغي أن تكون كلماته المرجع الأخير. فعلينا أن نسمع ليسوع وليس لأفكارنا ورغباتنا الخاصة. سماعنا له ينبع من ثقتنا انه ابن الله. فهم تلاميذه "المُقرَّبين" من خلال التجلي من هو يسوع بصورة أفضل. لقد تغيَّرت هيئة المسيح بصورة درامية لكي يتمكن تلاميذه من رؤيته في مجده. فالتلاميذ الذين كانوا قد عرفوه فقط في جسده البشري أدركوا الآن ألوهية المسيح، رغم أنهم لم يفهموها بالكامل. وهذا أعطاهم الثقة والتأكيد الذي كانوا بحاجة إليهما بعد أن سمعوا الأخبار المُفزعة عن موته المتوقع. لذلك تجلي يسوع أمام تلاميذه يُبعد عنهم شبح الحزن والخوف ويُزيل عار الصليب من قلبهم لئلاّ يعكّر إذلال الآلام التي سيعانها الرّب يسوع إيمانهم هم الذين رأوا عظمة المجد المَخفيّ. يعلق القدّيس لاوُن الكبير "لا شكّ في أنّ هدف هذا التجلّي كان خاصّةً إزالة عار الصليب من قلب تلاميذه، وعدم زعزعة إيمانهم بسبب ذلّ آلامه الإراديّة. لكنّ هذا التجلّي كان يؤسّس في كنيسته الرجاء الّذي من شأنه أن يساندها. وهكذا يفهم جميع أعضاء الكنيسة، التي هي جسده، أنّ هذا التحوّل سيتمّ فيهم يومًا، لأنّ الأعضاء موعودون بالمشاركة في المجد الّذي أشرق في الرأس." والرسول بولس أكّد: "أَرى أَنَّ آلامَ الزَّمَنِ الحاضِرِ لا تُعادِلُ المَجدَ الَّذي سيَتَجَلَّى فينا" (رو8: 18). وكتب أيضًا: "لأَنَّكم قد مُتُّم وحَياتُكم مُحتَجِبةٌ معَ المسيحِ في الله. فإِذا ظَهَرَ المسيحُ الَّذي هو حَياتُكم، تَظَهَرونَ أَنتُم أَيضًا عِندَئِذٍ معَه في المَجْد" (قولسي 3: 3-4). (العظة 51 عن التجلّي) هذا التجلي عابر وقصير ومع ذلك، يُلح بطرس على أن تستمر هذه السعادة "يا مُعَلِّم حَسَنٌ أَن نَكونَ ههُنا" فلَو نَصَبنا ثَلاثَ خِيَم"، لانَّ بطرس كان يتمنى أن يكون هذا المشهد نهائي ويدوم. لكن كان يتوجب على التلاميذ أن ينزلوا من الجبل إلى السهل، وان يسلكوا طريق الصليب ويتبعوا يسوع. ولم يدرك التلاميذ ما رأوه إلا بعد أن قام يسوع من بين الأموات، مُظهرا قوته على الموت وسلطانه ليكون ملكا على الكل. ولم يكن ممكنا للتلاميذ أن يكونوا شهودا أقوياء لله إلا بعد أن يدركوا هذه الحق أدراكا كاملا. عرف التلاميذ أن يسوع يصعد إلى أورشليم (متى 16: 21) فاراهم مجده السرِّي الذي هو أول صورة عن مجد القيامة. فالبعد الرمزي للتجلي يجعلنا نستشف نور القيامة التي تُخص آلام المسيح. فالتجلي يشهد على تحوّل عميق على مستوى نور القيامة التي تخصب آلام المسيح، ويشهد على تحوّل على مستوى القيم التي ترافق مجيء الملكوت. وأختتم لوقا إنجيله بعرضه تجلي سيادة يسوع بعد أن اعترف بها تلاميذه. نستنتج مما سبق أن يسوع اصطحب بطرس ويعقوب ويحنا إلى الجبل وأظهر لهم مجد ألوهيّته وأنّه كان حقًّا ابن الله وأنّه كان حقًّا الله كما قال بنفسه عند اقتراب آلامه الطوعيّة: "فمجّدْني الآن عندكَ يا أبتِ بما كان لي من المجد عندكَ قبل أن يكون العالم" (يوحنا 17: 5). ويعلق القدّيس أفرام السريانيّ "ظهر يسوع في إشعاع ابن الله الوحيد وكلمته الأزلي وضياء مجده كما سيظهر في قيامته المجيدة" (عظة عن التجلّي)، واصطحبهم إلى الجبل وأظهر لهم أنّه مخلّص إسرائيل كما أظهر ذلك من خلال أنبيائه. ويعلق القدّيس أفرام السريانيّ "سيفهم الرسل عندئذٍ أنّه لم يواجه هذا المصير لأنّه ضعيف، بل سلّم نفسه طوعًا ليخلّص العالم" عظة عن التجلّي). التجلي الذي هو الصورة المسبقة لمجد المسيح يُعتبر أيضا مساندة التلاميذ عند اشتراكهم في سر الصليب. وإذ أصبح المسيحيون بالعماد شركاء في سر القيامة، الذي سبق أن التجلي رمزاً له، فإنهم مدعوون منذ الآن لأن يتجلوا أكثر فأكثر، بقوة الرب (2 قورنتس 3: 18)، انتظاراً لتجليهم الكامل مع أجسادهم يوم مجيء المسيح الثاني المجيد (فيلبي 3: 21). وخلال مشاركتهم لآلام المسيح؛ فكل ملاقاة صحيحة صادقة مع الرب يسوع تلعب، في مساندة إيمانهم، الذي لعبه التجلي لتعزيز إيمان التلاميذ. نحن نؤمن انه "الإله الحق والإنسان الحق". و"الكلمة صار بشراً". وأمام هذه السر يتوجب علينا أحيانا أن نلوذ بالصمت. عرف التلاميذ انهم لم يدركوا تماما ما رأوه وما سمعوه، فلم يستطيعوا تفسير ما لم يدركوه، إلاَّ انهم رأوا خلال فترة وجيزة بهاء ومجد يسوع الإلهي الذي ينير كل تاريخ الخلاص.فإن نظرنا بأعين الإيمان نستطيع أن نتمتع بالخبرة التي شهدها كل من بطرس ويوحنا ويعقوب، وهي خبرة الأبدية. أخيراً، مجد المسيح الذي ظهر على الجبل ما هو إلاّ إشارة للمجد الذي سيناله بعد إتمامه لسر الخلاص من خلال آلامه وموته وقيامته وانتقاله من هذا العالم إلى أبيه. وهذا المجد الذي ظهر في التجلي هو صورة مسبقة إلى تجلي تلاميذه أعضاء جسد المسيح السرِّي. فهم مدعوّون حتى يروا يسوع وجهًا لوجه متجلِّيًا في كمال بهائه للتمتّع بذلك المجد الذي رأوه يشعّ في يسوع، رأسهم في الجسد السري. وأكَّد ذلك بولس الرسول "يسوعَ المسيحِ سيُغَيِّرُ هَيئَةَ جَسَدِنا الحَقير فيَجعَلُه على صُورةِ جَسَدِه المَجيد بما لَه مِن قُدرَةٍ يُخضِعُ بِها لِنَفْسِه كُلَّ شيَء" (فيلبي 3: 21)، لذا يُضيف بولس الرسول: "أَرى أَنَّ آلامَ الزَّمَنِ الحاضِرِ لا تُعادِلُ المَجدَ الَّذي سيَتَجَلَّى فينا" (رومة 8: 18)، وفي مقطع آخر "فإِذا ظَهَرَ المسيحُ الَّذي هو حَياتُكم، تَظَهَرونَ أَنتُم أَيضًا عِندَئِذٍ معَه في المَجْد " (قولسي 3: 4). يعلمنا حدث التجلي أخيرا أن يسوع هو صورة الله وصورة الإنسان ونحن على صورة المسيح ينبغي أن تتجلى فينا نعمته كما يقول بولس الرسول "نَحنُ جَميعًا نَعكِسُ صورةَ مَجْدِ الرَّبِّ بِوُجوهٍ مَكشوفةٍ كما في مِرآة، فنَتَحوَّلُ إلى تِلكَ الصُّورة، ونَزدادُ مَجْدًا على مَجْد، وهذا مِن فَضْلِ الرَّبِّ الَّذي هو روح" (2 قورنتس 3: 18). الخلاصة في هذا الأحد نتأمل إنجيل التجلي لكن يسبقه إعلان يسوع نبأ آلامه وموته وصدامه مع بطرس. يجري حدث التجلي للسير نحو إيمان شفاف وارتداد حقيقي. يعلق القدّيس يوحنّا الدمشقيّ "ظهر يسوع في صورة الإنسان بطبيعته (فليبي 2: 7) كي يجعلنا نفهم الله الذي لا يستطيع البشر سبر غوره. من خلاله وبه، أظهر بهاء الطبيعة الإلهيّة". (عظة بمناسبة عيد التجلّي). لذلك انفرد يسوع للصلاة على الجبل واصطحب الثلاثة من التلاميذ، ليصلّح رؤيتهم ويُعلن لهم حقيقة هويته الإنسانية واللاهوتية. فرواية التجلي تأتي كتوضيح لما لم يفهمه التلاميذ حتى الآن. تريد أن تقول لنا من هو يسوع، وكيف تمَّم العهد القديم. ظهر في مجد عظيم وساعة نور مُظهرا نفسه انه المسيح المنتظر، ابن الله الحي في حُلَّة المجد، وفي الوقت نفسه تقترب فيه مأساة الصليب. وان المجد الذي ظهر فيه يسوع، ليس إلاَّ صورة رمزية عابرة لمجده في السماء. يسوع يتمتع بهذا المجد في هذه الأرض قبل قيامته (لوقا 9: 32). وسيمنح "المجد" لجميع الذين سيُقبلون في العالم الآتي (1 تسالونيقي 2/12). فعلى جبل طابور، يكشف يسوع غاية حياة الإنسان ودعوته، وهي عيش خبرة المجد والكمال والعلاقة الكاملة مع الله. ولذلك إننا لا نبلغ قمة المجد إلاَّ بالتضحية بالذات وحملنا الصليب وراء يسوع وإتباعه. لم ينسَ التلاميذ أبداً ما حدث على الجبل في ذلك اليوم. فكتب يوحنا في إنجيله يقول: " فرأَينا مَجدَه مَجداً مِن لَدُنِ الآبِ لابنٍ وَحيد" (يوحنا 1: 14). وكتب بطرس أيضاً عن هذا: " قد أَطلَعْناكم على قُدرَةِ رَبِّنا يسوعَ المسيح وعلى مَجيئِه، لا اتِّباعًا مِنَّا لِخُرافاتٍ سوفِسْطائِيَّة، بل لأَنَّنا عايَنَّا جَلالَه. فقَد نالَ مِنَ اللهِ الآبِ إِكرامًا ومَجْدًا، إِذ جاءَه مِنَ المَجْدِ-جَلَّ جَلالُه-صَوتٌ يَقول: ((هذا هو ابنِيَ الحَبيبُ الَّذي عَنه رَضيت)) وذاكَ الصَّوتُ قد سَمِعناه آتِيًا مِنَ السَّماء، إِذ كُنَّا معَه على الجَبَلِ المُقدَّس." (2بطرس 1: 16-18). فهؤلاء الرسل شهدوا التجلي وحملوا الشهادة للتلاميذ الآخرين وإلى الملايين عبر الأجيال والقرون. إنَّ المجد الذي ظهر فيه يسوع في التجلي، ليس إلاَّ صورة رمزية عابرة لمجده في السماء. وحتى ندخل في هذه الأسرار مع التلاميذ المُقرَّبين، دعونا نُصغي إلى الصوت الإلهي المقدّس الذي يدعونا نحن أيضا إلى يسوع المسيح الذي هو دليلنا والسائر أمامنا في الأرض كما في السماء. ولنتجدّد نحن الذين آمنا به ربا والها ولنقل مع بطرس الرسول "يا مُعَلِّم حَسَنٌ أَن نَكونَ ههُنا". أجل! يا بطرس، الحقّ أنّه من الجيّد أن نكون هنا مع الرّب يسوع، وأن نبقى معه دومًا. دعاء أيها الآب السماوي، نسألك النعمة أن نصحب يسوع على الجبل لنصلي معه كي يُنير حياتنا ويُملئها بشعاع حبِّه ورحمته، فيسكن في "خيم" قلوبنا و"يتجلّى" عن طريقنا وفي سلوكنا، كما أوصانا يسوع معلمنا، المجد لاسمه: "ليضيء نوركم للناس ليروا أعمالكم الصّالحة، فيمجّدون أباكم الذي في السماوات!" الأب لويس حزبون - فلسطين |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
تَجَلِّي يسوع كما رواه مَتَّى الإنجيلي |
يسوع المَلِك كما رواه لُوقا الإنجيلي |
أحد الشعانين كما رواه متى الإنجيلي |
عيد التجلي كما رواه متى الإنجيلي |
أحد الشعانين المبارك كما رواه لوقا الإنجيلي |